صدر عن مكتب الزعيم 5/9/1946
إلى الأمين الجزيل الاحترام نعمة ثابت
المركز - بيروت
رفيقي الحبيب الأمين،
تسلّمت من عدة أيام كتابك الأخير الذي كتبته ولم يمرّ على انتهاء جلسة المجلس الأعلى التي خصصت لدرس موضوع عودتي أكثر من ساعتين" والذي جاء خلواً من التاريخ ويرجح على ما يظهر من روسم البريد أنه صادر في 5 أغسطس/آب الماضي وكنت حين تسلّمته على أهبة السفر لزيارة مديرية خوخوي فتابعت سفري واجتمعت بالرفقاء هناك وأطلعتهم على عزمي على السفر بسرعة فاهتموا بفعل ما يقدرون عليه إفراديًّا لتسهيل مهمة تصفية أعمالي واشترى من قدر منهم شيئاً معتدلاً.
حين عودتي انصرفت إلى تهيئة ما يلزم من المواد لإكمال عدد الزوبعة القادم وإعطاء توجيهات لمنفذية بوينس آيرس. وبينما أنا أهتم بالكتابة إليك وردتني بعض مراسلات من البرازيل ومن منفذية أميركانية، فرأيت الكتابة إلى البرازيل وإخبارهم بعزمي على السفر بأسرع ما يمكن وتكليفهم الاشتراك في المجهود لإجراء المعاملات اللازمة ومخابرة قنصل لبنان في سان باولو في صدد جواز سفري واتخاذ تدابير والقيام بأعمال أخرى. فى رسالة المنفذ العام لسان باولو إلى الرفيق وليم بحليس (عكار) الأخيرة، أخبرني عن وصول الرفيق فيكتور كلارجي، مدير مديرية كفرشيما سابقاً، وتبلغه منه بعض التعليمات المتعلقة بزيارة قرينة رئيس الجمهورية اللبنانية للبرازيل والمنفذ العام يقول إنه لم يلتقِ االرفيق كلارجي، الذي برح سان باولو بسرعة إلى ولاية ماطر قروسو على أمل أن يعود بعد وقت قصير وحينذاك يتوقع أن يتسلم منه تعليمات أخرى خصوصية قال إنه يحملها للمنفّذ العام. وقد وضعت أمس كتابا بالبريد الجوي لمنفّذ سان باولو، البرازيل أعطيه التوجيهات اللازمة لكيفية استقبال قرينة رئيس جمهورية لبنان وأعتقد أنه يجب أن يتسلم الكتاب المذكور بعد غد.
عودتي: ما كان يجب أن يُقطع الاتصال بي من جهة المركز كل المدة بين أوائل مايو/أيار الماضي وأوائل أغسطس/آب الأخير، أي مدة ثلاثة أشهر ثمينة. فقد كان يجب على المركز، وعلى الأقل على مكتب عبر الحدود إخباري بتسلم رسائلي الأخيرة إليه وبالحاجة إلى انتظار انتهاء الأزمة الوزارية في لبنان وعودة رئيس الجمهورية من سفرتيه. فإنّ هذا الانقطاع الطويل حملني على تقدير أمور أخرى غير انتظار النتائج المذكورة وأخّر جزمي بالتصفية المستعجلة لأعمالي لعدم وجود وضوح حول موقف الحكومة اللبنانية من أمر عودتي، الذي رأت إدارة الحزب معالجته بواسطة المذكرة التي قدّمت إلى وزير المالية الأستاذ إميل لحود. ولمّا طال أمر الانقطاع بتّ أحسب حساباً للجاسوسية، ولم يخطر في بالي أنّ الانقطاع يبقى كل هذه المدة اختياراً. وحملني حسابي على إرسال رسائل وأخبار بواسطة عدة فروع، خصوصاً بعد أن تسلّمت منفّذية بوينس ايرس كتاباً من رئاسة مكتب عبر الحدود يقول إنّ المكتب لم يتسلم مني خبراً عما أرسل إليه من مفكرات ومنشورات فقدّرت أنّ ذلك إشعار بأنّ رسائلي الأخيرة إلى مكتب عبر الحدود لم تصل إليه، وزاد في بلبالي ما كان من أمر طرد موره لي وعزام وغيرهما وحسبت أنه قد يكون جرى تأثير في روحية عصام وموقفه.
إنّ الاتصال بالزعيم قد تأخر كثيراً من الأول وأظنّ أن الاتصال بمنفذية أفريقية الغربية الذي ظل موجوداً كان يمكنه تأمين الاتصال بالزعيم وكان يوجد اتصال سابق مع الرفيقة إملي حلبي فكان يمكن تجربة كتاب بنفس الأسلوب وعلى العنوان عينه. ولست أريد بهذه الملاحظة غير الإشارة إلى الوقت الثمين الذي ضاع في مدة تقارب السنتين أو السنة، على الأقل كان يمكن خلالها تهيئة جميع الأمور وكان يرجّح أن أكون معكم قبل هذا الوقت أو نحوه.
