طبعة أولى – بيروت 1936
طبعة ثانية منقحة – سان باولو 1939
طبعة ثالثة منقحة – بوينُس آيرس 1946
طبعة رابعة "مضبوطة وكاملة" – بيروتت 18/9/1947
إيضاح
توطئة للطبعة الرابعة
منذأن انهار، بعامل الفتح الرومي (الروماني) النظام السوري السياسي والاجتماعي والحربي، الذي تطورت الحياة السورية نحوه منذ القدم وتجلى في الدولة السورية السلوقية التي صارت إمبراطروية عظيمة، بعد توحدات سياسية سابقة أقل متانة وأسرع عطباً، تعرّض مصير سورية لتقلبات كثيرة في أجيال عديدة كان الفاعل الأقوى فيها دائماً أرادة الفاتح الجديد وسياسته، فجزئت البلاد ثم وحدت ثم جزئت حتى ضاعت حقيقتها وخرجت دورة حياتها عن محورها وتراكمت على شخصيتها طبقات التاريخ السياسي كما تراكمت على مخلفاتها طبقات الأرض، وصار الباحث عن حقيقتها يحتاج إلى تنقيب دقيق واسع وإلى تحرٍّ للتركيب الإتني والنفسي والوضع الجغرافي والتسلسل التاريخي وإلى تحرير التآويل المتعددة من الأغلاط التي بعدت عن الحقيقة وغرضها. وهذا العمل، لعمري، أشبه شيء بإنشاء الأمة السورية إنشاءً جديداً لأنه يعني بعثها من مدافن التاريخ وتأسيس حقيقتها تأسيساً واضحاً كاملاً لا يعود يشذّ عنها وعيها ولا يقوم على غيرها وجدانها. وهذه مهمة جبارة، فإذا وافق هذا الغرض إنشاء نهضة تعبّر عن حقيقة الأمة وشخصيتها وتغيّر مجرى تاريخها ومصيرها ازدادت المهمة ضخامة ومشقة وخطورة.
بوعي كامل للصعوبات العظيمة الملازمة لطبيعة العمل أخذت على عاتقي هذه المهمة العظمى، وحالما وضحت لي الحقيقة في خطوطها الكبرى العريضة وطدت عزيمتي على إنشاء النهضة السورية القومية الاجتماعية التي جعلت غايتها إحياء حقيقة الأمة السورية وشق طريق وجودها وارتقائها وإقامة نظام اجتماعي جديد فيها. فوضعت هذه المبادئ التي عيّنت فيها حقيقة الأمة السورية وحقيقة الوطن السوري وحقيقة النفسية السورية، وباشرت الدعوة إليها وتعليمها في أحاديث وخطب ومحاضرات لم يُدوّن إلا النزر اليسير منها. وفي الوقت عينه كنت أتابع التنقيب والتمحيص والتحرّي لإكمال الحقيقة. ولكن عملي، بطبيعته المعقدة، لم يستمر في جو هادئ مطمئن، فحالاً نشأت حاجات الحركة الإدارية والتوجيهية في مواضيع عديدة متشعبة، وحالاً تعرّض العمل لأخطار الجاسوسية الأجنبية. وبينما أنا أعد، إلى جانب العمل التأسيسي، الاجتماعي، السياسي، المواد لإعادة تركيب كيان الأمة وتقرير جميع تفاصيلها في كتاب خاص، فوجئت بالاعتقالات الأولى التي كشفت أمر الحركة الناشئة وأوجدتها، في لحظة واحدة، تجاه الإرادات الأجنبية والاعتقادات الداخلية التي اجتمعت على محاربتها قبل أن تستكمل استعدادها. فتعرضت الحركة والقضية لأزمة كان يجب التغلب عليها بسرعة. هذه الحاجة الملحّة جعلتني أهتم، في السجن، بإكمال الكتاب الأول من نشوء الأمم، الذي كنت بدأته قبل الاعتقال والسجن ليس المكان الصالح لمتابعة التحقيقات الإتنية والجغرافية والتاريخية، إنه لا يُمكِّن من زيارة المكتبات العلمية والوقوف على المكتشفات الأخيرة واكتشاف حقائق ضائعة. فاضطررت للاقتصادر على ما كنت بلغته قبل السجن فاستعنت به لإنجاز الكتاب الأول من نشوء الأمم في مدة نحو شهرين ونصف. وقد دفعت المخطوطة، كما ذكرت في مقدمة الكتاب، إلى الطبع من غير إعادة نظر وتنقيح، إذ لم يتسنَّ لي ذلك. فبقيت بعض النقاط، من جراء ذلك، غير كاملة التحقيق، خصوصاً ما تعلّق بالدولة السورية البرية البابلية والأشورية والحثية، وبالوضع الأرضي في تجويف الهلال السوري الخصيب وأسباب عمق التجويف في الأزمنة الانحطاطية، الأمر الذي تداركته في ما كنت أعددته للكتاب الثاني من نشوء الأمم المختص بنشوء الأمة السورية، ولكن سرقت الملاحظات الأولى من دار القضاء من جراءالاعتقال الثاني، فأعود الآن إلى الاهتمام بإعداده.
ولما ازداد الإلحاح على وجوب وضع التعاليم السورية القومية الاجتماعية في نص يحفظ حقيقتها وجوهرها وضعت في أثناء الاعتقال الثاني، الذي جرى ولم يمضِ على انتهاء الاعتقال الأول سوى نحو شهر ونصف، شرح المبادئ وأرسلته من السجن ليطبع ولتعتمده الحركة في ردّ تهجمات المعتقدات الدينية الاجتماعية في القومية، ولوضع حقيقة الأمة والقضية القومية الاجتماعية في نص واضح يحفظ بقاءها واستمرارها. فكان الشرح مستعجلاً وكانت الظروف التي وضع فيها عنيفة وضغط العراك عنيفاً. ومع أنّ الشرح في نصه الأول، قد أدى الغرض فإنه تعرّض للنقص عينه الذي تعرّض له الكتاب الأول من نشوء الأمم، إذ لم أكن قد بلغت التحقيقات الأخيرة للكتاب الثاني.
ولما كانت القضية قد أصبحت تقتضي اكتمال كليتها بسرعة كي لا تبقى أية ناحية من نواحيها ناقصة أو غير واضحة كل الوضوح، انتهزت سانحة إعادة طبع التعاليم (المبادئ والشرح) للمرة الرابعة لأنقحها وأكملها على اساس الطبعة الثالثة المنقحة في الأرجنتين. وقد اشتمل التنقيح على:
1 – إكمال توضيح الحدود الشرقية للوطن السوري، التي كانت متروكة مفتوحة في متطرفها الشرقي.
2 – إكمال توضيح الحدود الشمالية الغربية التي تشمل جزيرة قبرص التي هي جزءمن الأرض السورية.
1 – تصحيح النظرة إلى تجويف الهلال السوري الخصيب وأسباب عمقه.
4 – تعديل النظر إلى الحروب السورية الداخلية بين الدول الجزئية التي رمت كل دولة منها إلى توحيد البلاد تحت سيادتها كالدولة البابلية الأولى والثانية، والدولة الأشورية خاصة، والدولة الحثية.
كل مقابلة بين النص المنقّح والنص الأول تُري أنّ القضية القومية الاجتماعية وتعاليمها بقيت هي هي، وأنّ التنقيح أكمل الحقيقة وخلّصها من بعض الشوائب الجزئية التي لم تسلم منها في الطبعتين الأوليين بسبب العجلة وضغط الظروف، من غير أي تبديل لها أو لأصولها.
