حبيبتي!

اذا كنت قد سببت لك شيئاً من القلق بابطائي بالكتابة اليك فاعذريني فقد انتظرت مجيء كتابك الثاني الذي وعدتِ بكتابته اليوم التالي لكتابة كتابك بالعربية. ثم رأيت ان أنتظر الى ان آخذ الحقنة الأولى لأخبرك عن تأثيرها. ثم تذكرت ما كان من تأخر البريد الذي أرسلته اليك آخر الأسبوع ففضلت ان ابقي الكتابة الى اليوم.

لا يمكنك ان تتصوري مقدار فرحي بكتابك بلغتنا القومية. والطريقة الوحيدة التي شعرت اني أتمكن من التعبير بها عن فرحي هي ان أقبلك كما وددتِ. ان عبارتك بالعربية جيدة وواضحة ولا حاجة لتفسيرها ولا صعوبة في فهمها وان كان لك صعوبة في كتابتها لاهمالك ممارستها سنيناً عديدة. واني أود ان تجعلي جميع كتبك اليّ بلغتنا، الا ما رأيتِ الظروف أو الحاجة تقضي بكتابته بلغة اجنبية. فهذه فرصة لك لتتمرني على الكتابة باللغة السورية وأحب ان تنتهزيها.
يوجد في كتابتك بعض أغلاط طفيفة هي من اهمال القواعد أو نسيانها وبعض النقص في بعض التراكيب النحوية أو البيانية. والأهم الآن هو اصلاح الاغلاط التي هي من النوع الأول وهي قليلة وسأعطيك اصلاحها فيما يلي مع ذكر بعض القواعد اللازمة ليصير التقيد بها عند الكتابة:
الأغلاط (صرفية): "فأزهاره اجمل وأريد ان أتشكل بهم "، "من أزهارك فقبلتهم"، "مكاتب مني وضمنهم غير مكاتيب"، "راسلت لك الكلسات في البوسطة وهم من الخ" ، "الحيات في الهواء الطلق الخ".
في جميع هذه الأغلاط المشار اليها بخطوط تحتها يوجد ثلاث أغلاط فقط واحدة مكررة وهي استعمالك ضمير جمع المذكر للأشياء الجامدة. فالأزهار والمكاتيب والكلسات وما شاكل كالأشجار والأحجار هي أشياء جامدة things. والقاعدة بالعربية هي ان يستهمل لهذه الاشياء ضمير المؤنث المفرد Feminine singular. فلا يقال للأزهار والمكاتيب والكلسات "هم" بل يقال "هي" هكذا: هي الأزهار وهي الأشجار وهي الكلسات وهي الكتب. ومن ثم يصير اصلاح غلطك في عباراتك المذكورة على هذه الصورة: وأريد أن أتشكل بها (وليس بهم). من أزهارك فقبلتها. مكاتيب مني وضمنها. الكلسات في البوسطة وهي من النوع.
الغلطة طفيفة جداً كما ترين والقاعدة بسيطة فاحفظيها واستهمليها في كتاباتك المقبلة.
ولكي أُكمل لك القاعدة المتقدمة أقول ان صيغة الأفعال المستعملة مع أسماء الأشياء حين تكون بصيغة الجمع when used in plural هي الصيغة عينها التي تستعمل للمؤنث المفرد، أي مع تاء التأنيث هكذا: وقعت الكلسات. (ولا يقال وقعوا الكلسات او غير ذلك). تمايلت الأشجار. فاحت الأزهار.
وهذه القاعدة، بقسميها، تطلق أيضاً على الحيوانات غير العاقلة هكذا: نبحت الكلاب (ولا يقال نبحوا أو نبح الكلاب). زقزقت العصافير. أقبلت السباع وهلم جرّا.
راسلت غلط وصوابها مُرسِلة، لأنها اسم فاعل مؤنث من فعل أرسَلَ لا من فعل رَسَلَ. والتاء الطويلة "ت" تكون مع الأفعال كقالت وجاءت وضحكت. أما تاء التأنيث الاسم فتكون قصيرة "ة" كراقصة ومغنية ومُرسِلة وضاربة وهلم جرّا.
الحيات غلط وصوابها الحياة، لأنها اسم مؤنث مفرد. والحيّات تكون جمع اسم مؤنث مفرد هو الحيّة. فكل اسم مؤنث مفرد وعلامة تأنيثه التاء تكون تاؤه قصيرة. مثل: حياة. لعبة. كرة. تفاحة. شجرة وهلم جرّا.
واسم الحياة اسم جنس لا يجمع ويجوز جمعه هكذا "حيَيات". والاسماء الأخرى المفردة تجمع بالألف والتاء الطويلة هكذا: لعبات. كرات. تفاحات. شجرات. وبهذه القاعدة اختم هذا الدرس الأول فادرسيه.