ولو كان كتابك الأخير ورد من قبل كنت الآن علمت ما كان يمكن الاعتماد عليه بواسطة التمثيل اللبناني القنصلي والدبلوماسي في البرازيل. وبهذه المناسبة أقول إني كنت في بوينس آيرس في أوائل يونيو/حزيران الماضي وبقيت عشرة أيام تقريباً، هناك. وكان ذلك الوقت وقت تسلّم رئيس جمهورية الأرجنتين، الجنرل بيرون، منصب الرئاسة. وقدم بوينس آيرس قبلي بنحو يومين وزير لبنان المفوض في البرازيل الأستاذ يوسف السودا تصحبه قرينته وناموس السفارة السيد خياط (كفرشيما) والقنصل اللبنانى في سان باولو (البرازيل) السيد محمد فتح الله (وليس السيد ملحم تلحوق كما تقول في كتابك). وكانت منفذية بوينس آيرس قد سبقت وزارت الوزير باسم "الحزب السوري القومي الاجتماعي" فاستقبلها، وبهذه أطلعته المنفذية على قرب قدومي وأخذت موعداً لسلامي عليه، فاجتمعت به وعرفت الناموس خياط لأول مرة أما القنصل لسان باولو، السيد محمد فتح الله فهو أحد معارفي القدماء بواسطة أصدقاء لي من بيت الغندور دام اجتماعي بالوزير نحو ساعة ونصف. وبعد يومين كان القنصل السيد فتح الله على الغداء معي في بيت حماتي وأولادها، وكان معنا على الغداء المنفّذ العام لبوينس آيرس الرفيق خليل الشيخ والصديق جبرائيل يافث الذي اتفق وجوده في بوينس ايرس قادماً من سان باولو، البرازيل، لأشغال تجارية. ولم يكفِ الوقت لتناول مسائل خاصة وكنت ظننت أني سأجتمع بالوزير والقنصل مرة أخرى فلم يتسنّ ذلك.
حالما تسلّمت كتابك قررت الإسراع في نصفية أعمالي، إما ببيع المحل أو بتقويضه، وإني جادٌّ في التقويض بقدر المستطاع، بينما يجري البحث عن مرشح للابتياع ولا بد من التعرض لخسارة لأنه يجب تصفية أهم الأمور التي فيها عقود ومسؤوليات كبيرة بسرعة حتى إذا بقي شيء ووجب سفري في الحال - وإني أراه واجباً - لا يبقى على زوجتي من المسؤوليات إلا ما في استطاعتها حمله بلا قلق. وفي كل حال لا يحسن أن تبقى هنا زوجتي بعد سفري إلا وقتاً قصيراً. فالبيئة هنا غريبة وإن كان يوجد تحسّن قليل في حالة الحزب في توكومان.
بعد نحو خمسة عشر يوماً يكون لدي شيء جديد من المعلومات عن إمكانيات سفري وأعتقد أن الصعوبة الأهم هي مسألة التحرر من كل علاقة تجارية وحينئذٍ تهون مسألة معاملات السفر ويحتمل أن أقدر على التحرك نحو أواسط نوفمبر/تشرين الثاني القادم.
إنّ القنصلية الفرنسية في بوينس آيرس لا تزال تقوم بمعاملات الجوازات للسوريين إلى أن يصل قناصل لبنانيون وشاميون ويمكن اعتمادها لإجراء معاملتي.
الرفيق غسان تويني: بعد تقديم هذا الرفيق تقريره عن حالة الوطن وحالة الحزب وعن الرفيق الموقّف فخري معلوف الذي كلّفته بتقديمهم بادلته رسائل متعددة عرضت فيها لبعض المسائل التي رأيت توجيه فكره إليها وبعض الأغلاط والتعابير الغامضة نوعاً المستعملة حديثاً من قبل بعض المسؤولين الجدد، وبصورة خاصة من قبل عميد الثقافة والفنون الجميلة الرفيق فايز صايغ في "بيانه الأساسي" المقدم إلى المجلس الأعلى وفي فاتحة العدد الأول من مجلة الثقافة. فعدّل الرفيق تويني لهجته في بعض الأمور ودافع في أمور أخرى بعناد شديد وبتشبث ببعض اعتبارات. ولمّا كان أخبرني في كتابه الأخير الوارد من بضعة أيام أنه نقل إلى العميد صايغ بعض ملاحظاتي في صدد بعض مسائل عمدة الثقافة ونهجها الخاص رأيت أن أطلعك باختصارعلى نوع الموضوع وأهم نقاطه.
تقرير الرفيق تويني: إبتدأ الرفيق تويني في تقريره من زمن حكم المحكمة العسكرية الفرنسية. وهو الزمن الذي طلبت منه الابتداء به فوصف المحاكمة والأحكام والسجون والعمل في أثناء السجن، وتدرّج في سرد الحوادث إلى "الرخصة بالحزب القومي". ثم تناول في فصل خاص "الحالة السياسية، في البلاد السورية"، وفي فصل آخر حالة الحزب الداخلية. وفي آخر حالته الخارجية ثم "عوده الزعيم".
