3/2/1940
رفيقي العزيز كامل،
وردني هذا الصباح كتابك المؤرخ في 30 يناير/ كانون الثاني الماضي، فسررت جداً بالتأثير الجيد الذي كان لفرصة الراحة والنزهة عليك ولعودتك نشيطاً معافى لمتابعة العمل للحياة الجديدة.
تقول في كتابك إنه ساءك ما ورد في العدد من سورية الجديدة في أخبار الأرجنتين، فلم أستغرب ذلك كثيراً من الوجهة التقديرية، ولن أستغرب الأفكار التي تولدت لك من جراء اطلاعك على الأخبار المذكورة والتي أوردتها تحت عنوان «ملاحظات» وافقك عليها الرفيق نجيب [العسراوي]. وإنما استغربت وضعك هذه «الملاحظات» بهذا الشكل الجازم الذي لا يدل على أنك تشعر وتأخذ بعين الاعتبار أن الزعيم لا بد أن يكون عارفاً بهذه الأمور ومقدراً هذه الاعتبارات وأن نظره في هذه المسائل، كما في غيرها، بعيد، وأن نوع الأسباب التي يبني عليها تدابيره تختلف كل الاختلاف عن نوع الأسباب التي يبني عليها كثيرون آراءهم، ويجب ألا يغرب عن البال أن الزعيم نجح كل النجاح في جميع الخطط والأعمال التي حكم عليها غيره بالفشل.
إني كنت عالماً بأن ما سينشر في العدد المذكور فوق سيسبب استغراب كثيرين من الرفقاء ومن غيرهم، ولست أنت أول من أخذه الاستياء من جراء ما نشر [....] وكم من الحركات الفاصلة في لعبة الشطرنج سبّبت في البدء استغراب الكثير من المراقبين الذين يعرفون اللعبة وأدهشهم، فعدّوها غلطاً فاحشاً أو خسارة وقت أو دليلاً على عدم إدراك حقيقة الموقف وعوامل القضية إدراكاً جلياً فلا يمضي وقت على سياق التطور حتى يظهر جلياً أن هذه الحركة أو الحركات هي التي أوجبت ربح الدق.
وملاحظاتي على ملاحظاتك هي كما يلي:
أولاً ــ لو لم يكن هنالك داع قد تجهله ويجهله الرفيق نجيب، للحملة على «البنك السوري اللبناني» لما كانت حدثت «الحملة»(22). وهذه الهزة الصغيرة التي لا تزال بعيدة كل البعد عن أن تكون حملة لم تجرِ عن جهل بمركز البنك والمصالح التي تربط المواطنين به، ولا عن جهل أو استهتار بالفوائد والأضرار المحتملة أو المقدرة.
ثانياً ــ إن كل انتقاد يحتمل أن يوجهه إلينا الخصوم بسبب ذكر انسحاب راغب كيتلون وانسحاب بعض أعضاء مجلس توكومان يمكن تعطيله حال اطلاعنا على نوعه وشكله. وأما قولك «وعلينا تجنب ذلك» فلا أدرك إذا كنت تقصد به علينا كلنا أو عليكم أنتم في توكومان تجنّب الانتقادات.
فإذا كان الأول فيمكن حسبانه في غير محله ولا يمكن اعتباره إلا من حيث هو تقديم رأي شخصي، مع إغفال وجهة الإلزام الذي يوجبه شكل العبارة.
وإذا كان الثاني فهو تقدير سريع يحسن إعادة النظر فيه. وقد يكون الأفضل أن تدرسوا الوضعية، بناءً على الواقع، في جلسة لهيئة المديرية وترسلوا إليّ بياناً بنوع التأثيرات التي أحدثها نشر تلك الأخبار وتفاصيلها وحقيقة الانتقادات الموجهة بناءً على نشر الأخبار، مع التقديرات للفوائد والأضرار التي يمكن أن تحدث ضمن نطاق منطقة المديرية ليتسنى لي النظر في أشياء حقيقية واقعية وإعطاؤكم التوجيهات التي تمكنكم من التغلب على كل صعوبة وتلافي كل نتيجة غير مستحسنة. كل المعارك تشتمل على مبدأ التعرض للأخطار. والنصر لا يكون بتجنب الأخطار، بل بغلبتها.
وأما قولك إنه «يلحقك إحراج لمركزك تجاه الأعضاء بعد اقتناعك برأيي القائل بعدم قطع العلاقة» فضمن المنظمة القومية لا يكون لأحد مركز تجاه الأعضاء أو تجاه غيرهم من الناس، ولا يكون للقومي غير مركز واحد هو مركزه تجاه الأعضاء العاملين بإرادة الزعيم.
وفي قولك المتقدم شيء غير واضح لي، خصوصاً إشارتك إلى رأيي إليك «بعدم قطع العلاقة» فالذي أذكره جيداً هو أني اجتمعت بك أخيراً قبيل سفري من توكومان وبحثت معك موقفك من إدارة البنك في توكومان وأهمية وجودك أو عدمها وتبدّى لي، بناءً على استيضاحي إياك، أنه لا فائدة عمومية تستأهل عناء وجودك في الإدارة، وأن هذه المسألة لم تعد هامة في نظري لانعدام إمكانيات الفائدة العملية الواسعة منها.
وقد أكون، مع ذلك، أشرت عليك بعدم قطع كل علاقة من باب الاحتياط للمستقبل، ولست أدري إلى أي حد ترجمت إشارتي هذه. والحقيقة أني استغربت أن أعرف أن السيد موسى عزيزة عرف بعودتك إلى العمل في البنك وإعادتك الصلات القديمة، وأنا حتى الآن لا أعرف شيئاً منك عن المسلك الذي قررت سلوكه في مسألة البنك، مع أنك تعلم اهتمامي بهذه الناحية التي لها علاقة بالخطة العامة في الأرجنتين.
