الزوبعة بوينُس آيرس، العدد 86، 2/8/1946
"نقلاً عن الآثار الكاملة، بيروت، ج 13، ص 19"
صدر آخر عدد مضى من الزوبعة في العاشر من شهر أغسطس/أب الماضي. وقد حمل ذاك العدد إلى الرفقاء وباقي القراء في المغترب الأخبار الأولية عن حركة الحزب السوري القومي الاجتماعي الواردة في منشورات الحزب الاذاعية.
كل ما نشر فى العدد المذكور كان نقلاً عن عدد النشرة الحزبية الشهرية الأولى وكانت قد وردتنا أعداد أخرى، ولكن الأسباب المذكورة في غير مكان من هذا العدد، منعت متابعة إصدار هذه الجريدة فلم يمكن نشر بقية الأخبار الطافحة ببشائر تعاظم النهضة القومية الاجتماعية. وفوز العقيدة السورية القومية الاجتماعية في مناطق عديدة يتزايد. وفي هذه الأثناء وردتنا طائفة من المطبوعات الأدبية والمنشورات الحزبية والرسائل والبلاغات الدالة على نضج شديد في العقيدة ونشاط كبير في العمل السياسي والتنظيمي والاجتماعي.
وتفرح القلب بنوع خاص المهرجانات القومية الكبرى التي أقيمت في أنحاء متعددة من لبنان والحركات التنظيمية للجماعات المقبلة على المبادىء السورية القومية الاجتماعية في لبنان وفلسطين والشام وشرق الأردن. وفي جميعها تظهر الدلائل الواضحة على تعاظم شأن الحزب السوري القومي الاجتماعي. وتأييد الشعب لفكرته وعمله، واشتداد ساعده بالعناصر الجديدة الحية التي نضجت في العقيدة، وأقبلت تشغل المراكز الهامّة التي تحتشد فيها فاعلية الحركة وبيقين الشعب، الناتج عن تروٍ واختبار مدة تزيد على اثنتي عشرة سنة، إن مبادىء الحزب السوري القومي الاجتماعي هي نور الأمة وهدايتها إلى السيادة والمجد، وإنّ رجال الحزب السوري القومي الاجتماعي هم حافظو حقيقة الأمة وحملة تعاليم نهضتها، وحماة حقوقها ومصالحها، والمدافعون عنها في كل زمن، بلا تقلب ولا مداهنة ولا ضعف.
لم يكن عندنا معلومات أصلية وثيقة عن شأن الحزب السوري القومي الاجتماعي في حوادث الوطن منذ دخول القوات المسلحة البريطانية القسم الشمالي من سورية في منطقتي لبنان والشام، فكانت الحقيقة في هذا الصدد ضائعة، حتى جاز لأصحاب النفسية المريضة والأخلاق المتزعزعة حسبان الحزب السوري القومي الاجتماعي حادثاً عارضاً مضى شأنه وزال وجوده. وسكوت الصحف الرجعية في الوطن، وأكثرها من هذا النوع، عن شأن الحزب السوري القومي الاجتماعي وأعماله وبطولة رجاله ومواقفهم الباهرة التي أنقذت شرف الأمة من مثالب الشركات السياسية وعار ثعلبتها وتخاذلها في الظروف الحرجة التي وضعت صلابة عود الأمة وثبات جنانها وشرف خصالها في الامتحان. فلم تذكر تلك الصحف التعسة شيئاً عن الأحكام العسكرية الفرنسية على الزعيم وأعوانه ولا عن كيفية مقابلة أبطال الأمة السورية الحقيقيين للأحكام المذكورة، بينما فسح معظم تلك الصحف المجال لنشر تصريحات الذل من أبطال سياسة التلون والمخاتلة الذين أذعنوا لأوامر الأجنبي المحتل ونفذوها صاغرين، فلما رأوا خطر ذلك الأجنبى قد ضعف وأنّ قوة أجنبية أخرى تزاحم نفوذه وتعمل على تقويض المركز الذي بناه، وأن الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي جذب الشعب إلى موقفه وخطته قد أوجد فى الأمة السلسلة الفقارية الصلبة المنيعة، خرجوا إلى الساحات يجهرون بمحاربة السلطة الأجنبية التي كانوا، لعهد قريب جدًّا، يدعون لها بالنصر ويلقون الخطب النارية ويتظاهرون بالبطولة. الأبطال الحقيقيون الذين حفظوا كرامة الأمة كان جزاؤهم الاهمال عند الصحف التي مارست الانتفاع من الحالة الراهنة ومن إرادة الأجانب، والأبطال المرسحيون الزائفون لقوا كل اهتمام!