لاحظت في فصل حالة الحزب الداخلية أنّ الرفيق تويني استنتج استنتاجات غير مبنية على معرفة لنشأة الحزب وظروفها وبتاريخ نشوء الحزب وعهد عمله الأول. من ذلك قوله:
"لقد عُرف الحزب في الماضي بالتشديد المتطرف على العقيدة، حتى أنه في بعض الأحيان تحوّل هذا التشديد إلى تحجر أكاديمي جعل الحزب في موقف سلبي من السياسة القائمة بدلاً من إشراكه في هذه السياسة والتميّز عنها بوجود الأساس العقائدي كمبدأ تحاكم هذه السياسة بالنسبة إليه وكغاية يسعى إليها. وإزاء هذا الوضع وبالنظر للظروف السياسية التي لم تكن، في توجيهها الظاهري موافقة للعقيدة القومية، اتجه الحزب نحو اتباع نهج جديد، هو تطبيق عملي لمبادئه، فأحلّ العمل السياسى المجرّد مكان الجدل العقائدي وبالتالي تحلّى بالمرونة، وتمكن بذلك من الاشتراك المباشر في الحياة السياسية العامة والعمل على إصلاحها من ضمنها، الخ".
إلى أن يقول:
"كما أنّ هذا التحجر الأكاديمي صرف حيوية الأعضاء في الأبحاث النظرية حول طبيعة الأمة ووجودها لغير ذلك، بدلاً من النشاط الخلاق الذي يُدخل العقيدة إلى النفوس والعقول كأساس ضمني للنهضة الإصلاحية والثقافية التي يقوم بها الحزب".
فكرت في هذه التحليلات والتعليلات ورأيت فيها شططاً كبيراً وبداءة تولّد اعتبارات ناتجة عن جهل بعض الحقائق وعن غلط في الاستنتاج والتقدير. ورأيت ضرورة إصلاح هذه الاستنتاجات والاعتقادات المخالفة للحقيقة ووضع حد لها قبل أن يتسع انتشارها وتكؤن مشكلة نفسية خطرة ومشكلة سياسية داخلية معقدة. فلما اجبت الرفيق غسان تويني على تقريره امتدحت دقة تصنيفه وشمول مواضيعه وإتقان وصفه لحالة البلاد السياسية والحالات السياسية الإنترناسيونية وقلت في هذا الصدد، في جوابي المؤرخ في 26 مايو/أيار الماضي:
"إن جميع القضايا التنظيمية والإدارية والسياسية التي ذكرت في التقرير ستجد تحليل الزعيم وتعليله لها وحلولها في الخطاب الذي يوجهه الزعيم إلى المجلس الأعلى في أول جلسة يحضرها الزعيم بعد عودته وتكون مخصصة لسماع هذا الخطاب، وفي الخطاب الذي يلقيه الزعيم بعد عودته في اجتماع حزبي عام يعيّن خصيصاً لهذه الغاية أو يوجهه الزعيم إلى مجموع الحزب".
ثم تطرقت إلى ما ورد في وصف الرفيق تويني لحالة الحزب الداخلية من تحليلات واستنتاجات فقلت، في صدد كلامه عن "تشديد الحزب المتطرف في الماضي، على العقيدة" وما عناه من "التحجر الأكاديمي":
"إني أرى في هذا التحليل غلطاً في التقرير والاستنتاج، ناشئاً عن عدم العناية بدرس نشوء الحزب السوري القومي الاجتماعي والكيفية التي نشأ فيها والظروف المحيطة بتلك النشأة. والتظاهر أنّ مؤسسات الحزب الثقافية والإذاعية والسياسية لم تُعنَ العناية اللازمة بهذه الناحية الهامّة من الثقاقة الحزبية، أو لم تسمح لها الظروف بتوجيه العناية إليها. وإني لعلى يقين من أنّ دراسة صحيحة لتاريخ نشوء الحزب السوري القومي الاجتماعي تؤدي حتماً إلى تعديل الآراء المتقدمة الواردة فى تقريرك التى يحتمل أن تكون آراء شخصية بحتة مما تستنتجه من ملاحظاتك الخصوصية، ويحتمل أن تكون آراء مشتركة بين عدد من أشخاص الإدارة المركزية الجدد الذين لم يشتركوا في اختبارات الحزب الأولى لعهد نشأته. ويشجع على أخذ الاحتمال الثاني بعين الاعتبار ما يلاحظ في تعابير بعض المسؤولين الجدد من صفة "الاستنباط" أو "التجديد" كما فى فاتحة نشرة عمدة الثقافة و"بيان عميد الثقافة والفنون الجميلة الأساسي" مما يحمل على الظن أنّ العميد يتوخى نهجاً جديداً غير الذي كان قبل تولّيه العمدة. فكل قول من هذا النوع يحتاج إلى تدقيق كثير وإعادة نظر ودرس تفاصيل عهد نشوء الحزب السوري القومي الاجتماعي وفلسفة عقيدته وخطوطه الأساسية. وإلا اضطررنا للدخول في سلسلة اختبارات "للاستنباطات" و"التجديدات" التي يأتى بها المنتدبون الجدد للمسؤوليات المركزية الذين لم يجتازوا امتحاناً في تاريخ الحزب ووحدة سياسته وإدارته واستمرارهما".
