الزوبعة، بوينس آيرس، العدد 17، 1/4/1941
الحقيقة التي يقوم عليها كل يوم دليل جديد هي أنّ مبادىء الحركة السورية القومية قد أصبحت المبادىء الوحيدة المقبولة عند السوريين على الإطلاق، حتى عند الذين يحاربون هذه الحركة ويتظاهرون كأنهم مخالفون لعقيدتها، بينما هم يأخذون مبادئها ويعدّلون فيها بعض الألفاظ التي لا تمس الجوهر ولا تغيّر شيئاً من حقيقتها.
وأول هيئة حاربت الحزب السوري القومي فيما هي تأخذ مبادئه وتنظيماته كانت «الكتلة الوطنية»، التي ما كادت تشعر أنّ أنظار الشعب أخذت تتجه نحو الحزب السوري القومي حتى بادرت إلى إحداث تنظيمات للشباب شبيهة بتنظيمات الحزب السوري القومي، وسمت هذه التنظيمات «الشباب الوطني».
ثم كان حزب الوفد المصري أول هيئة خارج سورية سارعت إلى اقتباس حركة الحزب السوري القومي بإنشائها سنة 1936 تنظيمات «شباب الوفد».
ولكي لا يكون كلامنا من باب التبجح أو الادعاء ننشر فيما يلي «دستور الشباب الوطني» الذي نشر في أبريل/نيسان سنة 1936 بعد تأليف لجنة بصورة مستعجلة قوامها الدكتور منير العجلاني الذي كان كتلياً وانقلب على «الكتلة» أكثر من مرة، والدكتور سيف الدين المأمون، الذي عرف عنه فيما بعد أنه بعد سجنه في أوائل الحرب الحاضرة دبّ الوجل إلى قلبه وأرسل من سجنه كتاباً يعلن فيه تأييده لفرنسة، والدكتور محمد السراج الذي كان قد وقف على مبادىء الحزب السوري القومي وخبر تنظيماته وهو بعد في فرنسة من الرفيق جورج حريكة الذي كان طالب هندسة في جامعة طولوز، والدكتور أحمد السمّان. وهذا هو دستور «الشباب الوطني» التابع لــ«الكتلة الوطنية»:
«دستور الشباب الوطني»
المادة الأولى ــــ «الشباب الوطني» هيئة قومية غايتها تحرير سورية الطبيعية وتوحيدها والعمل في سبيل تقارب البلاد العربية واتحادها.
المادة الثانية ــــ «الشباب الوطني» هيئة تدرس الأوضاع والأحوال السياسية وتوجيهها شطر تحقيق المقاصد الوطنية.
المادة الثالثة ــــ «الشباب الوطني» هيئة تهذيبية تعمل على نشر مبادىء الأخلاق الإنسانية والوطنية ورفع مستوى الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية.
المادة الرابعة ــــ «الشباب الوطني» هيئة كفاحية تقوم على أساس الطاعة والنظام والتضحية وتدرب الشبيبة على أساليب مستمدة من التعاليم الرياضية والعسكرية.
المادة الخامسة ــــ «الشباب الوطني» هيئة تعاونية تقوي روح الأخوّة بين أعضائها وتنشط مواهبهم وتشدّ أزرهم.
المادة السادسة ــــ دمشق مركز «الشباب الوطني» العام.
المادة السابعة ــــ يؤلف «الشباب الوطني» فرقاً باسم «القمصان الحديدية».
المادة الثامنة ــــ شعار «الشباب الوطني» ساعد مفتول يقبض بشدة على مشعل ملتهب إشارة إلى أنّ رسالة الشباب هي الحرية والحق والقوة.
المادة التاسعة ــــ تحية «الشباب الوطني» رفع الذراع المنى إلى الأعلى مع بسط الكف.
المادة العاشرة ــــ لباس ««الشباب الوطني» الرسمي قميص وبنطلون حديديان.
المادة الحادية عشرة ــــ قسم ««الشباب الوطني» هو:
«أقسم بالله أن أخدم بلادي بشرف وإخلاص وتضحية.
«أقسم بالله أن أنفّذ قانون «الشباب الوطني» (الذي لا يزال في عالم الغيب).
«أقسم بالله أن أتقيّد بمقررات «المجلس السياسي الأعلى»، (الذي لم يوجد) وأطيع دون تردد أوامر اللجنة العليا».
كل من درس هذا «الدستور» وقابله على غاية الحزب السوري القومي وضحت له الأمور الآتية:
1 ــــ إنّ هذا «الدستور» وضع على عجلة على أثر لهج الألسن بقضية الحزب السوري القومي التي كانت قد أصبحت أمام المحكمة المختلطة وملأت أخبارها أعمدة الجرائد.
