النهضة، بيروت،
العدد 152،
3/5/1938
نشرت النهضة في أعداد سابقة كل الأخبار التي تنسمتها في صدد حركات السياسي العراقي نوري السعيد الرامية إلى حل مشكلة فلسطين، بعد أن بلغت هذا الحد من التحرج.
ويسرنا أن نعلن للقراء أنّ ما تمكنت النهضة من الوقوف عليه ونشره واستنتاجاتها وآراءهها المبنية عليه لم تكن بعيدة عن حقيقة الواقع. فقد نشرت جريدة فلسطين في عددها الصادر في 18 أبريل/ نيسان المنصرم ما زعمت أنه مشروع نوري السعيد في حقيقته ونحن ننقله فيما يلي:
أولاً ـ تؤسس مملكة متحدة من فلسطين وشرق الأردن.
ثانياً ـ يقوم دستور المملكة المتحدة في صميمه على أنّ كل فلسطيني، بقطع النظر عن دينه أو جنسه، له أن يتمتع بحقوق مدنية ودينية متساوية في المملكة.
ثالثاً ـ تتمتع كل طائفة باستقلال تام في شؤونها الطائفية ولا يكون هناك تشريع يجعل إحدى الطوائف تتحكم بالأخرى.
رابعاً ـ تتمتع كل مدينة، وكل قرية، وكل مقاطعة بكامل الاستقلال في الشؤون البلدية، فتكون كل مدينة عربية أو يهودية وكل قرية عربية أو يهودية، وكل مقاطعة عربية أو يهودية، مستقلة استقلإلا تاماً في شؤون البلدية.
خامساً ـ تكون نسبة اليهود للعرب في فلسطين وشرقي الأردن معاً أعني في المملكة المتحدة أقل من 50 في المئة.
سادساً ـ يكون لليهود في المملكة المتحدة وطن قومي، ولا تقوم لهم فيها مملكة يهودية.
سابعاً ـ يكون لإنكلترة حق الإشراف على هذه المملكة.
ثامناً ـ تلحق المملكة بعصبة الأمم حين توصي إنكلترة بأنها أصبحت أهلاً لذلك.
تاسعاً ـ توضع معاهدة تربط المملكة بإنكلترة لمدة تعيّن فيما بعد.
عاشراً ـ تضمن المملكة المتحدة منح إنكلترة جميع مصالحها في حيفا.
ونلاحظ أنّ هذا المشروع يغفل وجود الأمة السورية وإرادة الشعب السوري في تقرير مصير وطنه، ويغفل كل فكرة لسيادة الأمة السورية. فهو يرمي إلى تأسيس "مملكة متحدة" تضم فلسطين وشرق الأردن برضى بريطانية العظمى وموافقة بعض المتزعمين في فلسطين وشرق الأردن، وبإهمال جميع المصالح القومية القريبة والبعيدة الناتجة عن تحقيق هذا المشروع.
وهنالك قضية أساسية خطيرة في هذا المشروع الخطير هي قضية "صلب الدستور" الذي يتألف من اعتبار كل فلسطيني "بقطع النظر عن دينه أو جنسه" عضواً في الدولة كامل الحقوق. وهذا الاعتبار هو في مصلحة اليهود ومقصود به هذه المصلحة، خصوصاً متى قرنّا هذا النص بالنسبة العددية التي يقترحها المشروع، وهي جعل اليهود أقلّ من خمسين بالمئة في فلسطين وشرق الأردن معاً وفيه السماح لليهود أن يستفيدوا من شرق الأردن وأن يتكاثروا تكاثراً لا يمكن أن يسمح به بقاء شرق الأردن خارج هذه المملكة السعيدية.
وفي مجمل بنود المشروع نرى ميلاً واضحاً لاعتبار وجود اليهود حقيقة مسَلَّمٌ بها مكتسبة الحقوق الكافية لأخذ وجهتها بعين الاعتبار. فهنالك نظام البلديات الذي يقصد به استقلال المتحدات اليهودية وتوسيع تحرياتها.
ومع أنّ المشروع يقول بعدم الاعتراف لليهود بحق إنشاء مملكة، فإن هذا التحفظ الحقوقي لا تبقى له قيمة مع تغيّر الظروف السياسية الإنترناسيونية وبعد تكاثر اليهود تكاثراً عظيماً لا يعود في الإمكان حصره، خصوصاً متى تغلغل في شرق الأردن حيث يمكن إبقاء أعداد إحصائية مكتومة بفضل نظام البلديات المقترح.
مهما يكن من شيء فإن هذا المشروع أجنبي غريب عن مصالح القومية السورية والنظر في مستقبل الأمة السورية.
تصريح الزعيم في صدد المشروع
وقد رأت النهضة تجاه هذا المشروع الخطير أن تأخذ رأي الزعيم فيه فأبدى الزعيم ارتياحاً لذلك وأدلى إلينا بالتصريح التالي:
"إنّ كل مشروع يقصد منه إلغاء فكرة القومية السورية وإقرار تجزئة الوطن السوري تجزئة نهائية، هو مشروع عدائي للأمة السورية. ومهما كانت أهمية الفرقاء المتفقين على وضعه فالأمة السورية وحدها هي صاحبة الأمر والنهي في مصير وطنها".