وبعد ذلك شرحت للرفيق تويني شيئاً من نشوء الحزب وكيفية نشوئه وموضع العقيدة من هذا النشوء وأهميتها، ألا فيها "تتجسد شخصية الأمة الاجتماعية وبالتالي شخصيتها الحقوقية التي تعيّن ليس فقط ماهيتها، بل حقوقها ومصالحها الرئيسية والحيوية التي تريد الاحتفاظ بها والدفاع عنها واسترجاع ما سلب منها، الخ". ووصفت له بعض حالة الحزب الأولى وكيف داهمته الاعتقالات الأولى وكيف هوجمت عقيدته وحاجة القوميين الاجتماعيين إلى أسلحة الفكر للدفاع عنها، وما تلا ذلك.
في 20 يونيو/حزيران الماضي أجاب الرفيق تويني على كتابي وقال إنّ الفكرة التي أبداها لم تكن سوى "سوء تعبير من قبله" وأنه يعترف بغلطه وإن اطّلاعه على نشوء الحزب السوري القومي وبداية عهده جاء متأخراً، وإنه لم يقصد التقليل من أهمية العقيدة. وبعد شرح استدراكي لوجهة نظره المذكورة فوق، أورد الفقرة التالية:
"هذه بعض النقاط التى رأيت أنّ عليّ إبداءها للزعيم حول ملاحظاته، أرجو قبولها، مع العلم بأنّ ما أبديته في تقريري بهذا الصدد - حسب مقدمة التقرير - لا يربط بالنهاية أحداً سواي، وقد لا يعبّر سوى عن رأيي الشخصي، الذي أتحمل مسؤوليته وحدي. كما أنّ بحث هذه النقطة الآن لم يعد له أهميته الأولى بعد تمام الاتصال المباشر وانتهاء مهمتي كمفوض اتصال".
نظراً لدرجة ثقافة الرفيق غسان تويني وللوظائف الهامّة التي شغلها في المركز، على الرغم من حداثة عهده، ولحسن ذكائه وما يتجلى فيه من إخلاص للغاية القومية الاجتماعية الأخيرة، رأيت أن أهتم به وأعتني بتثقيف نظرياته وآرائه القومية والنظامية. فلما قرأت الفقرة الأخيرة المتقدمة وعدلت أنه جعل النقطة الدراسية التحليلية لتاريخ الحزب السياسي متعلقة بشؤون مهمته أكثر مما هي مختصة بدرجة معارفه الشخصية في الشؤون السياسية وأطوار الحركة السورية القومية الاجتماعية الأولى فأحببت رفع الدرجة المذكورة وإكساب آرائه العمق والرصانة الضروريين للمسؤوليات العالية وإعداده أكثر لهذه المسؤوليات وللاشتراك بمقدرة أكثر فيها. فكتبت إليه في 9 يوليو/تموز الماضي وتناولت ما ورد في رسالته في 20 يونيو/حزيران "عملاً بقاعدة التدقيق الشديد في المسائل العقائدية والفكرية مع الرفقاء المؤهلين لتناول شؤون الفكر العليا" ولأني أرى فيه الاستعداد لوعي هذه القواعد والقضايا الهامّة، ولأني أحب أن أنشّط فيه هذه الناحية الضرورية للعمل السياسي العالي" وبعد أن أبديت له لمحة عن نشأة الحزب وظروفها وأشخاصها وأوضحت له أنّ نقص المعرفة في هذه الناحية ينعكس على فهم "سياسة الحزب" وخططه السياسية الأولى، وأنّ النقص في العناية بها في المظاهر الفكرية الجديدة في أوساط الحزب العليا هو ما يجعل لعبارته التي كانت موضوع ملاحظاتي قيمة التعبير عن "آراء مشتركة بين عدد من أشخاص الإدارة المركزية الجدد" ثم قلت:
"في رسالتي الماضية أشرت إلى ما لاحظته في فاتحة نشرة عمدة الثقافة وفي "بيان عميد الثقافة والفنون الجميلة الأساسي". وقد دافعت في كتابك الأخير عن عمدة الثقافة في صدد هذه الملاحظة. ومع أنّ ملاحظتي في بعض تصريحات هذه العمدة مع ملاحظتي على عبارتك الأولى ليست ناشئة عن "خشيتي" من نهج عميد الثقافة والفنون الجميلة ونهجك، فلا بد من ضبط هذا النهج بالملاحظات والتوجيهات، حرصاً على كمال الحقيقة واستقامة بنائها ورسوخ أساسها وعلى شمول الفكر في أساس نهضتنا ووحدة حقيقتها ووحدة غايتها العظمى. وبعد فإني أعرف الرفيق فايز صايغ شخصيًّا وقد وجّهته بنفسي لدرس العلوم السياسية والاجتماعية. وأعرف أمانته وإخلاصه، كما أنه لا شك عندي بأمانتك وإخلاصك. ولكي لا يبقى كلامي عرضة لتأويلات غير متفقة تماماً مع ما نقصد به أرى أن أعرض لما رأيت أن ألاحظ عليه في تصريحات حضرة عميد الثقافة والفنون الجميلة:
