• في ليلة مقمرة من آب 1937، كنت وحدي على الشرفة، فحملَ لي هديَّتين: مسبحة من خشب زيتون القدس، جعلتُها عِقداً تصوَّرت به وأرسلتُ له الصورة، واسطوانتين من ألحانه المفضلة: "دعوة إلى الفالز"، لوِبير، والباركارول" أو "حكايات هوفمان"، لاوفنباخ.
• فاجأني يوماً على المطلّ بسؤال: هل تعرفين "دَينة الجرَّة؟"، ولما أجبته بالنفي، جذبني بيدي نحو الوادي، سالكين درباً رفيعة أنتهت بنا إلى مغارة ملتفة كدَينة الجرَّة. وفي لحظة متأججة شوقاً احتواني بين ذراعيه، وكانت قبلتنا الأولى... والأخيرة. وطالب بسماع صوتي، فأذَّنت له بخشوع "الله أكبر!"، ثم عدنا الهوينا صامتين إلى حيث كنا...
• في رسائله تغطية مفصَّلة لنشاطه الحزبي، خلالَ تلك الفترة. من هنا يمكن اعتبارها وثائق تاريخية.
• إلحاحُه على الزواج والسفر قبل انفجار الحرب... وذرائعه الكثيرة لاقناعي، أنا الضعيفة الضائعة بين معارضة أُمّي وتصلُّب أخي.
• كان حبه لي مقروناً بالاحترام لشخصي، دأبه تقوية ثقتي بنفسي:
"لا تجزعي لشيء وثقي بنفسك، فإنه لا يتغلَّب المرء إلاّ الثقة والقوة".
(3 كانون الأول)
• تحليله الرائع للحب والزواج:
"وعلى افتراض أن السبب الأهم (للسفر) هو الحب، فما هو المانع؟ أليس شريفاً ونبيلاً أن يسافر الإنسان في سبيل الحب، وأن يفعل كلّ شيء في سبيل الحب، إلا إهمالَ الواجب القوميّ الأول؟ ولولا الحب لما كان لأي تفاهم قيمة – فالحبّ هو الرابطة الأساسية لا الزواج. والزواج يكمِّل الحبَّ، ولا يكمّل الحب الزواج".
"فأنا أحببتك ليس من أجل سعادتي وهنائي، بل لأني أحببتك، ولم أطلبك لأنكِ تحسنين خدمتي (...) ولم يجذبني إليكِ أموالٌ سأتنعم بها (...) ومتى وجد الإنسان الحبَّ فقد وجدَ أساسَ الحياة والقوة التي ينتصر بها على كلّ عدو. إني أحببتك وأحبك".
(10 كانون الأول)
• مع مطلع 1938، تردَّدت في رسائله عبارات تلخِّص صراعَه الرهيب حول مستقبل حبه:
"ما أغرب الحقيقة وما أشدَّ تعقُّد الحياة وما أبعدَ الطموح!"
(6 كانون الثاني)
"وسط كلّ هذه المشاغل أفكر بك دائماً، ولكني أعود فأفكر بظروفي وبالمستقبل، فأرى الأمور معقَّدة.. فأكتئب".
(24 كانون الثاني)
" عيد ميلادك يقترب، (عيدي في أول شباط وعيده في أول آذار) وسأكون معك في يوم هذه الذكرى. ستكونين في فكري وفي نبضات قلبي وفي اختلاجات شفتيّ".
(27 كانون الثاني)
"وردتني رسالتك الحلوة الحاملة وريقات نرجسة متناثرة، يضوع شذاها... فقبَّلتُ هذه الوريقات التي لامست أناملك وشفتيك وتنشقت طيبها الرامز إلى طيب أنفاسك.وقد سمعت خفقان قلبك يجاوب ضربات قلبي في هدأة الليل في غرفتي".
(5 شباط)
• يعجب للتقارب الفكري بيننا من تساؤلي في إحدى رسائلي له: "هل ممكن أن يزول كل ما بيننا يوماً ما؟" ويجيب:
"كم كنت أودّ لو أنَّ ما بيننا بلغ غايته قبل أن تداهمنا مثلُ هذه الخواطر! كلا! إن ما بيننا لا يمكن أن يزول، ولكن تساؤلك يجاوب تساؤلي عن الحقيقة والاصلاح، عن الحب والزواج، عن الحياة والتقاليد".
"إنَّ مجرى حياتي الخاص آخذ ٌ في إيقاظي إلى المصاعب الكبيرة التي تقف في طريق زواجي ممن أحبّ. وكأني كنت أريد الإفلات من هذا الأمر حين عرضتُ أن نسافر معاً، فقامت الصعوبات من جهة أهلك، والآن أرى الصعوبات تقوم من جهتي، فأبديتُ شعوري في عبارات ضمَّنتها بعض كتبي السابقة إليكِ كقولي: "ماأغرب الحياة!" وقولي: "كأنَّ حياتي يجب أن تكون تضحيات في تضحيات". كلا يا حبيبتي. إن حبك لا يزيله من قلبي رؤية النساء الجميلات من بنات أمتي، فقد كنت أرى جمالهن قبل أن أجتمع بك. ولكن حياتي وحياتك والجمع بينهما. هنا المسألة".
(5 شباط)
• وبعد أن يورد نصَّ القسم الذي التزم به كزعيم للحزب السوري القومي، يقول:
"إني سعيد يا حبيبتي. لأن الرابطة بيننا لم تكن مجرَّد الرغبة في الزواج، فأنا لم أكن رجلاً يبحث عن عروس، بل كانت الحب، وحبك فقط هو الذي جلب إليَّ فكرة الزواج التي كانت بعيدة عني كل البعد، إذ كنت بكلّيتي لقضية أمتي، لا أفكر إلاّ لها، ولا يصحبني سوى خيالها، فلما اجتمعت بك وتحاببنا وفكرتُ في الأمر قلت في نفسي، سيكون لي شريكة في هذا التفاني القومي، وقد خشيت آنذاك، ألا تتحقَّق هذه الصورة الجميلة لحبّنا، فلم أقتنع بوجوب ترك قضية حبنا حتى الصيف المقبل، وكأني كنت أعلم أنه متى طال الزمن يقوم صراع شديد بي ما يقرره القلب وما يقرره العقل".
(5 شباط)
• في رسالته الأخيرة مصارحة هي فعل إرادة وعنفوان، وفيها كلمته الأخيرة في المستقبل، وطرحٌ عقلانيٌّ مسهب لأسباب عدوله عن الزواج، منتهياً إلى القول:
"اودُّ أن نبقى صديقين. بل إني أبقى صديقاً محباً لكِ تحت كلِّ الظروف".
(14 نيسان)