إلى جورج بندقي

2/10/1940

الرفيق الساهر جورج بندقي،
بعد إرسال كتابي الأخير إليك، وردني كتابك المسهب المؤرخ في 24 سبتمبر/أيلول الماضي، ووقفت منه على جلية الأمر في صدد مقالات "جنون الخلود" وموقف الرفيقين فؤاد وتوفيق [بندقي]. والظاهر من هذا الحادث أنّ الرفيقين فؤاد وتوفيق نسيا أنّ إنشاء الجريدة كان لتكون تحت مطلق تصرّف المراجع الحزبية، وبدون أن يكون لهما، أو لأي منهما، تدخّل في شؤون هذه المراجع وما تنشره، وأنهما لا يفهمان شيئاً عن فلسفة التنظيم والحكمة من التزام كل فرد دائرة اختصاصه فلا يتعداها. ولذلك حصل في مسألة سورية الجديدة ما يحصل للجيش الذي يخرج بعض جنوده من أماكنهم ليتدخلوا في شؤون القيادة على نسبة معرفتهم وإدراكهم: عرقلة خطط المعركة.
الجريدة ليست مجلة علمية. والجريدة الحزبية تدخل كل معركة حزبية. ولمّا كانت مهمتنا الاولى كشف القناع عن سِحَن المشعوذين "الوطنيين" الحقيقية، فإننا لا نستطيع إنقاذ الشعب من شعوذاتهم بالسكوت عليها، لتحقيق رصانة جوفاء ونظرية خرقاء. وما هي النتيجة التي نتوخاها من إطباق جفوننا على القذى؟
أما قول فؤاد وتوفيق إنّ ما نشر "يسيء إلى سمعة الحزب وسمعتهم" فهو نتيجة تحليلك لما حدث لهما مؤخراً بتأثير الماكرين.
النتيجة الواقعية لموقفهما هي أنه لم يعد لي أية سلطة على سورية الجديدة، وأنّ السلطة لإدارة الجريدة وسياستها أصبحت في الرفيق فؤاد أو في يده ويد الرفيق توفيق. وهذا يعني أنّ مسؤولية الإدارة وسياسة الجريدة عائدة إليهما وحدهما.
إني بذلت كل ما في وسعي لجعل الجريدة ذات مركز شبه رسمي في الحركة القومية. وكنت انتظر حصول جميع الأمور التي رسمتها لتصدر إذاعة رسمية تجعل القوميين في جميع العالم يعدّونها الجريدة شبه الرسمية للحزب. ولكن موقف فؤاد وتوفيق وتدخّلهما في تحريرها أولاً، على زمن رشيد شكور، وأخيراً بنشر صور ومقالات وترجمات تخص إذاعة إحدى الدول لم يشجعاني على تنفيذ هذه الخطة. وأظن أني أخبرتك أني حوّلت المساعي التي كانت مبذولة في هذه البلاد لإنشاء جريدة إلى إنشاء مجلة لتبقى سورية الجديدة منفردة بخاصة الجريدة في هذا الوقت.
قد يتذمر الرفيقان فؤاد وتوفيق من النتيجة المادية، ولكن لا حق لهما بذلك، فالجريدة نشأت في جو مسموم وحملت الرسالة ضد دعوات قديمة متأصلة. ولكنها تمكنت أخيراً بفضل قوة الرسالة والمقالات العظيمة القيّمة التي نُشرت فيها من اكتساب مركز سامٍ لم تكتسبه جريدة أخرى في المهجر، وأصبح الجو متهيّئاً لاتساع انتشارها. وفي هذا الوقت حين تلوح تباشير الفجر بعد ظلمة الليل يقف الرفيقان فؤاد وتوفيق هذا الموقف اليائس ويفشلان.
والحقيقة أني أصبحت تعباناً من مخابرتهما بالواسطة. وما داما يريدان أن يكونا مرجع الجريدة الأعلى فلماذا أتعب سدى. ولست أغضب أو أنزعج إذا استقلا بأمرها، على شرط أن يحملا كل مسؤولياتها. وإني مستعد لأن أساعدهما بكل ما أقدر عليه من وقتي، ولكني لا أتدخل في سياسة الجريدة ومسؤولية تحريرها وتوجيهها. وهذا الحل قد يكون أفضل حل لشراكة لا يتفق الطرفان على سياسة أعمالها، فيستقل أحدهما بكل مسؤولياتها. وما كان يكون عندي أي مانع من الاستقلال بإدارة سورية الجديدة المادية أيضاً لو أنهما خابراني في هذا الأمر، ولكنهما كانا دائماً يقولان نحن مستعدان لحمل نصيبنا من المسؤولية المادية ما دامت الحركة تحمل المسؤولية المعنوية التي لا يشتركان هما فيها، إلا بمقدار ما هما عضوان في الحزب. وهكذا أجد أنّ الأفضل أن يستقلا هما بها، إذ لا أتمكن أنا من حمل مسؤولية أعمال لا يعود إليّ أمر البتّ فيها. وهما بايعاني الزعامة عليهما فأحمل أنا مسؤوليتهما ما داما خاضعين لتوجيهاتي، ولكنهما حين يخرجان على التوجيهات يصبحان مسؤولين عن جميع الأعمال مباشرة وبدون شراكة أحد.