رأي النهضة
حقوق الأمة بين الكتلة الوطنية والأجانب (1)
النهضة، بيروت، العدد 153، 4/5/1938 ـ العدد 158، 10/5/1938
لم تمنَ أمة عظيمة مجاهدة بتمثيل سياسي سيِّىء يقتل معنوياتها ويعطّل مجهوداتها القومية، كما منيت الأمة السورية العظيمة المجاهدة في سبيل حقوقها وشخصيتها بتمثيل "الكتلة الوطنية" الإقطاعية لمصالحها القومية تمثيلاً حوّل انتصاراتها إلى انكسارات، وجعل إقدامها وبإلا عليها، ووطنيتها نكبة، وجهادها القومي العظيم خسارات وطنية مادية ومعنوية، أوصلت الأمة إلى آخر مواردها وضيَّقت عليها حدود وطنها تضييقاً ليس بعده تضييق.
لقد تغنّى الكتلويون كثيراً "بجهادهم" والحقيقة أنهم لم يكونوا غير مستغلين لجهاد الأمة ومحولينه إلى النتائج التي أرادوها لأنفسهم. ولكن تغنّيهم كان في زمن الرسائل الصحافية المأجورة، وقبل أن تتبزغ أنوار النهضة القومية وتجلو صدأ الأذهان وتضيء للمبصرين معالم الحقيقة، فيعرف الصحيح من الفاسد وتتبدد الأوهام، التي عمل الإقطاعيون المتكتلون على إشباع عقلية الشعب بها. فلما خرج الزعيم من صلب الأمة موضحاً الحقائق القومية، وواضعاً النظام القومي الموجد الكيان القومي الصحيح، ومكوناً الخطط العملية لتنظيم الأمة وإنقاذها من الحالة السيئة التي صارت إليها، انقشعت الغشاوات عن البصائر وأدرك المتنبهون أنّ جعجعة الكتلويين كانت جعجعة من غير طحن، وأنّ رسالة سعاده هي اتجاه الأمة الصحيح. وكان في عداد الذين أدركوا ذلك الكتلويون أنفسهم.
أدرك الكتلويون في عداد من أدركوا أنّ الحق هو ما جاء به الحزب السوري القومي، وأنّ أعمال "الكتلة الوطنية" لم تكن إلا ألاعيب صبيانية بالنسبة للعمل القومي الجبار الذي ابتدأ يحرك الأمة عن طريق تنظيم الشعب ومصالحه، وأنّ الحزب السوري القومي هو الحزب الذي سيدخل في صميم الأمة ويتغلغل في نفوس الشعب. وبقدر ما استقبلت الأمة ظهور حزبها الممثل شخصيتها ومصالحها وإرادتها بالفرح والارتياح، بقدر ما استقبل الإقطاعيون المتكتلون وغير المتكتلين ظهور الحزب بالخوف والحنق والحسد.
كان المنتظر، بناءً على الوهم السائد في النفوس عن "وطنية الكتلويين"، أن يكون هؤلاء أول المرحبين بالحزب السوري القومي، الذي جاء بالرسالة القومية جلية واضحة، وأوجد لتحقيقها ممكنات لم تكن تخطر في بال أحد، وفتح آفاقاً جديدة واسعة للعمل القومي المنظم الذي لا سبيل إلى بلوغ هدف بدونه.
ولكن الكتلويين كانوا أول من اندفع في محاربة الحزب السوري القومي اندفاعاً اعتباطياً لا روية فيه ولا حكمة، لا من جهة المصلحة القومية ولا من جهة مصالحهم الخصوصية. وعندمما نقول "الكتلويون" ننججعل الكلام إجمالياً ولا نميز فيه بعض الكتلويين الذين كانت لهم آراء شخصية مستقلة تحبذ الحزب السوري القومي.
كان أول من تصدى لمحاربة الحزب السوري القومي من الكتلويين السيد فخري البارودي، فأعطى تصريحات يشجب فيها الحزب منذ البدء. فلما استقصى أعضاء الحزب وأصدقاؤه عن سبب تهجم البارودي على الحزب أجاب: "علمت أنّ الزعيم أصدر تعليمات بمنع الأعضاء من مناصرة مشروع الفرنك الذي أقوم به"! فظهر للعيان أنّ خصومة البارودي الكتلوي للحزب السوري القومي لم تكن خصومة مبادىء بل خصومة مصلحة شخصية.
