صدر عن مكتب الزعيم، 3/9/1946
إلى الرفيق العامل غسان تويني، منفذية أميركانية العامة
أيها الرفيق العزيز،
تسلّمت أمس كتابك الأخير المؤرخ في 28 أغسطس/آب الأخير الذي وصل إليّ في مدة أيام من وقت إرساله، وهي سرعة حسنة جدًّا في المواصلات وأرجو أن يكون كتابي الأخير إليك المؤرخ في "أغسطس/آب قد وصل إليك بالسرعة عينها.
أهنئك بوضعك أطروحتك "في القضية الفلسطينية"، وأرجو أن تكون قد راعيت فيها الاصطلاحات والتعابير السورية القومية، كان تثبت بالتسمية وفي كل شرح، سورية أهل فلسطين، لأن كونهم سوريين جزإ من الأمة السورية كأن تقولThe Syrians in Palestine are generally called Arabs أو شيئاً من هذا المعنى، ليدل دائماً على وضع فلسطين القومي وإنها داخلة ضمن نطاق "القضية السورية" و"الأمة السورية". وأرجو لك توفيقاً تاماً فيها وفي غيرها من الأطروحات التي يتوجب عليك تقديمها، وإني أرى أنك تجتاز الآن وقتاً تزدحم فيه عليك المهام والأعباء، ولكني أثق بمقدرتك على الاضطلاع يها جميعها بنجاح، وأكرر رجائي أن يصحبك كل التوفيق الذي تستحقه مداركك، وأن تتمكن من العودة إلى العمل القومي الاجتماعي الكبير بكلّيتك، وأن تكون عودتك إلى الوطن سريعة، وأن نجتمع هناك لنتعارف أكثر ونتعاون أكثر.
بهذه المناسبة أريد أن أقول إنه لا شيء أفضل من الاجتماعات والمقابلات الشخصية لإتمام التفاهم في الشؤون الفكرية الأساسية والعملية بسرعة.
نقول في كتابك الأخير المذكور إنك كنت تود أن تدخل معي "ضمن نطاق فكري ثقافي محض في بحث مسألة القيم الأخيرة ومسؤولية الانسان تجاهها وعلاقتها بولائه القومي وبالمؤسسات القومية السياسية" وإني أشاركك هذه المودة أو هذا الودّ من أجل غرض التوسع في إدراك التطبيق وإدراك حقيقة "القيم الأخيرة". ولكني أرى تأجيل ذلك لحين التقائنا، ليس فقط لأن "وضعي ووضعك" لا يسمحان بذلك، بل لأنّ وضع الموضوع الذي أردت معالجته لا يحوج إلى هذا التوسع الفكري في الفكر الثقافي المحض، ولأنه يمكن اعتبار النقاط الرئيسي من هذا الوجه غير مختلف عليها إلا في تفاصيل هامّة معيّنة. فلست أظن أنك تعتقد أني أجهل وجوب كون الإنسان المتمدن المثقف، مسؤولاً عن قيم أساسية في حياته النفسية، الفكرية والشعورية، وما لهذه القيم من علاقة بشؤون حياة المجتمع وشؤون مؤسساته. والموضوع الذي عالجته معك لا يوجب الدخول في هذه التوسعات الفكرية الثقافية البحتة. ففي ملاحظاتي على تقديم حضرة عميد الثقافة مسؤولياته الإنسانية الشخصية تجاه "القيم العليا" اقتصرت على إبداء ما في هذا التقويم والاستناد المطلق من تضارب مع وحدة المسؤولية الدستورية والإدارية في الشعور بهذه المسؤولية وتحمّلها. فالمسألة مسألة دستورية إدارية بحته وليست مسألة ثقافية فكرية. والفرد حين لا يكون مسؤولاً عن إدارة حكومية معيّنة يكون أقل ارتباطاً بالمسؤوليات الدستورية والإدارية فيعمد في أعماله وتصرفاته مسؤولياته نحو القيم العليا بإطلاق، لأنه حينئذٍ لا يكون مسؤولاً إلا نحوها، ولكنه حين يعيّن لمؤسسة إدارية معيّنة يصبح مسؤولاً في الدرجة الأولى تجاه النظام الذي وضعه في وظيفته ويصبح عليه واجب إدراك أنّ مسؤوليته تجاه القيم العليا مندمجة في مسؤولية النظام كله بجميع مؤسساته العليا تجاه هذه القيم، وأنّ مسؤولياته في وظيفته التي يؤدي حساباً عنها هي مسؤوليات نظامية إدارية عضوية تختلف عن مسؤولياته الفردية الشخصية في حالة عدم مسؤوليته القانونية.
