حبيبي !
وردتني أمس رسالتك الرقيقة، الوداعية، المؤثرة وفيها عباراتك المشجِّعة الدالَّة على قوة إرادة وصدق عزيمة، التي سررت بها بقدر ما أثر فيَّ الوداع.
لا بد لنا من الاعتصام بهذه القوة الخفية من أجل تحقيق مثلنا العليا. فالمحبة التي تعقد بالإنسان عن طلب المثل العليا هي المحبة الأنانية الخاملة. أما المحبة الحقيقية فهي التي ترفع نحو المثال الأعلى وتقدر أن تتحمّل.
إني أذكر جيداً كل ما أحاط بلقائنا في الشوير من ترويقة في الكروم وقطف تين إلى غناء في "دينة الجرّة" الصماء الخرساء إلى "تهشيل العصافير" إلى التقاط الفشك ووخز الشوك وضحك من النافذة إلى الليلة الأخيرة المقمرة حين جلست أُصغي إلى ألحان الأقراص تتراوح بنفسي بين أمسي وغدي. وقبل ذلك. وتلك الاختبارات وحين جاءت عفيفة تقول جاء الجند يطلبونك!
أنا باقٍ عدة أيام أخر لا أدري كم تطول، لأن سفري الذي سيكون طويلاً يستوجب ترتيبات وتهيئة أمور وإنهاء أعمال وإعطاء توجيهات، وهكذا سنتمكن من تبادل رسالتين أو ثلاث قبل سفري.
غداً يكون عيد الميلاد، فأتمنى لك وللأهل عيداً سعيداً. وسأكون غداً على الغداء عند صديقي ومعاوني الأول نعمة ثابت، وإذا رفعت كأسي وشربت، فسأنظر إليك ويكون اسمك بين شفتيّ.
بعد الفراغ من هذا الكتاب سأتوجه إلى الفنان يوسف الحويك في محل شغله لأجلس أمامه الجلسة الأخيرة لشخصي. فهو قد عرض أن يصنع شبهاً لرأسي فقبلت. وباشرنا العمل منذ أكثر من أسبوع واليوم يكون آخر يوم يتم به الشخص الترابي، الذي يتحول فيما بعد إلى شبهان أو حجر وما شاكل.
وقد فرغت أمس من الرد على خطاب البطريرك عريضة. وقد كان لهذا الردّ دويٌّ كبير في الأوساط الشعبية والحكومية وقد بلغني أنه تشكلت دوائر سمر بقصد مطالعة الرد والتحدث بشأنه.
أشعر أنك دائماً معي. وأشعر دائماً بهذه العواطف النبيلة الصادرة من قلوب كثيرة جديدة التي ترافقني وتنظر إلي.
سلامي للجميع ولكِ حبي
(التوقيع)
في 24 ديسمبر 1937