10/12/1944
أيها الرفيق الكريم العزيز،
وردني كتابك المؤرخ في 18 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي ووقفت منه على الواقع الذي كنت أتوقعه. وقد تدرك أنّ من جملة الدوافع التي دفعتني إلى سلك طريق التجارة كثرة اختباراتي في هذه البلاد في ميعان الأخلاق وانعدام قوة التمييز بين مختلف القيم في مجموعنا في هذا القطر الأميركي، حتى إنّ أقلّ ريح تهب تكفي لتبديد ما أكون قد بذلت وبذل المعاونون جهداً كبيراً في جمعه. أليس موقف الرفقاء في خوخوي من الأدلة على ضعف الروابط النظامية وقلّة الفهم للأمور العمومية، حتى إنّ انكشاف احتيالات المدعو جبران مسوح جعلت أولئك الرفقاء يقولون «ننتظر لنرى ما يقوله جبران». فإني أريد أن أعلم بأمر مَنْ، الرفيق أنطون ضاحي والرفيق منير ديب بأمر جبران مسوح أو بأمر الزعيم. وإذا كان هذان الشخصان المقدمان على غيرهما عندكم في خوخوي يتوقفان عن يمينهما لينظرا في ما يقوله الزعيم وما يقوله جبران، مساويين بين الاثنين في المنزلة والحرمة، فعلى أية أخلاق يمكنني الاعتماد وبأي تأييد أقيم النظام وأضرب القوي والضعيف على السواء. وبأية قوة أنزع عن وجه المرائي قناع ريائه وأحطه عن منزلة اكتسبها بالرياء الطويل. إنّ هذا الفهم الأعوج للزعامة وحرمتها جعلني قليل الثقة بالأشخاص الذين ينضمون إلى الحزب غير واعين أوليات النظام وأساس المبادىء والتعاليم. وإنّ ما ظهر من الشخصين المذكورين ليس الأول من نوعه، وإنّ عظيم احترامي لمقام الزعامة، الذي يجب أن يكون حرماً مقدساً، يجعلني آنف من أن أكون زعيماً لفئة عقليتها كعقلية العرب الضاربين في فلوات الصحراء الذين كانوا، قبل الإسلام، يبدّلون آلهتهم، أصنامهم، بسرعة تبديل لفافة التبغ عند المدخنين، يتخذون اليوم زعيماً وهم يظنون أنهم أقاموا الزعامة بأوهامهم، فإن هي إلا صيحة باطل حتى تراهم يتخلون عن زعيمهم «المفدى» كما يتخلون عن أي متاع أصبح سقطاً عندهم.
إني أردت الاستقلال بالتجارة لأصون مقام الزعامة عن الحاجة إلى طلب رضى ضعفاء المدارك وغريبي الفهم للأمور والقيم العمومية. وإنه لأهون عليّ أن أكون تاجراً مهدداً بالإفلاس، وهو أسوأ ما يكون في التجارة، من أن أكون زعيماً لفئة مفلسة في مداركها ومبادئها، حتى إنها تجعل زعامتها مهزلة في أعين الأمم الحية والشعوب الحرّة.
قد كفاني ما عانيت ولقيت من هذه العقلية. ويجب أن يعلم الذين جعلوا نفسياتهم الصغيرة مقياساً لنفسية الزعيم أنّ ن يشك بي مقدار حبة خردل أشك به شكاً ترزح منه الجبال.
تسألني عن الحالة التي بقيت فيها بعد اكتشاف اختلاس جبران مسوح، فأقول إنها ليست جيدة، لأنّ الخسارة هي ما ذكرت لك. أما ما ظهر من المدعو جبران مسوح، بعد ظهور اختلاسه، من ضروب الوقاحة فلا شك في أنه يجعله في حضيض السفلة من ذوي النفوس الإجرامية. وهو يتجشع بما يعرفه من ضعف مبادىء المجموع وقلّة إدراك الجمهور.