والحقيقة أنّ الزعيم كان قبل انكشاف أمر الحزب قد أصدر تعليمات إلى فروع الحزب بالمعنى المتقدم، لأن المشروع كان شخصياً غامضاً، وقد تبين فيما بعد أنّ الزعيم كان على صواب في تعليماته لأن القانون الأساسي لمكتب فخري البارودي احتوى نصوصاً تجعله يحتكر المال المجبى احتكاراً "لا يسأل عنه من قبل أحد" ولا يقبل رقابة أو محاسبة. ومهما يكن من الأمر فإن الزعيم أعطى تعليمات بصدد أمر معين عرض عليه، وهذا الأمر هو شخصي بحت يتعلق بالسيد فخري البارودي.
مما لا شك فيه أنّ الكتلة وجدت نفسها أمام فشل رائع يعلنه لها مجرّد ظهور الحزب السوري القومي. ففي الوقت الذي كانت تتبجح فيه: "أنّها سيدة الموقف وقائدة الحركة الوطنية" ظهر للملأ أنّ الحزب السوري القومي هو الهيئة الوحيدة في الوطن، التي يصح أن تسمى منظمة، وأنه هو المنظمة الوحيدة التي نظرت في حياة الشعب ومصالحه واهتمت بتنظيم الشعب وإشراك أفراده في العمل القومي بصورة تتأسس فيها الأعمال والوسائل. فأدت هذه الحقيقة إلى انفضاح "الكتلة الوطنية" انفضاحاً شديداً إذ قد تبين أنه في الوقت الذي تدعي فيه العمل والجهاد لم تجسر على تحمل مسؤولية تنظيم الشعب والتغلب على القوانين المجحفة بحقوق الشعب المدنية والسياسية. وكل ما كانت تقوم به الكتلة هو تحريض الشعب بطرق لا مسؤولية فيها على القيام بحركات شغب تقع تبعتها على الشعب نفسه.
وقد وقعت هذه التبعة على الشعب، فكانت خسائر عظيمة وخراب بيوت عديدة سارت بالشعب نحو الفقر والضعف واليأس، فضاعت المجهودات الثمينة التي قام بها الشعب في العجز السياسي الفاضح الذي أظهره الكتلويون في معالجتهم الأمور كما سنبيّنه.
رأي النهضة
حقوق الأمة بين الكتلة الوطنية والأجانب (2)
"حكومة الأقليات"
وعدنا القرّاء في عدد أمس أننا سنبين لهم العجز الفاضح الذي أظهره الكتلويون في معالجتهم الأمور والقضايا المتعلقة بالأمة السورية ومصيرها ونحن نبر بوعدنا ابتداء من اليوم.
مما لا شك فيه أنّ أمتنا تتراوح اليوم بين الحياة والموت فالأحابيك السياسية تحبك حولنا من كل جهة من الخارج، بينما شؤوننا الداخلية تتخبط في فوضى السياسات الخصوصية والخصومات التحزبية وبلبلة الأغراض المستعجلة واضطرابات المصالح. والتبعة الكبرى في هذه الفوضى والبلبلة والاضطرابات تقع، بلا شك ولا جدل، على الكتلويين في مجموعهم بسبب العقم السياسي الباهر الذي تفوقوا به على جميع سياسيي العالم.
ولا نحتاج، لتبيان هذه الحقيقة، إلى الغوص في بطون التاريخ الكتلوي. فكيفما قلبنا الطرف رأينا دليلاً جديداً من أعمالهم اليومية يعطينا البرهان القاطع على ما نزعم. والأدلة التي نجمعها تشير كلها إلى أنّ أخطاء الكتلويين هي في الأساس، لا في الشكل. والدارس الفاهم لا يسعه إلا الوقوف مشدوهاً تجاه العجز الباهر الذي يبديه الكتلويون، حتى في معالجة أبسط الأمور الحقوقية المدنية والسياسية. فأول أمس وأمس نشرت النهضة تفاصيل مناقشات المجلس النيابي الشامي في صدد لواء الجزيرة والحوادث المتكررة فيه. وفي هذه التفاصيل صورة واضحة للعقلية الإقطاعية الممتازة التي يتحلى بها الكتلويون ويسوسون بها الأمة ومصالحها والشعب ومقدراته.
في وسط اجتماع المجلس النيابي الشامي، وعلى مرأى ومسمع من النواب والنظارة ورجال الصحافة وفي عين الرأي العام وأذنه، يقف نواب كتلويون ويقولون إنّ أعضاء في الدولة الشامية هم "أقلية أثيمة" وإنه ليس في لواء الجزيرة رجال كالأمير الفلاني الذي اكتسبوا صداقته أو اشتروها مؤخراً، مفضلين عشائر في لواء الجزيرة على عشائر، ورؤساء على رؤساء، ومقياسهم في كل ذلك السياسة الشخصية.
