ملحق رقم 14 بلاغ قيادة الثورة القومية الاجتماعية العليا الأولى عن الثورة وأساليبها وأهدافها

النظام الجديد، دمشق، الحلقة 15، 1/2/1951

في مساء الخميس الواقع في 9 حزيران/ يونيو 1949 جرى اجتماع ضم بضع مئات من تشكيلة الـ Phalanges Libanaises أمام بناء المطبعة التي تطبع فيها جريدة الحزب السوري القومي الاجتماعي في شارع فيليب الخازن بمحلة الجميزة، وبعد إلقاء خطب مهيجة من قِبل خطباء كتائبيين قام جمهور المجتمعين باعتداء مسلح على المطبعة وإدارة نشر الجريدة القومية الاجتماعية كانت نتيجته جرح خمسة رفقاء قوميين اجتماعيين جراحاً متفاوتة، منها بعض جراح خطرة، وحرق ورق المطبعة وتخريب بعض الآلات وقد استعمل المهاجمون الأسلحة الكرارة.

في ذات المساء، وبعد مدة قليلة من الحادث، اجتمع مجلس وزراء الجمهورية اللبنانية، برئاسة رئيس الجمهورية [بشارة الخوري]، بعد مخابرته تلفونياً إلى منزل فضول حيث كان يسهر ويلعب بالورق، وفي هذا الاجتماع قررت الحكومة اغتنام فرصة الحادث ومفاجأة الحزب القومي الاجتماعي بحملة تنكيل وإرهاب مستهدفة القضاء على هذا الحزب. وقد كان حادث الجميزة ستاراً مخفياً مقاصد الحكومة، فلم تنكشف هذه المقاصد إلا بعد مرور نحو ثمان وأربعين ساعة على ابتداء الحكومة حملتها. وقد اتخذت تدابير الحكومة كل صفات الحملة التي لا يخطئها النظر، ففي الليل عينه، على أثر اجتماع الحكومة، استدعى قائد الجيش اللبناني الجنرال [فؤاد] شهاب أركانه وأصدر أوامر تحركت بموجبها وحدات من الجيش اللبناني في بعض مناطق مدينة بيروت، وسارت وحدات أخرى إلى الجبل وفي جميع مناطق الجمهورية اللبنانية لمساعدة عمل الدرك والبوليس في حملة الأسر وفي بضع ساعات كانت هذه الحملة قد قبضت على بعض مئات من أعضاء الحزب القومي الاجتماعي والمسؤولين الإداريين فيه، الذين أخذوا بغتة وهم نائمون آمنون في بيوتهم.

وقد كان الهدفان الأوليان الرئيسيان للحملة: منزل الزعيم في رأس بيروت بقصد اعتقاله والاستيلاء على أوراقه ومكتب الحزب المركزي الكائن في شارع المعرض، فأخفقت الحملة في مهمة أسر الزعيم ونجحت في الاستيلاء على أوراق الحزب في المكتب المركزي.

لم تتوقف الحملة العسكرية على الحزب عند هذا الحد، بل استمرت في ترتيب تصاعدي حتى بلغت في بضعة ايام حداً عالياً من الشدة الإرهابية في جميع المناطق بلا استثناء. فاستمرت مداهمة البيوت في الليل والنهار، والقبض على مئات من القوميين الاجتماعيين وإبداعهم السجون في أقصى درجة المقدرة على القبض والنقل والإيداع. وقد أخرجت الحكومة الموظفين في أجهزتها المنتمين إلى الحزب القومي الاجتماعي، وقبضت على معظمهم بلا تهمة معيّنة ولا مبرر. الأمر الذي لا بد من ملاحظته هو أنه في جميع أعمال المداهمة والإرهاب مدة، تجاوزت الثلاثة أسابيع لم تجرِ من قِبل أعضاء الحزب أية مقاومة ولكن جرت حوادث فرار من وجه الاضطهاد المسلح.

وإلى هذه الساعة يعلن فيها الحزب القومي الاجتماعي الثورة على الاضطهاد والإرهاب والطغيان المسلح لم يبد ما يدل على أنّ حملة الحكومة ستقف عند حد.

