حبيبي!
تسلمت أمس رسالة منك. وصباح اليوم وجدت رسالة ثانية على مكتبي. فإني منذ يومين في بيروت، لأن الأحوال السياسية قضت أن أبقى في الحاضرة هذين اليومين.
كم أنت طيّبة يا حبيبتي، وما أطيب نفسك! وإني أقدر كل التقدير الموقف الذي تقفينه. إنه موقف يتعلق بأحد الاختبارات غير العادية في الحياة. وهذا ما يزيده تعقُّداً. فظروفي ليست ظروف رجل استسلم للحالة الراهنة وأخذ يعمل لتوفيق نفسه معها. ولذلك فإني أرى ميشال يقيس بالمقياس العادي وبوجهة نظر غير منطقية على اتجاهنا الجديد. فهو يريد أن أباحثه في شأن سعادة أخته وأنا حدَّثته بكل الواقع حين أجتمعت به في الشوير. أما أن أباحثه من جديد قبل أن نتفاهم نحن تفاهمنا الذي هو أساس كل شيء فنظرة لا تتفق مع ما أشعر به احترام لشخصك ورأيك قبل كل شخص وكل رأي. والذي أعتقده أن مثل هذا الاحترام كان يجب أن يقابَل بسرور وتقدير. ومهما يكن من الأمر فإن سفري لن يكون في هذه الدقيقة. فقد يكون بعد شهر أو أكثر. وقد يتأجل إلى فرصة أطول، حسب مقتضيات الظروف السياسية. ومتى رتّبت كل شيء نهائياً أكتب لك مطولاً في الأمر.
إن المسألة في نظري ليست مسألة سعادتي أو سعادتك. فنحن قد نكون أبعد الناس عن التفكير بهذه السعادة العادية الهادئة المستكينة الرتكزة على مثال أعلى يتألف من فراش ومقاعد وثيرة ومعاش جيد وترك الأمور تجري في أعِنَّتها، ونوم طويل وخلوّ بال تام! وإنما هي مسألة حصول السعادة بتمازج نفسينا في سبيل مثال أعلى من نوع آخر يختلف كل الاختلاف عن هذه الصور العادية الهزيلة التي لا ترفع شعباً ولا تنقذ أمة.
أجل حبيبتي، إننا نحتاج إلى القوة والإعطاء، أكثر مما نحتاج إلى الضعف والأخذ. وإذا كان لا بد من سفري وحدي فلن أكون عاجزاً عن فعل ما يقيك ضائقة النفس وغائلة النظرة الشخصية.
كنت منهمكاً جداً هذا الأسبوع بمناسبة حل الأحزاب "اللبنانية" والحوادث الناتجة عنها وهي شيء تافه ولكنه حادث عظيم لشعب اعتاد الجمود ولدولة تهزُّها أقل ريح. ولذلك لم أتمكن من ترتيب كل ما أحب أن أخبرك وأحادثك به مما هو خاصٌ وعام.
وسأجرب أن أجعل رسالتي التالية أطول وأوفى.
تذكرين شيئاً عن صحتك وأنها ليست من المتانة بحيث تتمكنين من الاعتماد عليها في تدابير تتطلب جهداً. والحقيقة أن هذا الأمر يهمني كثيراً. والذي أراه أن صحتك تحتاج إلى تغيير الجو وأسلوب الحياة واعتقدت أني أستطيع مساعدتك كثيراً إذ تكونين معي.
وفي كل حال هل لا تزالين تنامين محاطة بشاش يمنع عنك الهواء النقي؟ كم أودّ أن يساعد مكان البصرة على تغيير هذه الطريقة.
منذ زمن وأنا أفكر في سؤالك عن يوم ولادتك. وفي كل كتاب كانت الأفكار والمواضيع الأخرى تصرفني عن الكتابة إليكِ في ذلك. والآن أحب أن أعرف هذا اليوم.
لا تجزعي لشيء وثقي بنفسك وكوني قوية دائماً، فإنه لا يتغلب المرء إلا بالثقة والقوة.
سلامي للماما ولأمين وميشال وسلام خاص لهلن.
ولــكِ
(التوقيع)
في 3 ديسمبر 1937