وبعد هذه الحقائق العلنية التي تصفع الأمة صفعاً وتحول النيابة عن الشعب إلى مهزلة قبيحة، وبعد كل التبجحات الكلامية التي أقلق بها الكتلويون راحة الأرض والسماء قائلين: "لا أقليات في سورية" يقفون دون حياء ودون خجل أمام الأمة والتاريخ ويقولون: "هذا الجزء من الشعب الذي ندّعي النيابة عنه أقلية يجب إلا يؤبه لها. وذاك الأمير هو الرجل والباقون صعاليك"! أما الحق والعدل، وأما جعل المساواة القومية أساس كل سياسة وكل نظرة حقوقية أو إدارية، فكلام خرافي لفطاحل السياسة الكتلوية.
وبعد كل هذه الأعمال المضحكة المبكية ينحي الكتلويون على الفرنسيين وغيرهم باللائمة، لأنهم يفتحون قصة الأقليات. أليس الكتلويون أنفسهم هم الذين يوجدون الأقليات في البلاد بهذه التفرقة العلنية بين احترام جماعة واحترام جماعة أخرى؟
أجل، ليست الفئات التي لا تخضع لمشيئة الكتلويين الطاغية سوى "قطرة ماء في المحيط الهادىء". ويريد الكتلويون بعد كل ذلك أن يستتب الأمر وتتوحد الصفوف وتتقدم الأمة في طريق الفلاح!
ما أشأم هذه العقلية الإقطاعية على الأمة وقضيتها! ويا ضياع المجهود العظيم الذي تقوم به الأمة في هذه النتيجة الضائعة!
قلنا إنّ أخطاء الكتلويين في الأساس، فهم يزعزعون أساس الدولة الحقوقي ويرجعون بنا إلى حكم الإقطاع البائد. وهم مع ذلك لا يشعرون أنهم يأتون أمراً إدّاً!
الكتلويون سادة ومن سبّح بحمدهم موالٍ ومن أراد أن يتمتع بحقوقه المدنية كان مارقاً من الوطنية عدواً للإقطاعيين الذين يمثلونها. هذه هي الحكمة الفائقة التي نزلت على الكتلويين نزول الوحي.
"أيش أخي، أقليات يوق!"
رأي النهضة
حقوق الأمة بين الكتلة الوطنية والأجانب (3)
"مناورات صبيانية"
بين سنة 1930 وسنة 1931 جرت حوادث سياسية هامة في الشام، هي حوادث محاولة الوصول إلى اتفاق لتحويل الانتداب إلى معاهدة. ودعوة أعضاء الدولة إلى انتخاب مجلس نيابي يمثل إرادتهم وتأليف حكومة تتولى القيام بالمفاوضات في هذا الصدد.
في ذلك الوقت وضعت أمام "الكتلة الوطنية" قضية امتحان لفهمها الأسس الحقوقية والقومية ولمقدرتها السياسية. فكثرت اجتماعات الكتلويين وكثر صدور البلاغات المصطنعة عن "المناقشات الخطيرة" التي دارت في هذه الاجتماعات، وكثر ما نشرته الصحف عن "القرارات" التي اتخذتها "الكتلة الوطنية" وتضخم في نظر الرأي العام هذان التعبيران: "السياسة السلبية والسياسة الإيجابية" فكان القارىء يظن أنّ "المناقشات" هي مناقشات فنية صحيحة، وأنّ "القرارات هي قرارات هيئة منظمة لها سلطة في التشريع والتنفيذ". وكان هذا الستار من الدعاوة البرّاقة يلقي على "الكتلة الوطنية" وشاحاً من الخطورة.
وشتّان ما بين هذه المظاهر الجوفاء والحقيقة الهزيلة السقيمة. فـ "مناقشات" الكتلويين لم تكن شيئاً يصح تمييزه عن الأحاديث العادية في أي مقهى من مقاهي المدينة، أو في أي منزل من منازل العائلات. وكانت الاجتماعات تنفض بعد أن يقول أحدهم قولاً وجيهاً أو يبدي ثورة عاطفية تهز الحاضرين وتدفعهم في حركة اعتباطية لا دراسة فيها ولا تخطيط. وبديهي أنّ التكلم على التخطيط في فئة كالكتلة وعمل كأعمال الكتلة هو شيء كالتكلم عن الفلسفة والفلك والاقتصاديات بين قبائل زمبازن ومكلاكا ونيام ـ نيام.
ولم يكن الأمر يطول على "المقررات الخطيرة" التي كان يتخذها الكتلوين حتى نرى التصريحات الغريبة، المتناقضة أحياناً، المليئة بالكلمات الفضفاضة الجوفاء، كتصريحات بعض الكتلويين القائلة: "لا دخول في الانتخابات إلا بعد الوقوف على أسس المعاهدة؟!
لو فتشت أيها القارىء العزيز، جميع التواريخ السياسية في العالم وبحثت فيها عن جميع التصريحات السياسية، الصبيانية منها وغير الصبيانية، لما وجدت جهلاً للحقوق القومية والتمثيل الشعبي يضارع جهل أصحاب هذه التصريحات الصبيانية.
