25/12/1945
أيها الرفيق العزيز،
سرّني كثيراً ورود كتابك المؤرخ في 24 ـــ 10 ـــ 45، المرسل بواسطة الرفيق وليم بحليس في سان باولو البرازيل. إنه الكتاب الأول الذي يردني حاملاً حرارة إيماننا القومي الصحيح وممتلئاً بالثقة بقضيتنا ومصيرها. روحية عظيمة لم أشك قط في استمرارها في من عرفتهم وعرفوني، في فئة صالحة رعيتها وتعهدتها بكل ما أوتيت من فكر وشعور، ولكنها روحية صعب كثيراً أن أجد استعداداً لقبولها بين المواطنين النازلين في الأرجنتين أو في أي قطر من الأقطار الأميركية الأخرى، حتى صرت أشتاق كل الشوق إلى إعادة الصلة بالفئة القومية الصحيحة الإيمان التي تفهم لغتي وأفهم أقوالها. فكان سروري برسالتك وبما حملت من أخبار حركتنا العظيمة في الوطن التي كان قد وصل إليّ بعضها عن طريق أميركانية، عظيماً جداً.
ما كدت أفرغ من قراءة كتابك حتى شعرت باعتزاز قوي بكم يا رفقاء الجهاد في شاطىء أفريقيا الغربية. إنكم كنتم الوحيدين من بين جميع المغتربين الذين فكروا وشعروا بواجب إمداد الحركة في الوطن بالمساعدات المالية، فحققتم ما لم تستطع تحقيقه فئات أكبر عدداً منكم وأكثر ثروة. فلا فئة القوميين في البرازيل، على ما فيها من معنويات وما تضم من مقدرة مالية، ولا فئة أميركانية، ولا فئة المكسيك، تمكنت من فعل شيء محسوس في سبيل القضية، ورغماً من كتاباتي الخصوصية المتعددة ومن جميع المجهود الذي بذلته لم يكن من الممكن تكوين رأسمال بسيط لشراء مطبعة تكفل صدور الزوبعة وطبع الكتب والنشرات اللازمة. ولست أتكلم شيئاً في صدد قوميــي الأرجنتين لأنهم صرعى أمراض نفوسهم، ومنهم من تعشش في قلوبهم أفاعي الخبائث والمنكرات، لا شعور سام يجلو بصائرهم ولا غرض نبيل يولد همة ومروءة في نفوسهم. ولقد آل الأمر بي بينهم إلى اعتماد التجارة لتحصيل رزقي والقيام بأود عائلتي وحفظ كرامتي من خساسة أفكارهم وانحطاط غاياتهم. والذين كنت أتوسم فيهم حسن سيرة كانوا شر الأفاعي فهم لم يكتفوا بما جلبت عليهم من خير ورفعة، بل حاولوا سرقة كل ما وصل إلى يدي من مال مقترض من ابن حمي وتركي وعائلتي معرّى. ولكني تداركت أمري بعد أن كنت أشرفت على التلف وطردت من كان حولي واعتصمت بعملي ووحدتي، فاستقام أمري بعد الاستغناء عنهم، وأقمت في هذا المكان أنتظر وضع الحرب أوزارها وأخبار جماعة تعلم أني جعلت نفسي كلها لها، فما خاب ظني وجاءني كتابك يحمل إيمان الجندي ويبلغني سؤال مجلس الحركة عني، ثم عقبه كتاب من الرفيق الساهر أمين الأشقر القائم بوكالة منفذية الشاطىء الذهبي مؤرخ في 12 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي يثبت ما ورد في كتابك ويؤكد توثّق روابط الحياة القومية ونظامها.
إني تائق جداً إلى رسالة مطولة من المجلس الأعلى في الوطن، تشرح لي الحالة الحاضرة هناك لأتمكن من رسم خطة عملي المقبل، فبلّغوا المجلس عنواني الذي وجّه وكيل المنفّذ الرفيق أمين الأشقر كتابه إليّ إليه وهو العنوان الذي أضعه في آخر هذا الكتاب.