2 ــــ إنه وضع بعد مضي بضعة أشهر على ظهور أمر الحزب القومي وعلى نشر الصحف لمبادىء الحزب وبعد مرور نحو ثلاث سنوات ونصف على تأسيس الحزب السوري القومي.
3 ــــ إنه دستور مشوش غير كامل، وغير واضح القصد والفكرة. ولذلك سماه واضعه «شذرات من الدستور»، ولو كان الأمر أمر شذرات لما كانت جاءت في عدد متسلسل غير منقطع من المواد المبتدئة بمادة أولى ومنتهية بمادة حادية عشرة.
4 ــــ إنّ المادة الأولى منه ليست سوى مختصر غاية الحزب السوري القومي نفسه. وإنّ المادتين الثانية والثالثة هما مبنيتان على أجزاء من غاية الحزب السوري القومي ومن خطاب الزعيم في المحكمة المختلطة.
5 ــــ إنّ المادة الرابعة ليست سوى تعديل لفظي للمبدأ الإصلاحي الخامس من مبادىء الحزب السوري القومي ممزوج بأفكار وردت في بعض خطب الزعيم.
6 ــــ إنّ المادة الخامسة مستمدة من روح قسم العضوية للحزب السوري القومي.
7 ــــ إنّ المادة السابعة ليست سوى محاولة تطبيق تشكيلات الحزب السوري القومي واتخاذ اسم «القمصان الحديدية» هو مأخوذ من لباس الحزب السوري القومي الرصاصي، والحديد والرماد من الألوان أقربها إلى الرصاص.
8 ــــ إنّ المادة الثامنة مقتبسة عن بعض الرموز الفرنسية التي شاهدها العجلاني والسراج في فرنسة، والحرية والقوة هما من رموز زوبعة الحزب القومي. والحق من مثله العليا.
9 ــــ المادة التاسعة ليست سوى تقليد تحية الحزب السوري القومي بدون أدنى تعديل.
10 ــــ المادة الحادية عشرة ليست سوى تقليد لقسم الحزب. والبلبلة ظاهرة في هذا التقليد، لأنه ينص على تنفيذ «قانون الشباب الوطني» الذي لم يكن قد وضع، وعلى التقيد بمقررات «المجلس السياسي الأعلى» الذي لا يزال في عالم الغيب، فلا يعرف من سيشكله، وممن سيتشكل، وكيف توضع الثقة به وإلى أين مرجعه، وعلى إطاعة أوامر اللجنة العليا التي لا يعرف هل هي خاضعة «للمجلس السياسي الأعلى» أم هذا المجلس خاضع له.
وقد امتدت تشكيلات «الشباب الوطني» في الأمكنة التي كان لــ«الكتلة الوطنية» نفوذ قوي فيها. وقال كثير من الناس «لم تبقَ حاجة للحزب السوري القومي. وقد قضي على هذا الحزب». وجرت استعراضات لــ«القمصان الحديدية» أخذت صورها بالسينما وشاهدها المهاجرون. ولكن هذه التشكيلات لم تعمِّر أكثر من ستة أشهر فتفككت أوصالها وتفرق شملها، لأنها كانت قائمة على التقليد وفاقدة روح القيادة والإنشاء. وبعد مدة عادت «الكتلة الوطنية» تحاول إحياء هذه المؤسسة ولكن جهودها ذهبت أدراج الرياح.
والآن نشاهد محاولة جديدة من هذه المحاولات التقليدية في ما يقوم به الساعون لعقد اجتماع ودِّي فيما بينهم يسمونه «المؤتمر العربي» الذي يحضره «ممثلان» للجالية السورية في البرازيل.
وقد وقفنا على «المنشور» الذي اهتم بإذاعته في جريدة «الرابطة» في سان باولو، البرازيل، رشيد سليم الخوري وعلي الحاج وشفيق عماد وقليل من الأفراد، الذي يعلن أنّ هؤلاء الأفراد هم «فريق من الأحرار الذين يمثلون مختلف الهيئات الوطنية» وأنهم قرروا انتداب رشيد سليم الخوري وعلي محمد الحاج ليمثّلا الجالية السورية في البرازيل في «مؤتمر» الأرجنتين. وقد تناولنا في عدد سابق قيمة هذا «الفريق من الأحرار» وقلنا إنه لا يمثل غير نفسه لأنه لا يحمل تفويضاً من الجالية ولم يقم على استفتاء عمومي للجالية. وإذا أخذنا منطوق المنشور نفسه تبيّن لنا أنّ هؤلاء الأفراد أنفسهم لم يجسروا أن ينتحلوا أكثر من صفة أنهم «فريق من الأحرار» أي أنهم ليسوا سوى جزء صغير من عدد كبير.