الشخص غير المسؤول نظاميًّا وإداريًّا يمكنه أن يجهل أو يتجاهل مسؤولية المجلس الأعلى ومسؤولية مجلس العمد ووحدة المسؤولية النظامية والإدارية الدستورية تجاه القيم العليا، ولكن المعين لمؤسسة من هذه المؤسسات لا يمكنه جهل ذلك أو تجاهله.
قد تبدو المسألة بصورة أوضح عمليًّا بإعطاء هذا المثل: نفترض أنّ الزعيم أسند إلى الرفيق فايز صايغ رئاسة مجلس العمد وعمدة الخارجية ومنحه رتبة الأمانة وعيّنه عضواً في المجلس الأعلى وعيّن رفيقاً آخر عميداً للثقافة. هل تبطل مسؤولية الرفيق صايغ تجاه القيم العليا أم تزداد رفعة؟ ألا يكون من حق عضو المجلس الأعلى، أن يشعر أنه أكثر مسؤولية في المنظمة عن العمل للقيم العليا من أي عميد معيّن للثقافة أو في مثل مسؤوليته على الأقل، ألا يعني ذلك أنّ المسؤولية المطلقة تجاه القيم العليا لا يمكن أن ينفرد بها عميد في عمدته مهما كان من أمر أثره في تبيان هذه المسؤولية وتوجيهها؟ ألا يطالب الرفيق صايغ، في حالة كونه عضواً في المجلس الأعلى، بالإشراف على أعمال عميد الثقافة ومحاسبته على كيفية عمله للغاية الموكل إليه تحقيقها وعلى كيفية تطبيقه للمبادئ العامة؟ وفي هذه الحالة ألا يشعر عضو المجلس الأعلى، في حالة كون هذا المجلس المرجع الأخير، أنّ العميد يجب أن يشعر بمسؤوليته النظامية وحده وضمن عمدته فقط تجاه القيم العليا، وبأن مسؤوليته هذه مندمجة في مسؤولية النظام القومي الاجتماعي كله. والزعيم الذي هو مرجع المنظمة الأخير وموجهها الأول، ماذا نفعل بمسؤوليته المطلقة نحو القيم العليا الأخيرة، هل نلغيها او نعطّلها بتسليمها إلى عمدة من العمدات أو إلى كل عمدة من العمدات في اختصاصها؟ ألا يوجد رابطة بين مسؤولية الزعيم ومسؤولية الدستور ومسؤولية المجلس الأعلى ومسؤولية كل عميد وكل موظف دون العميد؟ أولا يوجد تفاوت بينهم في الدرجات النظامية؟ وإذا كان الأمر كذلك، ألا يجب التقيد بالوضع النظامي والمسؤوليات الدستورية!
ليس قيام عضو من الأعضاء بمسؤولية أو وظيفة عميد، مشابهة لقيامه بتأليف كتاب من إنتاجه. فهو في تأليفه الكتاب أوسع حرية وانطلاقة للتعبير عن مسؤوليته المطلقة نحو القيم الفكرية أو الروحية. ومهما يكن من أمر اهتداء الفرد بشعوره بمسؤوليته الخاصة نحو القيم العليا التي أدركها، في تصرفه في وظائفه، فهو مرتبط أبداً بمسؤوليته الواضحة القابلة الحساب تجاه النظام الذي له وحده المسؤولية المطلقة في الأعمال الإدارية. وهذه المسؤولية هي التي تأتي في الدرجة الأولى من الوجهة النظامية الدستورية الجهازية، من حيث الإداريون ومسؤولياتهم. ولا يجوز أن تعطل مسؤولية مؤسسة من المؤسسات تجاه "االقيم العليا"، مسؤولية المؤسسات التي هي أعلى منها في السلّم النظامية أو مسؤولية المنظمة كلها.