ولا بد من القول إنّ هذا التنقيح كان قد جرى من قبل في أحاديث وخطب تعليمية بعضها دوّن وبعضها لم يدوّن، خصوصاً ما تعلّق بالمنطقة الشمالية الشرقية من سورية، منطقة ما بين النهرين (العراق)، التي كانت داخلة من الأول ضمن تحديد الوطن السوري، ولكن حدودها وتخومها لم تكن معيّنة كلها لأن بعضها كان لا يزال تحت التحقيق التاريخي والإتني والجغرافي. ولي في هذا الصدد، تصريح واضح يعود إلى سنة 1936، إذ قلت، جواباً على سؤال في محل العراق في قضيتنا: "إنّ العراق، أو ما بين النهرين، هو جزء متمم للأمة السورية والوطن السوري، وكان يشكّل جزءاً من الدولة السورية الموحدة في العهد السلوقي ويجب أن يعود إلى الوحدة القومية التي تشمله، حتى ولو اقتضى الأمر تعديل إسم سورية وجعله سوراقية".
إنّ تعبير "الالتقاء بدجلة" في المبدأ الأساسي الخامس الذي ينص على حدود الوطن السوري، الذي ابدل في الطبعة الثالثة بتعبير "ضفاف دجلة" شمل، في الصحيح، المقصود بمنطقة ما بين النهرين (العراق)، من غير تعيين دقيق لحدود المنطقة. وقد رأيت أنّ تركها غير محددة نهائيًّا يفسح مجالاً للشك ولذلك قررت إكمال تحديد حدود وطننا القومي في هذه البقعة، إكمالاً لجميع تفاصيل القضية السورية القومية الاجتماعية. وقد رأيت أن أفعل مثل ذلك في تفاصيل الحدود الغربية وأن أصرّح بأن جزيرة قبرص هي جزء من الوطن السوري في الماء، حتى لا يبقى أي شك في ما نعنيه "بالبحر السوري في الغرب".
لذلك يجب القول بصراحة لا تقبل الشك إنّ التنقيح تناول الضبط فقط في الحدود والتفاصيل وتثبيت الأساس وزيادة إيضاحه. وإنّ من المؤسف ان لا تكون الظروف قد سمحت لي بإكمال تفاصيل القضية السورية القومية الاجتماعية في الشرح الأول أو قبل اغترابي فمرّت مدة طويلة والناس يتداولون الشرح غير المضبوط الذي أنشئ بسرعة شديدة في السجن.
إنّ هذه التعاليم المضبوطة في هذه الطبعة الرابعة هي الكاملة والتي يجب أن تعتمد.
المقر في18 سبتمبر/أيلول 1947
الزعيم
المبادئ الأساسية
المبدأ الأول – سورية للسوريين والسوريون أمة تامة.
حين ابتدأت أفكر في بعث أمتي ونهضتها وألاحظ الحركات السياسية الاعتباطية القائمة فيها لاحظت أنه لا يوجد إجماع على تعيين هويتنا وحقيقتنا الاجتماعية، ورأيت أن كل عمل قومي صحيح يجب أن يبدأ من هذا السؤال الفلسفي: من نحن؟ الذي وضعته لأول مرة أمام نفسي، منذ بدء تفكيري القومي الاجتماعي، وطرحته على الشعب في رسالة مني إلى النزالة السورية في البرازيل (أنظر ج1 ص 488)، بمناسبة وفاة والدي هناك، سنة 1934، والذي شرحت أهميته التأسيسية في أحاديث ومحاضرات عديدة في بداية نشر تعاليمي القومية الاجتماعية. وقد أجبت نفسي بعد التنقيب الطويل فقلت: نحن سوريون ونحن أمة تامة. وكان وضعي هذا المبدأ.
إنّ هذه التعاريف المبلبلة التي جزّأت حقيقتنا القومية أو أذابتها ومحتها: نحن اللبنانيين، نحن الفلسطينيين، نحن الشاميين، نحن العراقيين، نحن العرب، لم يمكن أن تكون أساساً لوعي قومي صحيح ولنهضة الأمة السورية التي لها دورتها الاجتماعية والاقتصادية في وحدة حياة ووحدة مصير.
القول بان السوريين هم أمة تامة هو إعلان حقيقة أساسية تقضي على البلبلة والفوضى وتضع المجهود القومي على أساس من الوضوح لا يمكن، بدونه، إنشاء نهضة قومية في سورية، والحقيقة أنّ قومية السوريين التامة وحصول الوجدان الحي لهذه القومية أمران ضروريان لكون سورية للسوريين، بل هما شرطان أوليان لمبدأ السيادة القومية، وسيادة الشعب الشاعر بكيانه على نفسه وعلى وطنه الذي هو أساس حياته وعامل أساسي في تكون شخصيته. فإذا لم يكن السوريون أمة تامة لها حق السيادة وإنشاء دولة مستقلة لم تكن سورية للسوريين تحت مطلق تصرفهم، بل كانت عرضة لادعاءات سيادة خارجة عن نطاق الشعب السوري، ذات مصالح تتضارب، أو يحتمل أن تتضارب مع مصلحة الشعب السوري في الحياة والارتقاء.
يعني هذا المبدأ سلامة وحدة الأمة السورية وسلامة وحدة وطنها وانتفاء كل إيهام من الوجهة الحقوقية في أنّ السوريين أمة هي وحدها صاحبة الحق في ملكية كل شبر من سورية والتصرف به والبتّ بشانه.
ويعني من الوجهة الداخلية أنّ الوطن ملك عام لا يجوز، حتى ولا لافراد سوريين، التصرف بشبر من أرضه تصرفاً يلغي، أو يمكن أن يلغي، فكرة الوطن الواحد وسلامة وحدة هذا الوطن الضرورية لسلامة وحدة الأمة السورية.
كل سوري يرغب في أن يرى أمته حرة، سائدة، مرتقية يجب أن يحفر هذا المبدأ على لوح قلبه حفراً عميقاً.
إنّ الذين لا يقولون بأن سورية للسوريين وبأن السوريين أمة تامة يرتكبون جريمة تجريد السوريين من حقوق سيادتهم على أنفسهم ووطنهم، والحزب السوري القومي الاجتماعي يعلنهم باسم ملايين السوريين التائقين إلى الحرية، الراغبين في الحياة والارتقاء، مجرمين.
المبدأ الثاني – القضية السورية هي قضية قومية قائمة بنفسها مستقلة كل الاستقلال عن اية قضية أخرى.
يمثّل هذا المبدأ فكرة أنّ جميع المسائل الحقوقية والسياسية التي لها علاقة بأرض سورية أو جماعة سورية هي أجزاء من قضية واحدة غير قابلة للتجزئة أو الاختلاط بشؤون خارجية يمكن أن تلغي فكرة وحدة المصالح السورية ووحدة الإرادة السورية. والواقع أنّ هذا المبدأ هو نتيجة وتكميل للمبدأ الأول. فيما أنّ سورية للسوريين الذين يشكّلون امة تامة لها حق السيادة، كان من البديهي أن تكون قضيتها، أي قضية حياتها ومصيرها متعلقة بها وحدها ومنفصلة عن كل قضية أخرى تتناول مصالح تخرج عن متناول الشعب السوري. إنّ هذا المبدأ يحفظ للسوريين وحدهم حق تمثيل قضيتهم والبتّ في مصير مصالحهم وحياتهم ويجعل قضيتهم قضية كلية غير قابلة التجزئة.
ويعني هذا المبدأ من الوجهة الروحية أنّ إرادة الأمة السورية التي تمثل مصالحها هي إرادة عامة، وأنّ مثلهم العليا التي يريدون تحقيقها هي مثل عليا ناشئة من نفسيتهم – من مزاجهم الخاص ومواهبهم، لا يمكن أن يسمحوا بتلاشيها أو بالفصل بينهم وبينها أو بخلطها مع أهداف أخرى يمكن أن تضيع فيها. وهذه المثل العليا في الحرية والواجب والنظام والقوة التي تفيض بالحق والخير والجمال في أسمى صورة ترتفع إليها النفس السورية، فلا يمكن أن يمثلها أو يحققها لهم غيرهم، لأن لهم نفسيتهم الخاصة.