أما «الأماني» التي ينسبها هؤلاء الأفراد للجالية السورية في البرازيل والتي يريدون تمثيلها فقد ورد في منشورهم أنها الآتية:
أولاً ــــ «لإستقلال سورية العربية الطبيعية الشاملة استقلالاً ناجزاً، يعيدها إلى وحدتها الطبيعية بإلغاء الأوضاع السياسية التي أوجدها الانتدابان الإنكليزي والفرنسةوي في مختلف أقاليمهما.
ثانياً ــــ «السعي لتأليف وحدة عربية من الأقطار العربية كافة وضمنها سورية.
ثالثاً ــــ «تنبيه الأمة العربية في جميع أقطارها، وتوجيه أنظار المسؤولين والمشتغلين بقضيتها إلى تدبير منظم مشترك، واتخاذ موقف إجماعي حازم في الحرب الحاضرة يضمن تحقيق هذه الأماني».
هذه هي «الأماني» التي قرر إبلاغها «ممثلو بعض الهيئات الوطنية»، كائناً من كانت هذه «الهيئات» وكائناً من كان هؤلاء «الممثلون»، ومنها يتبين أنّ الذين يحاربون الحزب السوري القومي لغاية خصوصية في نفوسهم، ويخدعون الرأي العام بإيهامه أنهم لا يقرون مبادئه، وأنّ لهم قضية قومية تختلف عن قضيته، لم يقدروا إلا أن يرجعوا إلى مبادىء الحزب السوري القومي نفسه وإظهارها بشيء من التلاعب الكلامي الذي لا يغيّر شيئاً من جوهرها. فهم يقولون إنّ أماني الجالية السورية في البرازيل هي، قبل كل شيء إستقلال سورية الطبيعية، كما يحددها الحزب السوري القومي، على أساس أنها أمة ذات كيان خاص يصح أن يطلب لها الاستقلال التام.
هذا ما يقوله الآن الذين أقلقوا راحة الأرض والسماء بتخطئة الحزب السوري القومي بمناداته بقضية مستقلة للسوريين يجب عليهم هم القيام بها.
أما «الأمنية» الثانية من «أمانيهم» فهي «السعي لتأليف وحدة عربية» وهي عبارة مأخودة بكاملها من غاية الحزب السوري القومي مع وضع كلمة «وحدة» في محل كلمة «جبهة».
وأما «الأمنية» الثالثة فليست سوى صدى ما قال به زعيم الحزب السوري القومي من زمان.
هذه النتائج تثبت أنّ مبادىء الحزب السوري القومي قد أصبحت منهاج جميع السوريين فلا يتمكن من الشذوذ عنها، حتى ولا الذين يتصايحون لمحاربة الحزب السوري القومي، حرصاً على مطامعهم ولباناتهم. وهم لو قال الحزب القومي بغير مبادئه لناهضوه كما يناهضونه الآن، لأن أسبابهم شخصية لا عمومية ولا إصلاحية.
ولنعد الآن إلى فكرة المؤتمر في المهجر فهذه الفكرة نشأت في أوساط السوريين القوميين ونشرت عنها «سورية الجديدة» في سان باولو، البرازيل، في يناير/كانون الثاني 1940، أي منذ سنة وشهرين ونيف. وقد حالت دون تنفيذ هذه الفكرة حوائل ذكرت في عدد سابق. فقام الأدعياء النفعيون يأخذون فكرة الحزب ومبادئه عينها مدّعين أنهم هم أصحابها وأنها غير فكرة الحزب وغير مبادئه.
الحزب السوري القومي قال إنّ الأمة السورية هي إحدى أمم العالم العربي. فقام هؤلاء الأغرار يقولون «باستقلال سورية العربية» ليوهموا الناس أنهم يقولون بمبادىء غير مبادىء الحركة السورية القومية. والحقيقة أنّ هذه الكلمة زيادة قد تفيد أنّ هنالك غير سورية واحدة، وأنّ واحدة فقط هي عربية وأنّ الباقيات هن غير عربيات. والحقيقة أنّ قصدهم التمويه والتضليل.
