حبيبتي،


في 19 يناير 1947

كانت الرحلة الجوّية جميلة جداً وهنيئة وقد كانت حالة الجوّ موافقة. الى فرطو ألقري كان الجَلَد نقيّاً. وقد حدث بردٌ في العلو الذي نطير فيه فوضَع المسافرون حرامات الصوف، المعدَّة تحت المقاعد، على أرجلهم وأوساطهم. من فرطو ألقري الى سان فاولو أخذت تهب ريح ويرنفع البخار ويتكاثف فصارت الطيارة تطير وسط الغيم الذي حجب البحر تحتنا والشاطئ الى يسارنا. وكان من حين الى آخر يحدث انخفاض سريع قصير في الفراغات الجوية الخالية من الهواء. وقد غفوت والطيَّارة سائرة وسط الغيم واستيقظت بعد نحو ساعة ونصف فاذا بالطيارة تسبح فوق الغيم في جوّ نقي فلم أكن أرى تحتي غير الغيم. وكنت اغفو واستيقظ واخيراً استيقظت ولم أعد الى النوم.

صرت اتأمَّل ما تحتي وقد صارت الساعة نحو الرابعة عشرة. كنّا متأخرين قليلاً ولعل ذلك بسبب الريح المعاكسة والضباب الذي سبحنا فيه مدة. وقد شعرت اننا نقترب من المحطة. وبجهد صرت اتبيَّن من خلال الغيوم التي تحت الطيارة أرضاً مرتفعة وبعض قطع طريق فيها.
فجأة برزت الأرض تحتنا والى الأمام. هي تلول سان فاولو الخضراء وابتدأت المدينة تظهر الى جانبنا وبعد قليل كانت الطيارة تلامس أرض المحطة.
لما خرجت الى الأرض، وكان في المطار عدد غير قليل من الطيارات الآتية والذاهبة، تبيَّنت شخصين يركضان الى احدى الطيارات الأُخرى التي وصلت قبل طيّارتي وظننت انهما الرفيق المدير جورج بندقي واخي ادوار. وقد صدق ظنّي وكانا قد أخطأا الطيارة فارتدّا عنها وتحوَّلا الى طيارتي فرأياني فهرّعا اليَّ وهرّع معهما اشخاص آخرون بينهم المنفذ العام الرفيق وليم بحليس الذي لم أكن أعرفه شخصياً ومنهم مصوّر من قبل احدى الجرائد ومصور هو رفيق في الحزب. بعد السلام وأخذ عدة صور سرت بصحبتهم الى بناية المحطة وهناك كان ينتظرني جمهور كبير من الرفقاء والأصدقاء فتعهَّد بعضهم شؤون الكمرك وركبت سيارة الرفيق فؤاد لطف الله وصحبني المنفذ العام وبعذ الرفقاء فسيقت السيارة بي الى هذا الفندق.
لا احدثك الآن عن شيء آخر ولكن اذكر لك انني تعشيت مع نخبة من الرفقاء في منزل المنفذ العام الرفيق بحليس وتحدثنا في قضية التغلب على عراقيل الحكومة اللبنانية الحاضرة وموظفيها للوصول الى الوطن ودرسنا عدة مشاريع وسنعمل بسرعة في هذه القضية فاذا سأل المنفذ العام الرفيق خليل الشيخ والرفيقة اميليا فاخبريهما عن هذه المسألة وأوصيهما بكتمان كل شيء وتجاهل كل شيء من هذه الناحية. اما أخبار وصولي والاستقبال فيمكن ان يعلمها الجميع.
سلامي للبيت وقبلاتي لك ولصفية واليسار. وسلامي القومي للرفقاء

ولتحي سورية

المزيد في هذا القسم: « حبيبتي، حبيبتي، »

أنطون سعاده

__________________

- الأعمال الكاملة بأغلبها عن النسخة التي نشرتها "مؤسسة سعاده".
- الترجمات إلى الأنكليزية للدكتور عادل بشارة، حصلنا عليها عبر الأنترنت.
- عدد من الدراسات والمقالات حصلنا عليها من الأنترنت.
- هناك عدد من المقالات والدراسات كتبت خصيصاً للموقع.