في مثل التصريح المشار إليه آنفاً كان الكتلويون يعترفون علناً وصراحة أنّ الكلمة الفصل في شؤون الأمة السورية عائدة إلى الأجانب، وأنّ الانتخابات النيابية ليست سوى تشبيه وهمي يقصد منه غش الشعب والتمويه عليه بأنه ينتخب نواباً سيكون لهم كلمة فاصلة في تقرير موقفها، وأنّ شأنهم في القضية ليس سوى شأن المساوم المساهم في أمر ليس له فيه شراكة أصلية.
تكفي هذه الصورة وحدها لإظهار الفهم التام الناقص الذي يقف عنده الكتلويون في قضية الأمة وحقوقها، وللمهارة السياسية البهلوانية التي يتحلون بها.
هكذا قرروا السياسة السلبية التي سقط فيها ضحايا عديدون في حمص وغيرها. هكذا قرروا "السياسة السلبية" التي سقط ضحاياها في دمشق.
بمثل هذه "القرارات" العائلية الاجتماعية أعلنوا إضراب دمشق الأخير وبمثل هذه "القرارات" السخيفة عينها دعوا الشعب إلى العدول عن الإضراب، بعد نزول الخسائر الفادحة به وسقوط عدد من القتلى لم يكن هنالك مبرر لسقوطهم لو كان مضطلعاً بالأمور غير هؤلاء الكتلويون الحسني العبادة! ولولا قرارات لجان الطلبة التي جمع الكلمة عليها خطباء من الحزب السوري القومي لذهبت الدماء الزكية هدراً.
لم تكن "السياسة السلبية" لرجال الكتلة تنظيماً قومياً لمقاومة الاستعباد واستنزاف الأمة بل حركات هوجاء، اعتباطية يدفع الشعب إليها جماعة لا فرق بين عقليتهم وعقلية الغوغاء، إلا بشيء واحد وهو أنّ عقلية الغوغاء عقلية اندفاع عملي وعقلية زعماء الغوغاء عقلية كلام اعتباطي.
ثم لما جاءت "السياسة الإيجابية" ماذا رأينا؟
إننا شاهدنا ونشاهد "السياسة الايجابية" الكتلوية سياسة تسليم على طول الخط وسياسة تساهل في حقوق الأمة في وطنها، فذهب لواء الإسكندرونة حالما قبل المجلس الشامي نص المعاهدة، بينما السياسيون الكتلويون حائرون يبحثون عن مخرج كلامي يتمكنون به من إلقاء ستار على غباوتهم السياسية الفاضحة.
وقد وجدوا المخرج الكلامي في تقليل أهمية لواء الإسكندرونة حتى لا يشعر الشعب بالخسارة العظيمة التي لحقته وبالأخطار العظيمة التي تهدده من هذه الناحية التي هي مفتاح البلاد السورية كلها.
وبينما الأتراك يعملون على التهام هذا اللواء السوري الغني الحصين يرسل الكتلويون معتمديهم للاتفاق مع الأتراك على كيفية قبول الأمر الواقع وإنشاء علاقات ودية على أساسه!
هكذا السلب وهكذا الإيجاب لهؤلاء السياسيين الذين لم يعرف العالم صبياناً في السياسة أشقى منهم وأتعس!
رأي النهضة
حقوق الأمة بين الكتلة الوطنية والأجانب (4)
"سياسة التسليم"
في الأوقات العصيبة التي تحيط بأمة من الأمم، خصوصاً متى كانت هذه الأمة في بدء تكوين حياتها السياسية، تتجه أنظار المخلصين لحياة الأمة وتقدمها ومطالبها العيا نحو الحاجة الأولية التي هي حاجة جمع كلمة الأمة، وجعل الوحدة القومية النقطة الابتدائية لكل عمل. فالوحدة القومية هي جوهر حياة الأمة والضمان الأساسي لبقاء شخصيتها وحيويتها.
والأمة السورية اليوم هي في وقت من هذه الأوقات العصيبة فهي تحاول النهوض وسيف ديمقليس معلق فوق رأسها بخيط عنكبوت لا يدري أحد متى ينقطع ويهوي السيف عليها.
في هذا الوقت العصيب والدعاوات الأجنبية من كل جهة ولون تتغلغل في أوساط الشعب والحاجة إلى العقيدة القومية التي تصد هذه الدعاوات وتحافظ على شخصية الأمة وروحيتها تزيد وتتعاظم، تسلّم الكتلويون الإقطاعيون الحكم في الشام وتسلم الإقطاعيون والرأسماليون الحكم في لبنان. وسياسة واحدة سيطرت على هذه الطبقة الإقطاعية ـ الرأسمالية الحاكمة هي سياسة الخضوع لأغراض الرأسمال الأجنبي وتمكين الأجانب الطامعين من موارد البلاد وثروة الشعب، لقاء عمولة يتلقونها من أجل هذه الخدمة.
