صدر عن مكتب الزعيم، 9/12/1941
حضرة الرفيق القومي إلياس فاخوري، مديرية سان باولو،
أيها الرفيق العزيز،
سلام سوري قومي،
في كتاب تفصيلي وارد مؤخراً من المنفّذ العام لمنطقة سان باولو معلومات عن سير النظام في مديرية سان باولو وروحية أعضائها والمسائل الإدارية والنظامية الناتجة عن الأعمال المتعددة. وبين هذه المعلومات أمران يتعلقان بك: أحدهما خبر حديث جرى لك مع الرفيق فارس بطرس في صدد أمانة مدير سورية الجديدة في إنفاق إيراداتها، وهذا الخبر لا يزال تحت التثبيت أو النفي، والثاني حدوث تنافر بينك وبين الرفيق بطرس في اجتماع لأعضاء المديرية أو بالحري لأعضاء هيئتها اضطر معه المنفّذ العام لرفع الجلسة ثم إعادتها إلى النظام، ثم جوابك على السؤال التنبيهي الذي وجّهه المنفّذ العام إلى كل عضو في اجتماع عقد لتبليغ المديرية مرسوم إنشاء المنفذية لسان باولو، وتعيين المذياع العام الرفيق وليم بحليس منفّذاً عاماً لها، وهو «إنّ سؤال حضرة المنفّذ بدون معنى» وورود هذين الأمرين في المعلومات الإدارية وإن يكن قد حدث بصورة لطيفة جداً من قِبل المنفّذ العام وبكثير من التخفيف، هو ما جعلني أضع صيغة كتابي هذا إليك بالطريقة الإدارية بدلاً من طريقة المخابرة الشخصية التي استعملتها سابقاً معك في مسائل لا تتعلق بالإدارة.
الحقيقة أنّ المعلومات الأخيرة من المنفّذ العام تدعو إلى أسفي الشديد لوجود بقايا كثيرة من النفسية اللاقومية ضمن صفوف مديرية سان باولو. وما تعلّق هذه المعلومات بأشخاص آخرين سأتركه للطرق الإدارية البحتة لأنّ أتعابي الكثيرة لا تسمح لي بالكتابة إلى كل فرد والاهتمام به بنفسي. وقد خصصتك بهذا الكتاب الذي نظراً للتقدير الذي حزته بعد عملك بالتوجيهات المعطاة إليك لإدخال بعض من كانوا قد أصبحوا قوميين بالروح. أما العلاقة الشخصية بيني وبينك بسبب اهتمامك وعائلتك بأمر الزعيم والقضية وأنت بعد في بوينس آيرس، فهذه تظل في محلها من غير أن تعطل شيئاً من مزايا النظام والسلطة الإدارية.
أقتصر في هذا الكتاب على حدوث جوابك في الجلسة أو الاجتماع «إنّ سؤال حضرة المنفّذ بدون معنى» فهذا الجواب يعني التحدي العلني لصلاحية المنفّذ ولحرمة مركزه تجاه الأعضاء، لأنه لا يقصد إيضاح نقص بيانيّ في سؤال حضرة المنفّذ، بل يقصد الغرض الحقيقي من توجيهه. وقد فهم جميع الأعضاء الذين حضروا الاجتماع مضمونه وأجابوا عليه الجواب الذي يمكن قبوله ضمن دائرة النظام. أما جوابك فلا يمكن قبوله ضمن دائرة النظام. وإذا تذكرت شيئاً من حوادث بوينس آيرس أدركت أنّ مثل هذا القول صدر من المنفّذة العامة للقوميات إلى ناموسة المنفذية وكان صدوره بهذا الشكل داعياً إلى استجواب المنفّذة العامة في اجتماع عمومي وإقالتها من وظيفتها.
إنّ النظام الإداري القومي لا يخوّل الأعضاء أو المسؤولين بدرجة أدنى الحكم أو التدخل في مسؤولية المسؤولين بدرجة أعلى، ومعارضة أعمالهم الإدارية والتدابير التي يتخذونها لمصلحة العمل القومي. فرجال الإدارة مسؤولون تجاه رؤسائهم فقط وليس تجاه المرؤوسين. فإذا وجد أحد هؤلاء ملاحظة على أغلاط وأحب إبداءها فيكون ذلك إما بمراجعة القائم بالإدارة في دائرة عمله وإما برفع الملاحظة أو الشكوى إلى مرجع أعلى، من غير التصدي لإحباط التدبير أو عدم تنفيذ ما يصيبه من التدابير المفروضة. ولا يوجد غير هاتين الطريقتين ضمن النظام. ولا يعني المرؤوس مقدار إصابة الرئيس في رأيه وتدبيره فهذا يعني رئيس الرئيس. ولذلك يعتبر جوابك المذكور المتحدي لسلطة المنفّذ العام الممنوحة له وفاقاً لدستور الحزب السوري القومي مشتملاً على المخالفات التالية:
1 ـ خرق النظام برفض إعطاء الجواب المطلوب على سؤال إداري صريح لا غبار عليه لا إدارياً ولا نفسياً.