سررت كسرورك بإعادة حياة "الندوة الثقافية" ونشاطها، وأنا لم أذكرها لخوفي عليها بل لإقامة الدليل على أنّ العمل الثقافي ابتدأ عدة سنوات قبل تشكيل جهاز عمدة الثقافة الإداري وأعود فأكرر أنّ ملاحظاتي تتعلق بمسألة إدارية دستورية حقوقية لا بمسألة شخصية فكرية روحية. وهذه الملاحظات لا تقلّل مقدار ذرّة تقديري لشخصية الرفيق الحبيب المجاهد فايز صايغ، ولإنتاجه الثقافي الذي يستحق كل ثناء، وللحيوية العظيمة التي يبديها، وللأعمال الأساسية الخطيرة التي يقوم بها، وللفكر الدقيق الذي يبديه في معالجة القضايا. فهذه أمور موضوعها خاص بها.
كنت أفضّل أن تبقي ما كتبت إليك من الملاحظات لنفسك فلا تنقله إلى العميد صايغ، لأني لو شئت أن تنقل إليه ذلك لكنت كلّفتك، وكان يحسن أن تأخذ موافقتي على عزمك على نقل ملاحظاتي إلى العميد. وقد سبق وقلت لك إني أعرف الرفيق فايز صايغ شخصيًّا وسيكون لي معه أحاديث طويلة بعد عودتي. وفي كل حال كان يجب أن يبقى أمر تبليغه ملاحظات ما للزعيم من شأن الزعيم وحده. وأما قولك "ولا أعتقد أنه أم من موجب إلا فيما يتعلق بمسألة البناء الشخصي الذي يشير إليه الزعيم والذي يسرني أن تكون عمدة الثقافة اعتمدته واعتبرته أساساً للعمل الحزبي الصحيح، متابعة هذا البحث معي، كما أشير سابقاً إلى ذلك فى مراسلاتنا" فلم أرَ وجوباً له، لأنه يمكننا الافتراض أن الزعيم يقدر أن يعرف هل من موجب لذلك وما نوع الموجب له. فالزعيم قد رأى متابعة البحث معك في قضايا رأى متابعة البحث فيها ضرورية خلافاً لقولك في كتابك المؤرخ في 20 يونيو/حزيران الماضي: "كما أن بحث هذه النقطة الآن لم يعد له أهميته الأولى بعد تمام الاتصال المباشر وانتهاء مهمتي كمفوض اتصال". وبعد أن اهتم الزعيم بإمدادك بالشروح والمعلومات عن نشأة الحزب وبعض النظريات والحوادث كتبت في رسالتك المؤرخة في يوليو/تموز تقول (في مطلع الرسالة): "تسلّمت كتابك الأخير وقرأته بالتمعن والتدقيق الذي يتطلبه، وفي نفسي سرور شديد يمازجه شيء من الأسف: فإني، إذ فرحت بدخول الزعيم في شرح نشوء النهضة السورية القومية وأسس الحزب السوري القومي، أسفت لقراره إيقاف البحث عند هذا الحد. وإني أستسمحه، الخ" فعاد الزعيم يسهب لك، خصوصاً في بعض النظريات النظامية والحقوقية والإدارية. حبًّا بك وبإدخال فكرك في القضايا العليا بإطلاعك على كيفية نظر الزعيم إليها وتقديره لها، فتكون درساً يختلف أو يتنوع عن نتائج الدراسة الأكاديمية البحتة وعن آراء أساتذة الجامعات الأجنبية التي درست وتدرس فيها، وفيها يتلقى معظم طلبتنا دروسهم. عند هذا الحد تعود فتلاحظ انك تعتقد أنّ لا موجب لمتابعة البحث معك!
