إلى وليم بحليس

18/4/1942


رفيقي العزيز وليم،
أخيراً انفرجت أزمة المراسلة وتسلمت كتابك الأخير المؤرخ في 10 أبريل/نيسان الجاري وعلمت منه بالاستنتاج أنّ أكثر كتبي السابقة إليك قد وصلت وأنك أجبت عليها. ولكن لم تصل كتبك المذكورة إليّ والظاهر أنك قد حزرت السبب كما يجب وهو عدم أمانة المكلف بإيصالها إلى دائرة البريد. وكان من وراء انقطاع رسائلك أني تضايقت وصرت في حيرة من الناحية المادية وكنت أنتظر بفارغ صبر ورود مبلغ منك، لأنّ الأمور هنا تسير، بسبب الفتور وعدم الإسراع في التنفيذ والتلبية، ببطء وعلى الممكنات الظرفية في الساعة والدقيقة، فنفذ صبري لتأخرك في إرسال ما كان وصل إليك وأبديت تبرّمي بهذه الحالة لإبراهيم [طنوس] في كتاب أرسلته إليه بضعة أيام قبل مخابرة السيد نديم عبود لي بورود إشعار بالدفع من سان باولو، وذكرت له انقطاع رسائلك عني.
«جنون الخلود»: في العدد الثاني والأربعين الصادر في منتصف هذا الشهر يتم البحث في مسألة الدعوة الدينية المحمدية إلى إنشاء دولة للملّة المحمدية، وما سببته من كتابات تحريضية ضد الدين المسيحي ومناظرات في موضوع هذين الدينين، وفي العدد الثالث والأربعين تكون الخاتمة التي أصبحت جاهزة وفيها التفاتة إلى بداءة السلسلة وذكر بعض الأدباء الرجعيين والنفعيين ونوع عملهم المخرب ليكون الناس على بيِّنة من أمرهم، فيكون عدد مقالات هذه السلسلة ستاً وثلاثين مقالة، وأظن أنها كافية لقطع دابر الكتابات الفاسدة وإيجاد عقلية واستعداد نفسي جديدين لتدبّر الشؤون الاجتماعية القومية.
الزوبعة: أظن أنّ إشارتك إلى فقد العدد السابع والثلاثين ليس سوى نتيجة غلط مطبعي في وضع الأرقام على العدد المذكور، فوضع رقم 38 بالهندي بدلاً من 37، مع أنّ الجانب الإسباني من التاريخ والعدد حمل الرقم 37. فإذا رجعت إلى العدد 38 وقابلت بين الجانب السوري والجانب الإسباني من الصفحة الأولى فإنك تجد اختلاف الرقم، وأرجّح أنّ هذا ما تعنيه، وقد أصلح الرقم في العدد الممتاز لأول مارس/آذار الذي صدر مزدوجاً، أما أمر لائحة المشتركين فسأرسلها إليك قريباً وهي تحوي أكثر الأسماء التي أرسلتها إليّ لأنّ القليلين أرجعوها.
قدومك: أعتقد أنك لو كنت عقدت النيّة على القدوم إليّ منذ أول إشارة مني إليك في هذا الصدد قبيل تعطيل سورية الجديدة، لكانت أمور كثيرة تسهلت لإيجاد العمل الكافي وكان تعاونك معي هنا أعطى نتائج كثيرة صالحة لتسيير الأعمال. وكنت أنا نفسي اهتممت بمخابرة فؤاد [لطف الله] والطلب منه أن يسعى لتدبير بعض ما يلزم من التمثيل لمحلات أو مصانع تجارية. وكان في الإمكان أخذ وكالة محل الراسي لك، فإنّ السيد أنيس [الراسي] أخبرني المرّة الأخيرة أنه لم يكن لهم ممثّل في الأرجنتين قبل سفرته الأولى، وأنه فقط بعد تلك السفرة دبَّر ممثلاً أشير عليه به في سان باولو. أوتدري من هو هذا الممثل الذي وقع عليه الاختيار؟ هو المدعو جبران سابا المنافق، شريك حسني عبد المالك في التواطؤ على استعمال اسم القضية القومية لابتزاز المال من الجالية وعلى أكل مال الهدية الذي تبرع به جمهور جالية بوينس آيرس لذكرى أول مارس/آذار سنة 1940. فاقرأ واعجب! وكل كان تأمن حصول هذه الوكالة لك لكان هان قسم كبير من الأمر، ولعل الوقت لم يفت لسعي جديد من هذا النوع. وإذا تمت مسألة إنشاء مطبعة فأعتقد أنّ إدارة المطبعة وقبول مطبوعات تجارية هو عمل يمكن أن يعطي دخلاً كافياً. وكنت سررت كثيراً لخبر عزم فؤاد على المجيء ورأيت فيه فرصة مناسبة للالتقاء به والتحدث إليه في هذا الأمر وغيره. فإني آسف أنّ مدة وجودي في سان باولو لم أكن في حالة صحية تمكنني من إكثار المقابلات والمحادثات، ولذلك ظل فؤاد بعيداً عن معرفة أمور كثيرة واجبة. ولكن إذا كان فؤاد قد أجّل سفره إلى مدة غير معلومة فهذا يعني أنّ الأمر قد يطول. فإذا وجدت فرصة للعودة معه إلى الموضوع فافعل، وأنا سأكتب إليه بدوري في أمر المطبعة وفي أمر السيد نديم عبود، فهو يريد «أن أغيّر اعتقادي» في هذا الشخص. ولست أدري تماماً ماذا يقصد من هذا التعبير. فأنا كنت ذكرت له أنّ الشيء الكثير من مظاهر هذا الشاب لا تنطبق على أفعال وحقيقة داخليته. وهذا فيما يختص بالموضوع المتعلق بي. أما في معاملاته التجارية فقد يكون صادقاً وودوداً لمصلحته. ثم إني لا أعتقد شيئاً، بل أنظر في الواقع فهذا الشخص كان قد وعدني بزيارة بعد سفرته الأولى إلى البرازيل ونكث ولم يفعل. ثم بعد عودته المرّة الثانية لم يحاول الاتصال بي وإصلاح موقفه، فأبديت هذا النقص لرفيق صديق له فوعد بزيارة ثانية ولم يفعل. ومع أنه جلب كتاب فؤاد إلى [نجيب] حنكش معه فهو لم يهتم هنا لنشره ولا لإطلاعي عليه، حتى كان أمر مجيء فؤاد وانقطاع رسائلك فصرت أرسل إليه بعض الرفقاء ليستطلع الأخبار، وآخر مرة راجعه الرفيق نديم بلان، وكان قد تسلّم إيعاز فؤاد بدفع المبلغ، لم يسعه إلا مخاطبتي بالتليفون وكان ذلك في آخر يوم لبقاء السيد أنيس الراسي هنا. وفي تلك الساعة فقط علمت أنّ السيد أنيس هنا، وفي تلك الساعة فقط أعلمني السيد نديم عبود أنه يحمل كتاباً يحسن نشره موجهاً من فؤاد إلى نيجيب! فهل هذه المعاملة دليل الأخلاق العالية والصدق؟ أكان يكون أمر نديم عبود معي هكذا لو كنت تاجراً كبيراً أو صناعياً كفؤاد؟ كلا. فما هو الاعتقاد الذي يجب أن آخذ به؟ يمكنك أن تذكر هذا الأمر لفؤاد لأنّ كتابي إليه قد يتأخر قليلاً ولأني سأرسله بالبريد العادي.
إنّ الأرجنتين تجتاز اليوم شبه أزمة في مجموع ورق الطباعة، ولكن الحكومة تفكر في هذا الأمر وتدرس مسألة إرسال بواخر أرجنتينية إلى الولايات المتحدة لجلب الكميات اللازمة للصحافة والطباعة. وأظن أنّ العمل الطباعي سيعطي نتائج حسنة.
عسى أن تكون والعائلة بخير. اقبل سلامي وبلِّغه للرفقاء والأصدقاء. ولتحيى سورية .

المزيد في هذا القسم: « إلى نعمان ضو إلى نعمان ضو »

أنطون سعاده

__________________

- الأعمال الكاملة بأغلبها عن النسخة التي نشرتها "مؤسسة سعاده".
- الترجمات إلى الأنكليزية للدكتور عادل بشارة، حصلنا عليها عبر الأنترنت.
- عدد من الدراسات والمقالات حصلنا عليها من الأنترنت.
- هناك عدد من المقالات والدراسات كتبت خصيصاً للموقع.