توصينني بألاَّ أتجنب الأكل حسب وصية المستطلع النفسي في كرطبة. فأنا لا أتبع وصية أحد الا ما وجدته ملائماً ويرتاح جسمي اليه. ولكن التعب الكثير كان يمنعني عن الأكل، لأن القابلية كانت قليلة. ثم ان الطعام لم يكن يحضر أولاً كما يجب.
صحتي تحسنت تحسناً محسوساً في الأيام الأخيرة، وأول أمس، السبت، أخذت أول حقنة قبل العشاء بنحو ساعتين. ثم تعشيت وذهبت الى سريري فكانت النتيجة هكذا: وخز في نواحي المرارة والكبد والامعاء. ووخز قليل ثم اسراع في النبض وألم في أعصاب الراس فقط. وهذا يعني اني تحملت الحقنة الأولى جيداً. وأمس نهضت متأخراً. ولكن الألم زال وشعرت بتنبه ونشاط. فتروقت وارتحت ثم خرجت لنزهة قصيرة واذا بسيارة السيد عبود سعادة تعترضني في الطريق. وكان قادماً من المدينة برفقة السيدين يوسف الغريب وسليم الصوّا لزيارتي. وغلطت، لأني نسيت الحقنة ومفعولها واقترحت عليهم الصعود بعد الظهر الى قمة عاليه هنا عليها مسلّة أو صارٍ mastil. فصعدنا، ومع اني سرت على مهل فقد تعبت قليلاً وحدث تهيج قليل لأعصابي. وقد نمت ليل أمس واستيقظت هذا الصباح متعوباً قليلاً، اذ كان نبضي في الليل سريعاً قليلاً. ولكن الآن أشعر بالهدوء يعود اليّ ورويداً يزول التعب وسأرتاح اليوم وآخذ الحقنة الثانية غداً مساء كالأول ومقدارها ثلاثة أرباع. وأشعر ان النتيجة ستكون حسنة شرط ان الازم الراحة الكلية خصوصاً الفكرية واتجنب الاجهاد العصبي. وهذا ما سأهتم به بدقة.
كتبت لاميليا يوم الجمعة الماضي ويوم السبت كتبت للسيدة مريانا الخوري وللسيدة دعد نعيم. وبعد الآن سأقلل المراسلات الشخصية وسأهتم فقط بالضروري. وبما اني سأكتب تابع مقالات "جنون الخلود" للزوبعة، فقد أقلل الكتابة اليك أنت أيضاً، يا حبيبتي، واني واثق من انك تكونين راضية من اجل ذلك. وقد اكتفي برسالتين ورسالة واحدة حين الضرورة في الأسبوع.
جميع كتبك والجرابات والجرائد والكتب الواردة اليّ وصلت. وأخبرتك عن وصول بعضها في كتاب سابق وكتابك الأخير حمل اليّهذا الاشتراك بالشعور بسمو حبنا وكان وقعه كبيراً في نفسي.
لا يمكنني ان أشاركك من هنا بالاهتمام بما يلزم لبيتنا أولاً. فأهم شيء لنبتديء هو مأوى: غرفة نوم، وغرفة أكل، وراديو جيد. وأنت قد رأيت ضرورة الاهتمام بتجهيز البياض. وبعد ذلك نرى.
وفيما أنا هنا يحضرني فكر، هو خاطر عرض مؤخراً وهو هل يحسن ان نقيم في كرطبة؟ ان أسبابها الصحية أفضل وبيئتها الاجتماعية قد لا تكون أقل من بيئة بوانس ايرس من الوجهة التي ننظر اليها.
في كل حال، سنبحث هذه الأمور بعد عودتي.
طمئنيني عن صحتك. هل عادت الى سابق عهدها، فقد كنت تعبة.
وفيما أنا في هذا المكان، بعيد لأصير قريباً، أذكرك وأراك كل يوم وأشعر انك معي فأقبلك بكل حبي.

في 28 اكتوبر 1940
ملاحظة: عندما تكتبين العنوان على الغلاف، يمكنك ترك عبارة: via San Sateban خشية ان يتأخر الكتاب فيذهب غلطاً الى بريد سان استبان أولاً. هذا التأخر لم يحدث ولكن يجوز ان يحدث. يكفي ان تضعي: F.C.e.n.a.

المزيد في هذا القسم: « حبيبتي! حبيبتي »

أنطون سعاده

__________________

- الأعمال الكاملة بأغلبها عن النسخة التي نشرتها "مؤسسة سعاده".
- الترجمات إلى الأنكليزية للدكتور عادل بشارة، حصلنا عليها عبر الأنترنت.
- عدد من الدراسات والمقالات حصلنا عليها من الأنترنت.
- هناك عدد من المقالات والدراسات كتبت خصيصاً للموقع.