الشوير، 10/8/1934
حضرة السيد رفيق الحلبي المحترم،
وردني تحريركم اليوم وقد سرّني جداً القسم الأول منه فهو كلامكم كما أعهدكم، أما القسم الثاني فقد دهشت لعبارته ولهجته غير المنتظرتين. فإنكم قد كلّفتم وضع عضوين من الأعضاء موضع المفاضلة وحكمتم للواحد وحكمتم على الآخر، فجعلتم من مسألة نظامية بحتة موضوعاً شخصياً، في حين أننا في أشد الحاجة إلى نفي المسائل الشخصية من «الحق»(1) ومن مجموعنا عموماً. فليس عند القائد العام شخص أفضل من شخص، ولا فرد أَحَبُّ من الآخر، وهو لا يقرّ تدبيراً إلا الضورة وسبب جوهري، ولا أخالكم تنكرون أنّ الحزم ضرورة قصوى لمثل المسؤولية التي نتحملها. ولو أنكم طلبتم إيضاح بعض المسائل الإدارية والنظامية التي حدثت مؤخراً لكان أفضل من إطلاق الحكم استناداً إلى التخمين أو إلى معلومات ناقصة. وإني أوضح لكم بعض ما حدث وأسبابه بصورة شخصية حرصاً على روح التعاون والإخلاص التي يجب أن تبقى معنا دائماً وتجاه جميع الصعوبات، داخلية كانت أو خارجية.
الحقيقة، كما تعلمون، أنّ السيد شفيق شرتوني قد قَبِلَ، ككل فرد آخر في نفس منزلة كل الأعضاء، وحضر الاجتماع العام واطّلع على القانون والتقرير. ثم إنّ السيد المذكور اجتمع إليّ عدة اجتماعات أخبرني في بعضها أنّ الحزب الذي كان قد ألّفه لا يزال سائراً، وأنه يحضر الاجتماعات، وأنّ لديه في بيروت نحو مئتي عضو ونحو ثلاثمئة في الداخلية، وعدة أحاديث أخرى. فسألت السيد شروتوني إذا كان يمكن الحصول على قوة مئتي شخص في بيروت لبعض المسائل فلم يقل إنه يتمكن من ذلك، بل قال إنّ المسألة صعبة ولكن لا يستحيل تدبير هذا العدد في المستقبل، وليس شيء مستحيلاً. ثم طلبت من السيد المذكور أن يصلنا بخيرة الرجال ذوي النفوذ في جماعته، فذكر لي أنه يعتمد كثيراً على السيد نجيب حلاوة وأنه يجب أن يقدّمه لي لأراه. وفي الموعد المضروب قدم السيد شرتوني برفقة السيد حلاوة وشخص آخر. واسم هذا الشخص السيد محمد الباشا. وفي اجتماعي بهم علمت أنّ السيد شرتوني كان قد باح للسيد حلاوة بكل شيء، وباح للسيد محمد الباشا بوجود حزب هو الآن في حضرة رئيسه. فرأيت هذا التصرف شاذاً لم يراعَ فيه القَسَم ولا النظام، فالإتيان بشخص غريب وتعريفه إلى رئيس حزب قبل أن يكون ذلك الرئيس أو هيئة الحزب عالمة به أمر شاذ فعلاً، لم يقدم عليه حتى الآن عضو واحد من الأعضاء القدماء والجدد، حتى ولا ذاك الذي لا يحق له أن يكون متمرناً وتلميذاً عند السيد شرتوني.
ولو كانت المسألة مسألة شخصية لكان الإغضاء عن مثل هذا التصرف أجدر، ولكن المسألة مسألة سلامة حزب ومبدأ وأرواح، أنتم في عدادها، وهذه المسؤولية ليست شيئاً هيناً.
ومع ذلك كله، فإني لم أشكّ في إخلاص السيد شرتوني، وإني أدافع عنه كما أدافع عن غيره من الأعضاء، ولكنني رأيت أن آخذ الأمر بالتؤدة فلا نخطو خطوة ثانية إلا بعد التبصر.