بناءً على هذا المبدأ يعلن الحزب السوري القومي الاجتماعي أنه لا يعترف لأية شخصية أو هيئة غير سورية بحق التكلم باسم المصالح السورية في المسائل الداخلية أو الإنترناسيونية، أو بحق إدخال مصير المصالح السورية في مصالح أمة غير الأمة السورية.
إنّ ملايين الفلاحين والعمال واصحاب الحِرف والمهن والتجارات والصناعات الذين تتالف الأمة السورية منهم لهم إرادة ومصلحة في الحياة يجب ان تبقيا من شان مجموعهم وحده.
لا يعترف الحزب السوري القومي الاجتماعي لأية شخصية أو هيئة غير سورية يحق وضع مُثُلها العليا موضع مُثُل الأمة السورية العليا.
المبدأ الثالث – القضية السورية هي قضية الأمة السورية الوطن السوري.
يتناول هذا المبدأ تحديد القضية السورية الواردة في المبدأ السابق تحديداً لا يقبل التأويل، وهو يظهر العلاقة الحيوية، غير القابلة الفصل، بين الأمة والوطن، فالأمة بدون وطن معيّن لا معنى لها، ولا تقوم شخصيتها بدونه. وهذا الوضوح في تحديد القضية القومية يُخرج معنى الأمة من الخضوع لتأويلات تاريخية أو سلالية أو دينية مغايرة لوضع الأمة ومنافية لمصالحها الحيوية والأخيرة.
إنّ وحدة الأمة والوطن تجعلنا نتجه نحو فهم الواقع الاجتماعي الذي هو الأمة بدلاً من الضلال وراء أشكال المنطق الصرف وتراكيب الكلام.
وإنّ الترابط بين الأمة والوطن هو المبدأ الوحيد الذي تتم به وحدة الحياة. ولذلك لا يمكن تصوّر متحد إنساني اجتماعي من غير بيئة تتم فيها وحدة الحياة والاشتراك في مقوماتها ومصالحها وأهدافها، وتمكّن من نشوء الشخصية الاجتماعية التي هي شخصية المتحد – شخصية الأمة.
المبدأ الرابع – الأمة السورية هي وحدة الشعب السوري المتولدة من تاريخ طويل يرجع إلى ما قبل الزمن التاريخي الجلي.
يتبع هذا المبدأ مبدأ التسلسل التحليلي. فهو تحديد لماهية الأمة المذكورة في المواد السابقة. وهو من حيث مدلوله الإتنلوجي يحتاج إلى تدقيق وإمعان. ليس القصد من هذا المبدأ رد الأمة السورية إلى أصل سلالي واحد معيّن، سامي أو آري، بل القصد منه إعطاء الواقع الذي هو النتيجة الأخيرة الحاصلة من تاريخ طويل يشمل جميع الشعوب التي نزلت هذه البلاد وقُطنتها واحتكّت فيها بعضها ببعض واتصلت وتمازجت، منذ عهد أقوام العصر الحجري المتأخر السابقة الكنعانيين والكلدان في استيطان هذه الأرض، إلى هؤلاء الأخيرين، إلى الأموريين والحثيين والآراميين والأشوريين والأكاديين، الذين صاروا شعباً واحداً. وهكذا نرى أنّ مبدأ القومية السورية ليس مؤسساً على مبدا وحدة سلالية، بل على مبدأ الوحدة الاجتماعية الطبيعية لمزيج سلالي متجانس، الذي هو المبدأ الوحيد الجامع لمصالح الشعب السوري، الموحد لأهدافه ومثله العليا، المنقذ للقضية القومية من تنافر العصبيات الدموية البربرية والتكفك القومي.
إن الذين لا يفقهون شيئاً من مبادئ علم الاجتماع ولا يعرفون تاريخ بلادهم يحتجون على هذه الحقيقة بادّعاء خلوص الأصل الدموي وتفضيل القول بأصل واحد على الاعتراف بالمزيج الدموي. إنهم يرتكبون خطأين، خطأ علميًّا وخطأ فلسفيًّا. فتجاهل الحقيقة التي هي أساس مزاجنا ونفسيتنا وإقامة وهم مقامها، فلسفة عقيمة تشبه القول بأن خروج جسم يدور على محور عن محوره افضل لحركته! اما ادعاء نقاوة السلالة الواحدة أو الدم فخرافة لا صحة لها في أمة من الأمم على الإطلاق، وهي نادرة في الجماعات المتوحشة ولا وجود لها إلا فيها.
كل الأمم الموجودة هي خليط من سلالات المفلطحي الرؤوس والمعتدلي الرؤوس والمستطيلي الرؤوس ومن عدة أقوام تاريخية. فإذا كانت الأمة السورية مؤلفة من مزيج من الكنعانيين والآراميين والأشوريين والكلدان والحثيين والأكاديين والمتّني فإن الأمة الفرنسية مؤلفة من مزيج من الجلالقة واللغوريين والفرنك، إلخ. وكذلك الأمة الايطالية مؤلفة من مزيج من الرومان واللاتين والسمنيين والأتروريين (الأترسكيين)، إلخ، وقس على ذلك كل أمة أخرى "السكسون الدنمركيون والنرمان، هذا ما نحن" هكذا يقول تنسين في أمته الإنكليزية.
أما أفضلية خلوص الأصل ونقاوة السلالة على الامتزاج السلالي (خصوصاً بين السلالات الراقية المتجانسة) فقد قام الدليل على عكسه فإن النبوغ السوري وتفوّق السوريين العقلي على من جاورهم وعلى غيرهم أمر لا جدال فيه، فهم الذي مدّنوا الإغريق ووضعوا أساس مدنية البحر المتوسط التي شاركهم فيها الإغريق فيما بعد. لقد كان النبوغ الإغريقي في أثنية المختلطة لا في إسبرطة الفخورة بأنسابها، المحافظة على صفاء دمها.
مع ذلك لا بد من الاعتراف بواقع الفوارق السلالية ووجود سلالات ثقافية وسلالات منحطة، وبمبدأ التجانس والتباين الدموي أو العرقي وبهذا المبدأ يمكننا أن نفهم أسباب تفوّق السوريين النفسي الذي لا يعود إلى المزيج المطلق بل إلى نوعية المزيج المتجانس الممتازة والمتجانسة تجانساً قويًّا مع نوعية البيئة.
إنّ مدلول الأمة السورية يشتمل على هذا المجتمع الموحد في الحياة، الذي امتزجت أصوله وصارت شيئاً واحداً وهو المجتمع القائد في بيئة واحدة ممتازة عرفت تاريخيًّا باسم سورية، وسمّاها العرب "الهلال الخصيب" لفظاً جغرافياً طبيعيًّا محض لا علاقة له بالتاريخ ولا بالأمة وشخصيتها. فالأصول المشتركة: الكنعانية – الكلدانية – الآرامية – الأشورية – الأمورية – الحثية – المتنية – الأكادية التي وجودها وامتزاجها حقيقة علمية تاريخية لا جدال فيها هي أساس إتني – نفسي – تاريخي – ثقافي، كما أنّ مناطق سورية الطبيعية (الهلال الخصيب) هي وحدة جغرافية – زراعية – اقتصادية – استراتيجية.
إنّ هذه الحقيقة الإتنية والجغرافية كانت ضائعة ومشوشة لتبعثرها في الحوادث التاريخية المتعاقبة، التي طمست الآثار وأقامت التعاريف الأجنبية المتعددة مقام حقيقة الواقع، ولتنوع الترجمات المتعددة لحوادث التاريخ القومي. فإن عدداً كبيراً من المؤرخين قصر تعريف سورية على سورية البيزنطية أو الإغريقية المتأخرة الممتدة من طورس والفرات إلى السويس، فأخرج الأشوريين والكلدان وتاريخ بابل ونينوى من تاريخ سورية. وإنّ عدداً آخر قصر تعريف سورية على البقعة ما بين كيليكية وفلسطين فأخرج فلسطين أيضاً من تحديد سورية. وجميع هؤلاء المؤرخين هم أجانب لم يدركوا واقع الأمة السورية وواقع بيئتها ولا تطورات نشوئها. وقد جاراهم أكثر المشتغلين بالتاريخ من السوريين المتعلمين من التواريخ الأجنبية بلا تحقيق فالتبست علينا الحقيقة وضاعت معها قضيتنا الحقيقية إلى أن أكملت تنقيبي وتحليلي وتعليلي وحددت النتيجة في هذه المبادئ. وأفصّلها بكاملها في كتاب علمي على حدة.