إنّ وصول تقرير مفصّل من المجلس عن الحالة الحاضرة في الوطن أمر ضروري جداً. ويجب أن أتبادل والمجلس الأعلى الموقر عدة رسائل لتعيين وجهة العمل المقبل. ولست أدري هل بلغكم خبر قرأته في صحيفة سورية هنا مفاده أنّ الحكومة اللبنانية حظّرت اجتماعات الحزب السوري القومي في الساحات العمومية ورحلاته وغير ذلك من مظاهر حياته وحركته. وإذا كان الأمر كذلك فيعني أنه يجب تدقيق النظر في السياسات الحكومية في الوطن في صدد الحزب السوري القومي وفي حالة الحزب السياسية وموقفه. وإذا كانت القوى الحزبية مستعدة لخوض المعركة السياسية المقبلة التي لا بدّ منها، فإنّ وجودي في الأرجنتين لا يكون صالحاً ولا بوجه من الوجوه. وإذا تبيّن أنه يحسن تأجيل عودتي إلى الوطن بانتظار نتائج معيّنة فيجب إما أن أنتقل من الأرجنتين إلى وسط قومي حي تتوفر لي فيه أسباب العمل، وإما أن يأتي من الوطن أو من وسط قومي صحيح في عبر الحدود رفقاء مؤمنون مخلصون يلازمون الزعيم ويكونون عوناً له على تصريف أمال مكتبه وتحقيق ما يرسمه. وهذه مسألة لها وجوه مالية وشخصية وسياسية، ولكنها مسألة كانت حتى الآن، على ما لها من الأهمية في حياة الحركة، مهملة بالمرّة. فقد اكتفى قوميو أميركانية بمساعدات مالية قليلة لمكتب الزعيم لم تتجاوز نحو ست مئة أو ثماني مئة دولار في كل مدة الحرب. ولم يكن هناك ما يؤكد استمرارها وزيادتها فهي كانت تبرعات عارضة لا خطة مقررة لمساعدة منصب الزعيم وجريدة الزوبعة. ومنفذية المكسيك لم تتمكن من إرسال شيء بالمرّة. وبعض رفقاء البرازيل تبرعوا، أفراداً، ببعض المساعدات المالية لجريدة الزوبعة ثم انقطعت الصلات بيني وبينهم بعد دخول البرازيل الحرب، ولم يعد مكتب الزعيم يتسلم شيئاً. فما تمكنت من الإبقاء على جريدة الزوبعة إلا بشق النفس وبمساعدة زوجتي الرفيقة جولييت المير التي ظلت تعمل موظفة من قِبل بلدية بوينس آيرس معاونة تحاليل كيمياوية في أحد المستشفيات إلى أن تدخّل المدعو جبران مسوح وشدد عليّ في الانتقال إلى توكومان فانتقلت مع عائلتي إليها ظناً مني أني أجد فيه روحية التجرّد للعمل القومي والقيام ببعض الوظائف الضرورية في مكتب الزعيم، فلم يمضِ وقت قصير حتى انكشف جبران مسوح عن أفعى من أخبث أنواع الأفاعي، وظهر جلياً أنه لم تكن له غاية من حملي على الانتقال إلى توكومان واشتراكه معي في تجارة عرضها هو عليّ، وكنت أنا وحدي مقدم الرأسمال فيها بما اقترضته من ابن حمي جورج المير، غير سلبي ما معي ليتمكن من العيش مع خليلة له أمية جاهلة. ولولا إسراعي إلى تدارك أمري وفسخ الشركة مع ذاك اللئيم الذي أكرمته فوق ما يستحق لكان تعرّض إسمي، تجارياً لحمل نتائج وخيمة، وكان ذلك أدى إلى تأثير سياسي غير قليل ـــ هذه كانت أسمى أغراض الرجل الذي ظننته أفضل السوريين القوميين في هذه البلاد وقرّبته إليّ وعززته وسهرت أنا وزوجتي على إنقاذ حياته من خطر مداهم. وهذه بعض مظاهر القوميين في هذه البلاد.