وكان الواجب يقضي عليك بإطلاعي على خطواتك الجديدة في هذه النواحي ليكون كل موقف جلياً أمامي. ومن الأمور التي يجب أن تكون واضحة لك هو أنه في عداد الأمور التي أجهلها: الضرب بتخت الرمل.
ثالثاً ــ لم تنشر أسماء الرفيقات في بوينس آيرس، بل نشر «بعض أسمائهن» أي أسماء الرفيقات اللواتي يشكّلن محور جميع الحركات النسائية في الأرجنتين. ولا بأس ألا تجد ذلك صواباً. أما الوعد بنشر أسماء بعض الرفيقات في توكومان فيمكن أن يحقق بعد أن يحصل مكتب الزعيم على الأسباب الكافية.
رابعاً ــ [موسى] عزيزة: لا نكران في أنه، مع كل دهائه وجميع نياته ومناوراته، تمكنت من استخدامه لمصلحة القضية في حين كان يرمي هو إلى استخدامي لمصلحته الخصوصية. وكن على ثقة من أني لا أنبذه مرة إلا ساعة أجد أن مصلحة القضية تقضي بذلك.
أما مراسل سورية الجديدة فلا حاجة للإيعاز إليه بالتأني، لأن تأنيه لا مزيد عليه. ويحسن أن تعلم أن عزيزة لم يقدم على فعل شيء من تلقاء نفسه، ولم يكن ما قام به سوى نتيجة وضعي إياه في مكان من خطتي.
وما كانت إشارتي إليك بعدم قطع كل علاقة إلا بناءً على حساب متعلق بخطتي السياسية. وفي الأخير أقول إن اعتقاد القوميين الراسخ بأن الزعيم يفعل دائماً ما تقضي به مصلحة القضية، وبأن في تأييد موقف الزعيم وتنفيذ جميع تدابيره مصلحة القضية هو مبدأ أساسي من مبادئ الجهاد القومي. ولست أدري إذا كنت فكرت جيداً في نتائج تفكيرك هذا في إدارة الزعيم وإشراكك رفيقاً آخر ورفقاء آخرين عليك وعلى الرفقاء المشتركين وعلى الروحية العامة التي يتلمسها مجموع الرفقاء في رؤسائه الذين يأخذ منهم القدوة.
كنت أرتقب وقت تمكنك من المجيء إلى بوينس آيرس لأني أقدّر أهمية تفكيرك العلمي، وأحب إشراكك في درس بعض الأمور والتدابير التي تمكنك من الاطلاع على شؤون ووجوه نظر هامّة، ومن الدخول شيئاً فشيئاً تحت ظواهر الأمور.
وإني مسرور جداً بشيء أساسي فيك هو اهتمامك الجدي بكل أمر له علاقة بموقف من المواقف التي تجد لك معرفة بها، أو رأياً فيها، أو تعتقد أن لها مساساً بالقضية، وهذا يدل على سهرك.
وهنالك شيء آخر أساسي فيك هو نوع تفكيرك العملي الممتاز. فلا تعتقد أني استأت من «ملاحظاتك»، كلا بل إني قد سررت بها من هذه الناحية، وإنما رأيت الإجابة عليها كما يليق بالزعيم ولكي لا نكسب مسائلنا النظامية صفة شخصية.
كتبت إلى الرفيق جبران [مسوح] منذ بضعة أيام وكلفته سؤالك القدوم معه وسؤال الرفيق نجيب أيضاً القدوم في أواخر هذا الشهر لدرس عدة مسائل جوهرية والاشتراك في تبادل الآراء حول بعض المشاريع وتقليب بعض وجوه الموقف. وإني أرى هذا الأمر ضرورياً ولا تغني عنه الرسائل، التي تأتي متأخرة ولا تعطي النتيجة الكلية التي يعطيها الدرس المشترك.
وقد أخبرت جبران أن سفري إلى سانتياغو تلبية لدعوتها يرجّح أن يكون بعد أول مارس/ آذار، أي بعد الفراغ من عدة مشاريع. ومن ثم أزور التوكومان أيضاً، ولكن زيارتي توكومان لا تغني عن اجتماعنا مع بعض الرفقاء الآخرين، فيكون لنا شبه مؤتمر صغير أي لجنة تدرس مسائل هامة عامة.
كتبت إلى جبران أيضاً في مسألة ما ذكرت لي من حدوث بعض المخالفات، وفي كتابه الأخير إليّ يقول إنه اجتمع بك ورأى أنها «مسائل طفيفة»، فأجبته أنها قد تكون طفيفة في حد ذاتها ولكنها بالنسبة إلى النظام لا تكون كذلك. فليس تجاه النظام مسائل طفيفة ومسائل غير طفيفة.
وبهذه المناسبة أجيبك على رأيك في تقديم استقالتك، أنه لا وجه لهذه الخطوة، والصواب هو رفع تقرير بما حدث ليصير وضع كل شيء في محله، خصوصاً في هذا المبدا التأسيسي، والقاعدة التي أسير عليها وأطلب من جميع المسؤولين التقيد بها هي: عدم الاستهتار بشيء من هذه «المسائل الطفيفة».
في ما يختص بمديرية السيدات يمكن المرشحات مباشرة أعمالهن بصورة شبه رسمية إلى أن يرد القرار المثبت لهنّ رسمياً.
أود أن تكون والعائلة براحة وهناء، ودائماً بالصورة الجميلة التي أحملها في نفسي.
سلامي لك ولها وللرفقاء. ولتحيى سورية.