25/12/1945
إلى الرفيق يعقوب ناصيف
خوخوي
أيها الرفيق العزيز،
منذ مدة غير يسيرة تسلمت كتابك ومقالك، ومنذ ذاك الوقت وأنا أحاول جمع أوراق الجريدة وشؤونها عندي في توكومان وإصدارها هنا، ولكن الرفيق [إبراهيم] الأفيوني تأخر بإرسال الأوراق، وأول أمس تسلمت منه كتاباً وورقة شحن، وهو يقول إنه أرسل لوائح الأسماء وأوراق الجريدة إليّ.
سيحتاج الأمر إلى صاف حروف على الماكينة، فإذا لم أجد فقد أكلف السيد ميخائيل مراد صاحب الصواب أن يصفّ الحروف باليد، وبعد إصدار عدد أو عددين منها بشكل جريدة لإنهاء قضية جبران مسوح أمام الرأي العام أُصدرها بشكل مجلة للأبحاث القومية الاجتماعية.
لم أكتب إليك ولا إلى أحد من القوميين في المدة الأخيرة، لأني متألم من جمودهم وخنوعهم وسيطرة خصوصياتهم على إرادتهم وتفكيرهم، فهم في نظري مثل باقي السوريين يتكلمون كلاماً جميلاً ويعدون وعوداً جيدة، ولكنهم في الأخير كما قال المعرّي الخالد:
وكلٌّ يوصّي النفس عند خلوِّه
بزُهدٍ ولكن تصحّ العزائم
وقد صرت أخجل من نفسي بينهم، إذ لا اعتبار عندهم لزعامة ولا لتوجيهات قيادة، وكلما مرّت الأيام أزداد يقيناً أنه لا اعتماد لي إلا على نفسي. ولقد قضيت وسط النزالة السورية في هذه البلاد نحو سبع سنوات، فيا لضياع ما خطبت وما كتبت وما حدّثت وما نفخت وما جمعت. كله كان عبثاً. ولولا أملي بما أنشأت في الوطن وبأفراد قلائل واعين في المغترب لصَمَتُّ كل الصمت وأعفيت نفسي من هذا العناء الباطل.
وها قد مضت أيام عديدة على وعد رفقاء خوخوي لي بسعيهم في سبيل الحركة في الوطن، وبأنهم يردّون إليّ الكتب والنشرات التي بقيت عندهم وبعضها تبعثر ولم أعد أعرف مقرّه.
لست أريد أن ألوم أحداً ولا أن أطالب أحداً بشيء، ولن أطلب شيئاً الآن غير الكتب والنشرات لأرجع إليها في ما أحب أن أرجع إليها فيه.
منذ نحو عشرة أيام سافرت زوجتي إلى بوينس آيرس لتصرف بعض الوقت مع أهلها وستعود في فبراير/شباط. وعلى أثر سفرها أصابتني عدوى جراثيم دخلت الأمعاء مع فاكهة أو خضر فأتتني حمى قوية بضعة أيام، وحتى الآن لا أزال محمياً من اللحم والأطعمة الجامدة.
وفي هذه الأثناء وردني كتابان من الشاطىء الذهبي في أفريقيا الربية: لأول من ناموس منفذية الحزب هناك الرفيق رفيق الحلبي، والثاني من وكيل المنفّذ العام الرفيق أمين الأشقر. وإني أنقل إليك نتفاً من الكتاب الأول وهي كما يلي: «... حتى أصبح الحزب اليوم بالفعل أكبر قوة سياسية ساحقة في الوطن تمهّد لخوض المعركة النيابية المقبلة التي ستكون ولا شك آيلة حتماً لانتصار قضيتنا وظهورها على مرسح السياسة العالمية الكبرى. وإني أثبت لك ذلك بالفعل بالنسبة لما حدث في انتخابات بيروت الفرعية بين مرشح الكتائبيين إلياس ربابي ومرشح الشعب فيليب تقلا. فقد تدخّل الحزب بالفعل لسببين رئيسيين: أولهما اختبار قوى الحزب الانتخابية وثانيهما خذل مرشح الكتائبيين وإحباط تلك الفكرة الدينية فجاءت النتيجة بانخذال مرشح الكتائبيين إذ نال 11.000 يقابلها 21.000 لخصمه. وفي حوادث الشام الأخيرة قاد القوميون المعارك في مدينتي حلب واللاذقية وما بينهما قيادة مثلى. وكذلك في حوادث لبنان أعلن الحزب حالة الطارىء، ووضع جميع قواته العسكرية تحت تصرّف الحكومة اللبنانية، ولكن تحت قيادة قومية. وفي بيروت كذلك كان الحزب المسؤول الأول عن تلافي الحالة والحؤول دون الرجوع إلى حوادث نوفمبر/تشرين الثاني سنة 1936. أما اليوم فقد تضخمت أعمال الحزب كثيراً في الوطن نسبة لانتشاره فأنشأ المجلات والجرائد، وأقام المخيمات الرياضية الصيفية، وأنشأ أيضاً مدارس قومية، منها واحدة كبرى في بلدة قرنة الحمراء برئاسة الأستاذ اللامع جورج مصروعة، الخ».
«... ويسرّني جداً أن أنقل إليك، يا زعيم، أنّ المتن والكورة وطرابلس والهرمل والبقاع والشوف والجنوب والغرب هي مناطق قومية حصينة، وصور وبيت شباب من عرائس المدن القومية. وقد أنشئت الأندية في كثير من المنفذيات والمديريات. ثم هل تعلم بأننا نكتب إليك الآن بإيعاز من المجلس الأعلى في بيروت، إذ قد وردنا كتاب من رئيسه الدائم الأمين نعمة ثابت يحمل فيه شكر مجلسه لقوميــي الشاطىء الذين هم في نمو وازياد على إمداداتهم المالية إبّان أشد الأيام ظلماً واستبداداً. وذلك أننا حوّلنا بين 14 نوفمبر/تشرين الثاني 1941 و21 فبراير/شباط 1945 مبلغاً يقرب من الألف ليرة استرلينية، وسأضمّن هذا في تقريري الذي سأرفعه لمقامك الرفيع والمركز في القريب العاجل. ويحمل كتاب الرئيس أيضاً وجوب استقصاء أخبار الزعيم ومعرفة ما يمكن معرفته عنه... وأمل العودة السريعة إلى الوطن، الخ. ولئن تكن بحاجة للمال، يا زعيم، فكلمة واحدة لنا يمكنك بموجبها أن تتسلم ما ترغب من الرفقاء القوميين عندكم أو من غيرهم ممن يود تحويل بعض المال للوطن، ونحن بدورنا هنا نتكفل بدفع القيمة التي تكون قد تسلمتها أنت للشخص الذي ترسلون لنا اسمه وعنوانه في الوطن، الخ».
هذا أرسله إليك لإطلاعك، وليس للإذاعة، لأني أكره طريقة الفهم الشائعة في أوساط السوريين لهذه الأمور. ولا مانع عندي من إطلاع سعيد [جرجس سمعان] على هذه الأخبار، بشرط الكتمان، وإياك من الغلط وابتذال الأمور. وإني أقول لك إنه حالما تردني دعوة من الوطن مبنية على درس وإدراك، فإن أصفّي كل علاقة هنا بسرعة البرق لأعود إلى الذين يعرفونني وأعرفهم ويفهمونني وأفهمهم لنعمل معاً لمجد أمتنا.
أرجو أن تكون والعائلة بخير وأرجو أن يكون جميع الرفقاء كذلك. ولتحيى سورية .