9/12/1946
إلى الرفيق وليم بحليس،
المنفذ العام لمنفذية سان باولو، البرازيل
سان باولو - البرازيل
أيها الرفيق العزيز،
حالما تسلّمت كتابك المؤرخ في 28 آغسطس/آب الماضي الحامل حبر وصول الرفيق فكتور كلارجي وسؤال تعليمات وتوجيهات فيما يتعلق بقرب زيارة قرينة رئيس الجمهو رية اللبنانية للبرازيل - الزيارة التي ألغيت فيما بعد - أرسلت إليك كتاباً بالبريد الجوي على عنوان الرفيق جورج بندقي، شارع ايتوبي، والظاهر أنه لم يصل إليك، وكنت قد أرسلت إليك كتاباً آخر بواسطة الصديق جبرائيل يافث فوصل. إنّ استنتاجي مما تقدم هو:
أنه يترجّح وجود لائحة بأسماء وعنوانات في إدارة البريد تتلف أو تفتح جميع الرسائل الواردة إليها ولا توصل، ويترجح عندى أنّ صندوق البريد الذي لشقيقي وإسمه وإسم جورج بندقي وعنوانه وإسمك، أنت واقعة في هذه الحالة والذي أراه أن يراجع كل واحد منكم إدارة البريد ويستوضح عن سبب عدم وصول رسائله المتكررة إليه ويحتج على حرمانه من حقوق المراسلة.
ثم إني تسلمت جوابك على كتابي المرسل إليك بواسطة الصديق يافث وهو خلو من التاريخ، وقد وضعت عليه، استنتاجاً من روسم البريد، تاريخ 6/9/46 ولكنك تقول في كتابك الأخير الذي وصل إليّ بواسطة ابن الرفيق بشارة الذي سيصير رفيقاً معنا قريباً، إنّ الكتاب السابق موضوع في الثالث من أكتوبر/تشرين الأول، أي الشهر العاشر. ووقفت منه على ما جرى في القنصلية اللبنانية في سان باولو وغير ذلك. وجاء كتابك الأخير المسهب الوارد بطريقة خصوصية المذكور آنفا، المؤرخ في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. ووقفت منه على التفاصيل المتعلقة بموقف الوزير السودا من أمر سفري وجواز سفري المتفقة مع ما وردني من الصديق يافث نفسه.
القنصل فتح الله: مع إنه من معارفي في للوطن فإن معرفتي به كانت سطحية جدًّا. إذ هو قريب لبعض أصدقائي ولم يكن معه أي حديث خصوصي. ومما ظهر لي منه في بوينس ايرس انه "برجوازي" ميال إلى العظمة وهو يظن أنه في السلك الدبلوماسي ويرى وظيفته منصباً عظيم الشأن، وفي أول التقاء به هنا حين كنت في زيارة السفير أخبرني أنه كان أحد المدافعين عن الشيوعيين ضد القوميين الاجتماعيين في عواقب حوادث تظاهرة 2 نوفمبر/تشرين الثاني 1945 ومع أنه حاول ترقيع المسألة أمامي فأمره لم يُخلْ من مغزى، ويلوح لي الآن أنه أتتني بعض المعلومات الأولية عن هذا الشخص وأنا بعد في بيروت ومفادها أنه ذو علاقة بالشيوعيين. وأمره وأمر قنصليته لا يهماننا الآن لا فيما يختص بجواز سفري ولا في أي أمر آخر.
الوزير السودا: أعرف أمره جيداً، وهو أيضاً لا يهمنا من هذه الناحية، ولذلك لم أهتم بالكتابة إليه في صدد جواز سفري. هو رجل طائفي، انفصالي، استغلالي. وقد رافق البطريرك الماروني إلى إيطالية سنة 1936، وهناك اتفقا مع الطليان على موافقة السياسة الإيطالية، وبعد عودتهما ألقى البطريرك خطابه السياسي، الذي أوجب ردي عليه، والذي قال فيه: "وهذه إيطالية، أنجح دول العالم". أما السودا فقد أصدر من جديد جريدة الراية ووقفها على الدعاوة الإيطالية وخدمة أغراضها السياسية. وكانت برقياتها كلها مستقاة من شركة "استفاني" الإيطالية وظهرت فيها دلائل المال الإيطالي. ولم يطل أمرها حتى عطلتها المفوضية الفرنسية ومنعت عودتها إلى الصدور. ومن جهة أخرى حاول إيجاد تشكيلات من الشبيبة وتقليد تشكيلات حزبنا من جهة وتشكيلات الفاشيين الطليان الأحداث، فأوجد فرقاً قليلة هزيلة أطلق عليها إسم "السبّاقة اللبنانية" وأراد الاستناد إليها لإنشاء حركة سياسية فحاول إنشاء "الجبهة اللبنانية" وجعل "سباقته" وشخصه مركزها ومحورها فأخفق كل الإخفاق واندثرت حركاتهم وبقي شخصاً لا مركز سياسي له إلى أن انتدبه الأستاذ بشارة الخوري رئيس الجمهورية اللبنانية للوزارة في البرازيل وألحقه بالسلك الدبلوماسي.
