النشرة الرسمية للحركة القومية الاجتماعية، بيروت، المجلد 1، العدد 2، 1/12/1947
إلى حضرة عميد الإذاعة والثقافة، الرفيق فايز صايغ،
حضرة العميد المحترم،
أهنئكم بعودتكم سالماً معافى من رحلتكم إلى منفذية الشاطئ الذهبي وإني أنتظر الوقوف على تقريركم وأعمالكم الإذاعية هناك لأبدي تقديري.
بعد مرور أيام قليلة على سفركم استردت الحكومة اللبنانية مذكرة التوقيف التي كانت قد طلبت إصدارها ضدي على الطريقة التي وردت في بلاغ عمدة الإذاعة. وهكذا انتهت تلك المشادة العنيفة بين الحزب والحكومة اللبنانية. ومنذ التاسع من شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي صار يمكنني أن أستأنف القيادة الإنشائية التعميرية في الحركة القومية الاجتماعية التي اضطرتني الظروف المعاكسة إلى البقاء بعيداً عنها تسع سنوات في المغترب وسبعة أشهر في المشادة مع الحكومة اللبنانية.
كان همي الأول، بعد اجتياز تلك المرحلة الاستثنائية الملأى بالحوادث الغريبة وبعد تطهير الحزب من أخبث مؤامرة وخيانة تعرض لهما منذ نشأته إلى اليوم، أن أنظر في سلامة العقيدة القومية الاجتماعية وفلسفة نهضتنا الاجتماعية وفي وحدة نظر الحركة القومية الاجتماعية إلى الحياة والكون والفن، وأن أضبط التوجيه الفكري في الحركة بما ينطبق على العقيدة القومية الاجتماعية التي نشأت منها الحركة القومية الاجتماعية لتحقيق مثلها العليا وأهدافها.
إنّ اطلاعي، وأنا بعد في الأرجنتين، على بيانكم "الأساسي" لعمدة الثقافة، منشوراً في العدد الأول من مجلة [نشرة] عمدة الثقافة، ثم وقوفي عليه بصورة أكمل منذ نحو شهرين ونيف، منشوراً في العدد الخامس من النشرة الحزبية الدورية التي كانت تصدر عن عمدة الإذاعة، ثم اطلاعي مؤخراً، منذ نحو عشرين يوماً تقريباً، على نسخة من البيان المذكور كما قُدَّم في المجلس الأعلى، أظهر لي أنكم اعتمدتم قواعد للفكر والاتجاه غير قواعد النهضة القومية الاجتماعية وأوّلتم غايتها ونظامها ومركز عمدة الثقافة فيها بما لا ينطبق على عقيدتها وغرض عمدة الثقافة المؤسسة لها. وقد اطلعتم على بعض ملاحظاتي الأولى على بيانكم المذكور، التي أبديتها للرفيق غسان تويني ولخصتها في الكتاب الذي ارسلته من الأرجنتين إلى المطرود نعمة ثابت وهو بعد رئيساً للمجلس الأعلى غير الدستوري الذي تشكّل في غيابي.
وقد عنيت في المدة الأخيرة بعد شعوري بالاتجاه نحو السلم بالوقوف على ما نشأ في غيابي، ضمن الحركة أو في الأدب المتداول في أوساطها، من أدب وتيارات فكرية جديدة. فقرأت في كتابكم البعث القومي ووجدت، لدهشتي، أنه ما خلا بحث "الأمة – جوهرها – مقوماتها – خصائصها" المبني على نشوء الأمم والمستمد منه، وبحث "النظام الجديد – المجتمع الجديد" المنسجم مع اتجاه الحركة القومية الاجتماعية، وما خلا بعض فقرات في معظم الكتاب لها هذا الاسنجام، فإن الأبحاث الرئيسية المثبتة في الكتاب التي تتناول الأساس العقائدي الاجتماعي – فلسفة الحركة القومية الاجتماعية – تعاليمها الأساسية، مبنية على عقيدة غير عقيدتها – على عقيدة مناقضة لها.
إنّ الأبحاث المذكورة واتجاه نشاطكم الأدبي والإذاعي تحمل، كلها، نظرة برديايف وكركيغارد إلى الانسان والمسائل الإنسانية. ونظرة كركيغاد وبرديايف الشخصية الفردية، التي ترى الشخصية الفردية الجوهر والغاية والتي تترجمون عنها في الهدف بقولكم "إنّ شخصية الإنسان (الفرد) ونموها هي غاية المجتمع الرئيسية" أي أنّ المجتمع ليس سوى واسطة لهذه الغاية، وبقولكم إنه لخطأ القول بشخصية للمجتمع وإنّ المجتمع "عدد من البشر ليس إلا"، هي نظرة مناقضة كل المناقضة لنظرة سعاده التي بها نشأت الحركة القومية الاجتماعية وعلى خططها تسير.