في الصفحة الأولى من العدد الأول من نشرة عمدة الثقافة والفنون الجميلة: وتحت عنوان " إلى القارىء" يقول حضرة العميد.. "بقي أن نشير إلى أنّ هذه النشرة - وهي مشروع من مشاريع عمدة الثقافة - تنطبق عليها سياسة العميد الأساسية، تلك السياسة المعبّر عنها في بيانه الأساسي المصدّر به هذا العدد: وبصورة خاصة فيما يتعلق بالمفكرين خارج الحزب... إنّ العمدة يسرّها أن ترحّب بكل مفكر مخلص يودّ أن يشترك في أداء رسالتها الثقافية. وتضمن له في نشرتها منبراً حرًّا للتعبير عن فكره أو فنه". هذه التصريحات مدعومة بما ورد في الفقرة الأولى من باب "مبادىء أساسية في سياسة هذه العمدة" من بيان العميد الأساسي: "فالعمدة - إخلاصاً منها للمسؤولية المطلقة تجاه القيم العليا وحرصاً منها على مصلحة الأمة التي تخدمها - لن تسمح باعتبارات خارجة عن نطاق قيم الحق والخير والجمال، أن تتدخل في شؤون إنتاج ثقافي يتوخى التعبير عن الحق والخير والجمال! وستترك هذه القيم تفرض نفسها وتوجيهها بحرّية!" في هذا الكلام وهذه التصريحات مواضع للنظر تدعو إلى التدقيق والملاحظة. وقد علقت عليها فور قراءتي لها بما يأتي: "في هذا الكلام صبغة شخصية فردية قوية لم تأخذ بعين الاعتبار نشأة العمدة ووجود الفكرة الثقافية الأساسية في العقيدة القومية الاجتماعية وشرحها. وهذه النزعة الفردية البارزة تجعل العمدة مستندة، في الأساس إلى "بيان العميد الأساسي وسياسته الأساسية" لا إلى الغاية الأساسية من إنشاء "عمدة الثقافة" وإكسابها صفة مؤسسة من مؤسسات المنظمة السورية القومية الاجتماعية، الأساسية. وبالنتيجة نرى العمدة تستغني، بموجب استنادها إلى "سياسة العميد الأساسية المعبر عنها في بيانه الأساسي" عن اعتبار نفسها منفّذة لإرادة الحزب العليا العامة قي الثقافة ومحققة الفكرة الثقافية الموجودة في تعاليم النهضة ومتكلمة باسم الحزب في الشؤون الثقافية. وعن الحاجة إلى ذكر ذلك لإظهار هذه الصفة، خصوصاً فيما يختص بما هو خارج نطاق الحزب ومن هم خارجه من مفكرين. بل نرى، علاوة على ذلك، أنّ العميد جعل مسؤولية العمدة الأساسية "المطلقة" تجاه "القيم العليا" وحرصها "على مصلحة الأمة التي تخدمها" بالاستناد إلى "المسؤولية المطلقة تجاه القيم العليا" لا تجاه العقيدة القومية ولا تجاه غاية الحزب من إنشاء عمدة الثقافة، باعتبار أنّ العقيدة القومية وغاية المنظمة القومية الاجتماعية تشتملان تصريحاً أو تضميناً على المسؤولية المطلقة" تجاه القيم العلياء وباعتبار أنّ سياسة عمدة الثقافة وأهدافها منبثقة من سياسة المنظمة العليا وأهدافها الأساسية وجزء من هذه السياسة وهذه الأهداف. فلو أنّ العمدة قالت في فاتحة نشرتها: "أنّ العمدة يسرها أن تعلن أنّ الغاية الثقافية للمنظمة القومية الاجتماعية تجعلها ترغب باسم هذه المنظمة بكل مفكر مخلص يود أن يشترك فى أداء رسالة النهضة القومية الاجتماعية. الثقافية، وتضمن له، الخ". بدلاً من قولها "إنّ العمدة يسرّها أن ترغب بكل مفكر مخلص يود أن يشترك في أداء رسالتها الثقافية، الخ". ولو أنّ العميد قال في "بيانه الأساسي": "فالعمدة - إخلاصاً منها للإرادة العليا التي أوجدتها وللتعاليم السامية التي بعثت النهضة القومية الاجتماعية ولغاية المنظمة القومية الاجتماعية من وجودها وشعوراً منها بالقيم العليا المتضمنة في تعاليم نهضتنا وبمصلحة الأمة التي تقوم المنظمة كلها بخدمتها، الخ". بدلاً من عبارته الأصلية، لكان أقرب إلى الحقيقة والصواب.
هذا كان تعليقي الأول وهو ليس كل ما ألاحظه وأريد قوله في صدد هذا "البيان الأساسيين وأسلوبه ونسقه. فقد استوقفت نظري عدة عبارات في البيان المذكور منها هذه العبارة:
"لن تسمح (العمدة) باعتبارات خارجة عن نطاق قيم الحق والخير والجمال. ان تتدخل في شؤون إنتاج ثقافي يتوخى التعبير عن الحق والخير والجمال!" فما هو الداعي لهذه العبارة، ومن أين ننتظر أن يأتي "التدخل في شؤون إنتاج ثقافي"، وما هو "نطاق قيم الحق والخير والجمال" الذي تريد العمدة أن تحميه ببيانها الأساسي وسياسة عميدها، وما هي مقاييس هذه القيم وموازينها! هل هي شيء راجع إلى استبداد العميد أم هي مستمدة من تعاليم النهضة وغايتها؟ وإذا كان الوجه الأول هو الصواب، أي أنّ
العميد هو مرجع مقاييس الحق والخير والجمال، فما يكون رأي الرفيق فايز صايغ حين يتولى هو مهمة أخرى ويعهد إلى رفيق آخر القيام على عمدة الثقافة ويضع بياناً آخر غير بيانه ويستعمل مقاييس وموازين للحق والخير والجمال غير مقاييسه وموازينه؟ وما هي "رسالة عمدة الثقافة" هل هي رسالة خاصة بها أم هي رسالة مقررة من قبل، أُوجدت لها وكلّفت بإدائها".
