العلم، دمشق، العدد 768، 27/6/1949
(كان للحديث الذي تمكنّا من الفوز به من أنطون سعاده زعيم الحزب السوري القومي الاجتماعي صدى بعيد في سورية ولبنان، فعلّقت عليه الصحف اللبنانية حسب ميولها وأهوائها كما حاولت دوائر الأمن العام اللبناني أن تهتدي على ضوئه على مقر سعاده دون طائل.
واعتبرت بعض الصحف والدوائر الحكومية اللبنانية بعض ما جاء في حديث سعاده دليلاً جديداً على اتصال سعاده باليهود.
وكان هذا مما شجعنا على إعادة الكرّة للفوز بحديث يلقي ولو بعض النور، ويروي ولو بعض الظمأ فقام أحد محرري العلم بمحاولة صحفية جديدة أملاً في استشفاف الحقيقة انتهت بعد مجاهيد كبيرة إلى الاتصال بزعيم الحزب للمرة الثانية. وهذا هو الحديث ننشره راجين أن نكون قد قمنا بجزء من الواجب نحو قراء العلم ومناصريه).
س ـ تقول بعض الصحف اللبنانية إنكم في حديثكم السابق إلى العلم اعترفتم ضمناً بوجود اتصال للحزب السوري القومي الاجتماعي باليهود، ويظهر أنّ هذا البعض قد ارتكز على عبارتكم القائلة "فإذا كانت لدى الحكومة وثائق في صدد الاتصال باليهود فإنها ولا شك وثائق مشرّفة للحزب ومخزيه للمتحكمين في رقاب الشعب اللبناني وللطائفيين الذين نملك وثائق عديدة عن اتصالاتهم واتصالات جميع الرجعيين والنفعيين باليهود".. وقد قال هذا البعض إنّ عبارتكم في الحديث الماضي هي نفسها تشكل مستنداً لتهمة توجه إليكم وحدكم.
ج ـ هذه علامة جيدة. فالمتحكمون والرجعيون والخونة قد ابتدأوا يتراجعون بعد هجومهم المتسرع العنيف، وهم يتخبطون في تراجعهم كما تخبطوا في هجومهم، إنهم ابتدأوا يعترفون بافترائهم على الحزب القومي الاجتماعي الذي يريد إنقاذ البلاد من نكبة نفعييهم وخيانتهم، إنهم يتجاهلون الحقيقة الناصعة ويحاولون أن يجدوا في تراكيب الكلام ما يساعدهم تأويله الباطل على التعويض عن خيبتهم في مهاجمتهم الواقع.
إنّ عبارتي واضحة في مؤداها ولا تحتمل عند أهل الحق أي تأويل في مدلولها البسيط، فالمفهوم الوحيد المباشر لعبارتي هو أنه إذا كانت الحكومة قد استولت على شيء من الوثائق التي في حوزة الحزب في صدد الاتصال باليهود، فإنّ تلك الوثائق التي استولت عليها استخبارات الحزب القومي الاجتماعي تتعلق بعلاقة غيرنا باليهود. ووجود هذه الوثائق عندنا أمر يزيد قيمة الحرب التي نقوم بها على أعداء الأمة والوطن والداخليين والخارجيين الذين أشرت إليهم تكراراً في خطاباتي الأخيرة.
فالمغرضون لم يروا في عباراتي إلا جملة "فإذا كان لدى الحكومة وثائق في صدد الاتصال باليهود فإنها ولا شك وثائق مشرّفة للحزب" وغضّوا الطرف عن الذين تخزيهم الوثائق لأنها تعلق باتصالاتهم هم المتفقة مع اليهود.
إنني لم أقل: إذا كانت لدى الحكومة وثائق في صدد اتصالنا نحن باليهود، بل قلت في صدد الاتصال باليهود من أية جهة كانت ثم عنيت في تتمة عبارتي الجهات التي يحوز الحزب القومي الاجتماعي وثائق عن صلاتها باليهود، ولكن أهل الباطل لا يميِّزون بين إطلاق وتعيين، وكثيراً ما يجعلون المخصص معمماً والمعمم مخصصاً لأنهم لا يرجعون إلى حقيقة بل إلى غاياتهم الخصوصية الدنيئة، ويكفيهم أن تلاقي اتهاماتهم الباطلة قبولاً عند أهل الباطل.
إذا كان بتأويل الكلام تثار التّهم بدون أي فعل أو واقع تتعلق به، فيجب حينئذٍ زج كل الناس في السجون. وأول من يجب وضعهم في السجن بسبب عباراتهم التي تثبت على الأقل دعاوتهم لليهود هو الخائن صاحب الجريدة المجتهدة في صناعة التآويل الباطلة، فهو يقول إنّ "الاتفاق" الذي استنتجته سليقته وسليقة أمثاله الشريرة من التحقيق لم يبتدىء اليهود بتنفيذه لأنهم ينتظرون "عودة العلاقات الطبيعية بين إسرائيل ولبنان" فيمكن اتهام الجريدة المشار إليها بالدعاوة المباشرة لليهود بالتبشير "بالعلاقات الطبيعية" التي ينتظر عودتها إلى مجراها.
وإذا لم يرق لأهل الخيانة والباطل إلا أن تكون عبارتي دليلاً على اتصال لنا نحن باليهود مشرف لحزب القومي الاجتماعي، فلا بأس أن نجاريهم في تفاسيرهم الملتوية ونقول إنّ لنا اتصالاً باليهود مشرّفاً هو اتصال الحرب والنار بيننا وبينهم ـ هو اتصال الأعداء بالأعداء، هو ما يسمونه في بعض اللغات Contact de feu وهذا الاتصال مشرّف بلا شك وهو يختلف عن اتصالات الرجعيين النفعيين المخزية.
س ـ تدخل الجمهورية السورية اليوم في طور جديد من أطوار الانقلاب هو طور توطيد الانقلاب فما رأيكم في الانقلاب وبطله؟
ج ـ أريد بهذه المناسبة أن أوجه بواسطة جريدتكم الزاهرة تحية خالصة إلى قائد الانقلاب الذي أنقذ معنويات الجيش السوري وخلّصه من الفوضى وتلاعب المتحكمين المفسدين، ومحا التخاذل وضرب على أيدي تجار السياسة، فحركته المباركة التي أسبغت على الشعب، من فوق من الحكم، القوانين الإصلاحية لتي ألغت التفاوت الحقوقي في الشعب، وعززت الجيش، وطبَّقت التشريع المدني، كانت انتصاراً عظيماً للمبادىء التي تكوّن محور إيماننا.
لا شك عندي في أنّ إقبال الشعب على تأييد الانقلاب الكبير سيكون عظيماً بقدر ما كان عظيماً يأسه من الحكم الماضي، وإني أتمنى للقائد الظافر النجاح في عهد الاستقرار والبناء الجديد، وإنّ تمنياتي هي تمنيات جميع القوميين الاجتماعيين الذين يعملون ويصارعون لانتصار القضية القومية الاجتماعية التي ظهر لها هذا البطل.