لا شك في أنّ حملة الحكومة الإرهابية والتنكيلية على الحزب القومي الاجتماعي تشكل اعتداء صريحاً على حقوق أعضاء الدولة المدنية والسياسية، وطغياناً على الشعب نادر المثيل، يذكرنا بأزمنة الدولة الطغيانية الأولى التي لا تحترم للشعب إرادة ولا حقاً، إذ الإرادة هي إرادة الحاكم المطلق، الأمير أو الملك في تلك الأزمنة وقاطع الطريق السياسي في هذا العصر.

من تصريحات رجال الحكم المنشورة في الصحف ومما نشر إلى الآن عن اعتداء الحكومة الوحشي يتبين أنّ الحكومة مسؤولة عن التخريب والتنكيل بأعضاء الدولة الآمنين تتذرع بتبرير اعتدائها على الحزب وأعضائه بحجة أنّ تقارير وردت إلى دارة الأمن العام من عمالها تفيد أنّ الحزب القومي الاجتماعي كان قد هيّأ وثبة على الحكم ستجري في....

لسنا ندري هل وردت الحكومة فعلاً تقارير، وهل لهذه التقارير قيمة إخبارية صحيحة، ولكن الطريقة التي تصرفت بها الحكومة تدل إما على أنّ التقارير المزعومة مختلقة، وإما أنها غير موجودة. فالحكومة لم تداهم مركزاً معيناً تجري فيه المؤامرة وتوجد الأدلة عليها، ولم تسدد هجومها على أشخاص معينين. يجب أن تحوي التقارير، إن كانت موجودة وصحيحة، أسماءهم. ولم تكتشف مستودعاً واحداً من السلاح الذي يجب أن تفيد التقارير عنه، لو كانت موجودة وصحيحة بل بالعكس وجهت الحكومة حملة عامة على جميع مناطق الحزب، وباشرت إلقاء القبض على جميع المسؤولين الإداريين الرئيسيين والثانويين والصغار وعلى الأعضاء عموماً بلا فارق، الأمر الذي يدل على أنّ الحكومة قصدت مهاجمة الحزب مهاجمة متعمدة والتنكيل به، لا القبض على متآمرين لإحباط مؤامرة ومنع (Coup détat) مزعوم.

سارت الحكومة بهذا النهج على قاعدة اضرب أولاً ثم ابحث عن المبررات، ومع أنها لم تجد المبررات المنتظرة ظلت مستمرة في الحملة الجارفة بكل هياجها وتعديلها في مداهمة البيوت في جميع جهات لبنان، وإخراج أبناء الشعب من بيوتهم وسوقهم إلى السجن، وتفتيش البيوت وإبقاء جميع المأخوذين أسرى على هذا الشكل في السجون بلا ذنب غير انتمائهم إلى حزب قانوني، مرخص به من الحكومة التي يقوم رجالها بشنّ هذه الحملة البربرية عليه. فهذا النهج الذي تنهجه الحكومة هو مخالفة للمبادىء الديموقراطية وخرق لحقوق أعضاء الدولة المدنية والسياسية وظلم لا يطاق.