ولكن لا بدّ من القول إنّ لعبة «المؤتمر العربي» في الأرجنتين قد أصابها الشلل منذ بدء نشوئها. فالتمهيدات لها بالدعوة لمساعدة المير شكيب أرسلان الموعز بها، وبإرسال برقيات عدم رضى عن الوضع الحاضر وطلب استقلال قد أصيبت بخيبة عظيمة، فمن بين مئات الجمعيات السورية المنتشرة في الأرجنتين لم تحصل دعوة المير أمين أرسلان على سوى توقيع اثنين وعشرين شخصياً هم رؤساء أو نواميس اثنتين وعشرين جمعية قليلة العدد ومعظمها غير منظم الشؤون بحيث لا قوة تمثيلية لها. وكلها جمعيات دينية إسلامية معظمها يحمل الاسم الإسلامي صراحة وبعضها يحمله ضمناً، كالجامعة الإسلامية، والتعاضد الإسلامي، والاتحاد الإسلامي، والتضامن العربي، وغيرها.
وأما دعوة المير أمين أرسلان فمن أغرب الدعوات التي عرفت في تاريخ المشاريع والأعمال السياسية التي يقصد منها تمثيل شعب وهذا نصها الكامل:
«بوينس آيرس في 10 كانون ثاني سنة 1941
«حضرات رئيس وأعضاء جمعية....
«سلاماً وبعد:
«إنه نظراً للسانحة التي يجب على العرب أن يطالبوا أثناءها بحقوقهم المهضومة لكي يحصلوا على أمانيهم الاستقلالية التامة، فقد اتفقنا مع نسيبنا الأمير شكيب، على أن تبرق كافة الجمعيات العربية (أي السورية) في المهجر إلى الدول الأجنبية الآتية: إنكلترة، ألمانية، فرنسة، إيطالية، الروسية، وتركية وإلى الممالك العربية: العربية السعودية، المصرية، العراقية، واليمنية، للمطالبة بالعدل في قضيتنا التي هي ليس إلا استقلال بلادنا الناجز، المتوقف عليه السلام العام في الشرق الأدنى وفي العالم أجمع.
«فإذا كنتم توافقون على ذلك، ولا شك أنكم من العرب الذين يهمهم هذا الأمر، فالرجاء أن يوقّع رئيس جمعيتكم على صورة البرقية الواصلة بطيّه باللغة الإسبانية، وأن تعيدوها إلينا للحفظ في دائرة البريد والبرق. آملين من غيرتكم أن ترسلوا إلينا مبلغ 30 ريالاً للمشاركة بمصاريف البرقيات التي تلحق كل جميعة ناهضة تنضم لهذا المشروع الوطني المفيد.
«والسلام عليكم والرحمة والبركات».
الإمضاء
أمين أرسلان
وظاهر من هذا الطلب أنه وضعت أسماء عدة دول لتضيع الطاسة فلا يعلم أحد أية دولة هي التي أوعزت بالحصول على هذه الوثائق ولا يدرك أحد العلاقة الوثيقة بين البرقية المطلوب إرسالها وإعلان ألمانية وإيطالية أنهما مستعدتان لمساعدة كل أمة عربية تطلب الاستقلال، وتعليق المير شكيب أرسلان على هذا الإعلان تعليقاً يغري بقبوله، مما يدل على أنّ شكيب أرسلان يمثّل اليوم في أوروبة الدور عينه الذي مثله قبله شكري غانم وجميل مردم مع فرنسة وبريطانية في الحرب العالمية الماضية.
إننا قد حذّرنا الرأي العام من هذه اللعبة الغامضة، وقد لاقى تحذيرنا قبولاً وحصل التنبّه في حينه، وجاءت صحف البرازيل تدل على أنّ مشروع تمثيل «الجالية السورية» قد حبط، حتى أنّ جريدة «الرابطة» نفسها التي أعلنت عن سفر علي الحاج ورشيد الخوري بصفة مندوبين عادت فأعلنت ما يلي:
«برحنا أول من أمس إلى الأرجنتين الأديبان الوطنيان الكبيران «الشاعر القروي» السيد رشيد سليم الخوري والأستاذ علي محمد الحاج وسيغتنمان هذه الفرصة ويحضران المؤتمر العربي الذي سيعقد قريباً في بوينس آيرس وتشترك فيه مختلف الجوالي العربية في أميركة الجنوبية للنظر في مصلحة البلاد العربية وبينها سورية».
وهذا يعني أنّ الذين أعلنوا عن انتداب الشخصين المذكورين أنفسهم أنكروا هذا الانتداب وقالوا إنّ هذين القادمين سيشتركان بصفتهما الخصوصية في «المؤتمر العربي».
أما «مختلف الجوالي العربية» التي تقول الجريدة المذكورة إنها ستشترك في لعبة «المؤتمر العربي» فحتى الآن لا علم لأحد غير جريدة «الرابطة» بوفودها.
إنها مهزلة هذه اللعبة، ولكنها ليست مضحكة، إلا لأنها من شر البلية!