إنّ تاريخ الدول السورية القديمة الأكادية والكلدانية والأشورية والحثية والكنعانية والآرامية والأمورية تدل كلها على اتجاه واحد: الوحدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الهلال السوري الخصيب.
هذه الحقيقة تجعلنا نفهم الحروب الأشورية والكلدانية للسيطرة على جميع سورية فهماً جديداً يخالف الفهم المستمد من التحديدات غير الصحيحة. فهذه الحروب هي حروب داخلية. هي نزاع على السلطة بين قبائل الأمة الآخذة في التكوّن والتي استكملت فيما بعد تكوّنها. وإن الكلدان والآراميين هم شعب واحد في الأصل ولسان واحد فاللغة الآرامية هي الكلدانية، والأشوريون هم شق منهم أيضاً.
لا ينافي هذا المبدأ، مطلقاً، أن تكون الأمة السورية إحدى أمم العالم العربي، أو إحدى الأمم العربية، كما أنّ كون الأمة السورية أمة عربية لا ينافي أنها أمة تامة لها حق السيادة المطلقة على نفسها ووطنها ولها، بالتالي، قضية قومية قائمة بنفسها مستقلة كل الاستقلال عن اية قضية أخرى. الحقيقة أنّ الغفلة عن هذا المبدأ الجوهري هي التي أعطت المذاهب الدينية في سورية المدية، التي قطعتها بين نزعة محمدية عربية ونزعة مسيحية فينقية ومزّقت وحدة الأمة وشتت قواها.
إنّ المبدأ ينقذ سورية من النعرات الدموية، التي من شأنها إهمال المصلحة القومية العامة والانصراف إلى الانشقاق والفساد والتخاذل، فالسوريون الذين يشعرون أو يعرفون أنهم من أصل آرامي لا يعود يهمهم إثارة نعرة دموية آرامية ضمن الأمة والبلاد ما دام هنالك اتباع لمبدأ الوحدة القومية الاجتماعية والتساوي في الحقوق والواجبات المدنية والسياسية والاجتماعية، بدون تمييز بين فارق دموي أو سلالي سوري. وكذلك الذي يعلم أنه متحدر من أصل فينيقي (كنعاني) أو عربي أو صليبي لا يعود يهمه سوى مسألة متحده الاجتماعي، الذي تجري ضمنه جميع شؤون حياته والذين على مصيره يتوقف مصير عياله وذريته وآماله ومثله العليا. هذا هو الوجدان القومي الصحيح، فإذا كانت النعرة الفينيقية هي الـTHESE والنعرة العربية هي الـANTI THESE أو بالعكس، أي إذا كانت النعرتان الدينيتان تضعان نظريتين متعارضتين، فما لا شك فيه أنّ مبدأ وحدة الأمة السورية المؤلفة من سلالتين اساسيتين مديترانية وآرية، من العناصر التي كوّنت في مجرى التاريخ المزاج السوري والطابع السوري النفسي والعقلي، هو المبدأ الذي يقدم الـSYNTHESE أوالمخرج النظري من تعارض النظريتين، مذهباً واحداً هو القومية. إنّ في هذا المبدأ إنهاء جدل عقيم يهمل الواقع المحسوس ويتشبث باللاحسي – جدل يحلّ علم الكلام محل علم الاجتماع.
لا يمكن أن يؤول هذا المبدأ بأنه يجعل اليهودي مساوياً في الحقوق والمطالب للسوري، وداخلاً في معنى الأمة السورية. فتأويل كهذا بعيد جدًّا عن مدلول هذا المبدأ الذي لا يقول، مطلقاً، باعتبار العناصر المحافظة على عصبيات أو نعرات قومية أو خاصة، غريبة، داخلة في معنى الأمة السورية. إنّ هذه العناصر ليست داخلة في وحدة الشعب.
إنّ في سورية عناصر وهجرات كبيرة متجانسة مع المزيج السوري الأصلي يمكن أن تهضمها الأمة إذا مرّ عليها الزمن الكافي لذلك، ويمكن أن تذوب فيها وتزول عصبياتها الخاصة. وفيها هجرة كبيرة لا يمكن بوجه من الوجوه أن تتفق مع مبدأ القومية السورية هي الهجرة اليهودية. إنها هجرة خطرة لا يمكن أن تهضم، لأنها هجرة شعب اختلط مع شعوب كثيرة فهو خليط متنافر خطر وله عقائد غريبة جامدة وأهدافه تتضارب مع حقيقة الأمة السورية وحقوقها وسيادتها، ومع المثل العليا السورية تضارباً جوهريًّا. وعلى السوريين القوميين أن يدفعوا هذه الهجرة بكل قوتهم.
المبدأ الخامس – الوطن السوري هو البيئة الطبيعية التي نشأت فيها الأمة السورية. وهذا ذات حدود جغرافية تميّزهاعن سواها تمتد من جبال طوروس في الشمال الغربي، وجبال البختياري في الشمال الشرقي، إلى قناة السويس والبحر الأحمر في الجنوب، شاملة شبه جزيرة سيناء وخليج العقبة، ومن البحر السوري في الغرب، شاملة جزيرة قبرص، إلى قوس الصحراء العربية وخليج العجم في الشرق، ويُعبّر عنها بلفظ عام: الهلال السوري الخصيب ونجمته جزيرة قبرص.
هذه هي حدود هذه البيئة الطبيعية، التي حضنت العناصر الجنوبية والشمالية المتجانسة التي نزلت واستقرت فيها واتّخذتها موطناً لها تدور فيه حياتها ومكّنتها من التصادم ثم من الامتزاج والاتحاد وتكوين هذه الشخصية الواضحة، القوية، التي هي الشخصية السورية، وحبتها بمقومات البقاء في تنازع الحياة. وكما تنبّه الكلدان والأشوريون إلى وحدة هذه البلاد، من الداخل، وسعوا لتوحيدها سياسيًّا، لعنايتهم بالدولة البرية، وكما عرف هذه الحقيقة كل شعوب هذه البيئة واهتموا بالمحالفات وإنشاء نوع من اللامركزية في بعض الأزمنة، كذلك تنبّه العرب في دقّة ملاحظتهم السطحية إلى وحدتها الجغرافية الطبيعية فسمّوها "الهلال الخصيب".
إنّ سر بقاء سورية وحدة خاصة وأمة ممتازة، مع كل ما مرّ عليها من غزوات من الجنوب والشمال والشرق والغرب، هو في هذه الوحدة الجغرافية البديعة وهذه البيئة الطبيعية المتنوعة الممكنات من سهول وجبال وأودية وبحر وساحل، هذا الوطن الممتاز لهذه الأمة الممتازة. وهي هذه الوحدة الجغرافية، التي جعلت سورية وحدة سياسية، حتى في الأزمنة الغابرة، حين كانت هذه البلاد مقسّمة إلى كنعايين وآراميين وحثيين وموريين واشوريين وكلدانيين. وقد ظهرت هذه الوحدة السياسية في عقد المحالفات أثناء أخطار الحملات المصرية وغيرها في الحملات السورية على مصر من أيام "الهكسوس"، كما ظهرت مكتملة نهائيًّا، فيما بعد، في تكوين الدولة السورية في العهد السلوقي، التي صارت إمبراطورية قوية بسطت سلطتها على آسية الصغرى وامتدت فتوحاتها إلى الهند.