تجاه هذه الآراء أو الرغبات المختلفة أو المتناقضة أو الصادرة عن الشعور أكثر مما هي عن الفكر والتروي، يسير الزعيم في خطته لتحقيق ما يراه الأفضل والأصح.
وقد كنت هممت أكثر من مرة بقطع الموضوع عند حد من الشرح ظننته كافياً لك لإدراك الفائدة من ملاحظاتي، ولكن بعض أجوبتك التي لم تكن منطبقة على أصول الموضوع أو على نتائج الأسباب كانت تدعوني إلى العودة إلى زيادة الشرح وتناول أصول الموضوع من جديد، كما في تعليقي في هذا الكتاب على رغبتك في التطرق إلى موضوع جديد "فكري ثقافي محض"، حسب تعبيرك، "في بحث مسألة القيم الأخيرة ومسؤولية الإنسان تجاهها" التي هي مسؤولية مناقبية أو شخصية، لا مسؤولية دستورية إدارية قانونية، وعلاقاتها بولائه القومي وبالمؤسسات القومية والسياسة التي يفترض وجودها من غير مساس بمبادئ الدستور والإدارة ولا ينقص منها شيء بالمحافظة على المسؤوليات الدستورية والإدارية في أعمال دستورية - إدارية محض، كما هو واضح من شروحي السابقة وعن شرحي في هذا الكتاب.
والآن وقد أوضحت أكثر ما أردت إيضاحه أنتقل، على أمل زيادة أبحاثنا كثيراً بعد اجتماعنا المقبل المنتظر إما في أميركانية وإما في الوطن، إلى موضوع:
منفذية أميركانية العامة: إني قبلت، بناءً على اقتراحك، انتظار نتائج دروسك لحالة الفرع وبعض الرفقاء التي لم أشأ أن أقيّدك بمدة محدودة لها تقديراً مني لشدة حرصك على إيجاد الحالة النظامية اللازمة وللثقة التي لي وللإدارة المركزية بك وبمقدرتك. وقد رأيت الآن، بناءً على ضرورات الحالة الحاضرة وعلى وقائع أول جلسة عقدتها هيئة المنفذية، أن أشير إلى وجوب الفرق بين التأجيل الموقت لمدة قصيرة وبين الانتظار إلى أجل غير مسمى. وأريد إبداء ملاحظة على كيفية تعيين رئيس مكتب عبر الحدود إياك "مفوض عبر الحدود في الولايات المتحدة الأميركانية". فلم يعطك صفة المنفّذ العام القانونية ولا حدّد "للمفوضية" صلاحيات ومسؤوليات المنفّذ العام ومسؤولياته. ولذلك يجب اختصار أجل هذه الحالة التمهيدية ما أمكن لتأخذ الأمور شكلها النظامي القانوني.
لست أعلم شيئاً خاصة عن الرفيق من بيت حداد الذي كان ممتنعاً عن العمل القومي الاجتماعي بسبب تصرّف فخري معلوف. ولكنه قد يكون رفيقاً اسمه فؤاد حداد كان أبوه صاحب مطعم قرب الجامعة ومنزل على مقربة من مكان منزل والدة فخري وعائلتها فإذا كان هذا هو فهو كان مخلصاً ولكن ثقافته تساعده قليلاً على الاضطلاع بالمسؤوليات الإدارية العالية، أما الرفيق شيبان فيستحق العناية على ما بلغني من فخري سابقاً.
وأما ما تشير إليه من مسألة واقع السوريين المهاجرين إلى أميركانية من ناحية ولائهم لها، فأذكّرك بما ورد في كتابي المؤرخ في 4 اغسطس/آب الماضي من وجوب درس حالة مغتربينا في كل قطر أميركي وإعداد بيان مفصّل به مبني على الاختبار والامتحان والاحصاءات لتستنير به الإدارة المركزية في وضع توجيهات خاصة، فلم يسبق أن أنار أحد الإدارة المركزية إنارة صحيحة في صدد حالة مغتربينا في أميركانية، والإدارة المركزية لا تقدر ان تعالج مسألة تجهلها.