لا حاجة للتدخل مع السودا في أمر سفري. فأنا لا يزال معي جواز سفري القديم والقنصلية الفرنسية هنا لا تزال تقوم بمعاملة أوراق السفر. وفوق ذلك قريباً يصل الوزير المفوض للأرجنتين الصحافي جبران التويني، الذي لي به معرفة أحسن، والذي يظهر أنّ موقفه أخذ يميل إلى الحزب أكثر فأكثر. وقد تسلمت منفذية بوينس آيرس كتاباً من مكتب عبر الحدود وفيه خبر أنّ الحزب يقيم مأدبة على شرف الوزير المفوض للأرجنتين، و إلى ذلك يضاف أنّ الأستاذ تويني هو والد الرفيقين غسان ووليد التويني، والأول منهما شغل وظائف عالية في الحزب وهو الآن مفوض مكتب عبر الحدود في أميركانية، بدلاً الرفيق الموقف الآن فخري معلوف الذي يظهر أنّ طارئاً طرأ على عقله أو نفسيته فألقى بكليّته في أحضان المذهب الكاثوليكي وصار همه الدفاع عن كنسية المسيح الكاثوليكية الجامعة وعن عصمة البابا "ضد قوى الإلحاد"! وطلب خلاص النفس من الهلاك بواسطة المسيح. وقد حزنت كثيراً لهذا الانحطاط الذي طرأ على رفيق كان في مقدمة مفكري حركتنا الناشئين.
عودة الزعيم إلى الوطن: باتت قريبة وقد انتقلت نهائيًّا إلى بوينس ايرس، وهنا أنا أسعى بلا توانٍ لإتمام المعاملات اللازمة. تبقى مسألة نفقات السفر الذي أرجّح أنه سيكون بالطيارة. وسأجتهد في الحصول على ترخيص بالنزول في البرازيل لمدة أسبوعين فإذا لم أوفق أقطع التذكرة رأساً إلى أوروبة ويمكن أن تجتمعوا بي الوقت الذي تبقاه الطيارة هناك أو في الوطن أو بواسطة مكتب عبر الحدود، وفي هذه الحالة قد أحتاج للمال هنا، أو أن تشتروا أنتم هناك تذكرة السفر لي من هنا إلى مصر، إذا أمكن، أو إلى أوروية، البرتغال أو إسبانية أو إيطالية أو إنكلترة أو أية نقطة فيها اتصال بخط جوي جيد إلى مصر. فإذا وجب ذلك أو كان الأوفق أطلب منكم القيام به (هذه المعلومات تبقى مكتومة).
فؤاد وجودته: أخذت علماً لما قلته لي عن الرفيق فؤاد لطف الله وعن جودته. إنه أحسن من غيره من الأغنياء الذين يطلبون المجد والعلو بالمال. وإني آسف جدًّا لأني لم أتمكن من صرف مدة من الوقت في سان باولو، لأضع أمام العناصر الصالحة مسؤولياتها الصريحة تجاه المبادىء القومية والقيم الفكرية والعملية وتجاه النظام الذي يظهر أن لا قيمة له عند الكثيرين. وإني أجد أنه سيصعب كثيراً فهم قولي: "إنه لا يوجد في الحزب السوري القومي الاجتماعي طبقات أغنياء وفقراء ومتوسطين، وإنّ الجيد في الحزب هو ذاك الذي يعبر بموجب القسم الذي أدّاه ويخدم حزبه الذي يمثل قضية أمته بكل ما أوتيه من مقدرة الذي يؤدي حق القيم في الحزب وحق النظام وحق العمل". والرفيق فؤاد لطف الله أريحي وذو اندفاع ذاتي لما يختار هو أن يندفع فيه، ولكن ذلك لا يوازي عندنا فضائل النظام والقيام بالواجب. فنحن لا نريد ان نستندي الأكف ونستنجد الأشخاص بقدر ما نريد تعليم أبناء الأمة واجباتهم العقائدية والنظامية والعملية.