إنّ فقد الأمة السورية سيادتها على نفسها ووطنها، بعامل الفتوحات الخارجية الكبرى، وإخضاع البلاد السورية لسيادات خارجية عرّض البلاد إلى تجزئة وإطلاق تسميات سياسية متجزئة عليها. ففي العهد البيزنطي – الفارسي بسطت الدولة البيزنطية سيادتها على سورية الغربية كلها واقتصر إسم سورية على هذا القسم، وبسطت الدولة الفارسية سيادتها على سورية الشرقية، (ما بين النهرين أو أراضي أشور وبابل القديمة) وأطلقت عليها إسم "إبراه" الذي عرّبه العرب فصار العراق. وبعد الحرب العالمية الأولى (1914 – 1918) بسطت السيادة الأجنبية المثنّاة (بريطانية وفرنسة) على سورية الطبيعية وجزّئت حسب المصالح والأغراض السياسية وحصلت التسميات: فلسطين، شرق الأردن، لبنان، سورية (الشام)، كيليكية، العراق. فتقلّص إسم سورية إلى منطقة الشام المحدودة. وكانت قد أخرجت جزيرة قبرص من حدود سورية مع أنها قطعة من أرضها في الماء.
إنّ سورية الطبيعية تشمل جميع هذه المناطق التي تكوّن وحدة جغرافية – زراعية – اقتصادية – استراتيجية لا يمكن قيام قضيتها القومية الاجتماعية بدون اكتمالها.
أشرت في شرح المبدأ الرابع إلى تضارب التواريخ الأجنبية في تحديد سورية ومتابعة المؤلفين والكاتبين في التاريخ من السوريين التواريخ الأجنبية في تعاريفها واعتمادهم بالأكثر التحديد الذي عُرف في العهد البيزنطي – الفارسي، الذي جعل حدود سورية الشمالية الشرقية نهر الفرات وسمّى القسم الشرقي، ما بين النهرين، "إيراه".
وإنّ اقتسام البيزنطيين والفرس سورية فيما بينهم وإقامة الحواجز بين سورية الشرقية وسورية الغربية عرقل كثيراً، وإلى مدة طويلة، النمو القومي ودورة الحياة الاجتماعية والاقتصادية ونتج عن ذلك إبهام في حقيقة حدود سورية.
وزاد الطين بلّة هجوم الصحراء ودخولها في تجويف الهلال السوري الخصيب بعامل تناقص السكان وتقلّص العمران بسبب الحروب والغزوات وبعامل قطع الغابات وتجريد مناطق واسعة جدًّا من البلاد من حرجاتها. وإنّ عدم وجود دراسات سابقة، موثوقة، في اسباب زيادة الجفاف في تجويف الهلال السوري الخصيب وتناقص العمران فيه، ساعد على اعتبار التمدد الصحراوي حالة طبيعية دائمة، الأمر الذي أثبت بطلانه تحقيقي الأخير.
إن تحقيقي أثبت وحدة البلاد واعطى التعليل الصحيح لوضعها وأسباب تجزئتها الخارجة عن حقيقتها. فثبّت منطقة ما بين النهرين ضمن الحدود السورية وأصلحت التعبير الأول "ضفاف دجلة" الذي كنت اعتمدته، بجعله أوضح وأكمل بإعطائه مدى معنى منطقة ما بين النهرين التي تصل حدودها إلى جبال البختياري، إلى الجبال التي تعيّن الحدود الطبيعية بين سورية الشرقية وإيران.
أما جزيرة قبرص فقد احتلها الفينيقيون من قديم الزمان وصارت من مراكزهم الهامّة وفيها ولد الفيلسوف السوري الفينيقي زينون صاحب المدرسة الرواقية.
إن سورية الوطن هي عنصر أساسي في القومية السورية وكل سوري قومي يجب أن يعرف حدود وطنه ويبقي صورة بلاده الجميلة ماثلة لعينيه ليجدر به أن يكون سوريًّا قوميًّا صحيحاً.
ولكي يقدر السوري القومي الاجتماعي أن يحفظ حقوقه وحقوق ذريته في هذا الوطن الجميل يجب عليه ان يفهم جيداً وحدة أمته ووحدة حقوقها ووحدة الوطن وعدم قابلية تجزئته.
قلت في كتابي الأول من نشوء الأمم إنّ فاعلية الأمة وحيويتها تعدّل حدودها الطبيعية. فإذا كانت الأمة قوية نامية تغلبت على الحدود وامتدت وراءها فتوسع حدودها. وإذا كانت الأمة قوية ضعيفة ذاوية تقلصت عن حدودها الطبيعية. وبعد انهيار الدول السورية العظمى طمت على الأمة السورية موجة ضعف وتقلّص فتراجعت عن حدودها وخسرت قبرص لليونان ومن أتى بعدهم وخسرت شبه جزيرة سيناء لمصر وكيليكية للأتراك، وجزّأتها الدول التي غزتها واحتلت وطنها أو بعض أجزائه.
إنّ النهضة القومية الاجتماعية تعبّر عن عودة فاعلية الأمة السورية وحيويتها إليها لتعود إلى القوة والنمو واستعادة ما خسرته من بيئتها الطبيعية.
المبدأ السادس – الأمة السورية مجتمع واحد.
إلى هذا المبدأ الأساسي تعود بعض المبادئ الإصلاحية التي سيرد ذكرها وتفصيلها (فصل الدين عن الدولة، إزالة الحواجز بين مختلف الطوائف والمذاهب). وهذا المبدأ هو من أهم المبادئ التي يجب أن تبقى حاضرة في ذهن كل سوري. فهو أساس الوحدة القومية الحقيقي ودليل الوجدان القومي، والضمان لحياة الشخصية السورية واستمرارها. أمة واحدة – مجتمع واحد. فوحدة المجتمع هي قاعدة وحدة المصالح، ووحدة المصالح هي وحدة الحياة. وعدم الوحدة الاجتماعية ينفي المصلحة العامة، التي لا يمكن التعويض عنها بأية ترضيات وقتية.
في الوحدة الاجتماعي تضمحل العصبيات المتنافرة والعلاقات السلبية، وتنشأ العصبية القومية الصحيحة، التي تتكفل بإنهاض الأمة.
في الوحدة الاجتماعية تزول الحزبيات الدينية وآثارها السيئة، وتضمحل الأحقاد وتحلّ المحبة والتسامح القوميان محلها، ويفسح المجال للتعاون الاقتصادي وللشعور القومي الموحد، وتنتفي مسهّلات دخول الإرادات الأجنبية في شؤون أمتنا الداخلية.
إنّ الاستقلال الصحيح والسيادة الحقيقية لا يتمّان ويستمران إلا على أساس وحدة اجتماعية صحيحة، وعلى أساس هذه الوحدة فقط يمكن إنشاء دولة قومية صحيحة وتشريع قومي اجتماعي مدني صحيح، ففيه أساس عضوية الدولة الصحيحة، وفيه يؤمن تساوي الحقوق لأبناء الأمة.
المبدأ السابع – تستمد النهضة السورية القومية الاجتماعية روحها من مواهب الأمة السورية وتاريخها الثقافي السياسي القومي.
قصد واضع تعاليم الحزب السوري القومي الاجتماعي بهذا المبدأ تأسيس الاستقلال الروحي، الذي يمثّل الشخصية القومية ومزاياها ومثلها العليا وأهدافها. فالحزب السوري القومي الاجتماعي يعتقد أنه لا يمكن توليد نهضة سورية إلا بعامل نفسية سورية أصلية مستقلة. والحقيقة أنّ من أهم عوامل فقدان الوجدان السوري القومي، أو من عوامل ضعفه، إهمال نفسية الأمة السورية الحقيقية، الظاهرة في إنتاج رجالها الفكري والعملي، وفي مآثرها الثقافية، كاختراع الأحرف الهجائية، التي هي أعظم ثورة فكرية ثقافية حدثت في العالم، وإنشاء الشرائع التمدنية الأولى، ناهيك بآثار الاستعمار والثقافة السورية المادية – الروحية والطابع العمراني، الذي نشرته سورية في البحر السوري، المعروف في الجغرافية بالمتوسط، وبما خلّده سوريون عظام كزينون وبارصليبي ويوحنا فم الذهب وأفرام والمعري وديك الجن الحمصي والكواكبي وجبران وطائفة كبيرة من مشاهير الأعلام قديماً وحديثاً.