إنها ليست المرة الأولى التي يسلك فيها رجال الحكم المتحكمون في الحياة والحقوق السياسية في لبنان هذه الطريق بقصد التنكيل بالقوى السياسية التي تريد تحقيق مبادىء الحكم الديموقراطي، وتنفيذ إرادة الشعب الحر التي يضع رجال الحكم ضدها إرادتهم الخصوصية، فإنّ رجال الحكم الحاضرين هم أنفسهم اتخذوا تدابير مخالفة لقواعد حرية الفكر والقول ضد زعيم الحزب القومي الاجتماعي يوم عودته من أميركة الجنوبية. فبمجرّد وصول الزعيم وإلقائه خطاباً أعلن فيه إلى جانب المحافظة على الوضع السابق في لبنان، رأيه في الشؤون السياسية الجارية، أصدرت الحكومة تعليمات إلى إدارة الأمن العام بوجوب ملاحقة الزعيم ثم زوّرت على الزعيم قضية مبنية على اتهامات باطلة، وحوَّلتها إلى القضاء لملاحقة الزعيم قضائياً، عابثة بقواعد الحرية والعدل، وبحاجة الشعب إلى أمن عام ومبادىء حياة اجتماعية وسياسية تؤمن الناس على حقوقهم وكرامتهم وتسير بهم في تطور نحو الخير العام والنهوض الاقتصادي والثقافي. وقد اضطر الحزب القومي الاجتماعي إلى الوقوف في وجه الحكومة بالسلاح مدة سبعة أشهر انتهت بتراجعها عن موقفها الظالم. ثم إنّ وسائل الحكومة تجاه الحزب القومي الاجتماعي ظلت كل المدة بين سنة 1947 وسنة 1949 وسائل حد وعرقلة فلم تكن تسمح باجتماعات عامة للحزب في الساحات العمومية، ومن الأدلة على ذلك منعها اجتماعاً عاماً للحزب في 2 نوفمبر/ تشرين الثاني 1947 كان مقرراً أن يجري في بيروت، واجتماعات عامة أخرى، ثم محاولتها منع اجتماع جزئي لمنفذية بيروت العامة أقامته في 28 فبراير/ شباط 1949 في اليوم السابق لتذكار ميلاد الزعيم مؤسس الحركة القومية الاجتماعية. مع أنّ الاجتماع كان يجري في حديقة منزل خصوصي، تلك المحاولة التي كانت تؤدي إلى اصطدام مع جمهور الشباب المجتمع للاحتفال بعيد مولد الزعيم. وعلى أثر خيبة الحكومة في محاولتها منع الاجتماع المذكور منعت إقامة الحفلة الرسمية التي كان الحزب مزمعاً على إقامتها في فندق نورمندي يوم ميلاد الزعيم، فاضطر الحزب إلى إقامتها في منزل أحد الرفقاء تحت مظاهر الإرهاب العسكري وحشد عدد من البوليس السري أساء إلى الصفة الاجتماعية المسبغة على الحفلة.

لم تجد الحكومة على الرغم من اتساع الاضطهاد والتحريات حتى تشمل جميع أنحاء الجمهورية اللبنانية أي مبرر حقيقي لحملتها الإرهابية على الحزب، فلجأت إلى ما يسد سد المبررات تجاه الراي العام، فأوعزت إلى بعض الصحف التي تعمل بإيعاز رئيس الوزارة أن تذيع الأخبار الكاذبة عن العثور عن كميات أسلحة كبيرة في منزل الزعيم وعن اكتشاف وثائق مزعومة عن علاقة الحزب بدولة إسرائيل، وغير ذلك من الأمور الملفقة. والواضح أنّ قصد الحكومة وعمالها في القضاء والصحافة من نشر الأخبار الكاذبة المشار إليها هو الاستناد إلى مبررات كاذبة.

ولا بد من الإشارة إلى وحشية التنكيل التي نفذت بها حملة الاضطهاد. فقد حمل جنود الحكومة تعليمات بإطلاق النار على كل من يحاول الهرب من وجه الاضطهاد. فأطلق الرصاص على عدد من القوميين الاجتماعيين في عين عنوب، وأطلق الرصاص على الرفيق منير الشعار في عيناب، وأطلق الرصاص على الرفيق فؤاد فرح مفرج فجرح في يده وفخذه وسقط جريحاً واقتيد إلى السجن في هذه الحالة، وكان إطلاق النار في جميع الحالات على عزّلٍ من السلاح لم يحاولوا أية مقاومة، بل كل ما حاولوه هو الهرب من وجه الطغيان المسلح.

الخلاصة

إنّ الرجال المتسلطين على الشعب اللبناني بطرق الإرهاب والتزوير في الانتخابات والتنكيل بالقوى السياسية الفتية الناهضة بمبادىء الحياة الاجتماعية الجديدة قد داسوا إرادة الشعب الحر، ووقفوا حجر عثرة في سبيل حريته ومحاربين للمبادىء السياسية العامة التي تؤمن خيره وارتقاءه، وعبثوا بسلامة الأفراد والعائلات وعرّضوا حياة الأفراد الآمنين للخطر وعائلاتهم للترويع، وقصدوا إذلال الناس بواسطة الإرهاب والتنكيل، فشكّلوا نوعاً خطراً من قطع الطريق السياسي أو الحكومي فضلاً عما وزعوه من مفاسد ملأوا بها الدواوين.

