بعد ارسال كتابي الأخير اليك زال الانزعاج الذي نتج في "لُس كوكس" وابتدأت ارتاح ويثوب الي نشاطي. فالموقع هنا جميل والفندق حسن الخدمة الا ان ما يأتيه من الخضرة قليل. وما يعيبه الآن ان فيه عدداً من النزلاء اليهود أكثر من المحتمل. وأنت تعلمين كيف يثبت اليهود وجودهم في كل مكان وفي كل أمر.
أمس خرجت راكباً في نزهة فنزلت الى هورته غرندي وتابعت السير منها الى لَفلَدَه فبلغت فندق عدن. وقفلت راجعاً بطريق "الدراغون" ثم هورته غرندي فالفندق وقد قطعت كل هذه المسافة بنحو ساعتين ونصف واجريت الفرس أكثر من نصف الطريق خَبَبَّا (trot) وكانت عودتي نحو الساعة 20.30. وفي الطريق وأنا عائد وقد بدأت اجتاز هورته غرندي حانت مني التفاتة الى الآكام التي عن يميني فرأيت البدر يطل قليلاً من ورائها كطفل يطل من مخبأه. وبعد قليل ظهر كله والشمس لمّا تغب بالمرة. فكرت بك كثيراً وأنا عائد خصوصاً في الطريق من لفلده الى تلة الدراغون وهي متعرجة وتمر في تلال جميلة ولا يسير عليها غير القاصد فتمنيت ان تكوني راكبة الى جانبي. وعدت ففكرت بك عندما شاهدت القمر وتمنيت لو اني أخبرتك بامكان الكتابة مرة اليّ وأنا هنا وشعرت بشوق الى خبر وحديث منك. لما بلغت الفندق سرت توّاً الى غرفتي فنزعت ثياب الركوب ومسحت جسمي بماء ولبست للعشاء بعد ان ارتحت قليلاً ولما صرتعلى المائدة اذا بي اجد كتابك فتناولته للحال بفرح وقرأته وشكرت لك هذا التنبه الجميل.
الليلة هي آخر ليلة أبيت فيها هنا وأنزل الى مدينة كردبة غداً نحو الساعة 16.30 وأصل نحو الساعة 19.00. وقد أخبرت بيت سعادة بذلك وسيكون بعضهم بانتظاري.
اغادر هذه الجبال وأنا أشعر بتحسن في صحتي رغم جميع ما تعرضت له. وقد سرني ان ركوبي أمس لم يتعبني، على طول المسافة، كما من قبل وقد تحملت أمعائي الاهتزاز الدائم من غير ان يحدث لي انزعاج أو تهيج. وبعد العشاء تمشيت قليلاً ثد صعدت الى غرفتي فتأملتك قليلاً في الصورة وفكرت بك ثم نمت سريعاً نوماً هادئاً واستفقت اليوم باكراً نحو الساعة 6 ونهضت 6.30 وتناولت كأس عصير البرتقال الساعة 7.30 وخرجت في نزهة قصيرة وعدت 8.30 وتروقت ترويقة جيدة وبقابلية فأكلت 1. صحن شوفان مع الحليب. 2. بيضة "فوشاه". 3. خبزاً وزبدة وحلو وشاياً مع الحليب وارتحت قليلاً والآن قبل الظهر أكتب اليك وسأكتب الى الرفيق مسوح في توكومان.
قد مضى شهران وأيام قليلا على فراقنا. وهي مدة طويلة لنفسي ولكن جسمي كان يحتاج الى أكثر منها. واني أشعر ان اجل الفراق يقترب سريعاً وهذا الشعور يثير في نفسي غبطة داخلية.
لا أدري كم سأبقى في كردبة ولكني لن أبقى فيها أكثر من اللازم لانجاز الأمور الحزبية وتوثيق بعض العلاقات الشخصية. واعتقد اني لن اباغتك وأنت تحكين أسنانك بالفرشاة والمعجون. فسأخبرك بموعد سفري وهو يكون في الليل وأراك الصباح التالي على محطة رتيرو. وأعتقد انه ليس ضرورياً اخبار أحد غير أهل البيت بيوم عودتي وبعد ان أقف على الحالة أهتم بالناس ولكني لا أريدهم ساعة وصولي ولقائنا.
وحتى ذلك اليوم أجد في شعورك خير رفيق لي فلك سلامي يا حبيبتي وضيائي.
في 14 ديسمبر 1940