3/8/1948
إلى الرفيق هشام شرابي
جامعة شيكاغو
رفيقي العزيز،
تسلمت كتابك المؤرخ في 3 يوليو/تموز الماضي وفرحت بوصوله وبمضمونه،
وكان سروري كبيراً بالنتائج الفكرية والروحية التي حصلت من اختباراتك في البيئة الجديدة الغريبة التي قضيت فيها ما يقارب السنة. وقد ساعدك الاغتراب والابتعاد عن المشاكل اليومية المتنوعة الملحّة في الحركة القومية الاجتماعية، مع الاتصال بالنتاج الفكري الثقافي، على التأمل في هدوء في الأساس العَقَدي للنهضة القومية الاجتماعية العظيمة التي نقوم بها، ومقابلته بغيره مما عرض لك في دراستك وفي احتكاكك بأنواع العقائد والمذاهب التي عرضتها أمامك البيئة الإنترناسيونية التي قضيت فيها المدة الأخيرة، وإدراك عظم الرسالة الإنشائية التعميرية التي نحملها ونعمل لتحقيقها.
إنّ نظرتك الواضحة إلى ما وصلت إليه واقتناعك باكتفائك من الدروس الفلسفيةوبحاجتك إلى العودة إلى الوطن - إلى مدرستنا الفلسفية الإبداعية، لمعالجة أسسها العقائدية وإكمال بناء نفسك في تعاليمها وتثقيف الأفكار بها إنّ هذه النظرة تتفق كل الاتفاق مع حديثي الأخير إليك و إلى الرفيق فؤاد نجار في وجوب البناء النفسي الفلسفي في تعاليمنا ومذهبنا الأصيل، وإني أرحّب كثيراً بعزمك على العودة إلى الوطن في أواخر هذه السنة. فالعمل العقدي الثقافي يحتاج إلى هذا الإحساس الحي الفاعل المتجلي فيك. ونحن في معركة فكرية سلاح أعدائنا فيها ليس من أفكارهم وتعابيرهم بل من أفكارنا وتعاييرنا! فهم يقتبسون كل نظراتنا الفلسفية والسياسية ومبادئنا الاجتماعية ويمسخونها ويصبغونها بمعتقداتهم ودعواتهم العوجاء فيظنهم الناس منشئين ومفكرين! ولمّا كانت وسائلهم للنشر أكثر كثيراً من وسائلنا، وكان الوقت اللازم لعملهم باطمئنان واستمرار مستتباً لهم، فإن الكثير من أفكارنا أصبح يُعرف عنهم أكثر مما يُعرف
عنا في أوساط لمّا تصل إليها إذاعتنا.
من جهة أخرى نحن في حاجة كبيرة إلى زيادة إنتاجنا الأدبي و إلى بث روح النهضة الأولى والإيمان بالنصر والحرب من أجله. إنّ الميعان السابق الذي تولد أثناء غيابي بعامل الاتجاهات الفردية غير المسؤولة كاد يفقدنا معنى القضية والإيمان بالتعاليم والعمل في وحدة الاتجاه، وكدنا نعود إلى الفوضى التي من أهم أهداف الحركة القومية الاجتماعية القضاء عليها. لذلك أسرّ كثيراً بتنبّهك إلى هذه الناحية الهامّة من العمل القومي الاجتماعي الظاهر في العبارة الواردة في كتابك: "إنّ مراجعتك التعاليم وأدب العقيدة قد أدت إلى شعورك بالنقص الشديد في الاهتمام بهذه القواعد والحاجة الملحّة لمعالجة هذه الأسس العقدية ودرسها وتمحيصها وبناء الصرح العقدي الهائل الموجود فيها ضمناً، عليها" وإني أرحّب كثيراً برأيك في تقسيم العمل بين اختصاصصين وهو ما كان من جملة قواعد التنظيم الحزبي التي وضعت تشاريعها. بمثل هذا الفهم يمكننا أن نواجه المستقبل، بصفتنا حركة، بثقة عظيمة تذلل كل صعب.
إنّ عودتك في أواخرهذه السنة تأتي مناسبة لاحتياجات النهضة العظيمة التي تقوم بها. ومع أني كنت أود أن تكمل درس الدكترة من أجل قيمة المركز العلمي والرتبة بالنظر لمفهوم البيئة ونظر المؤسسات التهذيبية، فإني أفضّل اكتفاءك من التخصص في العموميات بما وصلت إليه لتتصرف إلى التخصص في فلسفتنا وقيمنا والعمل في ثقافتنا. فمجموعنا القومي الاجتماعي في أشد الحاجة إلى المتخصصين في عقيدته الذين ينصرفون إلى توطيد أسس نهضته وتقوية ثقته بنفسه وبمصيره. وإنّ وجودك بقربي سيعينني على تصريف أمور كثيرة تزدحم وتتراكم حولي وليسوا كثراً الذين أستطيع تكليفهم النظر في بعضها. ولكن المشكلة التي يجب حلها هي عملك الكسبي في المكان الذي يقوم فيه مركز الحزب. فإذا لم نوفق بمركز لك في الجامعة الأميركانية وجب أن نبحث كل المشاريع والإمكانيات التي تمكّن من إبقائك في المركز. ولعل حالة الحزب المالية تتحسن بحيث تتمكن من توفير بعض الأسباب، ولكن وجودك هنا سيساعد كثيراً على حلّ هذه المشكلة.
لا مانع عندي أو في المركز من زيارتك للأمين السابق فخري معلوف مع أني أرجّح، بالنسبة إلى المعلومات، عدم الفائدة من زيارته إلا فائدة الوقوف على حالته.
وردتني بصورة متتابعة قصاصات الجرائد الأميركانية في صدد المسألة الفلسطينية وهي مفيدة لمعالجتنا الأمور، وآخر ما ورد هو قصاصة مجلة تايم في 16 أغسطس/آب الحاضر المحتوية على مقال "إسرائيل".
أتمنى لك النجاح التّام في أطروحتك وآمل أن تعود سريعاً معافى فنعود إلى الاجتماع والتحدث والعمل معاً. إقبل سلامي القومي. ولتحيى سورية.
بعد: إذا توقفت في العمل مع السيد منير سعاده فيمكنك تكليفه الاهتمام بمراسلتنا ومواصلتنا بكل ما يهمّ قضيتنا مما ينشر في أميركانية.