حبيبتي،


في 16 فبراير 1947

أرسلت اليك اليوم برقية من مطار فرطيلة (Portela) الذي هو محطة طيران لشبونة، اخبرك بها عن تأخر خروج الطيارة من ريو وعن تأخر هبوطها في هذا المطار بسبب حالة الاقليم.

كان تأخر سفر الطيارة من ريو دجانيرو بسبب ملاحظة خلل في أحد المُحرِّكات الأربعة. والحقيقة ان الطيارة لا ترتفع من مدينة ريو عينها بل من جزيرة قاليون (Galion) التي فيها المطار الحربي، الوحيد الآن الصالح لاستعمال الطيارات الكبيرة ذات الأربعة مُحرِّكات. وهي تبعُد عن المدينة بالذات مسافة ساعة بالقارب المحّرك. وكان موعد ارتفاع الطيارة الساعة التاسعة فأُذِن لنا بالركوب في الوقت المعيَّن ولمّا دارت فراشات المحرّكات ظهر فيها خلل فدُعي الركاب الى النزول. واستغرق اصلاح الخلل ساعتين، لأن بعض القطع اللازمة لم تكن موجودة في المطار فأرسلوا وأتوا بها من ريو. أخيراً دعينا الى الركوب ثانية وسارت الطيارة الى المجرى وتحفَّزت ثم جرت وارتفعت الساعة الحادية عشرة ودقائق واتجهت الى مدينة رسيف في شمال البرازيل التي تقع ناتال بقربها فبلغناها نحو الساعة 16 وبعد حط ساعة فيها ارتفعت بنا الطيارة وأخذت فضاء البحر في اتجاه دكر. وحالاً بعد ارتفاعها قُدّم للركاب العصرية المؤلفة من كوبة عصير فاكهة برازيلية وقطعة كعك وقطعتي اناناس. وعند الساعة 19 قدّم العشاء المعدّ في مطبخ الطيارة وفيه لحم وبطاطا وبازلاء وخبز وكوبة شورباء وكعكة وفاكهة. وبعد العشاء قرأت قليلاً ثم أخذ القيِّم في اطفاء الأنوار الكُبرى. وكان قد نزل في رسيف عدد كبير من الركّاب فنزل عددنا الى 14 راكباً. فكان لكلِّ منا مقعد كامل ذو كرسيّين بينهما زند استناد. فأتى القيّم اليَّ وسألني هل أرغب في نزع الزند الفاصل لأتمدّد وأنام فأجبت بالايجاب فنزعه ووضعه لي حرام صوف مطويّاً تحت كتفي قرب النافذة وأعطاني وسادتين صغيرتين وحرامين آخرين فوضعت الوسادتين تحت رأسي ومددت جسدي على المقعد وطويت رجليَّ واطفأت النور الصغير للقراءة المفردة ونمت فاستيقظت نحو الساعة الثانية عشرة ونصف ورأيت الأنوار الكبيرة تتألق والطيارة تهبط من علو الألفي متر لأنها قد أصبحت على مقربة من مطار دكر وبعد قليل لامست عجلاتها مجرى المطار. تذكرت عند وقوف الطيارة انه يجب تقديم الوقت ثلاث ساعات وكانت الساعة الواحدة فصارت الساعة الرابعة. دخلنا دار المحطة حيث وجدت مائدة معدّة من قبل الشركة عليها أصناف كعك وتمر والى جانبها مائدة مشروبات سخنة وباردة فشربت كأس ليموناده (عصير Pineapple) وأكلت كعكاً وتمراً. وعلى مائدة المشروبات يقوم عَبدَان واحد لصبّ الشراب السخن (قهوة) وثان لصب الشراب البارد (عصير الليمون الكبير).
بعد 45 دقيقة دعينا الى الركوب فركبنا وارتفعت الطيارة وعدنا الى النوم. استيقظت عند الفجرثم عدت فنمت الى نحو الساعة الثامنة. فنهضت وتناولت الترويقة وانتظرت دوري لأحلق وأغسل وجهي. بعد ذلك أتى القبطان وأخذني الى مخدع توجيه الطيارة وأراني أقسام عمل التوجيه واخبرني ان الطيارة متأخرة عن معدّل سيرها وعزا ذلك الى الريح المعاكسة. بعد مدة، نحو الساعة العاشرة مررنا بمدينة الدار البيضاء (Casablanca) وبعدها وجدت الغيوم تحت الطيارة تحجب البحر. ونحو الساعة الحادية عشرة ونصف أخذت الطيارة تهبط لاقترابها من لشبونه وطُلب من الركاب شد الزنار المثبت طرفاه بالمعقد، احتياطاً، وصارت الطيارة تسبح على سطح الغيم المعقود بكثافة تحاول ان ترى فيه منفذاً لرؤية الأرض فلم تجد فأخذت تحوِّم فوق النقطة التي يجب ان يكون فيها مطار فرطيلة ولكن عبثاً وخشي القبطان زجها في الضَباب وبعد تحويم كثير وتقلب على الجانبين بلا جدوى اخذت الطيارة وجهة البحر فلما صارت فوقه هبطت وسط الضباب الى قرب الماء ليبصر الربَّان المستوى ثم اتجهت نحو البر فبلغته ولت تطير مُسِفَّة (باقتراب من الأرض) نحو المطار ولكن الضباب تكاثف كثيراً عند بعض الهضاب فعدل الربَّان عن المحاولة خشية الاصطدام بيابسة وعاد الى الارتفاع واخذت الطيارة تحوّم فوق المكان ثانية وبعد مدَّة عادت الى المحاولة السابقة فهبطت فوق الماء واتجهت الى البرّ وتابعت طيرانها مسفّة وتوفقت هذه المرَّة الى تمييز أرض المطار فاتجهت اليه بسرعة واستقرت عليه نحو الساعة 12.30. ويظهر ان بعض المحرّكات احتاج الى اصلاح. فابتديء بالاصلاح وقُدِّر انه سيمكننا متابعة السفر الى فاريس نحو الساعة 15.30 ولكن الاصلاح لم يتم في تلك الساعة فخطر لي اننا قد نتأخر كثيراً في هذا المطار فأبرقت اليك والى الرفيق بحليس في سان فاولو. عند الساعة 18.30 دعينا الى الركوب فدخلنا الطيارة وانضم الينا ركاب جدد. وتحركت الطيارة نحو مجرى الارتفاع واخذت تتحفّز وبعد تحريك المحرّكات بقوة مدَّةً عادت الطيارة الى موقفها وأعلن لنا انه يجب ان نبيت هنا لنسافر صباح غد. فجلبونا الى هذا الفندق في هذا الموقع الذي يبعد عن المطار نحو ساعة بالسيارة وهو قرب لشبونة العاصمة ويجب المرور فيها اليه. لست أدري هل أجد غداً الطيارة الأخرى في فاريس التي يجب ان تقلني الى القاهرة. وقد اضطر للبقاء يومين أو ثلاثة في فاريس المضرب فيها العمال والمستخدمون وقد بحثت عن مخرج وسأتابع. سلامي وقبلاتي لك وللحبيبتين وسلامي للجميع.

ولتحي سورية.

المزيد في هذا القسم: « حبيبتي، حبيبتي، »

أنطون سعاده

__________________

- الأعمال الكاملة بأغلبها عن النسخة التي نشرتها "مؤسسة سعاده".
- الترجمات إلى الأنكليزية للدكتور عادل بشارة، حصلنا عليها عبر الأنترنت.
- عدد من الدراسات والمقالات حصلنا عليها من الأنترنت.
- هناك عدد من المقالات والدراسات كتبت خصيصاً للموقع.