إن ترجمة النظرة البرديايفية أو الكركيغاردية إلى العربية وتعريف الفكر السوري إليها قد لا يكون شيئاً يوجب الاعتراض. ولكن يوجب التدخل والتوقيف محاولة إحلال النظرة الشخصية الفردية المذكورة محل التعاليم القومية الاجتماعية ونظرة النهضة القومية الاجتماعية واستخدام أجهزة الحركة القومية الإذاعية لبثّها بدلاً من تعاليم الحركة نفسها التي نشأت تلك الأجهزة لها خصيصاً والتي تدور على محور المجتمع وليس على محور الفرد أو الشخصية.
لست بداخل هنا في أساس النظرة الكركيغاردية أو البرديايفية المنعوتة بالوجودية أو الكيانية. إذ ليس هذا الكتاب مجال مثل هذا البحث. ولكني أريد هنا أن ألفت نظركم إلى أنّ من واجباتي الأولية عدم إجازة التناقض التعليمي والتوجيهي في صلب الحركة وقيادتها وعدم السماح بتشعب النظرة إلى الكون في هذه الحركة أو بلبلة تفكيرها.
إن اجتهادكم الشخصي في تعليم النظرة البرديايفية من مراكز الحزب العالية التي وصلتم إليها يدل على أنكم لم تهتموا بدرس العقيدة القومية الاجتماعية ونظرتها ولم تأخذوا بعين الاعتبار أنّ الحركة نشأت على عقيدة أي فلسفة اجتماعية كاملة موجودة في المبادئ وفي كتابات المعلم وشروحه في كتبه وخطبه ومحاضراته وأحاديثه وفي قدوته. وإنّ الواجب الطبيعي لهذه الحركة تثبيت عقيدتها وانتصارها ككل حركة في العالم تقوم بتعاليم أساسية.
هذه الحقيقة الأساسية لا تتضارب مطلقاً مع مبدأ الحرية الذي يعني إجازة انحياز كل أصحاب عقيدة ما بعضهم إلى بعض للسعي لتحقيق عقديتهم ولا يعني مطلقاً وجوب إجازة العمل ضمن نطاق العقيدة الواحدة لعقيدة غيرها مخالفة لها أو رامية إلى هدمها.
إنّ البيان الخطي الذي قدمتموه إليّ قبل سفركم إلى منفذية الشاطئ الذهبي عن أعمال عمدة الإذاعة لم يشتمل إلا على بيان بعض الأعمال الدورية أو الشكلية ولم يتعرض لشيء من الأساس وتفاصيله ولا من القضايا والنتائج الحاصلة، أعني النتائج الإذاعية للنظرة القومية الاجتماعية ورفع مستوى فهم هذه النظرة على أصولها ووجهها الصحيح في مجموع القوميين الاجتماعيين. لذلك لست على بصيرة من المرامي والنتائج الإذاعية الروحية والفكرية لنشاط عمدة الإذاعة التي تقومون عليها.
ولما كان استمراركم في العمل على رأس بعض الأجهزة الإدارية العليا على أساس نظرة الفلسفة الشخصية الفردية المخالفة لنظرة الفلسفة القومية الاجتماعية يعرّض الحركة القومية الاجتماعية إلى التبلبل والتفسخ بتأثير عدد كبير أو قليل من الأعضاء بتعاليم المدرسة الكركيغاردية – البرديايفية من غير أي تنبيه للهدف الأخير الذي ترمي إليه ولمخالفته لهدف الحركة القومية الاجتماعية الأخير، وبسبب إهمال شرح تعاليم نهضتهم، فإني أطلب منكم إعادة النظر في اتجاهكم الفلسفي وعملكم الإذاعي والإدلاء إليّ بموقفكم من العقيدة القومية الاجتماعية واعتباراتها الأساسية وبأهداف عملكم الإذاعي.
في هذه الاثناء، وإلى حين النظر الأخير في بيانكم، أطلب منكم التقيد في كتابكم وتوجيهاتكم الإذاعية بما يلي:
1 – ترك التوجيه بأية طريقة وبكل الطرق، إلى التعاليم الكركيغاردية – البرديايفية التي لم تعرض على مجالس الحزب وعلى الزعيم للنظر والبتّ فيها.
2 – الاقتصار على الإذاعات عن الحركة القومية الاجتماعية وما يمكن اعتباره معبّراً عن حقيقتها أو موقفها بكل ما في هاتين اللفظتين من معنى.
وإني مستعد لمباحثتكم شخصيًّا في جميع الأصول الفكرية التي تساعدكم على أعادة نظركم في اتجاهاتكم الشخصية ضمن الحركة القومية الاجتماعية وفي مسؤولياتها، وفي جميع القضايا التي يمكن أن تكون موضع قلق لتكفيركم.
وإني أعتقد أن ّمصيركم في الحركة القومية الاجتماعية يجب أن يكون غير مصير الاهتمام بقضية الشخصية الفردية التي تبقى شخصية بحتة مهما عممت، ونحن في مجال قضية المجتمع وليس قضية الفرد أو الشخصية الفردية.
وتفضلوا بقبول سلامي القومي ولتحيى سورية.