تشير عليّ أيها الرفيق، أن أكتب إليهم وكنت أفضّل لو أنك حثثته على الكتابة إلى زعيمه، الذي بقي نحو سبع سنوات يتخبط في هذه البيئة المنحطة الأخلاق بلا أعوان، وحيثما التفت ورأى بصيص نور وجد أشخاصاً يريدون منه أن يصرف قواه في الاهتمام بهم وآرائهم بدلاً من أن ينصرف إلى معالجة قضية الأمة وتخطيط السياسات وحلّ قضايا الفكر الأساسية. هم يطلبون من الزعيم كتابات، وكتابات، وكتابات، كلها في مسائل شخصية فردية، أما قضايا الأمة الكبرى الاجتماعية والاقتصادية والخلقية والثقافية والأدبية وغيرها فهذه لا حاجة إلى فكر الزعيم فيها، فيكفي الزعيم أن يحظى بقبضة آراء من كل واحد منهم ويعمل بها ليقود الأمة إلى طريق الهدى.
إنّ المناصرين لهم محلهم في تقدير الحزب، وكل واحد منهم ينال التقدير الذي يستحقه بواسطة مؤسسات الحزب المختصة. ولكن هنالك فرقاً عظيماً بين درجة المناصرين الغيورين، الأريحيين ورتبة الرفقاء القوميين الاجتماعيين العاملين المنظمين. وإني أودّ لفؤاد أن يكون من هؤلاء لا من أولئك.
إنّ النهضة السورية القومية الاجتماعية قد أعوزها المال، ولا يزال يعوزها، ولكنها رغم عوزها المالي تشق طريقها بآلام ألوف الرفقاء والرفيقات وجراحهم وتسير دائماً إلى فوق، إلى قمة المجد ولا يستوي عندنا المال والتضحية.
العمل النظامي في سان باولو: أخبرتني أنكم قد عدتم إلى شيء من العمل النظامي، وأنك زرت مديرية سنطس وأعدت تنظيمها، وأنك نظمت مديرية سان باولو، فسررت كثيراً بذلك. وإني أترقب الفرص التي تمكّن مكتب الزعيم ومكتب عبر الحدود من العودة إلى استعمال المراسلات الإدارية الرسمية ومخاطبتك "بحضرة المنفذ العام لمنفذية سان باولو". إنّ العمل السوري القومي الاجتماعي في البرازيل لم يجر على المنهاج النظامي التّام وظلت فاعلة فيه روحية الصداقات والصحبة الشخصية أكثر من روحية العقيدة والنظام، ولذلك يلاحظ هناك مظهر تهدّم القيم النظامية الجميلة وتهدّل في النفوس والأعمال. فإذا تمكنت أن أوجَد بينكم ولو بضعة أيام حاولت هزكم وتنبيهكم إلى ما أنتم في غفلة عنه. وإذا لم يمكن فسيأتيكم من دوائر الإذاعة والداخلية والثقافة ما ينبّهكم.
أعضاء مفصولون: أخذت علماً بمعلوماتك عن الأعضاء المهملين: توما توما، سليم يوسف المعلوف إلياس بخعازي.
تبلّغوا أنّ الأعضاء المذكورين قد فصلوا ونزعت عنهم كل صفة وكل علاقة بالحزب السوري القومي الاجتماعي.
أكتفي الآن بما تقدم وقد مضى أكثر مما يجب على انتظار السيدة روجينا عفيش العائدة غداً إلى سان باولو بالطيارة لقدومي إليها حاملاً هذا الكتاب الذي تلطفتْ وعرضت أن تحمله إلى سان باولو بنفسها ليصل إليك.
سلامي لك وللرفقاء العاملين. ولتحيى سورية.
بعد: سيحتاج الفرع هنا إلى عدة نسخ من تاريخ سورية للرفيق إدوار (سعاده) الذي هو جيد ضمن حدوده، وإن كانت تنقصه معلومات حديثة تغيّر طابع بعض الحوادث وقيمتها.
عنواني في بوينس آيرس ما هو على الغلاف وخصوصي:
Paraguay 402
Buenos Aires
Rep. Argentina