أضف إلى ذلك قوادها ومحاربيها الخالدين من سرجون الكبير إلى أسر حدون وسنحاريب ونبوخذ نصر وأشورباني بال وتقلاط فلاصر إلى حنّون الكبير إلى هاني بعل، أعظم نابغة حربي في كل العصور وكل الأمم، إلى يوسف العظمة الثاوي في ميلسون.
إننا نستمد مُثُلنا العليا من نفسيتنا ونعلن أنّ في النفس السورية كل علم وكل فلسفة وكل فن في العالم.
إذا لم تقوّ النفسية السورية وتنزّه عن العوامل الخارجية وسيطرة النفسيات الغربية فإن سورية تبقى فاقدة عنصر الاستقلال الحقيقي وفاقده المثل العليا لحياتها.
المبدأ الثامن – مصلحة سورية فوق كل مصلحة.
ليس هنالك أثمن من هذا المبدأ في العمل القومي. فهو أولاً، دليل النزاهة للعاملين. ومن جهة أخرى يوجه العناية إلى الغاية الحقيقية من العمل القومي، التي هي مصلحة الأمة السورية وخيرها. إنه مقياس الحركات والأعمال القومية كلها، وبهذا المبدأ الواقعي يمتاز الحزب السوري القومي الاجتماعي على كل الفئات السياسية في سورية، فوق ما يمتاز بمبادئه الأخرى، في أنه يقصد المصلحة المحسوسة المعيّنة التي تشارك فيها حاجات ملايين السوريين وحالات حياتهم. إنه ينقذنا من الحوم حول معانٍ للجهاد القومي هي من باب اللامحسوس، أو غير المفيد.
إنّ هذا المبدأ يقيد جميع المبادئ بمصلحة الشعب فلا يعود الشعب يقاد بالدعاوات لمبادئ، تخدم مصالح غير مصلحته هو.
إنّ حياة الأمم هي حياة حقيقية لها مصالح حقيقية وإذا كان الحزب السوري القومي الاجتماعي قد تمكّن من إحداث هذه النهضة القومية الباهرة في وطننا فالفضل في ذلك يعود إلى أنه يمثّل مصلحة الأمة السورية الحقيقية وإرادتها في الحياة.
وإنّ سورية تمثّل لنا شخصيتنا الاجتماعية ومواهبنا وحياتنا المثلى ونظرتنا إلى الحياة والكون والفن، وشرفنا وعزنا ومصيرنا، لذلك هي لنا فوق كل اعتبار فردي وكل مصلحة جزئية.
المبادئ الإصلاحية
المبدأ الأول – فصل الدين عن الدولة.
إن أعظم عقبة في سبيل تحقيق وحدتنا القومية وفلاحنا القومي هي تعلّق المؤسسات الدينية بالسلطة الزمنية وتشبُّث المراجع الدينية بوجوب كونها مراجع السيادة في الدولة وقبضها على زمام سلطانها أو بعض سلطاتها، على الأقل. والحقيقة أنّ معارك التحرر البشري الكبرى كانت تلك، التي قامت بين مصالح الأمم ومصالح المؤسسات الدينية والمشتبثة بمبدأ الحق الإلهي والشرع الإلهي في حكم الشعوب والقضاء فيها. وهو مبدأ خطر استعبد الشعوب للمؤسسات الدينية استعباداً أرهقها. ولم تنفرد المؤسسات الدينية باستعمال مبدأ الحق الإلهي والإرادة الإلهية، بل استعملته الملكية المقدسة ايضاً، التي ادّعت استمداد سلطانها من إراد الله وتأييد المؤسسات الدينية لا من الشعب.
في الدولة التي لا فصل بينها وبين الدين، نجد أنّ الحكم هو بالنيابة عن الله، لا عن الشعب. وحيث خفّ نفوذ الدين في الدولة عن هذا الغلو تجد السلطات الدينية تحاول دائماً أن تظل سلطات مدنية ضمن الدولة.
الدولة الدينية، التيوكراطية، منافية للمبادئ القومية، لأنها تقول بسيطرة المؤسسة الدينية على مجموع المؤمنين كمزاعم البابوية والخلافة. فالبابا هو أمير المؤمنين أينما وجدوا وكذ لك الخليفة. ليس في الدين أمة ومصالح شعوب، بل مجموع من المؤمنين تسيطر عليه مؤسسة دينية متمركزة. ومن هذه الوجهة نرى الدين شيئاً دنيويًّا، سياسيًّا، إداريًّا تحتكره المؤسسة الدينية المقدسة. هذه هي الوجهة الدنيا من الدين. هي الوجهة التي كان الدين ولا يزال يصلح لها حين كان الإنسان لا يزال في طور بربريته أو قريباً منها أما في عصرنا الثقافي فإنه لم يعد يصلح.
هذه هي الوجهة التي يحاربها الحزب السوري القومي الاجتماعي لا الأفكار الدينية الفلسفية أو اللاهوتية، المتعلقة بأسرار النفس والخلود والخالق وما وراء المادة.
إن فكرة الجامعة الدينية السياسية منافية للقومية عموماً وللقومية السورية خصوصاً، فتمسّك السوريين المسيحيين بالجامعة الدينية يجعل منهم مجموعاً ذا مصلحة متضاربة مع مصالح مجاميع دينية أخرى ضمن الوطن ويعرّض مصالحهم للذوبان في صالح الأقوام التي تربطهم بها رابطة الدين. وكذلك تشبث السوريين المحمديين بالجامعة الدينية يعرّض مصالحهم للتضارب مع مصالح أبناء وطنهم الذين هم من غير دينهم وللتلاشي في مصالح الجامعة الكبرى، المعرّضة سياسياً، لتقلبات غلبة العصبيات، كما تلاشت في العهد العباسي والعهد التركي. ليس من نتيجة للقول بالجامعة الدينية سوى تفكك الوحدة القومية والانخذال في ميدان الحياة القومية.
القومية لا تتأسس على الدين، ولا تتأسس عليه الدولة القومية. لذلك نرى أن أكبر جامعتين دينيتين في العالم، المسيحية والمحمدية، لم تنجحا بصفة كونهما جامعتين مدنيتين سياسيتين، كما نجحتا بصفة كونهما جامعتين روحيتين ثقافيتين. إنّ الجامعة الدينية الروحية لا خطر منها ولا خوف عليها. أما الجامعة الدينية، المدنية والسياسية، فتجلب خطراً كبيراً على الأمم والقوميات ومصالح الشعوب، ولنا في العهد التركي الأخير (العثماني) أكبر دليل على ذلك.
إنّ الوحدة القومية لا يمكن أن تتم على أساس جعل الدولة القومية دولة دينية، لأن الحقوق والمصالح تظل حقوقاً ومصالح دينية، أي حقوق ومصالح الجماعة الدينية المسيطرة. وحيث تكون المصالح والحقوق مصالح وحقوق الجماعة الدينية تنتفي الحقوق والمصالح القومية التي تعتبر أبناء الأمة الواحدة مشتركين في مصالح واحدة وحقوق واحدة، وبدون وحدة المصالح ووحدة الحقوق لا يمكن أن تتولد وحدة الواجبات ووحدة الإرادة القومية.
بهذه الفلسفة القومية الحقوقية تمكن الحزب السوري القومي الاجتماعي من وضع أساس الوحدة القومية وإيجاد الوحدة القومية بالفعل.
بهذه الفلسفة القومية الحقوقية تمكن الحزب السوري القومي الاجتماعي من وضع أساس الوحدة القومية وإيجاد الوحدة القومية بالفعل.