السيد منير ديب: كتبت إليه قبل ورود كتابك. وكان كتابي إليه تجارياً بالأكثر. لم يجبني. هو حر فإن رغب في التعامل معي فله مني ما يرغب، وإن رغب عن ذلك فرغبتي تكون من نوع رغبته. إنما ذكرت له أني قد أسافر إلى خوخوي في شهر يناير/كانون الثاني القادم، ولست أدري هل بلغ أحداً منكم الخبر؟ على هذه النقطة أطلب جواباً لأعلم هل يوافق، تجارياً وقومياً، سفري في الشهر المذكور إلى منطقتكم؟
إنّ الرأسمال الذي وضعته في المحل، وهو 5000 قد ذهب كله، ولكن بقي لي خارج المحل شيء قليل ساعدني على التغلب على الصعوبات الأولية، وإذا لم يتعرض المحل لخسائر كبيرة بسبب انتهاء الحرب قريباً فأعتقد أنّ جميع الصعوبات المقبلة يمكن التغلب عليها وتحسين حالة المحل تحسيناً كبيراً.
تفعلون حسناً بإرسال رسم العضوية إليّ، لأني أجهل كل الجهل حقيقة التصرف المالي فيما يختص بالجريدة في بوينس آيرس وغير الجريدة. وقد لاحظت في ما نشر في الجريدة من «إعلان إداري» غايته أن يكون «في علم الجميع أنّ الرفيق إبراهيم أفيوني هو مدير الزوبعة» ما لا يجعلني كثير الارتياح من هذه الجهة. إني أحب اتباع خطتي أن أجعل الثقة الأساس الوحيد لعملي ولكن يجب، لتتميم هذه الخطة، أن يكون حولي رجال ثقة كثيرو الشك بالناس، ومدققو النظر في تصرفات الأفراد ومجرى الأعمال. وهذا الشرط كان ميسوراً في الوطن ولم يحتج الزعيم إلى إساءة الظن.
إنّ رسم الزعيم الموجود في بيت الخائنة نبيهة الشيخ هو رسم كبّرته عائلة جبران مسوح حين كانت تحترم إيمانها، والمدعو جبران مسوح جلبه إلى هناك ولا قوة حزبية هنا لإخراجه.
خطابك1 بمناسبة 16 نوفمبر/تشرين الثاني، قرأته قراءة أولية مستعجلة، وسأعود إليه في هذا الأسبوع قبل إرساله إلى المطبعة. ولكني من الآن أقول إني سأدخل عليه تعديلاً، خصوصاً في الموضع الذي تقول فيه: «... ولهؤلاء نقول إنّ الحرية والأمن والراحة التي تتمتعون بها بين هذه الأمم التي تعيشون في ألأساطها ليست نتيجة جهودكم ولا جهود آبائكم، الخ». فهذه الفكرة هي لي وأنا مولدها، وأول من حلل هذا التحليل وقال هذا القول في نداء وجهّته إلى السوريين المهاجرين سنة 1937. وقد أخذ هذه الفكرة جبران مسوح وذكرها كأنه هو صاحبها، ويمكن أن يكون غيره استعملها من غير أن يشير إلى صاحبها، وهذه حالة تساعد على الفوضى وإضاعة القيم. وفكرة كهذه مسندة إلى الزعيم تأخذ محلاً في القلوب لا تأخذه مسندة إلى أي كاتب. ولذلك سأضع عبارة تدل على أنّ هذا التعليم لمعنى الحرية القومية هو من تعاليم الزعيم. وبهذه المناسبة أقول لك إنّ كل مدرسة فكرية تتقوض وتمحق إذا لم تصن تعاليم مؤسسها عن الاختلاط والضياع في تفكير غيره، فإذا لم يحافظ تلاميذ أفلاطون وزينون على تعاليم أفلاطون وزينون وأقوالهما لم تقم الأفلاطونية ولا الزينونية. ولو لم يحافظ أتباع المسيح على أقوال المسيح، وأتباع محمد على أقوال محمد، لما بقيت مسيحية ومحمدية إلى اليوم.
قد تكون قرأت «إخاء»1 مسوح التي «تصدر عند اللزوم» وعسى أن يكون المشككون قد وجدوا فيها ما يطمئنهم إلى شكوكهم.
إنّ الحزب السوري القومي يقوم بنفوس مثل نفس نعمان ضو الحاوية القوة واليقين والإيمان، ولا يقوم بنفوس ذوي الضعف والشك والانقلاب. فسلامي القومي لك ولكل قومي موقن مخلص، ولتحيى سورية .