إلى وكيل عميد الإذاعة

صدر عن مكتب الزعيم: 20/8/1948
إلى حضرة وكيل الإذاعة المحترم


‎ ‏ حضرة الوكيل المحترم،
تسلمت رسالتكم صادرة رقم 18 – 9 – 16 المؤرخة في 17 أغسطس/آب الحاضر،
وبعد اطّلاعي وأخذي العلم بمضمونها، أبدي لكم الملاحظات التالية:
أولاً - مهمتكم في عمدة الإذاعة
تقولون في بدء رسالتكم المذكورة إنّ الزعيم وجّه إليكم في جلسة مجلس العمد الأخيرة المنعقدة مساء الرابع عشر من أغسطس/آب الحاضر لوماً حول إهمالكم الاهتمام بالافراج عن الجيل الجديد وبالقضايا السياسية الجارية في البلاد قبل مناقشة البرنامج الإذاعي الذي سلّمتم نسخا منه إلى الزعيم والعمد في الجلسة المذكورة. فظهر من هذا القول أنكم كنتم تنتظرون عدم تناول مسائل هامّة ومستعجلة كالمسائل التي لفت الزعيم نظركم إلى شلل العمدة تجاهها، إلى أن يكون قد نظر في البرنامج الإذاعي الذي كلّفكم وضعه. وتقولون في صدد اللوم المشار إليه إن مهمتكم في عمدة الإذاعة كانت وما تزال‎ ‏غير واضحة. وإنّ صلاحياتكم ومسؤوليتكم غير محدودة بوضوح، لا في حدودها ولا‎ ‏في طبيعتها، الخ. ففي صدد مهمتكم أقول إني أجهل الظروف والأسباب التي جرى تعيينكم وكيلاً لعميد الإذاعة فيها، فلست أدري هل تسلمتم صلاحياتكم ومسؤوليتكم بوضوح أو بغير وضوح. ولكني أعرف أنّ النص الدستوري واضح فيما يتعلق بصلاحيات وكيل العميد لكل عمدة من العمدات. وتجدون ذلك واضحاً في المادة التاسعة من المرسوم الدستوري عدد 1. ولكن يظهر أنكم لم تبالوا بهذه المادة ولا بمعرفة الصلاحيات التي يخوّلكم إياها الدستور والقوانين المعمول بها، إلى أن كانت الجلسة التي نظر فيها مجلس العمد والزعيم في البيان الإذاعي الأول الذي تقدمتم به، كما هو
مدوّن في وقائع الجلسة المذكورالمنعقدة في 21 يوليو/تموز 1948. فابتداءً من تاريخ
ملاحظتي على بيانكم الأول في صدد تجاوزكم صلاحيات وكالة العميد، يمكن القول إنكم ابتدأتم تتنبهون إلى مسألة الصلاحيات والمسؤولية. وابتداءً من ذلك الوقتت فقط، يمكن القول إنكم ابتدأتم تشعرون أنكم لم تعرفوا تماماً ولا تزالون تجهلون اليوم، كما تثبت رسالتكم التي أجيب عليها الآن، الصلاحيات والمسؤولية التي تتحملونها. فقبل ذلك التاريخ كنتم تقومون بجميع صلاحيات العميد التي لا يجوز دستوريًّا لوكيل العميد القيام بها. ومن أهم هذه الصلاحيات صلاحية التعيين، التي توجد نصوص دستورية متعددة على أنها من خصائص العميد فقط. وقد استعملتم تلك الصلاحيات بدون مشورة أو رجوع إلى مستند دستوري. ولكنكم مع ذلك لم تقوموا ولم تحاولوا القيام بمتطلبات مسؤولية العميد الذي اتخذتم صلاحياته في مسائل التعيين فقط.
أما قولكم أنه يمكن اعتباركم مسؤولاً عن سياسة العمدة فقط في الفترة التي تلي تقديم البرنامج الإذاعي والتي تشمل فترة تنفيذه التي لم تبدأ بعد، فكلام لا دخل له فيما سقت اللوم إليكم في صدده. فقد كان لومي لكم على عدم الاهتمام بتتبع قضية التعطيل الإداري للصحف، والاهتمام بالإفراج عن الجيل الجديد أسوة بجميع الصحف التي تجري مطالبة من قبل نقابة الصحافة بالإفراج عنها - صيانة للحريات الأساسية. ولعدم اهتمامكم بحوادث جارية ومستعجلة لا تشملها سياسة، ولا برنامج سياسي، كمسألة وفاة نائب لعب دوراً سياسيًّا في الجمهورية اللبنانية، وما يحسن أن يكون موقف الحزب في صدده. وما هو المظهر الذي يليق أن يظهر الحزب به. والتنبه إلى ما ستجرّه وفاة السياسي المذكور من مسائل سياسية تهمّ الحزب، وهو أكبر حزب في البلاد السورية على الإطلاق - سواء أكان تنبّهكم بصفتكم مسؤولاً عن أدق أجهزة الحزب إحساساً بالأمور والقضايا السياسية الأساسية والجارية أم غير مسؤول. وشمل لومي إياكم تخلفكم عن زيارة المخيم وتعهده بما يجب على عمدة الإذاعة في وسط تجمعي حزبي، كالوسط الذي يقدمه المخيم وليست ملاحظاتي هذه الملاحظات الأولى التي أبديتها لكم. فقد سبقت لي الملاحظات المتكررة على إهمالكم مسؤوليتكم المنصوص عنها في المادة التاسعة من المرسوم الدستوري عدد واحد، وعدم اهتمامكم بالقضايا الحزبية الروحية التي تركت من قبل عمدة الإذاعة لتعالجها عمدة الداخلية.