لذلك

فإنّ الحزب القومي الاجتماعي يعلن الحكومة طاغية خارجة عن إرادة الشعب، معرّضة خيره للمحق وسلامته للخطر، ويثبت هنا ما أعلنه من قبل في صدد المجلس النيابي الذي تشكل بتزوير فاضح للانتخابات التي جرت سنة 1947 في جو من مطاردة السياسيين وإرهاب المعاكسين، أي أنّ هذا المجلس ليس مجلساً شرعياً ولا يمكن أن يمثّل حقيقة إرادة الشعب، ويعلن الثورة الشعبية العامة لأجل تحقيق المقاصد التالية:

1 ـ إسقاط الحكومة وحلّ المجلس النيابي واعتبار مقرراته التشريعية في السياسة الداخلية الناتجة عن مساومات خصوصية باطلة.

2 ـ تأليف حكومة تعيد إلى الشعب حقوقه وحريته وإرادته المسلوبة.

3 ـ وضع دستور صحيح ينبثق عن إرادة الشعب يحل محل الدستور الحاضر الفاقد الصفة الدستورية الصحيحة، ويضمن المساواة في الحقوق المدنية والسياسية لأبناء الشعب، ويجعل التمثيل السياسي على أساس المصلحة القومية بدلاً من أساس المصالح الطائفية والعشائرية الخصوصية.

4 ـ عدم التعرض للوضع السياسي السابق.

5 ـ توطيد الاستقلال اللبناني على أساس إرادة الشعب الحرة.

6 ـ احترام المعاهدات والاتفاقات المعقودة مع دول أجنبية.

7 ـ المحافظة على الأمن العام والأملاك الخصوصية.

8 ـ مقاومة التهديد الشيوعي للنهوض القومي الاجتماعي وتحرير العمال من الإقطاع السياسي الشيوعي.

9 ـ تحقيق المبادىء القومية الاجتماعية الإصلاحية التالية:

أ ـ فصل الدِّين عن الدول.

ب ـ منع رجال الدِّين من التدخل في شؤون السياسة والقضاء القوميين.

ت ـ إزالة الحواجز بين مختلف الطوائف والمذاهب في الاجتماع والثقافة.

ث ـ إلغاء الإقطاع وتنظيم الاقتصاد القومي على أساس الإنتاج، وإنصاف العمل وصيانة مصلحة الأمة والدولة.

ج ـ إنشاء جيش قوي يكون ذا قيمة فعلية في تقرير مصير الأمة والوطن.

10 ـ تطهير إدارة الدولة من الرشوة والفساد والتحكم.

11 ، تخطيط سياسة اقتصادية قومية ترتكز على الوحدة الاقتصادية في البلاد السورية وضرورة قيام نهضة صناعية ـ زراعية على أسس متينة.

12 ـ المباشرة بسرعة بإزالة الحيف عن العمال والمزارعين.

13 ـ القضاء على الاحتكار والطغيان الرأسماليين.

14 ـ إطلاق سراح المأسورين والتعويض عليهم عن خسائرهم المادية بسبب أسرهم غير المبرر.

15 ـ إعادة كل قومي اجتماعي فقد عمله بسبب عمليات الاعتقال والاضطهاد إلى عمله، وكذلك كل من سببت له الاعتقالات فقد عمله، وإن لم يكن من أعضاء الحزب القومي الاجتماعي.

16 ـ إعادة كل قومي اجتماعي صرف من وظيفته الحكومية بسبب انتمائه إلى الحزب القومي الاجتماعي إلى وظيفته السابقة والتعويض عليه.

17 ـ إلغاء جميع الأحكام المعطلة الحقوق المدنية والسياسية.

إنّ الحكومة اللبنانية الخائنة حرية الشعب، العابثة بحقوق أبنائه قد فرضت بجشعها أو رعونتها الثورة للدفاع عن الحرية المقدسة وعن حياة أبناء الشعب وإرادته، وقد قبلت حركة الشعب الكبرى التحدي وأعلنت الثورة.

فإلى الثورة على الطغيان والخيانة أيها الشعب النبيل.

مقر قيادة الثورة العليا

في 4 تموز/يوليو 1949

القيادة العليا

أنطون سعاده

__________________

- الأعمال الكاملة بأغلبها عن النسخة التي نشرتها "مؤسسة سعاده".
- الترجمات إلى الأنكليزية للدكتور عادل بشارة، حصلنا عليها عبر الأنترنت.
- عدد من الدراسات والمقالات حصلنا عليها من الأنترنت.
- هناك عدد من المقالات والدراسات كتبت خصيصاً للموقع.