27/3/1947
إلى حضرة المنفذ العام لمنفذية البرازيل
سان باولو، البرازيل
حضرة المنفّذ العام المحترم،
كتبت إليكم كتاباً خصوصيًّا من القاهرة وأرسلت مع الكتاب صكًّا على المصرف قيمته ثلاثة كُنط لتقبضوه وتحوّلوه إليّ عملة أميركانية أو بريطانية فأتمنى أن يكون كتابي المذكور وصل إليكم.
كان جمهور القوميين المستقبلين، يوم وصولي إلى بيروت، عظمياً جدًّا، فقد قُدِّر العدد بنحو أربعين إلى خمسين ألفاً. وقد احتشد المستقبلون أولاً في منطقة المطار ثم انتقل إلى ضاحية الغبيرة حيث خاطبت القوميين الاجتماعيين خطاباً لا بد من أن يكون وصل إليكم لأنه أرسل بالطيارة. وقد كان غيظ الحكومة من ضخامة الحشد عظيماً، وكانت قد اتخذت قراراً بمنع جموع القوميين الاجتماعيين من السير في شوارع بيروت متذرعة بحجة أنه قد يجري صدام مع الشيوعيين، وهي حجة باطلة، ولكن إدارة الحزب قبلت القرار تجنباً لأي اصطدام مع الحكومة يوم وصول الزعيم. فجرى الاستقبال بنظام بديع وانتهى بدون حادث واحد مؤسف.
لم يكن في خطاب الزعيم ولا في الاستقبال ما يثير أو يسبب قلقاً ولكن السياسة الفرنسية التي لا تزال لها مراكز خفية في البلاد وعمال أمثال أصحاب "الفلائج" ("الكتائب)، رأت وجوب فعل شيء ضد الزعيم شخصيًّا فعقد اجتماع سري في دار الجزويت حضره الأب بوني إيمار وناموس السفارة الفرنسية وبيير الجميل رئيس "الفلانج" وإلياس ربابي من أركان "الفلانج" وبعض المطارنة. وبعد هذا الاجتماع صدرت جريدة العمل لسان حال "الفلانج" وفيها كتابات تحريضية ضد الزعيم وخطابه. والظاهر أنّ بعض رجال الحكومة دخلوا في الاتفاق ضد الزعيم فحالما صدرت جريدة العمل بحملتها صدرت تعليمات إلى مدير الأمن العام بوجوب "استدعاء الزعيم واستجوابه في صدد خطابه"!
والظاهر أنّ التعليمات كانت مشددة بقدر ما هي النية سيئة. فأرسل مدير الأمن العام إلى بيت الأمين الجزيل الاحترام نعمة ثابت يطلبني للقدوم إليه، وكانت الساعة نحو العاشرة ونصف ليلاً! كأنّ هناك جريمة يجب الإسراع في تعقّب المتهم بهاّ فكان جواب الأمين ثابت أنّ الزعيم في بيته وأنه لا يذهب لإيقاظه وهو يستغرب الأمر. فطلب منه الذهاب بنفسه إلى الدائرة فذهب، فطلب منه القدوم مع الزعيم نحو الساعة التاسعة من اليوم التالي. ولمّا عاد الأمين ثابت وجد مأموري التحري باقين أمام داره وبقي اثنان منهما عند المدخل إلى صباح اليوم التالي!
في تلك الليلة كنت خارج بيروت برفقة الأمين جورج عبد المسيح والرفيق الدكتور كريم عزقول. فبلغني الخبر ليلاً، وكان الرأى متفقاً على أنّ هنالك نية سيئة ضدي، إذ ليس من المألوف أو المقبول أن ترسل إدارة الأمن العام مأموري تحري لطلب قدوم شخصية أو رجلاً ذا منزلة اجتماعية وسياسية ليلاً إلا لأمر خطير مستعجل ولمسؤولية واضحة. وتقرر أن لا ألبّي طلب إدارة الأمن العام مهما كلف الأمر إذ لا جريمة هنالك ولا مسؤولية. فاتخذت مقرًّا في الجبل في منطقة قومية اجتماعية حصينة مسلحة ووضعت خطة الهجوم على صحيفة العمل وتشكيلة "الفلانج" المجبولة بالخيانة والملتوتة بالدسائس على النهضة القومية الاجتماعية. فما كاد يصدر العدد الأول من (صدى) النهضة بالحملة على الوسيلتين الأجنبيتين المذكورتين حتى انعكس الرأي في الأوساط المسممة وغير المطّلعة ضد تينك الوسيلتين وابتدأ الرأي العام يتحسس موقفنا الصحيح فمالت إلينا أوساط كانت حتى هذا الوقت بعيدة عنا أو معادية كالأوساط المحمدية وأوساط المسيحيين المغشوشين بمظاهر "الفلانج" وأساليب السياسة الفرنسية التي تسيّر تلك المشكلة المصطنعة.
وقد أثار موقفي حماس القوميين الاجتماعيين في جميع المناطق وكثير منهم أخذوا يتواردون على المركز لإظهار استعدادهم للقيام بكل حركة وكل عمل مهما كان عنيفاً وخطيراً. وفي أوساط الشام وشرق الأردن ظهر اهتمام بأمر الحزب القومي الاجتماعي وموقفه الحاضر يزيد على كل ما عرف من اهتمام سابق. ولو كانت لنا الوسائل المادية اللازمة لكانت الحالة أفضل ما يكون لقيامنا بعمل حاسم وإنقاذ الأمة من الرجعيين والنفعيين والإقطاعيين ومن جميع أسباب نكبتها وانحطاطها. مع كل ذلك وموقف الحزب ومعنوياته متينة وفي ارتفاع. والحكومة يضعف مركزها يوماً بعد يوم ولكنها قابضة على موارد الدولة ورجالها يستخدمون هذه الموارد لأغراضهم. وبلغني أنّ السيد رياض الصلح قد اشترى أملاكاً في مصر وقد كان قبل تولّيه الوزارة رازحاً تحت الديون ولا فلس في جيبه.
قد أعدّ مركز الحزب، بناءً على طلبي، قسيمات الأسهم الجديدة لجريدة ومطبعة (صدى) النهضة. وقد رأيت أن يُرسل إليكم منها ما تبلغ قيمته خمسة وعشرين ألف ليرة سورية او ما يوازي مئتين وخمسين كنط لتوزع في البرازيل ويجمع بدلها بأسرع ما يمكن والقسيمات ترسل إليكم صحبة هذا الكتاب.
في الوقت عينه أفيدكم أنه يحسن أن يُرسل إليّ ما جمع عندكم من تبرعات. وليكن عنوان الغلاف باسم السيد حسن الطويل – بعقلين، الشوف، الجمهورية اللبنانية وتكون الرسالة في غلاف داخلي باسمي. السرعة في هذا الوقت مفيدة جدًّا.
لا حاجة لأن أوصيكم بوجوب بذل الهمة في جمع مال أسهم الجريدة والمطبعة فالحاجة ماسّة ووجود المطبعة ضروري.
تتبلغون مع هذا الكتاب مرسوم تحويل منفذية سان باولو إلى منفذية عامة للبرازيل فأودّ أن تضاعفوا مجهودكم وأن تضبطوا الامور بدقة. أرجو لكم التوفيق. ولكم ولجميع الرفقاء العاملين سلامي القومي ولتحيى سورية.