المبدأ الثاني – منع رجال الدين من التدخل في شؤون السياسة والقضاء القوميين.
الحقيقة أنه ليس لهذا المبدأ صفة مجرّدة عن المبدأ السابق ولم يكن لزوم لوضع معناه في مادة مستقلة، لولا ما ذكرناه من محاولة المؤسسات الدينية الاحتفاظ بصفة السلطة المدنية، أو اكتساب هذ ه الصفة، حتى بعد وضع مبدأ فصل الدين عن الدولة موضع التنفيذ. والمقصود منه هو وضع حد لتدخّل المؤسسات الدينية مداورة (غير مباشرة) في مجرى الشؤون المدنية والسياسية وبسط نفوذها بقصد تحويل سياق الأمور ليكون في مصلحتها.
إنّ هذا المبدأ يعيّن ما يُفهم من فصل الدين عن الدولة لكي لا يبقى المعنى حائراً معرضاً لتأويلات غير صحيحة. فالإصلاح يجب ألا يقتصر على الوجهة السياسية وان يتناول الوجهة الحقوقية – القضائية أيضاً.
إن الأحوال القومية المدنية والحقوق العامة لا يمكن أن تستقيم حيث القضاء متعدد أو متضارب ومقسّم على المذاهب الدينية، الأمر الذي يمنع وحدة الشرائع الضرورية لوحدة النظام.
لا بد، للدولة القومية الاجتماعية، من وحدة قضائية – وحدة شرعية. وهذه الوحدة، التي تجعل جميع أعضاء الدولة يحسّون أنهم متساوون أمام القانون الواحد، هي أمر لا غنى عنه.
لا يمكن أن تكون لنا عقلية واحدة وتعمل بمفاهيم مختلفة متنافية مع وحدة المجتمع.
المبدأ الثالث – إزالة الحواجز بين مختلف الطوائف والمذاهب.
مما لا شك فيه أنّ بين طوائف ومذاهب أمتنا حواجز تقليدية ليست من الضروريات الدينية. إنّ في أمتنا تقاليد متنافرة، مستمدة من أنظمة مؤسساتنا الدينية والمذهبية، كان لها أكبر تأثير في إضعاف وحدة الشعب الاجتماعية والاقتصادية وتأخير نهضتنا القومية الاجتماعية. وما دامت هذه الحواجز التقليدية قائمة، تذهب دعواتنا إلى الحرية والاستقلال صيحات ألم وتأوهات عجز. إنه لا يحسن بنا أن نعرف الداء ونتجاهل الدواء. نحن السوريين القوميين الاجتماعيين لا نفعل كالدجالين، الذين يدعون إلى الاتحاد ويجهلون روابط الاتحاد وينادون بالوحدة ولا يقصدون سوى غرض في النفس.
كل أمة تريد أن تحيا حياة حرة مستقلة تبلغ فيها مثلها العليا يجب أن تكون ذات وحدة روحية متينة. والوحدة الروحية المتينة لا يمكن أن تنشأ في حال انعزال كل جماعة من جماعات الأمة الدينية ضمن نطاق اجتماعي – حقوقي انعزالاً يجعل منها نفسية وعقلية مستقلتين عن نفسيات وعقليات الجماعات الأخرى لئلا ينشأ من ذلك اختلاف في الأغراض والأهداف.
إن الوحدة القومية لا يمكن أن تتم إلا بإزالة أسباب الاختلاف. والحواجز الاجتماعية – الحقوقية بين مذاهب وطوائف الأمة الواحدة هي المانع من الوحدة القومية الروحية – المادية.
الوحدة شيء حقيقي لا وهمي فلا تتركن الحقيقة وتتعلقن بالوهم.
يجب أن نقف في العالم أمة واحدة، لا أخلاطاً وتكتلات متنافرة النفسيات.
الحواجز الاجتماعية – الحقوقية بين طوائف الأمة تعني إبقاء داء الحزبيات الدينية الوبيل. فيجب تحطيم الحواجز المذكورة لجعل الوحدة القومية حقيقة ولإقامة النظام القومي الاجتماعي الذي يهب الأمة الصحة والقوة.
المبدأ الرابع – إلغاء الإقطاع وتنظيم الاقتصاد القومي على أساس الإنتاج وإنصاف العمل وصيانة مصلحة الأمة والدولة.
هل في سورية إقطاع ونظام إقطاعي؟ لا ونعم. لا، لأن الإقطاع غير معترف به قانونيًّا. ونعم، لأن في سورية، في جهات متفرقة، حالة إقطاعية من الوجهتين الاقتصادية والاجتماعية. إنّ في سورية إقطاعات حقيقية تؤلف جزءاً لا يستهان به من ثروة الأمة ولا يمكن بوجه من الوجوه حسبانها ملكاً شخصيًّا، ومع ذلك فهي لا تزال وقفاً على "بكوات" إقطاعيين يتصرفون بها أو يهملونها كيفما شاؤوا، مهما كان في ذلك من الضرر للمصلحة القومية. ومنه فئة تهمل هذه الإقطاعات وتغرق في سوء التصرف بها إلى حد يوقعها في عجز مالي ينتهي بتحويل الأرض إلى المصارف الأجنبية، الرأسمال الأجنبي، البلوتكراطية الأجنبية. والحزب السوري القومي الاجتماعيع يعتبر أنّ وضع حد لحالة من هذا النوع تهدد السيادة القومية والوحدة الوطنية أمر ضروري جدًّا.
إنّ هذه الإقطاعات كثيراً ما يكون عليها مئات وألوف من الفلاحين يعيشون عيشة زرية في حالة من الرق يرثى لها. وليست الحالة التي هم عليها غير إنسانية فحسب بل هي منافية لسلامة الدولة بإبقائها قسماً كبيراً من الشعب العامل والمحارب في حالة مستضعفة، وخيمة العاقبة على سلامة الأمة والوطن، فضلاً عن إبقائها قسماً كبيراً من ثروة الأمة في حوزتها وفي حالة سيئة من الاستعمال. إنّ الحزب السوري القوي الاجتماعي لا يستطيع السكوت على هذه الحالة.
أما تنظيم الاقتصاد القومي على أساس الإنتاج فهو الطريقة الوحيدة لإيجاد التوازن الصحي بين توزيع العمل وتوزيع الثروة، كل عضو في الدولة يجب أن يكون منتجاً بطريقة من الطرق. وفي حالة من هذا النوع يتوجب تصنيف الإنتاج والمنتجين بحيث يمكن ضبط التعاون والاشتراك في العمل على أوسع قياس ممكن وضبط نوال النصيب العادل من النتاج، وتأمين الحق في العمل والحق في نصيبه.
يضع هذا المبدأ حدًّا للتصرف الفردي المطلق في العمل والإنتاج، الذي يجلب أضراراً اجتماعية كبيرة، لأنه ما من عمل أو إنتاج في المجتمع إلا وهو عمل أو إنتاج مشترك أو تعاوني. فإذا ترك للفرد الرأسمالي حرية مطلقة في التصرف بالعمل والإنتاج، كان لا بد من وقوع إجحاف بحق العمل وكثير من العمال. إنّ ثروة الأمة العامة يجب أن تخضع لمصلحة الأمة العامة وضبط الدولة القومية. لا يمكن تنمية موارد القوة والتقدم في الدولة إلى الحد الأعلى إلا بهذا المبدأ وهذه الطريقة.
إنّ الحزب السوري القومي الاجتماعي يريد وحدة قومية متينة، قوية تثبت بها الأمة السورية في معترك الحياة والتفوق. وهذه الوحدة القومية القوية لا يمكن أن تحصل ضمن نظام اقتصادي سيء، كما أنه لا يمكن أن تحصل ضمن نظام اجتماعي سيء. فإقامة العدل الاجتماعي – الحقوقي والعدل الاقتصادي – الحقوقي أمر ضروري لفلاح النهضة السورية القومية الاجتماعية.