لم يمكنّا أن نعرف شيئاً ثابتاً، من أخبار صحف الوطن، عما جرى للحزب السوري القومي الاجتماعي، ولا عن مصير أبطاله المعتقلين عدة مرات، ولا عن أعماله، ولكننا كنا موقنين أنّ الأخبار الصحيحة، مهما تأخرت بسبب الظروف المانعة، ستصل إلينا وأنّ الحقيقة ستنجلي، وأنّ التاريخ ستتصل حلقاته ويستمر!
أخيراً وصلت الأخبار الأولى في النشرات الصغيرة التي ذكرناها في العدد الماضي، والتي تنقل القسم الثاني منها إلى صفحات هذا العدد. ثم وردت أخبار أخرى خصوصية موثوقة، ثم وردت المعلومات الرسمية فإذا الحقيقة باهرة!
الحزب السوري القومي الاجتماعي هو بطل الحملة في سورية على الاحتلال الفرنسي والسلطة الفرنسية. وهو صاحب الحملة على أعوان الفرنسيين في لبنان، إميل إده وجماعته وهو الذي تفاهم مع "الكتلة الدستورية" ورجّح كفتها في الانتخابات اللبنانية الماضية. وإلى ذلك أشار الأمين الجزيل الاحترام نعمة ثابت، رئيس المجلس الأعلى في خطابه الذي ألقاه في الاجتماع الحزبي المنعقد في منفذية بيروت العامة في 7 مايو/أيار والذي نقلنا نصه إلى العدد الماضي بقوله "وأتتت حكومة تشعر بحاجة إلى تأييد شعبي إشترك الحزب اشتراكاً فعليًّا بإيصالها إلى الحكم، اعترفت هذه الحكومة للحزب القومي بحقه في ممارسة الحقوق والواجبات المدنية، إلخ". (ص 143 أعلاه).
أخبار المهرجانات التالية التي قام بها الحزب القومي الاجتماعي في أنحاء متعددة من لبنان أثبتت شأن الحزب العظيم، والصور التي أخذت في عدة حفلات ومهرجانات حزبية حضرها رجال رسميون من وزراء ونواب، وصورة تحية رئيس جمهورية لبنان لصفوف القوميين في بتدّين، وخطب وزراء الجمهورية في الحفلات القومية، واشتداد نعيب الفئات الطائفية في لبنان والرجعية في جميح سورية التي كانت تتمزق حناجرها من الصخب لتقدم الحزب السوري القومي الاجتماعي وشقّه حجاب صمتها، كل ذلك أثبت أنّ فاعلية الحزب تشتد وشأنه يتعاظم.
الأعمال الحربية التي قام بها الحزب السوري القومي الاجتماعي في أنحاء الشام في دمشق وحلب وحماه ودرعا وحمص وطرابلس، كانت أعمالاً باهرة جعلت المسؤولين الحكوميين يعترفون رسميًّا وخطيًّا بامتياز القوميين الاجتماعيين.
فأعطى محافظ درعا حيدر مردم بك الرفيقين القوميين الاجتماعيين رفعت شوقي وميشال الديك شهادة خطية رسمية بحسن قيادتهما للقوات القومية التي نمت بانضمام جماعات الشعب إليها وبلائهما ونجاح الحملة التي دبّراها على المراكز الفرنسية، وفي حمص امتاز الرفقاء صفوح الدروبي وماهر الجندي والدكتور عبدالكريم الشيخ، وفي حماه امتاز الرفيق الضابط صلاح شيشكلي بتركه دمشق التي كانت السلطة قد نقلته إليها وأعطته امراً بالإقامة الاجبارية فيها وسيره إلى حماه حيث تولى تنظيم الفرق القومية الاجتماعية والشعبية وأبلى بفرقه بلاء حسناً في معارك دامية. وهنالك عدد من الرفقاء امتازوا بمهمات هامة في حوادث المعارك المذكورة، ولم تعلن أسماؤهم. وقد نشرت مجلة العالم العربي بعض تفاصيل أعمال الحزب السوري القومي الاجتماعي الحربية التي سمحت مراجع الحزب بنشرها.
