إلى مديرية توكومان

28/4/1941


حضرة مدير مديرية توكومان،
أمامي كتاباك الأخيران المؤرخان في 15 أبريل/نيسان و19 أبريل/نيسان فأجيبك عليهما بالترتيب:
الرفيق نجيب ندره: إنّ الوظيفة التي يحملها هذا الرفيق ومركزه الشخصي يجعلان البتّ في أمره ضرورياً ومستعجلاً، لأنّ تقلقل روحيته مع وجوده في وظيفته ينتقل بالعدوى إلى الصفوف ويحدث ضرراً روحياً عاماً. وهذا الضرر قد حصل من موقفه، وموقف غيره، والأمر أصبح خطيراً. وإني أفضل اعتبار من كان هذا شأنه عضواً محبذاً غير مسؤول نظامياً وإدارياً، على اعتباره عضواً كاملاً مسؤولاً مفسداً للروحية وعابثاً بالنظام والدستور ومبدأ السلطة القومية.
موقفك: تقول في كتابك 15 أبريل/نيسان إنك «عندما يوجبه بالنظام» وهذا القول غير كافٍ لمحو التهمة الموجهة إلى الإدارة الحزبية في كتابك المؤرخ في 5 فبراير/شباط الماضي، ولا لإيجاد الاقتناع عند الإدارة بأنّ عقيدتك بالنظام هي عند الدرجة المطلوبة من كل عضو قومي، فضلاً عن كل مسؤول. ونص كلامك الوارد في الكتاب المذكور هو هكذا: «وقد صرت أعتقد أخيراً أنّ النظام الموضوع للأعضاء المقيمين في سورية غير ممكن تطبيقه هنا بدون تعديل تقتضيه نفسية المقيمين هنا التي كوّنتها الظروف المحيطة بهم. وقد وجدت هذه الطاعة المفروضة يتجاوز مداها حدود الحرية الشخصية. فعلى هذا الاعتقاد لم أعد صالحاً لحمل أعباء وظيفة تنفيذية مسؤولة، فأستقيل منها، أما كفرد فلا أزال مؤمناً بالمبادىء السورية القومية مطيعاً إلا ما يتعارض مع حقوقي الفردية»، ومع أني كتبت إليك مطولاً حول هذه النقاط فلم أحصل على جواب، وآسف جداً أن أعلم أنّ كتابي المذكور لم يصل إليك كما تقول. ففيه قلت إنه لا يمكن اعتبار من يعتقد هذا الاعتقاد ويخرج على اليمين والنظام الحزبيين ويضع هذه الشروط، عضواً في الحزب السوري القومي. فالعضو في الحزب السوري القومي هو الذي يطيع قوانين الحزب المسنونة ويعمل بموجب نظامه السائر على الجميع، وليس من يجعل نفسه فوق النظام والقانون ليطيع ما يراه هو متفقاً مع «حقوقه الفردية»، وليعصَ ما يراه هو متعارضاً مع «حقوقه الفردية». وأعتقد أني كتبت أكثر من كتاب واحد وكتابي إليك المرسل مسجلاً، جواباً على كتابك الشبه تقرير المؤرخ في 29 يناير/كانون الثاني الماضي، فيه أيضاً تفاصيل كثيرة من هذا النوع. وفي كتابي الذي تفيدني أنه لم يصل إليك، وهو مؤرخ في 11 فبراير/شباط الماضي، قبول لاستعفائك مع طلب بقائك مؤقتاً على رأس المديرية إلى أن أكون قد توصلت إلى تعيين عضو آخر. وهذا أقلّ ما يمكن فعله من الوجهة النظامية والقانونية بعد موقفك الماضي الذي انتهى بتصريحك المشار إليه في 5 فبراير/شباط الماضي. والمعلومات التي عندي تدل على وجود اتفاق بالآراء والنظر بينك وبين الرفيق ندره قد يكون نتيجة محادثات كثيرة بينكما. فهو أيضاً يقول إنّ النظام غير صالح للمقيمين في أميركا، وهذه الأفكار قد تسربت بالعدوى إلى أعضاء آخرين تجعل العمل معهم على أساس هذه الروحية شيئاً مقرفاً.
فالمطلوب منك الآن، فيما يتعلق بتصريحك الماضي، هو: إعطاء تصريح آخر تسحب فيه كل الكلام الذي قلته في كتابك المؤرخ في 5 فبراير/شباط الماضي، وتعلن أنك لا تجد في الطاعة لدستور الحزب وسلطة الزعيم المقررة في صلب الدستور ما «يتجاوز مداه حدود الحرية الشخصية»، وأنك مستعد لإطاعة القوانين الحزبية والأوامر العليا بدون أي تحفظ شخصي لعدم وجود أي سبب لهذا التحفظ. وإذا لم تشأ إعطاء هذا التصريح فيكون مطلوباً منك أن تصرّ على ما قلته سابقاً، وأن توضح كيفية «تجاوز الطاعة حدود الحرية الشخصية»، وأن تعيّن حادثاً جرى فيه هذا التجاوز. فالمسألة خطيرة جداً، لأنها تمسّ مبادىء نظام الحزب ودستوره وتتعلق بالروحية العامة، فلا يمكن من الوجهة النظامية السكوت عليها.