في هذا الوقت ظهر الحزب السوري القومي من صميم الأمة حاملاً لها عقيدتها القومية الممثلة نفسية الأمة التي أصبحت مركز الجاذبية والبرج الحصين الذي لا يمكن الدعاوات الأجنبية، أيان كان مصدرها ومهما كان نوعها، أن تقتحمه أو أن تستولي عليه. فانتعشت آمال الأمة ولاح فجر نهضتها فهلع قلب الرأسمال الأجنبي، وقلقت الدول الطامعة التي رأت في الحزب السوري القومي قوة العقيدة ومتانة النظام، وأدركت أنّ حال الأمة السورية قد تغيرت بفضل هذا الحزب ومقدرة رجاله الموهوبين. وفي الوقت عينه هلعت قلوب الكتلويين الاستغلاليين الذين رفعوا بتبجحهم الوطنية التي هي أول واجب لكل فرد من أفراد المجتمع السوري إلى مرتبة امتياز سياسي يضجّون به ويصخبون. فقامت الدعاوات الأجنبية تحارب الحزب السوري القومي مباشرة وبواسطة عملائها، وقامت"الكتلة الوطنية" تنتصر للدعاوات الأجنبية والأغراض الأجنبية التي يظهر أنها قد اتفقت معها على حساب الأمة.
طال تبجح الكتلويين بـ "العهد الجديد" الذي هو عهدهم السيِّىء الطالع. أما الشعب فقد أصيب بخيبة أمل عظيمة، ذلك أنه كان للشعب قبل تسلم "الوطنيين" زمام الحكم أمل بالوطنيين وبحكمهم الذي رجا أن ينقذه من الهوان الذي حلَّ به ومن الجور الاقتصادي الذي سد عليه سبل التقدم. فلما تسلم الكتلويون الحكم وباشروا عهد "الاستقلال" إذا بالأمور تصير من سيِّىء إلى اسوأ.
تبيّن للشعب جلياً في "عهد الكتلة" أنّ الحكم هو غاية لا وسيلة. وتبيّن له أيضاً أنّ الكتلة، منذ صارت حاكمة أصبحت عدوة العقيدة القومية وعدوة القضية القومية وعدوة الحزب القومي الذي قام يوحد الأمة في مبادىء لها كل ممكنات التوحيد.
وتبيّن للشعب أيضاً أنّ المصالح الأجنبية أصبحت بعد المعاهدة الكتلوية أقوى مما كانت عليه قبلها. فالكتلة قد عملت بالإرادات الأجنبية ونزلت عند رغبتها وأصبحت هي تعمل على تجزئة الأمة والوطن بعد أن كانت تدعي أنها تريد وحدتهما. وهي قبلت الطغيان التركي في الإسكندرونة وعملت بسياسة تفريق الشعب شيعاً متخاصمة حتى يظل حكمها قوياً في حين أنّ الأمة تصبح ضعيفة لا قبل لها بالوقوف ضد التيارات الأجنبية العاملة على قتل معنوياتها.
أصبحت "الكتلة الوطنية" أجنبية أكثر من الأجانب وصارت قضية الأمة عندها قضية مساومات على مصالح خصوصية، حتى أنها أصبحت أشد عداوة للنهضة القومية من أية دولة أجنبية طامعة.
هكذا تمد الكتلة يدها إلى الأتراك المهاجمين الطاغين على حدودنا. هكذا تضع الكتلة حد السيف بين الشام ولبنان بعد أن كانت تقلق راحة الأرض والسماء بأنها تريد الوحدة السورية. هكذا تفرق الكتلة الشعب وتقضي على التطور الفكري السياسي، هكذا تقتل "الكتلة الوطنية" معنويات الأمة.
بعد أن تقف، أيها القارىء العزيز، على هذه الحقيقة الأليمة تسائل نفسك، كما نسائل نحن أنفسنا:
ما هو الفرق بين "الكتلة الوطنية" والأجانب العاملين على تمزيق شمل الأمة وقتل معنوياتها؟
رأي النهضة
حقوق الأمة بين الكتلة الوطنية والأجانب (5)
"السياسة الغبية والإدارة الفاسدة"
تمت المخابرات والمفاوضات والاتفاقات حول سلخ لواء الإسكندرونة عن جسم الوطن السوري و"الكتلة الوطنية" لاهية بلعبة "السياسة الإيجابية". وقد بيّنا في المقالات السابقة شيئاً عن هذه اللعبة الغريبة التي تضمحل فيها مصالح أمة بأسرها، بينما مصالح السياسيين الخصوصية تتضخم. وفي حين أنّ الأمة تفقد كل أسباب سيادتها وموارد تقدمها باسم "المعاهدة والحكم الوطني والعهد الجديد".
وبعد نزول هذه الخسارة العظيمة، ماذا كان موقف الكتلويين؟ إنهم لم يحركوا ساكناً ولم يقوموا بأية حركة جديدة. إنهم لم يفعلوا شيئاً من ذلك، حتى بعد أن تحرك الحزب السوري القومي وأعلن سخطه واستعداده للدفاع عن حقوق الأمة في اللواء.