للجنة المركزية الإدارية في بيروت أن تقبل السيدين حلاوة والباشا عضوين، وأن يتوجه بعض الأعضاء مع السيدين شرتوني وحلاوة إلى بعض مناطق الجبل. أما لماذا يجب على السيد شرتوني أن يكون متصلاً بالسيد فؤاد خوري فذلك لأن السيد المذكور هو الآن سكرتير اللجنة المركزية الموقتة، ولأنه أقدم في العضوية، ولأنه قد أدى خدمات غير قليلة، ولأنّ بعض التنظيمات الإدارية الأخرى، التي يمكنكم أن تطّلعوا عليها فيما بعد، قضت بذلك.
ولمّا كانت المسألة ليست مسألة شخصية بل نظامية، فلا يضير السيد شرتوني شيئاً أن يسير بموجب النظام ويبرهن على أنه لا تهمّه إلا الخدمة المجرّدة، ومتى أدى السيد شرتوني خدماته فالقيادة العامة لا تبخسه حقه. وأما أنّ القيادة العامة قد أبدت حزماً وروية فيما يتعلق بخطوات جديدة، فهو مما يجب أن يسرّكم ويسرّ السيد شرتوني أيضاً، لأنه يدل على سهر القيادة على سلامة الحزب.
وأما مسألة مئات الأعضاء في الجبل، فإذا كان السيد شرتوني واثقاً من نفوذه وزعامته لها فلا باس في أي زمن يكون انضمامها ما زالت المسألة مسألة أيام قلائل، خصوصاً والخطأ كان من جانبه، وأما إذا كان نفوذه عندها غير متين فذلك يعني أننا نحن سنقوم بعملية اكتساب هذا العدد، كما نحن قائمون به فعلاً الآن.
وعلى كل حال، فالسيد شرتوني عضو منا وله عندنا نفس المقام الذي للآخرين، لا أكثر ولا أقل، والحكمة تقضي بأن تكون أعمالنا نظامية، وأن ننزه أعمالنا وكتلتنا عن كل ما قد يجلب التنافس الشخصي.
فلا يضير السيد شرتوني مطلقاً أن يكون السيد فؤاد خوري قد سبقه إلى الانضمام إلى الحزب، وسبقه إلى الوقوف على نظامه، وسبقه إلى تقديم خدماته. ومتى قدّم السيد شرتوني خدماته فسيجدنا ناظرين إليها بما تستحقه من الاهتمام.
وأنتم تعلمون أنّ مبدأ القائد العام هو أنه ليس عضو أفضل من الآخر، فليس فلان أفضل منكم مهما ادعى ذلك، وليس فلان أفضلا من فلان. ولكن أعمال العضو تضعه حيث يجدر به. ونحن الآن لا نزال في طور تأسيس واختبار، ومجال العمل لا يزال أمام كل عضو.
وإنّ الوقت جزء من النظام. فلنعطِ كل فرد فرصة ووقتاً ليقدّم نتيجة عمله. وإذا كانت فضيلة التضحية موجودة في قلب كل واحد منا، فعلى كل واحد أن يطلب ذلك في نفسه، وإلا فإن التنافس الشخصي يصبح آفة قاضية.
إني لا أشك| أبداً في غيرتكم وعملكم، بل إني أترقب نتائج حسنة على يدكم. وإذا كان السيد ر. خ. [رجا خولي]، المتغيب [حالياً]، قد كتب إليكم بإيعاز مني لافتاً نظركم إلى وجوب الحيطة والتؤدة، فما ذلك إلا مبالغة في الحرص على قضية الأمة والوطن. ولا يخفى عليكم أن لا مصلحة شخصية في شيء من ذلك.
وكلمتي الأخيرة هي أني أنسى القضية الشخصية التي ذكرتموها، وأطلب منكم أن تنسوا بدوركم. وعسى أن يثمر جهادنا خيراً.
وإننا نترقب ورود أخباركم بنضج الأعمال عندكم.
اقبلوا سلامي القومي.