تسألني، أيها الرفيق العزيز، هل أنا محتاج إلى مال فأجيبك إني شخصياً لست محتاجاً إلى شيء ومع أنّ صحتي ليست حسنة فإنّ البقية من المال الذي اقترضته من ابن حمي وسهري على أعمالي وتعبي في هذا السبيل جعلتني صاحب محل تجاري له نحو سنة من العمر وهو يشق طريقه ويزيد زبائنه. وحتى الآن قام بنفقاتي في المدة الأخيرة ويمكن أن يجلب بعض الأرباح كل سنة. وقد كنت توقعت، لولا خيانة جبران مسوح وتلاعبه واختلاسه، أن أكون هذه السنة في مركز مالي يمكّنني من دفع أجرة مدبّر شؤون الزوبعة ومن القيام بنفقات إصدارها وحدي. وهذا ما رأيت، بعد الاختبار، أنه الحل الوحيد لقضية الزوبعة واستمرار صدورها، فإنه لا ثقة لي بإدراك القوميين في الأميركتين ولا بوعيهم وروحيتهم. وفقط انتظار الحركة القومية الاجتماعية في الوطن يضطر السوريين المغتربين للاعتراف بالواقع وبذل المال لمساعدة الدولة والشعب في الوطن. وسوريو الأرجنتين في انحطاط اجتماعي ومثالبي غريب. فجماعاتهم المترابطة بعض الترابط تجمعها الحزبيات الدينية وتفتك بها أمراض الجهل والتربية الفاسدة، وهم متحجرون في نفسياتهم وأخلاقهم لا يأخذهم تطور اجتماعي ولا تجدد روحي، الماديات الحقيرة تفتن عقولهم وتعمي بصائرهم.
أقول إني لست محتاجاً إلى شيء مادي لشخصي، ولكن أمر الزعامة السورية القومية الاجتماعية ومقامها وعملها قضية تحتاج إلى درس وتصميم ووضع مقررات تتنفذ بكليّتها. وأمر صدور الزوبعة لا يزال معلقاً، فلا موارد حزبية يمكن الاعتماد عليها بصورة مستمرة لإصدار الجريدة براحة واستمرار، ولا مادياتي الخصوصية تسمح لي الآن بالإنفاق على الجريدة قبل أن يتثبت مركزي التجاري المالي.
يوجد في الأرجنتين سوري قومي واحد أثق بمناقبه وإخلاصه وصحة قوميته هو الرفيق نعمان يوسف ضو، وهو الوحيد الذي يمكن اعتماده لتسليم مال إليّ لقاء تسليم مثل مبلغه لأهله في الوطن. فإذا روئي إجراء شيء من ذلك لمصلحة القضية فسأخابره في الأمر.
إني أريد أن أضم تهنئتي إياكم بالروحية القومية العالية التي جعلتموها، أنتم رفقاء الجهاد القومي النازلين في أفريقيا الغربية، مدار حياتكم وغاية عملكم إلى تهنئة رئيس المجلس الأعلى وشكره على المساعدات العملية الهامّة التي قدمتموها للحركة في الوطن، وكنتم الوحيدين من المقتدرين عبر الحدود على فعل شيء وفعلوه. هذه حقيقة مضيئة تسجل لكم ليس من أجل دغدغة عوامل الغرور الفردي التي أراها بعيدة عنكم، بل من أجل ما يقضي به الحق ومن أجل فضيلة الحقيقة التي نتمسك بها.
أرجو أن أتسلم أخباراً جديدة منكم سريعاً، وأن تكونوا أنتم وعيالكم وأقرباؤكم والرفقاء العاملون معكم وعيالهم وأعزاؤهم بخير وفلاح. ولتحيى سورية .