وواضح من هذا الشرح وما تلاه في كتابي إلى الرفيق تويني أني لا أرى دستورية انفراد عمدة الثقافة أو أية عمدة أخرى بمسؤوليات كلية غير مندمجة في وحدة الإدارة كلها فى هذه المسؤوليات. وأعتقد أن المجلس الأعلى ومجلس العمد، فضلاً عن الزعيم، يشتركان في سرور عمدة الثقافة بالترحيب بكل مفكر مخلص يودّ أن يشترك في أداء رسالة النهضة كلها وليس رسالة عمدة الثقافة وحدها، أي أنّ رسالة عمدة الثقافة هي رسالة المنظمة مترجمة بتفكير العميد أو غيره مما يقرر ويأخذ مجراه على مسؤولية المنظمة كلها تجاه القيم العليا وليس على مسؤولية عمدة الثقافة وحدها، أما العمدة فتأتي مسؤوليتها الدستورية الهيولية المحسوسة في الدرجة الأولى قبل مسؤوليتها المناقبية الشخصية تجاه القيم المذكورة.
وكان الرفيق غسان تويني قد وصف لي غرضه من القدوم إلى أميركانية وما يتوخاه من الدرس في جامعاتها، بطلب مني، وذلك فى كتابه المؤرخ في 20 يونيو/حزيران المذكور. وفي ختام ذاك الكتاب يقول:
"وهكذا، فإني أسعى، كما سعيت أثناء دراستي السابقة في بيروت بعد انضمامي إلى الحزب، لأن أقارب مثال الطالب القومي الذي، وقد نذر نفسه لخدمة قضية بلاده بوعي وإخلاصه وخدمة الإنسانية من خلالها، يتناول العلم وفي نفسه تقدير لمسؤوليته في بناء وطنه، سواء في اختيار المواضيع التي تؤهله للقيام بهذه المسؤولية أم في عجنه مادة دروسه المطلقة مع فهم لمشاكل بلاده وحاجاتها وتربية نفسه في روح هذه البلاد وتراثها ومصالحها - على أن لا يعني هذا تعصباً على الحق والخير والجمال أينما وجدت لأسباب تخرج عن نطاقها، ولا قياس الحق والخير والجمال بغير قيمها المجرّدة، الخ".
فأخبرته أنب أجد تشالهاً كثيراً، إذا لم أقل متابعة تامة، بين ما أورده الرفيق فايز صايغ فى باب "مبادىء أساسية في سياسة عمدة الثقافة" وعبارته التحفظية أو الاحتياطية في ختام كتابه المشار إليه. وسألته عن الداعي لهذه الاحتياطات والشروط ولفت نظره إلى المبدأ السابع من مبادىء نهضتنا الأساسية وشرحه وزدت:
"أيمكن أو يجوز أن نعتقد أنّ تأسيس استقلالنا الروحي وإيجاد مثلنا العليا في نظرتنا القومية الاجتماعية إلى الحق والخير والجمال سيعمياننا عن معرفة الحق والخير والجمال أينما وجدت؟".
وقلت أيضاً:
"أيجوز أن نعتقد أنّ الحق والخير والجمال تحتاج إلى تجرّدنا من نفسيتنا الأصلية ومن نظرتنا إلى الحياة والكون ومن مُثُلنا العليا الراسخة في نفوسنا، لندركها؟ وأية فائدة لنا من ربح العالم كله وخسارة نفسنا؟ وماذا تعني بالحقيقة هذه التعميمات والمطلقات؟ وأي حق أو خير أو جمال يخشى أن "نتعصب عليه؟" أهو حق الأرنب فى رعاية الكلأ والبقول أم حق الأسد في افتراس الغزال؟ وإذا وجدنا أنا وأنتم فى قفر أو برية بعيدة وكنا نتضور جوعأ ومرّ بنا غزال نافر يتبعه نمر أو ببر خاطف وكانت معنا بندقية فأي حق هو الحق المطلق، حق الغزال في السلامة أم حق السبع في الفريسة أم حقنا نحن في السبع والفريسة معاً؟".
ثم وضعت له هذه العبارة: "إنّ وعينا لقوميتنا ونفسيتنا الأصلية وتولد نظرتنا إلى الحياة والكون والفن وحصول مثلنا العليا السامية النبيلة هي خير ضامن لقيم الحق والخير والجمال المطلقة والمقيدة والمجردة والمصاحبة".
في كتاب الرفيق تويني المؤرخ في 23 يوليو/تموز 1946 الذي كان جواباً على كتابي السابق في تاريخ 9 يوليو/تموز، قال هذا الرفيق:
"وإذا ما بدا تطرّف من قبل العميد صايغ في التشديد على صفة أو سياسة خاصة للعمدة، فذلك يعود إلى وضع العمدة الخاص واختلافها النوعي عن سائر العمدات، و إلى كونها لم تشغل سابقاً بل كانت أعمالها إذ ذاك تؤسس تأسيساً يكاد يكون كليًّا. كما أنه قد يكون للأحوال الإدارية التي كان يوجد فيها الحزب عند وضع البيان، والتي قد يكون العميد وغيره اعتبرها غير مرضية، تأثير فى هذا التطرف، كما قد يكون لفلسفة الرفيق صايغ تأثيرها أيضاً".
