12/1/1947
إلى حضرة المنفذ العام لمنفذية سان باولو، الرفيق وليم بحليس، سان
باولو، البرازيل
حضرة المنفّذ العام المحترم،
تسلّمت كتابكم الأخير المورخ في 31 ديسمبر/كانون الأول الماضي وأخذت علماً بكل ما ورد فيه.
العمل النظامي في سان باولو: سرني جدًّا ما ذكرتموه عن انتظام الاجتماعات النظامية وتوسع الأعمال الإذاعية وما تبع ذلك من انضمام عدد من الشبان المواطنين الذين كانوا خارج الحركة القومية الاجتماعية ضائعين بلا هدف معيّن في الحياة، وارتحت كثيراً إلى اهتمامكم بإفهام جميع المنضمين حقيقة العقيدة والنظام.
تاريخ سورية للرفيق إدوار سعاده: عندما كتبت إليكم كتابي الماضي لم أكن قد طالعت في هذا الكتاب سوى قسم من أوله فوجدت معلوماته قديمة، ولذلك ناقصة. ونظرت في خاتمته فوجدت كلامه على النهضة قليلاً جدًّا ومهملاً أهم النظريات الفلسفية الاجتماعية. ومع ذلك فإني وجدت تأويله التاريخي جيداً فيما تعلق بحوادث تاريخ سورية. فلما بلغني أنّ الكتاب أحدث ضجة، وكنت قد وضعت النسخة التي وردتني في صندوق مع كتب أخرى أصبحت مسمّرة، طلبت النسخة التي جلبها معه إبن الرفيق يوسف بشارة وقرأت فصل ظهور النبي محمد وشرح بعض سيرته، فوجدت أنّ الرفيق إدوار أخذ بكامل النظريات المقلّلة من شأن محمد المصورة أفعاله بصورة سخيفة، فكان من هذه الناحية مثيراً لعوامل دينية ضارة بالوحدة القومية. ويؤاخذ على الرفيق إدوار عدم اعتماده بحث "جنود الخلود" وتفضيله الاعتماد على نظريات مؤرخين أجانب لا يفهمون قضايانا كما يجب ويؤاخذ عليه أيضاً طبع الكتاب برمز الحزب من غير عرضه على مراجع توافق عليه فأوهم الناس أنّ الكتاب صادر عن الحزب ومعبّر عن روحيته ونظرياته. وقد كتبت تعليقاً على الكتاب يظهر في عدد الزوبعة الذي تحت الطبع تحت عنوان "شخصيات وكتب" وسيوزع بعد بضعة أيام.
الرفيق فؤاد لطف الله: سأنظر في قضية نظاميته ومسألته عندما أزور سان باولو قريباً.
عودة الزعيم إلى الوطن: يظهر أنّ الوزارة اللبنانية الجديدة أقلّ رغبة من سابقتها في عودة الزعيم فحتى الآن لم تجب وزارة الخارجية على برقية القنصلية الفرنسية المرسلة مع دفع أجرة الجواب في الثاني عشر من ديسمبر/كانون الأول الماضي الطالبة تفويض القنصلية إعطائي جواز سفر. وقبل حصولي على جواز سفري أو استيثاقي من نواله ضمن مدة معيّنة لا يمكنني تعيين يوم السفر، سواء أفي باخرة أم في طيارة. ولمّا كان الوزير المفوض في الأرجنتين الأستاذ جبران التويني لا يصل قبل اواسط فبراير/شباط القادم فقد رأيت أن أغتنم هذه الفرصة، كسباً للوقت، فأسافر إلى لبرازيل بعد نحو عشرة أيام - الأرجح يوم الخميس في 23 يناير/كانون الثاني الحاضر - بالطيارة إذ قد استحصلت على جواز سفر موقت من القنصلية الفرنسية وأجريت المعاملة مع القنصلية البرازيلية وأصبح كل شيء قانوني تامًّا وكان بإمكاني السفر في أواخر هذا الأسبوع، إذا وجدت مكاناً في الطيارة، ولكن منفذية بوينس ايرس وأوساط المحبذين تريد إقامة عشاء وداعي، وقد تقرر أمس أن يكون هذا العشاء في 21 الحاضر.
سأحاول في البرازيل تحصيل جواز سفر من القنصلية في سان باولو أو الريو، لكي لا اضطر للعودة إلى الأرجنتين لأخد جواز سفر من هنا عند وصول السفير المفوض. فأطلب منكم أن تخابروا الصديق هكتور خلاط القنصل العام بصورة مكتومة وتدرسوا معه أفضل الطرق لسحب جواز سفر بدل جواز معي بدون ضجة ولا تطويل. السيد خلاط أديب صاغ أسلوبه وأدبه ضمن اللغة الفرنسية. هو صديق وأخ للرفيق روبير خلاط القنصل اللبناني في الإسكندرية، مصر، حاليًّا.
إذا لم تنجح العملية مع الممثلين اللبنانيين في البرازيل نحاول استحصال تأشير على جواز السفر الموقت من القنصلية المصرية، فإذا أمكن ذللك كان موافقاً، إذ متى وصلت إلى مصر، أو العراق، وجدت الوسيلة اللازمة لدخول الوطن شاءت الوزارة اللبنانية أم أبت.
