من رسالة إلى فخري معلوف
4/3/1945
"نقلاً عن كتاب إلى أين؟ بحث تحليلي نقدي في موقف الحزب السوري القومي من الفكر والدين وحريتهما. بيروت، 1947. ص 43، 44".
"... إذا كنت أنت قد اقتنعت بخصائص المذهب الكاثوليكي، ووجدت في ذلك استقراراً نفسياً من حيث المسائل الروحية التي تصل إلى آماد لا ترمي إليها المبادئ القومية، فذلك لا يجد عندي غير السرور لارتياحك!".
"... تعلم يا عزيزي، أنه ليس في عقيدتنا القومية الاجتماعية ما يحرم العقائد الدينية، أو يحجز حرية الفكر في أي أمر من الأمور الروحية والقضايا الفكرية، بشرط أن لا تطلب الهيمنة على عقيدتنا القومية الاجتماعية، أو إفسادها، أو تعطيل غايتها الأخيرة. وقد كنت حريصاً جداً على عدم مزج إيماننا القومي بقضايا الإيمان الفردي اللاقومي الذي له صفة مجاوزة من العقيدة القومية. ولذلك فصلتُ بين كتاب عقيدتنا، الذي هو المبادئ وشرحها، وكتاب نشوء الأمم وكل كتاب آخر يشمل مسائل تخرج عن حدود عقيدتنا القومية الواضحة. فالسوري القومي الاجتماعي يمتحن سلوكه وعمله، ويحاسب، وفاقاً لمبادئنا، ولا يمتحن ولا يحاسب بموجب كتاب نشوء الأمم.
وإذا عدت وتمعنت في دفاعي في المحكمة المختلطة، وجدت لي تصريحاً هاماً: فقد قلتُ في عرض دفاعي المذكور، إني لا أرغب في محو التنوع الفكري من حركتنا، بل أرغب في المحافظة عليه وتنميته، لأني أرى أنه لازم لفلاحنا. وشرح مبادئنا واضح لا التباس فيه. ومبادئنا وشرحها هي المرجع الوحيد لتفكيرنا المجموعي. وكل أقوال الزعيم وكتاباته، التي يمكن عدها شروحاً إضافية، هي تلك التي تختص بما اختصت به المبادئ الاجتماعية وشروحها. فلا يدخل في ذلك أي أمر يتناول الاعتقاد بما وراء المادة، والنفس الإنسانية، وخلودها، ووجود الخالق أو عدمه. فكتاب نشوء الأمم يمكن اعتماده في سائر تطور الجماعات الإنسانية نحو كيان الأمة، ونشوء القومية، بما أورد من الحقائق العلمية، والتحليلات والتعليلات المفيدة ـــ ولا حاجة لاعتماده في أية قضية عقائدية دينية تتعلق بالنفس الإنسانية مطلقاً، وما قبل الحياة وما بعدها...
"... ولما كنت قد تبينت، فوق، مركز كتاب نشوء الأمم في حركتنا القومية الاجتماعية، فإني اعتقد أنّ هذا الإيضاح يكفي لنفي الاقتناع الأولي، الذي يمثله قوله: إنّ كتاب نشوء الأمم من الوجهة الدينية، "لم يدع مجالاً للمؤمن المسيحي أو المسلم لاعتناق الفكرة القومية الاجتماعية، كما يمثلها الزعيم، بأسرها وبدون تحفظ". وإني مقتنع معك، وهذا كان اقتناعي منذ البدء، بأن النظريات المتعلقة بالدين، الواردة في نشوء الأمم ليست ضرورية ولا لازمة من قبل الفكرة الاجتماعية، التي هي أساس عقيدتنا وجوهر النهضة. وإني، عملاً بهذا الاقتناع، لم أدخل شيئاً من هذه النظريات في شرح المبادئ المخصص لعقيدتنا القومية الاجتماعية الخالصة ـــ مع أنّ إنشاء "الشرح" كان بعد كتابة نشوء الأمم لذلك يمكن القول، بدون تحفظ، إنّ المؤمن المسيحي أو المحمدي، لا يجد مانعاً قط من اعتناق الفكرة القومية الاجتماعية كما يمثلها الزعيم، بأسرها وبدون تحفظ".