مسألة الرفيق جبران مسوح: في كتابك الأخير المؤرخ في 19 أبريل/نيسان تعرض فيه أنّ «روح النظام لم تراعَ» وأنّ المخلّ بالنظام هو الرفيق المذيع جبران مسوح. فحسب ما وصفت لي الحادث أرى أنّ الرفيق مسوح لم يتمشَّ على الطريقة النظامية المتبعة في فروع الحزب المنظمة. ولكني أجد نفسي تجاه حالة مختلة اختلالاً واسعاً في توكومان. ولذلك أعتقد أنّ المسألة ليست مسألة إخلال الرفيق مسوح بالنظام، بل مسألة وجود مديرية توكومان في حالة اختلال وشلل وتفسخ روحي فالاجتماعات النظامية كانت معطلة، والإدارة إسماً لغير مسمى، والحركة الحزبية لتوسيع نطاق الحركة وإيصال الحزب إلى مناطق جديدة جامدة جموداً تاماً. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل إنّ إدارة توكومان، المعيّنة بمرسوم من الزعيم والمسؤولة تجاهه، ابتدأت تعصى أوامر الزعيم، وتجاهر بوجوب العصيان ونقض الدستور القومي، مستعملة الثقة التي منحها إياها الزعيم، لتنفذ الأوامر والقرارات العليا بدقة ضد الزعيم وقراراته وسلطته، حتى أنّ الاجتماعات العمومية التي تعقد بالاستناد إلى هذه السلطة صارت تستخدم لبث روح التمرد عليها، وعدم المبالاة بها من غير مراعاة للقسم الذي أدّاه كل عضو، أو إصغاء لصوت الشرف القومي وتبكيت الضمير. وجد الرفيق جبران مسوح أنّ النظام محتقر ومعدوم في مديرية توكومان، ووجد الجمود مستولياً على الفرع هناك. وبصورة واضحة أو غامضة وجد الرفيق مسوح، وأنت من أحسن العارفين بمزاجه، أنّ المديرية التي خرقت النظام من فوق ليست جديرة بضبط النظام من تحت. صار الرفيق مسوح تلميذاً لأساتذة توكومان في خرق النظام، مع فارق واحد كبير هو أنّ خرق مسوح النظام المخروق كان من أجل تتميم يمينه وقسمه للسهر على مصلحة الحزب ونظامه وطاعة الزعيم الذي هو مصدر السلطتين التشريعية والتنفيذية والحرص على تنفيذ كل أمر من أوامره، في حين أنّ الذين خرقوا النظام قبله خرقوه حانثين بيمينهم، ولعصيان السلطة الدستورية للزعيم، ولعدم الانقياد لقيادته، وهو الذي أنشأ الحزب وأوصله إلى مرتبته الحالية، لا هم.
وإني أقول لك إنّ الرفيق جبران مسوح متألم جداً مما وصلت إليه حالة توكومان، وأصبح شبه فاقد الثقة بك وبرجال الإدارة الآخرين. وهذه خيبة عظيمة له بعد أن كانت ثقته بك وبمن معك في الإدارة كبيرة، حتى أنه كان دائماً يقول للزعيم «سترى ماذا سيفعل مديرنا في توكومان. ولو كان يوجد بضعة أشخاص مثل مديرنا لكنّا نكتسح الجالية في مدة وجيزة» وغير ذلك.
إذا كان المذيع مسوح لم يراعِ الطريقة النظامية في أمر من الأمور، فذلك قليل عليه، ويجب عليك أن تشكر العناية معي على أنه لم يذهب إلى أبعد من هذا الحد.
والذي أراه أنّ أمر مسوح لا يصلحه غير إصلاح أموركم في توكومان. والذي أراه أنك تخطىء إلى نفسك بخسارتك ثقة الرفيق مسوح الذي كان يضمر لك من الحب والتقدير ما لا يحسن بك أن تطوي كشحاً عليه. وطريق العودة إلى الثقة لا تزال مفتوحة أمامكم جميعاً. وأنت تعلم أنّ ما قام به الرفيق جبران مسوح إنما هو تمرد على جمودكم وخمولكم. فإذا مدحت غيرته ووافقته على وجوب التشمير عن ساعد الجد ربحت كل قلب هذا الرجل الكبير.
تقول إنك «لا تنكر جهوده وتضحياته وعمله من حيث الإذاعة» وإنه «أبعد عنا الفئة العاقلة»، فأقول لك إنّ قولك الأول يقصر كثيراً عن التقدير الحقيقي لعمل الرفيق مسوح، وقولك الثاني لا يعيّن غير الافتراض ولا يتناول غير نقطة جدلية، وسأسألك من هم هؤلاء الفئة العاقلة الذين صاروا «أعداءنا» بسبب الرفيق جبران مسوح.
إني أرى، أيها الرفيق العزيز، أنّ روحية الثقة التامة والتضامن الثابت هو أساس النظام، وأطلب منك، ومن جميع الرفقاء، أن تعودوا إلى هذه الروحية إذا كنتم تريدون أن تكونوا جديرين بالانتماء إلى الحزب السوري القومي وحمل شعاره والعمل بمبادئه.
واقبل سلامي القومي.

المزيد في هذا القسم: « قرار إلى وليم بحليس »

أنطون سعاده

__________________

- الأعمال الكاملة بأغلبها عن النسخة التي نشرتها "مؤسسة سعاده".
- الترجمات إلى الأنكليزية للدكتور عادل بشارة، حصلنا عليها عبر الأنترنت.
- عدد من الدراسات والمقالات حصلنا عليها من الأنترنت.
- هناك عدد من المقالات والدراسات كتبت خصيصاً للموقع.