‎ إلى هشام شرابي

 22/6/1948
‎ إلى الرفيق هشام شرابي
شيكاغو – أميركانية


رفيقي العزيز هشام،
لا داعي للإفاضة في أسباب تأخري في الكتابة إليك فإنك قد خبرت بنفسك، وأنت تعمل في المكتب، بعض الأسباب التي ازدادت كثيراً بعد سفرك بما أثاره المطرودون فايز صايغ وغسان تويني ومن معهما من مسائل اقتضت إيضاحاً، وباستمراري في درس حالة الحزب الداخلية ومعالجة القضايا المتنوعة ومتطلبات القضية القومية الاجتماعية الملحّة، الضاغطة، بينما الأدمغة والأيدي العاملة قليلة. والنقص يورث مشاكل لا عداد لها.
آخر كتاب ورد منك هو المؤرخ في العاشر من فبراير/شباط الماضي. وقد كلّفت عمدة الإذاعة وإدارة النشرة الرسمية والنظام الجديد والرفيق فؤاد نجار أن يمدّوك بالنشرات وأعتقد أنه، بالرغم من الفوضى التي لاتزال تسيطر في بعض أقسام الإدارة الهامّة، لا بد من أن تكون قد تسلمت بعض المطبوعات القومية الاجتماعية التي تحتاج إليها.
إنّ النقطتين اللتين رأيت، في كتابك المذكور، جعلهما مدار العمل في أميركانية:
1 – الطلبة السوريين في الجامعات الأميركانية.
2 – الاتصال بالمواطنين الذين يكتبون ويخطبون متناولين مسائل سورية. هما نقطتان جوهريتان. ولكنّي لا أرى وجوب إهمال الدعاوة بين السوريين المغتربين وحثّهم على اعتناق التعاليم والانضمام إلى الحركة. ‎وبما أنّ الرفيق (ميشال) أبي رجيلي قد قرر العودة إلى النشاط الحزبي فأعتقد أنه يمكن الاتفاق معه وغيره على جدول أعمال دعاوة مثمرة. إنّ بين المغتربين، خصوصاً أبناء الشوير الموجود منهم جماعة في مسيسبي وغيرها يرغبون في مساعدة الحركة ماديًّا إذا لم تكن لهم الرغبة في الانضمام بكلّيتهم إليها، والمساعدات المالية المنتظمة هي أهم ما نفتقر إليه الآن.
الأستاذ‎ ‏ منير سعاده، لي سابق معرفة شخصية به ويمكنه أن يكون مفيداً وتزداد فائدته إذا اعتنق المبادئ القومية الاجتماعية بكاملها بلا تعديل ولا تحفّظ. ولست أدري ما يعني "بالاعتبارات الشخصية البحتة والهامّة جدًّا" والتي تمنعه أو منعتهت من أن يكون عاملاً في الحزب. إذاعته التي أرسلتها إلى كتابك المشار (إليه) قريبة من موقف الحزب ونظرته ولكنها ليست منطبقة عليها كل الانطباق، خصوصاً في تأويل الحدث التاريخي وتقدير النتائج وقيمتها. وهو يحتاج إلى توجيه وإصلاح ليصير قادراً على التعبير عن القضية الفلسطينية من وجهة النظر السورية القومية الاجتماعية.
‎ ‏ سأكرر على دوائر النشر وجوب إمدادك بالمنشورات الحزبية لتتصرف بتوزيعها كما ترى موافقاً. إطّلعت على كتابك الأخير إلى الرفيق فؤاد نجار، المؤرخ في 26 مايو/ أيار الماضي والمكتوب باللغة الإنلكليزية وعرفت أنك ستنتقل، بعد انتهاء إعدادك M.A في الفلسفة إلى لجنة الثقافة. أحب أن أقف على ما كانت دراستك الفلسفية الأخيرة وعلى الخطط التي ترسمها لدرسك مع لجنة الثقافة.
إنك تتألم لرؤيتك الجزء الجنوبي من وطننا يصير إلى الانسلاخ عنا أمام عينيك، بكل فهم وعيك القومي. إنّ مصيبة القوميين الاجتماعيين الواعين الكبرى هي أنهم يسيرون يوعيهم وسط الفوضى والخراب الممعنة إحداثه الرجعة الأثيمة وأساليبها. إني رأيت كارثة فلسطين من زمان، آتية. وقد أعلنت وقوعها في رسالتي إلى القوميين الاجتماعيين والأمة السورية في 2 نوفمبر/تشرين الثاني 1947. وعندما كنت أسمع بالراديو نتيجة جلسة جمعية منظمة الأمم المتحدة التي أقر فيها التقسيم، كنت كأني أسمع حادثاً مضى – رواية تمثّل للمرة الثانية لا الأولى، أمام نظري - مع ذلك فإنه يصعب كثيراً تصور وقع الأمر في نفسي
ساعتئذٍ. كل ما يجري الآن هو ماضٍ يعاد تمثيله أمامي. وإن أشدّ ألمي هو أن لا أكون في حالة تمكنّي من إنقاذ القضية التي كان ولا يزال ممكناً إنقاذها. ولكن الرجعة لا تفقه إلا لغتها ولا تريد أن تعرف غير أساليبها. والشعب لا تزال أكثريته تحت وطأة النفسية الرجعية. فليس أمامنا إلا أن نتألم ونستمر في عملنا وإعداد الحركة السورية القومية الاجتماعية لمهمة تغيير المصير واتجاه التاريخ، ففي نجاحنا كل خسارة تعوّض. إنّ القضية القومية الاجتماعية هي الأساس وكل القضايا الأخرى هي فروع وأجزاء.
لست أدري طول المدة المزمع أن تقضيها في بلاد الفخفخة السياسية والميعان الفردي.
آمل أن لا تطول كثيراً وأن أراك قريباً في الوطن تعمل وتجالد معنا.
إقبل سلامي وتمنياتي لك التوفيق والنجاح. ولتحيى سورية.

أنطون سعاده

__________________

- الأعمال الكاملة بأغلبها عن النسخة التي نشرتها "مؤسسة سعاده".
- الترجمات إلى الأنكليزية للدكتور عادل بشارة، حصلنا عليها عبر الأنترنت.
- عدد من الدراسات والمقالات حصلنا عليها من الأنترنت.
- هناك عدد من المقالات والدراسات كتبت خصيصاً للموقع.