إنّ الإنتاج المشترك هو حق عام لا حق خاص. والرأسمال الذي هو ضمان استمرار الإنتاج وزيادته هو، بالتالي، وبما أنه حاصل الإنتاج، ملك قومي عام مبدئيًّا وإن كان الأفراد يقومون على تصريف شؤونه بصفة مؤتمنين عليه وعلى تسخيره للإنتاج.
وإن الاشتراك في الإنتاج اشتراكاً فعليًّا شرط للاشتراك في الحق العام.
بهذا التنظيم الاقتصادي نؤمّن نهضتنا الاقتصادية وتحسين حياة ملايين العمال ولافلاحين وزيادة الثروة العامة وقوة الدولة القومية الاجتماعية.
المبدأ الخامس – إعداد جيش قوي يكون ذا قيمة فعلية في تقرير مصير الأمة والوطن.
إنّ تنازع موارد الحياة والتفوق بين الأمم هو عبارة عن عراك وتطاحن بين مصالح القوميات. ومصلحة الحياة لا يحميها في العراك سوى القوة، القوة بمظهرها المادي والنفسي (العقلي). والقوة النفسية، مهما بلغت من الكمال، هي أبدأً محتاجة إلى القوة المادية، بل إن القوة المادية دليل قوة نفسية راقية. لذلك فإن الجيش وفضائل الجندية هي دعائم أساسية للدولة.
إنّ الحق القومي لا يكون حقًّا في معترك الأمم إلا بمقدار ما يدعمه من قوة الأمة. فالقوة هي القول الفصل في إثبات الحق القومي أو إنكاره.
وإنّ ما نعنيه بالجيش هو جميع أقسامه البرية والبحرية والجوية. فإن الحرب التي ارتقى فنها ارتقاءً كثيراً توجب أن يكون تأهبنا كبيراً.
الأمة السورية كلها يجب أن تصبح قوية مسلحة.
لقد اضطررنا إلى النظر بحزن إلى أجزاء وطنننا تسلخ عنه وتضم إلى أوطان أمم غريبة لأننا كنا فاقدين نظامنا الحربي وقوّتنا الحربية. إننا نريد أن لا نبقى في هذه الحالة من العجز. إننا نريد أن نحوّل جزرنا إلى مد نستعيد به كامل أرضنا وموارد حياتنا وقوّتنا.
إن اعتمادنا في نيل حقوقنا والدفاع عن مصالحنا على قوّتنا. نحن نستعد للثبات في تنازع البقاء والتفوق في الحياة وسيكون البقاء والتفوق نصيبنا!
غاية الحزب وخطته
غاية الحزب السوري القومي الاجتماعي بعث نهضة سورية قومية اجتماعية تكفل تحقيق مبادئه وتعيد إلى الأمة السورية حيويتها وقوتها، وتنظيم حركة تؤدي إلى استقلال الأمة السورية استقلالاً تامًّا وتثبيت سيادتها وإقامة نظام جديد يؤمن مصالحها ويرفع مستوى حياتها، والسعي لإنشاء جبهة عربية.
يتضح جليًّا من نص هذه المادة أنّ النهضة القومية، البعث القومي، هي محور اهتمام الحزب السوري القومي الاجتماعي. ويتضمن معنى النهضة القومية الاجتماعية تأسيس فكرة الأمة وتأمين حياة الأمة السورية ووسائل تقدّمها وتجهيزها بقوة الاتحاد المتين والتعاون القومي الصحيح وإقامة نظام قومي اجتماعي جديد. فغاية الحزب بعيدة المدى عالية الأهمية لأنها لا تقتصر على معالجة شكل من الأشكال السياسية. بل تتناول القومية من أساسها واتجاه الحياة القومية. إنّ غرض الحزب هو توجيه حياة الأمة السورية نحو التقدم والفلاح، هو تحريك عناصر القوة القومية فيها لتحطيم قوة التقاليد الرثة وتحرير الأمة من قيود الخمول والسكون إلى عقائد متهرئة، والوقوف سدًّا منيعاً ضد المطامع الأجنبية التي تهدد مصالح ملايين السوريين وكيانهم، وإنشاء تقاليد جديدة ترسخ فيها نظرتنا الجديدة إلى الحياة ومذهبنا القومي الاجتماعي.
إنّ غاية الحزب السوري القومي الاجتماعي هي قضية شاملة تتناول الحياة القومية من أساسها ومن جميع وجوهها. إنها غاية تشمل جميع قضايا المجتمع القومي الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والروحية والمناقبية وأغراض الحياة الكبرى. فهي تحيط بالمثل العليا القومية وبالغرض من الاستقلال، وبإنشاء مجتمع قومي صحيح. وينطوي تحت ذلك تأسيس عقلية أخلاقية جديدة ووضع اساس مناقبي جديد وهو ما تشتمل عليه مبادئ الحزب السوري القومي الاجتماعي الأساسية والإصلاحية، التي تكوّن قضية ونظرة إلى الحياة كاملة، أي فلسفة كاملة.
وإنّ إيجاد جبهة من أمم العالم العربي تكون سدًّا ضد المطامع الأجنبية الاستعمارية وقوة يكون لها وزن كبير في إقرار المسائل السياسية الكبرى هو جزء متمم لغاية الحزب السياسية من الوجهة الخارجية.
إنّ سورية هي إحدى أمم العالم العربي، وإنها هي الأمة المؤهلة لقيادة العالم العربي، وما النهضة السورية القومية الاجتماعية إلا البرهان القاطع على هذه الأهلية. من البديهي أنّ الأمة التي لا عصبية لها تكفل القيام بنهضتها هي نفسها، ليست بالأمة التي ينتظر منها أن تنهض الأمم الأخرى وتقودها في مراقي الفلاح. إنَّ القومية السورية هي الطريقة العملية الوحيدة والشرط الأول لنهضة الأمة السورية وتمكينها من الاشتغال في القضية العربية.
إنّ الذين يعتقدون أنّ الحزب القومي الاجتماعي يقول بتخلي سورية عن القضية العربية، لأنهم لا يفهمون الفرق بين النهضة السورية القومية الاجتماعية والقضية العربية ضلوا ضلالاً بعيداً.
إننا لن نتنازل عن مركزنا في العالم العربي، ولا عن رسالتنا إلى العالم العربي.
ولكننا نريد، قبل كل شيء، أن نكون أقوياء في أنفسنا لنتمكن من تأدية رسالتنا. يجب على سورية أن تكون قوية بنهضتها القومية الاجتماعية لتستطيع القيام بمهمتها الكبرى.
إن الفكرة الشاملة التي أوجدها الحزب السوري القومي الاجتماعي تكوّن قضية مثالية في الحياة القومية. وليس يريد الحزب حصر هذه الفكرة السامية ونتائجها الخطيرة في سورية بل هو يريد حملها إلى الأمم العربية الشقيقة عن طريق العمل الثقافي وتبادل الآراء والتفاهم لا عن طريق إلغاء شخصيات الأمم العربية وفرض النظريات عليها فرضاً.
أما الوجهة السياسية من غاية الحزب، فمن الناحية الداخلية، يعتبر الحزب أن المسألة اللبنانية نشأت لمبررات جزئية كانت صحيحة حين كانت فكرة الدولة دينية. ولكن مبادئ الحزب السوري القومي الاجتماعي قد أوجدت الأساس الاجتماعي – الحقوقي القومي. وبتحقيق مبادئ الحزب السوري القومي الاجتماعي تزول المبررات التي أوجبت انعزال لبنان.
ومن ناحية العالم العربي يرى الحزب سلك طريق المؤتمرات والمحالفات التي هي الطريق العملية الوحيدة لحصول تعاون الأمم العربية وإنشاء جبهة عربية لها وزنها في السياسة الانترناسيونية.
ولكن السيادة القومية مبدأ يجب المحافظة عليه في جميع المحالفات والعقود.