إذا لم تنجح هذه المحاولات، يكون موافقاً حجز مكان من درجه أولى في الباخرة الفرنسية كمبانا Campana التي تسافر من فرنسة في 20 من يناير/كانون الثاني الحاضر قادمة إلى الأرجنتين وفيها يسافر قادماً الوزير اللبناني المفوض في الجمهورية القضية الأستاذ جبران التويني فأصرف الأيام بين البرازيل والأرجنتين برفقته وتكون فرصة جيدة لزيادة تعارفنا. الأستاذ تويني غير بعيد الآن عن الحزب وله إبنان في عداد الرفقاء العاملين: أحدهما الرفيق غسان تويني الموجود الآن في أميركانية، والثاني وليد تويني ومتى وصل إليكم عدد (صدى) النهضة الصادر في 19 نوفمبر/تشرين الثاني وجدتم فيه صوراً للوزير التويني ولإبنه الرفيق وليد في الحفلة التذكارية للسادس عشر من نوفمبر/تشرين الثانى. وكان مكتب عبر الحدود قد كتب يقول إنّ الحزب أقام حفلة على شرف الوزير التويني.
مما تقدم يترجح أنّ نوالي جواز سفر أمر أكيد ولكن المسألة مسألة وقت. ولمّا كان الحزب يلحّ بضرورة عودتي بأسرع ما يمكن إلى الوطن وكنت، في الوقت عينه، أشعر بفائدة زيارة فروع البرازيل، ولو لبضعة أيام، عزمت على السفر إلى البرازيل قبل مجيء التويني، حتى إذا اضطررت إلى العودة إلى الأرجنتين أكون قد فرغت من زيارة فرع البرازيل وأتأهب للسفر رأساً وبأسرع الطرق، لأنه لم يبقَ وقت للإضاعة فالمعركة الانتخابية أصبحت على الأبواب وكان يجب أن أكون في الوطن قبل آخر السنة الماضية. ومتى وصلت إلى سان باولو نبحث جميع هذه المسائل.
في الوقت عينه يجب أن تحذروا، أثناء وجودي بينكم من أية دسائس أو مكائد من قبل (يوسف) السودا وجماعته وأن تكونوا مستعدين لمجابهة كل حركة، ويمكنكم أن تباشروا تهيئة مكان نزولي على أفضل ما يوجب الضيافة واللياقة. وقد يكون فندقاً في البدء ثم منزل بعض الرفقاء أو الأصدقاء، أو أن يكون على الدوام في فندق شرط تعيين ملازم لي في النهار كل الوقت للقيام بأية مهمه. وأرى أن الرفيق فؤاد يجب أن يعطيكم فرصة طول المدة التي أقيمها في سان باولو، لأن الوقت ضيق والأعمال قد تكون كثيرة.
هذا آخر كتاب أكتبه إليكم قبل سفري. وسيكون نزولي في سان باولو. وسأبرق إليكم وأكتب معيّناً اليوم بالضبط، الذي أرجّح أنه سيكون الخميس في 23 يناير/كانون الثاني فأصل إلى سان باولو الظهر.
إذا وجدتم تسهيلاً لجواز السفر وتأكيداً لحصوله في الحال من قبل القنصل العام الصديق (هكتور) خلاط فيمكنكم حجز مكان لي في أول طيارة بريطانية أو أميركانية أو هولندية مع تأمين نقلي إلى بيروت أو القاهرة. إنّ السرعة الآن هي التي يجب أن يكون لها الأفضلية، والطيارة التي تقلّ أنطون سعاده يجب أن تصل إلى حيث يريد.
خابر المدير الرفيق جرجي الدده والناموس الرفيق إبراهيم طنوس والمنفّذ العام لمينس الرفيق نجيب العسراوي ليحضر كل من أمكنه إلى سان باولو، فنعقد اجتماعات هامّة للحركة وتقدّمها في البرازيل وبقية أميركة الجنوبية. واوصوا الرفيق الدده بعدم إذاعة الخبر إذا وجب أن يخبر بعض الرفقاء كسابا وغيره فليوصهم بالكتمان وليذكّرهم القَسَم وما يوجبه من كتمان السر.
هذا الكتاب يصل إليكم ضمن كتاب إلى الصديق (جبرائيل) يافث تأميناً لوصوله، ولأني أكتب إليه في الوقت عينه.
سلامى القومي لكم ولجميع الرفقاء العاملين و إلى اللقاء. ولتحيى سورية.
بعد: مخاوف بعض الشبان اللبنانيين:
إن التصريحات التي يطلبها هؤلاء قد أدلى بها الحزب من زمان وعليها بني البرنامج السياسي الذي أخذ الحزب رخصة للعمل في لبنان على أساسه، فضلاً عن أن خاتمة شرح غاية الحزب تعطي تصريحاً كافياً في هذا الصدد. فإذا كانت قد وصلت إليكم (صدى) النهضة االعدد 155 الصادر في 5 نوفمبر/تشرين الثاني فاعرضوه على المتخوفين من وحدة سريعة ليقرأوا فيه تصريح الزعيم في أول عدد من النهضة الصادر في 14 أكتوبر/تشرين الأول سنة 1937 وقد مرّ أكثر من تسع سنوات على هذا التصريح الذي لم يحد عنه الحزب.