هنالك حجة يظنها الكتلويون وجيهة في حين أنّ صبيان السياسة أصبحوا يدركون ضعفها وهي: أنّ حكومة إعدادية لكيان جديد لا قبل لها بمقاومة اتفاقات الدول الكبرى. والصحيح أنّ في هذه الحجة شيئاً من الصواب في هذا الإطلاق الواسع. ولكن هذه الحجة لا تبرر الخسارة كلها. فلو أنّ الكتلويين نزلوا عند رغبة الأمة وتقدموا للتفاهم مع المنظمة القومية التي اتضح شأنها في تقوية معنويات الأمة لكانت الأمة تمكنت من إحداث ضغط سياسي كافٍ لإدخالنا ضلعاً ثالثاً في الاتفاق فلا نفقد تدخلنا في اللواء السوري.
بيد أنّ إقطاعية الكتلويين أبت عليهم أن يعترفوا بالحركة القومية وممثليها وفضلوا أن يسلّموا البلاد للدعاوات والأخبار الملفقة. بل هم أنفسهم، وخصوصاً المسؤولون منهم، قاموا يؤيدون الدعاوات الأجنبية ويوهمون الشعب أنّ اللواء الشمال الغربي سيظل سورياً نظراً لاحتمال إيجاد علاقة وهمية بين اللواء والشام. والصحيح أنّ أقل ما كان يجب أن تقبل به حكومة وطنية تحترم نفسها هو أن تؤمن مصلحة الأمة السورية في هذه الاتفاقية الإجبارية بضمان حقوق اشتراك القوات السورية في الدفاع عن الإسكندرونة. أما ترك اللواء لحماية الجيش الفرنسي والتركي ومنع الجيش السوري من حقه في الدفاع عن جزء من وطنه فحقيقة تفضح كل ذلك الكلام الكثير الذي قيل في بقاء لواء الإسكندرونة سورياً وتدل على مقدار الغباوة السياسية التي يتصف بها متسلمو مقاليد الحكم في الشام.
والآن، بعد أن وضع لواء الإسكندرونة في يد الأتراك ليهددوا منه سورية كلها، ماذا يعمل "الوطنيون"؟
إنهم يحاولون الآن الاتفاق مع تركية على شروط أهمها مصادقة الحكومة الشامية على اتفاقية لواء الإسكندرونة!
ومن الجهة الداخلية ينفذون سياسة أجنبية واسعة ويقسمون البلاد تقسيماً لم تتجرأ على القيام به حكومة الشيخ تاج الدين [الحسني]. فهم قد ابتدأوا بإقامة الحواجز والحدود بين الشام ولبنان وفصل شؤون هذين الشملين السياسيين المشتركة. وقد أثبتوا بذلك أنهم يسيرون في سياسة معاكسة للأماني القومية وموافقة لإضعاف الأمة وتمكين المصالح الأجنبية من موارد البلاد.
إنّ مذكرة الحزب السوري القومي الاقتصادية التي وضعت في الربيع الماضي (أنظر ج 2 ص 1129 قد أشارت إلى الأخطار العظيمة والخسائر الفادحة التي تتعرض لها الأمة، فيما لو طبِّقت سياسة القضاء على المصالح المشتركة. وتلا مذكرة الحزب السوري القومي بيانات المؤسسات التجارية والتجار وذوي المصالح الشعبية في الشام ولبنان وكلها تشجب سياسة الانفصال الاقتصادي. والحق يجب أن يقال إنه لو كانت حكومة الشيخ تاج الدين اللاقومية والممقوتة في مكان الحكومة الكتلوية لما استطاعت أن تفعل ضد المصالح القومية أكثر مما فعلت حكومة "الكتلة الوطنية".
وتضيف الحكومة الكتلوية إلى غباوتها السياسية فساد إدارتها. فما كادت تعمل على تشكيل دائرة الحربية وتكلّف بعض الحربيين (ويقال أنهم أجانب، أتراك!) وضع خرائط دفاعية حتى افتضحت كل أعمال هذه الدائرة وفقدت الخرائط. وهو حادث خطير لو حدث في بلاد غير سورية وفي غير ظروفها المؤسفة لأدى إلى ثورة تلتهم السياسيين العفنين المسؤولين!
ولكن الكتلة كتمت الحادث وقللت من أهميته، كما قللت من أهمية خسارة لواء الإسكندرونة، وتابعت إدارتها الفاسدة تاركة البلاد معرضة لخطر الأعداء من الخارج ومجزأة من الداخل، كأنها وسيلة أجنبية لخراب البلاد. وماذا تريد القوات الأجنبية الكامنة وراء الحدود أكثر من ذلك؟
ومع ذلك فليس ما تقدم كل تفاصيل الحالة الخطرة التي أوصلتنا إليها السياسة الكتلوية. فهنالك إضعاف في وحدات الجيش وإسناد مسؤولية الدفاع إلى أجانب، أو إلى فئة غير مؤهلة.
وهنالك سوء إدارة في الجزيرة وزعزعة للأساس القومي الحقوقي.