فعدت في كتاب تالٍ مني إلى الرفيق تويني مؤرخ في 4 أغسطس/آب وواقع في سبع عشر صفحة أو ورقة، إلى الموضوع الذي وعدت الرفيق المذكور متردداً في قبول ملاحظاتي الواضحة قي صدده، وأسهبت في شرح المسؤوليات الدستورية الإدارية والمسؤوليات المناقبية الشخصية وأبنت للرفيق تويني أنه لا ينطبق على الحقيقة قوله إنّ أعمال عمدة الثقافة كانت حين صار الرفيق فايز صايغ عميدها "تؤسس تأسيساً يكاد يكون كليًّا"، فذكرت له ابتداء العمل الثقافى بإنشاء "الندوة الثقافية" واستمرارها سنتين.
ولمّا كان الرفيق تويني شرح لي المقصود من العبارارت التحفظية في صدد الحق والخير والجمال عدت إلى هذه النقطة وأسهبت في ملاحظاتي عليها. وقلت فيما قلت:
"وقفت على شرحك لتحفظك في قوميتك "للحق والخير والجمال" المشترك في المعنى مع احتياطات عمدة الثقاقة في هذا الصدد. والذي أراه بعد النظر في الأسباب الباعثة على التحفظات والاحتياطات المذكورة أن هذه التحفظات والاحتياطات العامة غير موفقة من الوجهة العقائدية.
وموضع عدم التوفيق في تعميم إطلاق قيم الحق والسير والجمال الذاتية، وهذا التعميم يتجاوز كثيراً حدود رفض "الشوفينية" الذي أعلنه الزعيم ويكوّن في الأخير خطراً نفسيًّا (سيكولوجيًّا) على العقيدة القومية الاجتماعية في نفوس الكثيرين. فالحق والخير والجمال من حيث هي قيم مطلقة لا وجود لها، في الواقع، في العالم الإنساني إلا حيث ينتفي تنوّع النظر أو تنوع المصالح وتصادمها. ولمّا لم تكن هذه القيم مادية فلا يمكن أن يكون لها تحديد واحد في العالم".
وبعد القاعدة المتقدمة وضعت القاعدة الآتية:
"كل حق وكل خير وكل جمال، لكي يصح أن تكون قيماً عليا، حقيقية، مطلقة عندنا، يجب أن تخضع لشرط رؤيتنا إياها كذلك، أو لاشنراكنا في رؤيتها كذلك، وإلا تعرضنا لفقدان نظرتنا الشخصية الخاصة".
وشرحت كيف أنّ التحفظات التي أثارت هذا البحث تضعف الثقة بصحة نظرتنا الشخصية إلى الحق والخير والجمال، وشددت على خطر هذه المطلقات، خصوصاً في الكيفية والقرائن التي وضع عميد الثقافة عبارته فيها حتى قد يبدو أنها تحفظية ضد عوامل من داخل الحزب، وفي قرائن عبارة الرفيق تويني التي يعلن فيها حذره من أن يكون في قوميته أي "تعصب على الحق والخير والجمال".
ويشتد خطر عبارة عميد الثقافة بكونها ضمّنت "بيانه الأساسي" وفي قرائن تظهر عمدة الثقافة كأنها منفردة وحدها في صيانة "الحق والخير والجمال" من تدخل قد يكون من داخل الحزب كما قد يكون من خارجه قيهيىء النفوس لضعف الثقة والايمان.
في كتاب أخير إلى الرفيق غسان تويني مؤرخ في 28 أغسطس/آب الماضي يقول: "أخبر الزعيم أني قد نقلت سابقاً إلى العميد صاسغ، بصورة شخصية لا رسمية شيئاً من بحث الزعيم معي حول عمدة الثقافة" فلمته على القيام بذلك من غير استئذاني. ثم أفهمته أنّ ملاحظاتي فى هذه اللقطة الدستورية الإدارية لا تتعلق بمسألة شخصية فكرية روحية "وهذه الملاحظات لا تقلل مقدار ذرّة تقديري لشخصية الرفيق الحبيب المجاهد فايز صايغ، ولإنتاجه الثقافي الذي يستحق كل ثناء، وللحيوية العظيمة التي يبديها، وللأعمال الأساسية الخطيرة التي يقوم بها، وللفكر الدقيق الذي يبديه في معالجة القضايا".