والآن فليديرا هما الجريدة بأنفسهما كما يحبان ويرغبان، فلا تكون لهما ملامة على أحد ولا تذمر من أحد. وكل ما أفعله أنا هو أني أكتفي بإرسال توجيهاتي إلى الكتّاب القوميين أنفسهم بدلاً من إرسالها إلى الجريدة، فيكون ما ينشره هؤلاء الكتّاب معبّراً عن روحية الحركة واتجاهها، وكل ما ينشر في الجريدة من أقلام كتّاب لا أعتمدهم في توجيهاتي لا تكون له أية قيمة توجيهية للقوميين أو أية علاقة بموقف الحزب، وتكون مسؤوليته على إدارة الجريدة المنفصلة عن إدارة الحركة. فتكون لِـــ سورية الجديدة صفة "جريدة قومية خصوصية شخصية". وبهذه الصفة أناصرها بكل قوّتي وأمدّها بكل مساعدة أقدر عليها، ولكني لا أكون مسؤولاً عن شيء من سياستها وأمورها الإنشائية والتوجيهية. ويجب أن يفهم أنّ مساعدتي لها تكون بقدر محافظتها على مبادئ الحركة السورية القومية وعلى صفتها السورية القومية. إني لا أظلم أحداً ولكني لا أقبل الظلم على نفسي أو على الحركة القومية التي تعرضت كثيراً لتحمّل مسؤوليات جلبتها عليها نزعات بعض الأفراد القوميين الذين أخذوا ينفّذون سياساتهم الخصوصية باسمها. ولا أكتمك أنّ خروج سورية الجديدة على توجيهاتي في ما تنشره من صور ومقالات لم تحصل على موافقتي جلب على الحركة بعض هذه المسؤوليات المجانية وأوجد لي ولها مشاكل كلفتني جهوداً كثيرة.
أرى من الموافق أن تخابر الرفيقين إبراهيم حبيب طنوس ووليم بحليس وتطلعهما على الموقف وتستشيرهما وتطلب مؤازرتهما الكتابية، وأنا أكتب لهما في هذا الأمر وأفعل كل ما أقدر عليه لتأييد الجريدة من الخارج لتظل قوية وميداناً لأقلام عدد من الكتّاب القوميين.
إنّ مسألة أحرف 24 لم تعد تهمني فقد صرفت النظر عنها. لأني سأجد أحرفاً جديدة.
بقي أن أقول كلمة بشأن موقفك الخاص، فأقول إنك عملت بإخلاص الجندي الحيّ الوجدان، وقمت بمهمتك على أفضل وجه، فإني مسرور جداً من عملك ومرتاح إلى موقفك. وإذا كانت قد صدرت منك بعض أغلاط لقلة الخبرة فهي لا تؤثر شيئاً في المنزلة التي اكتسبتها، خصوصاً متى أخذ بعين الاعتبار وقتك وأشغالك الكثيرة. فأهنئك وأشكر إخلاصك وسهرك على المصلحة القومية التي نزهتهما عن كل غرض.
تأخّر الزوبعة كان لأسباب مطبعية، ولأنّ الظروف أوجبت صدورها بعجلة لمعالجة بعض الشؤون الجارية هنا. وهي على رغم صغرها وعدم إتقان طبعها قد قامت بمهمتها الاولية خير قيام، وأكسبتنا انتصاراً جديداً هنا. أتمنى أن تجوز أزمتك الصحية وأطلب منك أن توجّه في هذه الآونة عنايتك الكلية إلى صحتك فلا تتعرض لنتائج الإهمال. ولتحيى سورية.

أنطون سعاده

__________________

- الأعمال الكاملة بأغلبها عن النسخة التي نشرتها "مؤسسة سعاده".
- الترجمات إلى الأنكليزية للدكتور عادل بشارة، حصلنا عليها عبر الأنترنت.
- عدد من الدراسات والمقالات حصلنا عليها من الأنترنت.
- هناك عدد من المقالات والدراسات كتبت خصيصاً للموقع.