2 ـ تقليل هيبة النظام وامتهان كرامة الرئيس بالحكم على سؤاله بأنه «لا معنى له».
3 ـ مخالفة اليمين التي يؤديها السوري القومي حين انتظامه في الحزب وهي تنص على احترام القرارات والقوانين والخضوع لها وتنفيذ كل ما يعهد به إلى الفرد من المراجع ذات الصلاحية.
إنك قد لا تكون فكرت في المسائل النظامية والإدارية حين أقدمت على معارضة تدبير إداري كالذي اتخذه المنفّذ العام بنظرة غير قصيرة في الشؤون القومية النظامية والروحية. وقد لا تكون حسبت حساب النتائج المناقبية السيئة على الأعضاء لهذه القدوة في عدم احترام النظام والمسؤولين عنه. ولكن الإدارة العليا للحزب تضطر لعدم إغفال هذه المسائل والنتائج وخطرها على النظام القومي ووحدة الصفوف.
ولكي أسهّل لك إدراك مبلغ غلطك أو خطأك في حد ذاته وضمن نطاق محدود، أقول لك افترض أنك بعد وقت قصير عيّنت أنت نفسك لرئاسة إدارة واتخذت التدابير التي تخوّلك إياها صلاحيات وظيفتك والتي تحمل مسؤوليتها تجاه رؤسائك فقط، ثم خطر لأحد الأعضاء أن يعارض هذه التدابير أو يتمرد عليها بحجة أنه هو يرى أنه «لا معنى لها» ثم افرض أنّ هذه العضو أجاب على طلبك التقيد بالنظام قائلاً لك «ولماذا لم تتقيد حضرتك بالنظام؟ عجباً! ترفض النظام وأنت مرؤوس وتطلب المحافظة عليه وأنت رئيس! فإذا كان هذا هو النظام فأنا أيضاً أسلك هذا الطريق وحين أصير رئيساً حينئذٍ أحاول أن أحافظ على النظام»، فكيف يكون موقفك وبأية سلطة أو قانون تقدر أن تقيم نظاماً كنت أحد الذين خرقوه وحقّروه؟
ويظهر أنك نسيت أنّ الأمور لها مراجع عليا، وهذا يعني أنك قد لا تكون على بيّنة من الأذى الذي تلحقه بالمراجع نفسها برفضك التقيد بتعليمات صادرة من المكلف من قبلها بإدارة منطقة أو عمل.
إنّ هذا الكتاب يوجه إليك بقصد لفت نظرك وتذكيرك بهذه المسائل النظامية الدقيقة لكي تدرك خطورة التبعة كما تراها إدارة الحزب العليا، وبثقة أنه يكفي ليحملك على إصلاح ما اختل من جهتك. وبعد إقامة النظام يكون مكتب الزعيم مستعداً للنظر في كل ملاحظة أو رأي يرد من أي عضو يقصد خدمة الحزب بالمعلومات والملاحظات المفيدة.
ولا بدّ، في هذه المناسبة، من تبليغك أسف الزعيم لعدم قيام «لجنة الشؤون الإدارية لسورية الجديدة» بالمهمة التي ألقيت عليها حسب نص مرسوم تعيينها، حتى إنّ مكتب الزعيم لم يتسلم أي تقرير أو اقتراح منها. فاضطر الزعيم لحلها بقرار أرسل إلى المفوض بالتنظيم ومدير سورية الجديدة قبل احتجاب الجريدة بمدة قصيرة ولكن المسؤول المذكور لم يبلّغك والعضوين الآخرين قرار الحل حرصاً على إحساساتكم السريعة التأثر، ولأنّ احتجاب الجريدة قد أصبح شبه محتم. والقرار موجود في حوزة المنفّذ العام.
أيها الرفيق العزيز، لا تنسَ أننا في الحزب السوري القومي نشكّل وحدة نفسية نظامية قبل أي شيء آخر. ومقياس قومية كل عضو في مبلغ محافظته على النظام وتتميم الواجبات والأعمال، وليس في مقدار النظريات الخصوصية التي يضعها فوق النظام. وإني أود أن تقبل هذه الملاحظات بالنفسية القومية الصحيحة، وأن يتحول موقفك السلبي إلى موقف إيجابي تعاوني مع الرؤساء الحائزين ثقة الزعيم من أجل نجاح قضيتنا القومية المقدسة. ولتحيى سورية .