إذا راجعت كتابي المشار إليه المؤرخ في 4 أغسطس /آب وجدت أني قدّرت فعل تأثير بعض البيئات ونسبة هذا الفعل إلى نوع مجموع مغتربينا في تلك البيئة أو في كل من تلك البيئات. ومنه نستنتج أني آخذ بعين الاعتبار ما تمتاز به أميركانية على غيرها مع ثقافة شعبها ونوع مزيجها الاتني ومبلغ ضعف النازحين منا إلى هناك في الوعي القومي وفي الثقافة، وإني أقدّر فداحة الأضرار من دعاوات أمثال إيليا أبي ماضي وعبدالمسيح حداد ومن جرى مجراهما الذين أخذوا يعلّمون، في كل سانحة وكل بارحة، مبدأ الوطنين والولاءين والتقلب بينهما ويبشرون بأنّ المغتربين في أميركانية هم في حكم الأميركان وأن من السخافة التفكير بتغيير مصيرهم وغير ذلك. وقد تزلفوا كثيراً إلى الحكومة الأميركانية بدعواتهم هذه، وفي أثناء الحرب نالوا عطف الحكومة المذكورة فعينت بعضهم لبعض أغراضها وساعدتهم لقاء دعاواتهم ولمّا لم يكن هنالك حركة قومية قوية طما سيل "التأمرك" على كل اعتبار آخر.
إني أشعر معك أنّ المسألة دقيقة، وأرى أنها تحتاج إلى عزم وفكر ثاقب في معالجتها، و إلى الاهتمام بدرس كل فئة وكل عائلة وكل فرد. فبعض الهيئات فيها عناصر واعية وعناصر أتت من الوطن من زمن غير بعيد ويمكن إثارة حنينها وكرامة شخصيتها. ومع المغرقين في "تأمركهم" يمكن معالجة الحالة بتساهل أكثر ولكن في حالة مخاطبة عمومية يجب دائماً التفريق بين السوريين الذي "تأمركوا" والسوريين المحتفظين بولائهم لجنسيتهم وقوميتهم ووطنيتهم، حتى ولو كانت نسبة هؤلاء إلى أولئك نسبة الواحد إلى المئة. وإني ألاحظ أنّ الذين سبقونا إلى العمل بين مغتربينا في أميركانية باسم العروبة وغيرها قد تمكنوا من توليد حركة إقبال ومناصرة وتبرعات. وهذا يعني أنّ عملنا في أميركانية سيحتاج إلى تطبيق بعض أساليبنا في الوطن.
قبل الحرب الأخيرة سافر إلى أميركانية المدعو فؤاد خليل مفرج الذي توفي هناك في حادث سيارة وهو متخرج من الجامعة الأميركانية، وكان انضم إلى حزبنا، ثم تآمر سرًّا مع فخري البارودي وعلمت بمؤامراته فطرد، وسافر إلى أميركانية باسم مكتب فخري البارودي وبصفته ناموساً له فصادف بعض النجاح وجمعوا نحو خمسين أو ستين ألف دولار وأصدروا بيانات في الصحف وعقدوا اجتماعات ومؤتمرات. وأعتقد أنه لو كانت الصحافة السورية في أميركانية على شيء من القومية لأمكن تحريك فئات غير قليلة لا تزال تقرأ الصحف السورية وتهتم بشؤون سورية الداخلية والخارجية. وفي رأيي أنّ انتشار أخبار الحركة في الوطن وتظاهراتها ومذكراتها يكون له تأثير كبير فى نفوس المغتربين.
وفي تحديدي لنظرتنا إلى مغتربينا لا أحدد طريقة العمل معهم والمعالجة، ولكنّي أبيّن مقاصد حركتنا في العمل معهم ليكون العمل رامياً إلى تلك المقاصد المدركة. وترى في كتابي المؤرخ في 4 أغسطس/آب أني اشير بترك مجال واسع لحرية تصرّف المنفذين العامين في تطبيق الخطط، وما دامت الخطوط والأهذاف الرئيسية لعملنا عبر الحدود قد أصبحت واضحة لك من كتابي المذكور إليك فإني أثق بأنك ستجد الأساليب والوسائل اللازمة لتحقيقها أو تحقيق ما أمكن منها.
