حبيبي !
شغل بالي كثيراً عليك بسبب سكوتك الطويل. وقد خطر لي أنك مريضة وصدق ظني. وقد سرّني أن الحادث كان بسيطاً وأنك قد نهضت وعدت إلى صحتك.
كنت أريد أن أجيبك على أسئلتك الماضية ولكن ورود كتابك على أثر رسالة ميشال أحدثت تغييراً في الموقف إذ خلقت صعوبات جديدة. ومع إني لم أكن قد وضعت برنامجاً نهائياً فقد فكرت في الأمر على هذه الكيفية: يجري العرس في البصرة، إذا أمكن. أو هنا. ثم نسافر إلى أميركا الشمالية بطريق أوربة فنزور بعض العواصم الأوربية ونقف على ما يهمنا الوقوف عليه. ثم نتابع طريقنا إلى نيويورك وهناك يبدأ عملي الجدي الواسع فأعدّ الاجتماعات والمحاضرات والخطب وأنظم بمعاونة معتمديّ هناك برنامج رحلة في الولايات المتحدة لزيارة المراكز السورية.
وبعد إتمام برنامج الولايات المتحدة ننتقل إلى المكسيك، حيث لنا فرع لا بأس به، ثم إلى أميركا الجنوبية. وأظن أن رحلة أميركا الشمالية تستغرق نحو ستة أشهر، ومثل ذلك رحلة أميركا الجنوبية. ومن ثم قد نمدد الرحلة إلى أستراليا وأفريقية. هذا ما كنت أفكر فيه فلما جاء كتابك حاملاً جواب ميشال ورجاءَك أن أسافر وحدي تبدَّل الموقف. ولما كانت الحياة السياسية تسير بسرعة شديدة في هذا الظروف التي تتسابق فيها الدول إلى التسلح، والحرب دائرة في الشرق الأقصى وفي إسبانية والاستعداد لحرب كبيرة عامة ساحقة يجري بسرعة، فإن موقفي قد أصبح موقفاً اضطرارياً لا اختيار لي فيه إلاّ إذا شئت التنازل عن هدفي الكبير. وقد أجدني مضطراً لأن أكون في أوربة في أوائل الشهر القادم. ولما كان من المستحيل إعداد أهبة العرس وإتمام كل شيء من هذه الجهة في هذه المدة الوجيزة، فإذا لم يحدث أي تغيير في البرنامج فإني مسافر وحدي إلى أوربة، وهناك أتمكن من إعادة النظر في الأمر وهل أتابع السفر لوحدي، أو أعود إليك ثم نقلع معاً إذا كان كل شيء وفق المرام.
إن كيفية العرس ليست أساسية، وكنت أود لو كان العرس مدنياً في الدرجة الأولى، ولا مانع عندي من إقامة حفلة دينية رمزية ولا بد من التسجيل في سجلات الدولة السورية القومية.
الهام جداً في مسألة السفر هو أن تكوني قادرة على تحمُّل مشاقه وألا يضنيك. فالرحلة طويلة وفيها مفاجآت مبهجة تنشّط. ولكن لها أيضاً أيامها الطويلة الشاقة وظروف عدم الاستقرار، فهي ترويض قوي يحتاج إلى استعداد بدنيّ تام، وهذه على ما أظن أصعب نقطة في مجمل الأمر. فلست أدري إذا كنت تقوين على معاناة الأسفار الطويلة. فهذا يجب أن تحكمي فيه أنتِ بنفسك.
فإذا كنت لا تقوين فلا بد من تأجيل كل شيء، وإلاّ فيمكن أن نفكر في الاجتماع بعد رحلتي إلى أوربة، وهي ستكون سريعة. وأظن أنها ستكون سريعة التنقل.
هذا هو الموقف وسأكتب في التطورات المقبلة. أما الآن فأودّ أن أعلم أنك تتحسَّنين، وقد سرَّني إنك قد أزلتِ الغلاف الشاشي عن سريرك.
عسى أن تكون سرَّتك المقالات تحت "رأي النهضة" بعنوان "قضية الأحزاب الببغائية" فهذه كان لها وقع كبير في الأوساط هنا. وسأُباشر الردّ على خطاب البطريرك الماروني الذي هاجم فيه الحزب السوري القومي وتجدين نصَّه في بعض الأعداد.
إني آسف جداً للظروف المعاكسة، فكأن حياتي يجب أن تكون دائماً تضحيات في تضحيات. ولا بد من سير الطريق إلى النهاية. أثرني تفكيرك في رسائلي الصعبة الكثيرة الطلبات، فما أودّ أن أجلب الهمَّ إلى قلبك. وسأرى كيف أتغلب على مشاكلي الكثيرة من أجل مثلي العليا.
سلامي للماما والجميع وخصوصاً لهلن.
ولكِ حبي
(التوقيع)
في 17 ديسمبر 1937