وهنالك ضربات ليس أقدر من "الكتلة الوطنية" على إنزالها بالأمة!
رأي النهضة
حقوق الأمة بين الكتلة الوطنية والأجانب (6)
"الحكم غاية"
من الحقائق المثبتة في المقالات السابقة يتضح جلياً كيف ذهبت الدماء السورية التي سفكت في سبيل وحدة الأمة واستقلالها هدراً.
آلاف القتلى الذين سقطوا في المعارك، ومئات البيوت التي تهدمت في دمشق وغيرها إبان القتال، وكثير من التضحيات الغالية التي قدمها الشعب. كل هذه المجهودات العظيمة النبيلة الدالة على طيب عنصر الأمة، تصبح الآن شيئاً هزيلاً حقيراً لا يساوي أكثر من ابتسامة باردة يفترّ عنها ثغر كتلوي متأنق جالس في كرسي الحكم أو الإدارة!
ما أخزى هذه النتيجة التي يوصل الكتلويون الأمة إليها بعد جهاد نحو عشرين سنة!
كان الكتلويون يتوقعون أن يتمكنوا دائماً من ضبط الصحافة وكتمان هذه الحقيقة المخجلة المثيرة عن الشعب. فلما رأوا أنّ الصحافة لم تعد كلها مأجورة وأنّ هنالك جرائد كـ النهضة تخدم القضية القومية بنزاهة وتجرّد وفاقاً لقاعدة أساسية ومبادىء صريحة لا تتملق ولا تحابي، أسقط في أيديهم ومنوا بخيبة شديدة، وعمدوا إلى آخر سلاح لهم هو سلاح الفصل التام بين لبنان والشام. فبعد أن ابتدأوا بفرض الضرائب على البضائع اللبنانية أصدروا قراراً يمنعون به جريدة النهضة من دخول منطقة الشام، ظانين أنهم بهذه الوسيلة يحولون بين الشعب والحقيقة وبين النهضة والشعب. ولكن النهضة تدخل وستظل تدخل مناطق الشام، لأن القوة التي تسيّر النهضة هي غير ما عهد الكتلويون!
تبين جلياً أنّ الكتلويين قد تحولوا إلى مجرّد آلات صماء تحركهم المطامع الأجنبية. فهم في موقفهم المزري قد وضعوا الأمة إلى درك ملؤه الهوان، إذ لم يعد لها كلمة مسموعة أو حرمة تجاه الغرباء. ولذلك أصبحوا يخشون جداً استيقاظ الأمة وتنبهها للحالة السيئة التي أوصلوها إليها.
على أنه مهما كانت الوسائل التي يتخذها الكتلويون لذر الرماد في العيون فالضغط ليس إلا دليلاً على وجود تيار يخشونه وقوة يرهبونها. ومتى كان الأمر كذلك فجميع التدابير ليست سوى مسكّنات موقتة، لأن كل إدارة تقوم على مبدأ أنّ الحكم غاية لا وسيلة إدارة تحمل سمّها في ترياقها.
والحقيقة أنّ الحكم لرجال "الكتلة الوطنية" لا يمكن أن يكون غير غاية، لأنه إذا كان وسيلة فما هي الغاية التي يريد حكم الكتلة بلوغها؟
إنّ كل حكومة يمكنها أن تدّعي أنها موجودة لخدمة خير الشعب وترقية أحواله. ولكن مثل هذه الكلمات المطاطة لا تعني شيئاً. وقد بلغنا من مصدر موثوق أنّ رئيس الوزارة الشامية السيد جميل مردم نفسه أعلن للزعيم في مقابلة جرت بينهما الصيف الماضي في صوفر، بمناسبة اجتماع المصالح المشتركة على مسمع رهط من أعضاء الحزب القومي والأصدقاء، أنّ "الكتلة الوطنية" لم تضع أي برنامج اجتماعي ـ اقتصادي ـ سياسي وأنه إذا كانت لها مهمة فهي في نظره "قد انتهت" بالمعاهدة. فإذا كانت "الكتلة الوطنية" ليست بذات برنامج يعالج مشاكل الأمة الداخلية والخارجية ويدل نصه على فهمه لهذه المشاكل والقضايا، فما هي النتيجة التي يمكن أن ينتظرها الشعب من حكم الكتلة؟
يقال إنّ "الكتلة الوطنية" تقصد أن تضع مبادىء وبرنامجاً. ونحن نقول إنّ من لا قضية واضحة له ولا هدف يقصد إليه ولا مبادىء عرف بها لا يمكنه أن يوجد مبادىء ويعين برنامجاً وإذا فعل ما ظاهره يدل على شيء من ذلك كان من نوع هذه الستائر الملونة التي توضع لتبهر العين وتخفي الحقيقة المؤلمة القائمة وراءها!
إنّ الشعب قد تنبه والقضية القومية تمتد وتقوى. ومهما طال أمر الذين يعملون لغاية الحكم فهو لن يطول كثيراً.