أما فيما يختص بالبرنامج الشامل للعمل عبر الحدود الذي يتنظر صدوره من المكتب المختص فأريد أن ألفت نظرك إلى ما ورد في كتابي المؤرخ في 4 أغسطس/آب من علاقة بين التشريع والتخطيط للعمل السوري القومي الاجتماعي عبر الحدود، وحصول التقارير التفصيلية في المكتب المذكور من قبل المنفذين العامين ومن في حكمهم من المنتدبين والمفوضين والمديرين المستقلين.
قرأت عبارتك الاستيضاحية عن مشروع المدرسة القومية الوارد ذكره في كتابي المذكورآنفاً أنّ هذا المشروع كان موضوع محادثات سابقة كثيرة، وكان يصدّنا عنه انعدام الوسائل المادية، وقد بلغني من مدة، وأرجّح أنّ ذلك بواسطة منفذية أفريقية الغربية، أنّ الرفيق جورج مصروعة يدير اليوم مدرسة قومية في الجبل. فإذا لم يكن في الإدارة المركزية شيء واضح أو نهائي حول هذا المشروع فيمكن وضع المشروع وتفصيل خطته بسرعة حالما تظهر إمكانيات نجاحه.
إني أوافق كل الموافقة على تقريرك القيام بحملة دعاوية قبل كل شيء، لأنّ رفع المعنويات شرط ضروري لنجاح كل مشروع وعمل يتطلب تعاون الجماعة أو العموم.
إني أريد أن أعتمد على فاعليتك القوية المشهود بها، والتي رأيت مظاهرها في مراسلاتك، وهو ما يجعلني أستمر فى معالجة بعض نظراتك وآرائك معالجة يصح أن تسعى معالجة تثقيفية قومية ونظامية لثقافتك الشخصية المدرسية أو الأكاديمية. إلا إذا كنت تعتقد أنّ ثقافتك الأكاديمية في هذه القضايا كافية وكاملة وأنّ نظرياتك المهنية على دراستك الأكاديمية والتي بينك وبين بعض العاملين الحزبيين اتفاق أو توافق في صددها، هي نظريات أخيرة ثابتة، وحينئذٍ أرى معك أنه "لا موجب لمتابعة هذا البحث معك" وتقتصر علاقاتنا من الآن فصاعداً على العلاقات النظامية الإدارية البحتة.
عودة الزعيم: إني ساعٍ بكل قواي لإنهاء جميع علاقاتي الخصوصية وتهيئة أسباب السفر. ولمّا لم تكن هنالك مخصصات أو اعتمادات مالية معيّنة لم يكن سهلاً اختيار رسم حطة معيّنة أو برنامج مفصّل، وقد كتبت إليك في ذلك في رسالتي الأخيرة المؤرخة في 26 أغسطس/آب الماضي.
لا علم لي عن موعد سفر الوزير (فيليب) تقلا إلى أميركانية وفي أي وقت ينتظر أن يكون هناك. وقد مضت مدة لا يتسنى لي فيها قراءة الجرائد التي أتسلمها وتتّبع شؤون جمعية الأمم المتحدة واجتماعاتها وقد يتسنى لي شيء من ذلك في آخر هذا الأسبوع.
عنواني: بما أني في حالة تصفية علاقات أعمال الخصوصية ولست أدرى بأية سرعة تتم هذه التصفية، فإني أقدر أنه يحسن اعتماد عنوان جديد لي ابتداء من أوائل أكتوبر/تشرين الأول المقبل وهو في بوينس ايرس.
أرجو أن تكون بصحة تامة وموفقاً فى مساعيك الخصوصية والقومية.
إقبل سلامي القومي. ولتحيى سورية.