تستأنفون في رسالتكم دفاعكم عن تقصيركم في السهر على الواجبات الإذاعية وتقولون إنه على ضوء شرحكم يمكن النظر في مسؤولية وكيل عميد الإذاعة فيما يتعلق بالقضايا السياسية الجارية في البلاد والموقف منها. إنّ النظر في مسؤولية وكيل عميد الإذاعة ليس مفيداً بالشروح التي ترتأونها قي رسالتكم. فإذا تركنا جانباً الأمور المستعجلة التي لامكم الزعيم في التنبّه لها، والاهتمام بها، فإن مسؤولية وكيل عميد الإذاعة تكون بصورة مطلقة على الأساس الدستوري وما تقرره السلطة التشريعية في الحزب. وما يرد في رسالتكم من الخلط بين مسؤولية الشعبة السياسية اللبنانية ومسؤولية عمدة الإذاعة السياسية في الشؤون، والقضايا السياسية، لا يلغي ولا بشكل من الأشكال، وظيفة عمدة الإذاعة السياسية ولا يجوز لكم مطلقاً تعيين حدود المسؤولية التي تقع على الشعبة السياسية اللبنانية كما أجزتم لنفسكم ذلك في رسالتكم التي نحن في صددها. ومن كلامكم على الشعبة السياسية اللبنانية وصلاحياتها يتضح أنكم لم تدرسوا المرسوم الصادر بإنشائها وتحديد مهمتها.
تعترفون في رسالتكم أنّ عمدة الإذاعة الحالية من عميد الآن، وليس عليها أعلى من وكيل العميد، لا تعرف شيئاً ليس فقط عن نشاط الشعبة السياسية التي تسمّونها اللجنة السياسية، بل عن نشاط الحزب السياسي العام أيضاً، وهذا الاعتراف هو برهان قاطع على جمود عمدة الإذاعة فيما يختص بما يجري داخل الحزب وخارجه من الأمور السياسية الهامّة. فعمدة الإذاعة هي إحدى الأجهزة الأساسية في النشاط السياسي، وعدم نشاطها في الاضطلاع بوظيفتها جعلها تجهل، ليس فقط ما يجري في داخل الحزب، بل أيضاً أهمية القضايا السياسية الطارئة للحزب، وكيفية الاستفادة منها. ولا تجدى محاولتكم تبرير التقصير باعتباركم المغلوط أنّ الشعبة السياسية اللبنانية أصبحت مسؤولة عن القضايا السياسية الإذاعية التي هي من خصائص عمده الإذاعة. فإن تقصيركم في هذه الأمور سابق لإنشاء الشعبة السياسية اللبنانية وسايق لجهلكم مدى صلاحيات وكيل عميد الإذاعة ومسؤوليته. وعلى سبيل المثل، أثبت لكم تقصيركم عن تعهّد ما يجري في مناطق الحزب من القضايا الروحية والسياسية التي تتطلب معالجة مباشرة، من قبل عمدة الإذاعة، ليس فقط في المناطق البعيدة عن المركز، بل في منطقة منفذية بيروت أيضاً، حيث يقوم المركزوتقوم عمدة الإذاعة. وكان التقصير قد بلغ بكم حدًّا أجزتم لنفسكم فيه التخلف عن اجتماع روحي هامّ يعقد في إحدى مديريات بيروت بحضور الزعيم بنفسه – مديرية المنارة. ويزيد في ضخامة هذا التقصير أنكم تخلّفتم عن حضور الاجتماع بعد أن طلب الزعيم منكم حضوره وأكدتم له أنكم ستحضرون. ومع ذلك تغيبتم. وكان حضوركم اجتماعات أخرى تحت إلحاح من الزعيم ولوم وتأنيب. وفي هذا الصدد أقول إنه ما كان يحتاج للزعيم لتعهّد مديريات بيروت بنفسه لو كانت عمدة الإذاعة قامت بوظيفتها النظامية، وعملها الإذاعي كما يجب.