وفي السنة الماضية جرى في محافظة جبل لبنان انتخاب فرعي لكرسي نيابي وحشدت "الكتائب اللبنانية" التي هي حزب أنشأته حكومة إميل إده المتفرنسة وكان إميل إده رئيسه الشرفي، كل قوتها وتأييد مرشحها السيد إلياس ربابي فتبنّى الحزب القومي الاجتماعي ترشيح السيد فيليب تقلا وخاض الانتخابات في معركة حامية وفاز مرشحه بضعف عدد ما ناله مرشح "الكتائب" وتثبتت قوة الحزب السياسية.
وفي الاصطدامات التي جرت في بعض المناطق بسبب تحرّش فئات حزب الشيوعي بحركات القوميين الاجتماعيين ظهر بجلاء تفوّق الحزب السوري القومي الاجتماعي الروحي والمادي.
ومتى علمنا أنّ الحزب القومي الاجتماعي تعرّض لحرب عنيفة مع الإرادات الأجنبية دامت ما يقارب عشر سنوات، وأنّ السنوات الست من سنة 1939 إلى سنة 1944 كانت سنوات اصطدامات واعتقلات وملاحقات عسكرية للإدارات والدوائر المركزية وللمسؤولين البارزين في الحزب. بينما الأحزاب الأخرى تتمتع بعطف أجنبي وحكومي وتشجيع رسمي، أدركنا أهمية هذه الانتصارات المعنوية والعادية التي أحرزها الحزب القومي الاجتماعي في المعارك السياسية والحربية الأخيرة.
والأخبار الأخيرة الواردة من الوطن تقول إنّ سيلاً من الانضمامات يتدفق على الحزب القومي الاجتماعي في جميع مناطق سورية القومية، لأن الشعب يحس الآن بخطورة الحالة الناتجة عن الأحداث الأخيرة، والاستقلال الشبه ممنوح والشبه مربوح، وبالحاجة إلى عقيدة قومية راسخة وغاية واضحة وقوة نظامية متينة وقيادة صحيحة تقضي على الفوضى والميعان والبلبلة، وتجعل الأمة وحدة منيعة وبنياناً مرصوصاً.
وفيما الزوبعة تحمل هذه البشائر إلى القوميين الاجتماعيين في المغترب، وجميع المواطنين المغتربين الذين لا يزالون يشعرون بالارتباط بأمتهم ووطنهم ويهمهم مصيرهما، توجه تهانئها الحارة إلى أعوان الزعيم في الوطن، خصوصاً الأمناء الجزيلي الاحترام أعضاء المجلس الأعلى الذين برهنوا على أنهم أركان مؤهلون لحمل الثقة التي وضعها الزعيم فيهم وللإضطلاع بالمسؤوليات العليا منهم التي ألقاها عليهم، فيجعلوا من المجلس الأعلى هذه المؤسسة الشريفة الموقرة، وهذا الحصن الجبار للعقيدة السورية القومية الاجتماعية وللحركة القائمة بها. ونوجه تهانئنا أيضاً إلى الأمناء والرفقاء أعضاء مجلس العمد الذين اضطعلوا بمسؤوليات الادارة الحزبية والأعمال التنفيذية في ظروف حرجة ومواقف دقيقة، وأظهروا كفاءة وإدراكاً ممتازين في القيام بأعمالهم. وفي الأخير، وليس في الأقل، نوجه تهانئنا إلى جميع المسؤولين الثانويين الذين حفظوا الوحدات وحلقات الاتصال الإداري ووحدة الجبهة القومية الاجتماعية وتماسكها، وجميع الأفراد من قوميات اجتماعيات وقوميين اجتماعيين الذين برهنوا بصحة عقيدتهم وحسن أخلاقهم على مقدرتهم لجعل النهضة القومية الاجتماعية حركة أمة حية عظيمة.
أيها السوريون القوميون الاجتماعيون،
ليس بعد الشك إلا اليقين!