إنّ اهتمامي بهذه المظاهر الفكرية - الروحية الجديدة كبُر على نسبة ما رأيت من التوافق في بعض التعابير أو الآراء الذي يحتمل أن يقسم الحزب مع الأيام إلى "أصحاب النظرة الجديدة و"أصحاب النظرة القديمة" فعدا عن تصريحات العميد صايغ وآراء الرفيق التويني في "تشديد الحزب سابقاً، المتطرف على العقيدة وتحجّره الأكاديمي. إلى أن "تحلّى بالمرونة" مؤخراً، يوجد تصريحات منها للرفيق أسد الأشقر الذي كتب إليّ بعد أن تسلّم مني كتاب تعزية بشقيقه المنسنيور بطرس. وفي كتابه يقول: "في إحدى جلسات المجلس الأعلى دافعت عن برنامجي الإذاعي الجديد القائل باستعمال الأساليب المداورة التي تقوم على العمل لتحرير الفرد من كل العوامل الداخلية والخارجية التخريبية، الخ...". إلى أن يقول: "قلت للمجلس الأعلى إنّ القومية السورية تكاد تمسي عند القوميين وثنا يعبدونه، ونحن لسنا عباد أوثان بل رجال إصلاح" ثم يقول «رفض المجلس الأعلى أولاً قبول نظريتي وقالت أكثرية الأعضاء" إنّ الغاية من الحزب هي تثبيت القومية السورية فقلت أنا: إنّ الغاية من الحزب هي إصلاح حياة الشعب السوري الاجتماعية والاقتصادية والسياسية سواء أثبتت القومية السورية أم لم تثبت» فكتبت إليه في هذا الصدد، بتاريخ 2 أغسطس/آب قائلاً في عرض الكلام:
ما قلته للمجلس الأعلى الموقر أو لأعضائه وما قاله لك المجلس الأعلى جواباً على سؤالك، كما رويت لي في كتابك، لا يكوّن النقطة التي يجب أن يتركز عليها البحث في سياسة الحزب العملية من الناحية السياسية والإذاعية. أما قضية غرض الحزب الأخير فأمر مفروغ منه واختلاف الأشكال الكلامية لا يمكن أن يغيّر شيئاً من حقيقته فقولك: إنّ الغاية من الحزب هي إصلاح حياة الشعب السوري الاجتماعية والاقتصادية والسياسية" لا يختلف عن قول أكثرية أعضاء المجلس الأعلى الموقر "إنّ الغاية من الحزب هي تثبيت القومية السورية" بل هو يكمله وما رأيته من خلاف فهو في اللفظ وفي جزئية المعنى لا في المعنى كله لأنّ قولك "إصلاح حياة للشعب السوري" يفترض وجود "للشعب السوري" ووعيه لوجوده الذي هو في الحقيقة "تثبيت القومية السورية".
ثم قلت:
"وأما باقي عبارة كلامك للمجلس الأعلى الموقر "سواء تثبت القومية السورية أم لم تثبت" فخطأ كبير نظريًّا وعملة ومن المناقضات التي لا تدل على صحة نظر في المسائل الأساسية الحقوقية والسياسية".
في كتابه المذكور يقول الرفيق أسد الأشقر:
"عندما أرجع بفكري أدراج المراحل التي قطعها الحزب وأفترض: لو كان الزعيم أسس في لبنان 1932 "حزب الإصلاح اللبناني" وفي سورية "حزب الاصلاح السوري" وسيّر الحزبين في انسجام واتجاه متوافقين ماذا كان حدث! أجيب نفسي: كان الزعيم اليوم زعيم لبنان بدون منازع، وكان الزعيم اليوم موجّه السياسة العربية العامة في "جامعة الدول العربية". إن الزعيم كان على صواب علميًّا وعقائديًّا وفلسفيًّا ولكنه لم يكن ناجحاً سياسيًّا وإذاعيًّا".
فأجبته على هذا الكلام:
"لو كان الزعيم أسس "حزب الإصلاح اللبناني" في لبنان و"حزب الإصلاح السوري في الشام لكان الزعيم غير ما هو، وكان واحداّ مثل كثيرين غيره يفكرون هذا التفكير المختص بالسياسات الصغرى،
ويحاولون كل يوم هذه المحاولات، ويبعدون بعداً سحيقاً عن إنشاء نهضة أمة بأسرها مهما بلغوا من مراكز الحكم ومهما أطالوا الجلوس والكلام في "جامعة الدول العربية".
أعطيك هذه المعلومات أيها الأمين الحبيب، لتقف على بعض ما دار في مراسلات الاتصال بالزعيم.
تسلّمت كتاب رئيس مكتب عبر الحدود المؤرخ في 10 أغسطس/آب وقصاصات (صدى) النهضة والصور المرسلة معه.
في البريد التالي أضع كتاباً للرفيق أكرم حوراني الذي كان فتر في عمله النظامي وظل حارًّا في عقيدته والعمل لها.
حالما تسلّمت برقية الرفيق رئيس المكتب بطلب رسالة من الزعيم إلى اجتماع القوميين فى الشوير فى 35 أغسطس/آب كتبت رسالة وأرسلتها بالبريد الجوي فأرجو أن تكون وصلت.
سأكتب إلى الرفيق رئيس مكتب عبر الحدود في صدد طبع كتاب الصراع الفكري في الأدب السوري وأرسل إليه تصحيح أغلاط وتعديل بعض عبارات.
أسفت كثيراً لوفاة الرفيق الدكتور فؤاد راسي والرفيق كريم خوري فلا امّحي ذكرهما.
سلامي القومي لك وللبيت، ولأعضاء المجلس الأعلى الموقر ولأعضاء مجلس العمد، ولجميع الرفقاء العاملين ولتحيى سورية.