كذلك ألفت نظركم إلى تخلّفكم عن واجبات أولية كحضور محاضرات ومباحثات وأحاديث توجيهية أساسية يلقيها الزعيم، وتخلّفكم عن الاتصال اليومي بالزعيم لإطلاعه على ما يجري وما يجدّ، ولأخذ توجيهاته وتعليماته في ذلك – رغماً عن تكرار طلب الزعيم ذلك منكم كما من جميع العمد.
ثانياً – قضية الجيل الجديد:
تتناولون في رسالتكم قضية تعطيل الجيل الجديد ووجوب الإفراج عنها، على غير الأساس الذي يجب أن تبحث عليه. فقضية الجريدة اليوم أثارها الزعيم في جلسة مجلس العمد الأخيرة، بناءً على بحث مشروع قانون الصحافة الجديد، ومطالبة نقابة الصحافة بإلغاء مبدأ التعطيل الإداري خصيصاً التعطيل إلى أجل غير مسمى، وعلى المطالبة من قبل نقابة الصحف ومن قِبل الصحافيين أنفسهم بالإفراج عن الصحف المعطلة، وليس بناءً على تولي السيد غبريال المرّ وزارة الداخلية. فالمسألة مسألة حرية الصحافة وإلغاء التعطيل والإفراج عن الصحيفة، وليست مسألة إفراج موقت عن الجريدة على غير هذا الأساس.
وقد شرحت لكم ذلك في جلسة مجلس العمد الأخيرة، مبيناً الأسباب التي أرى أنها تجيز، لا بل تطلب، العودة إلى النظر و إلى المطالبة بالإفراج عن الجيل الجديد والتي تختلف كل الاختلاف عن الأسباب التي دعتني إلى إرجاء النظر في مسألة الإفراج عن الجيل الجديد، في السابق. وإني أستغرب كيف أنكم أغفلتم أيضاً حي لكم هذه الأسباب في جلسة مجلس العمد فعدتم إلى بحث قضية الجريدة على غير الأساس الذي طلب الزعيم بحثها عليه.
الخلاصة: إنّ الأمور المطلوبة في عميد الإذاعة وفي وكيل عميد الإذاعة وفي ناموس عمدة الإذاعة هي أمور منها إداري محصور ومحدد في نظام الصلاحيات والمسؤولية، ومنها سياسي لا يحصر في مواد قانونية ولا في نص معيّن. بل يستوحى من متطلبات الوظيفة نفسها. ويتعلق رأساً بالأهلية الشخصية وقوة الفاعلية والاستنباط أو المبادرة في الأشخاص القائمين على جهاز دقيق وحساس كجهاز عمدة الإذاعة. وأعني بلفظة "سياسي" كل ما يمسّ قضية من القضايا العقائدية أو العملية للحزب، وليس الأعمال السياسية والدبلوماسية والتقنية التي تبقى من خصائص أجهزة أخرى، تعيّن وتحدد صلاحيتها بمراسيم خاصة.
فلست أخالكم تظنون ان الزعيم او مجلس العمد أو الشعبة السياسية اللبنانية يشعر بضير أو ضرر إذا تقدمتم بإثارة قضية كقضية الافراج عن الجيل الجديد أو كمسألة مأتم النائب السياسي وظهور الحزب فيه، خصوصاً وأنتم لا تبتّون بشيء بل تعرضونه على الزعيم أو في مجلس العمد حتى ولو توهمتم أنّ ذلك ليس من صلاحيات عمدة الإذاعة. ومنها أمور تطلب من العميد، أو الوكيل، أو الناموس أن تنتظر منهم بحكم الوظيفة والأهلية لها، أكثر مما بحكم الصلاحية الإدارية أو المسؤولية الإدارية.
إنّ الجهاز الإذاعي شديد الاتصال بجميع القضايا السياسية التي تعرض للمنظمة القومية الاجتماعية لأنه الجهاز المخصص للتعبير عن سياسة الحزب وشرحها وشرح موقف الحزب من جميع القضايا السياسية والاجتماعية ولمعالجة القضايا السياسية والروحية إذاعيًّا، من وجهة نظر الحزب.
إنّ توجيه كتابكم ولهجته خارجان عن الروحية القومية الاجتماعية والنظامية المثالية في مخاطبة مصدر التشريع والتوجيه في الحزب. فموقفكم موقف المدافع المجادل لا موقف المبدي وجوه نظر يسأل الموافقة عليها، كما كان يجب أن يكون.
وتفضلوا بقبول سلامي القومي. ولتحيى سورية.

المزيد في هذا القسم: « إلى فوزي معلوف إلى هشام شرابي »

أنطون سعاده

__________________

- الأعمال الكاملة بأغلبها عن النسخة التي نشرتها "مؤسسة سعاده".
- الترجمات إلى الأنكليزية للدكتور عادل بشارة، حصلنا عليها عبر الأنترنت.
- عدد من الدراسات والمقالات حصلنا عليها من الأنترنت.
- هناك عدد من المقالات والدراسات كتبت خصيصاً للموقع.