16/8/1944
إلى الرفيق المجاهد نعمان ضو
كوسيته ـــ سان خوان
رفيقي العزيز،
سررت كثيراً بكتابك الأخير المؤرخ في 14 أغسطس/آب الماضي، وكذلك سررت بمقالك1 في الزوبعة.
إنّ هوشة الهائشين للكردي قد اضمحلت والكلاب والثعالب قد تفرقت، ولكن بقيت أفاعٍ تحت القش والتبن.
من الأفاعي التي ظهر أنها من أخبث الأنواع وشرّها المدعو كامل عواد. هذا الشخص ارتكب في الماضي، حين كان لا يزال «رفيقاً»، أغلاطاً ونقائص إدارية وروحية كبيرة، ولمّا حاسبته عليها أظهر مكابرة وعناداً وأخذ يدسّ بين الرفقاء ضد الزعيم، وهو مسؤول، إلى حدّ بعيد، عن إفساد روحية ابن الرفيق جبران مسوح وعن تشجيع زوجة الرفيق جبران ضده. وانتهى أمر ذاك الشخص بالحنث بيمينه وطلب «الانسحاب من النظام»، وقصد بذلك أن يخرج من المسؤولية والنظام ويُبقي معه صفة «الرفيق» ذي العقيدة ويتمتع بامتيازاتها وحقوقها مهملاً متطلباتها وواجباتها. وقد تناولت الزوبعة بعض دسائسه من غير أن تذكر اسمه، فهو صاحب ذلك القول الخسيس الذي جعلته الزوبعة عنوان أحد دروسها، وهو «دفعنا وما شفنا شي» (انظر ج 6 ص 387).
هذا الشخص لجأ أخيراً إلى النفاق. فلما جئت إلى توكومان في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي والحزب فيها يكثر عدده وترتفع معنوياته، جاء المدعو كامل عواد يزورني ويسلّم عليّ، ثم يدعوني إلى نزهة في ضاحية قريبة في الجبل. ولكن لمّا عدت المرّة الثانية في ديسمبر/كانون الأول وحصل تقدير لبقائي هنا لأبدأ صناعة، تلكأ الرجل فصار يكتفي بتحيتي في الشارع فقط. ولمّا قدمت بعائلتي وأخذت منزلاً لم يأتِ للسلام أو للتهنئة. وكان بلغني في سفرتي الأولى من المدعو حنا شمّا أنّ كامل عواد قال له إنّ الزعيم «أخذ من عنده مسدساً كان تركه في إحدى الغرف حين كان الزعيم ضيفه سنة 1939 ولم يردّه»!!! وعندما جرى حادث الأثيم [إبراهيم] الكردي وشاع الخبر في المدينة، بواسطة الكردي نفسه، أنّ الشرطة تستدعيني للتحقيق، وتضخم هذا الخبر كثيراً، صار كامل عواد وأخوه الذي مات بعد ذلك بنحو ثلاثة أسابيع فقط يمرّان قصداً أمام مركز الشرطة باعتزاز وشماتة!! ثم أرسل هذا الناقص المدعو حنا شمّا ليعرض عليّ استعداده «للدخول في الصلح بيني وبين الكردي»!!.
لم يطل الأمر على حادث الكردي، فما هي إلا أيام قلائل حتى أصيب أخوه المدعو ميخائيل بانفجار مرارته وأرسلوه إلى كوردبة برفقة طبيب. ولكن لم يمنع الموت عنه علاج. ولما حانت منيّته وأشرف على الهلاك صار يقول لأخيه عيسى، الذي كان قربه، «اشتريني، يا أخي، بيعوا كل شيء واشتروني»! وميخائيل المذكور كان خائناً وعديم الشرف، فهو أقبل على الحزب مع المقبلين سنة 1939 وتقدّم بطلب الدخول. ولكنه حلف اليمين في الصباح ونقضها في المساء. لم يثبت يوماً كاملاً! وفيما بعد وقف الرفيق جبران مسوح معه مرة في محله وأخوته وأخذ يذكّره بالوطن والشرف والكرامة القومية، فأجابه مشيراً إلى بضاعة المحل: «شوف، يا جبران، هادا الوطن وهادا الشرف وهادا العز»!!.
عندما مات هذا النذل وجلبوا جثته إلى توكومان وأقيم له مأتم على نسبة ماله، لم أكترث ولم أحضر عزاءً ولا دفناً. والرفيق مسوح وقف هذا الموقف أيضاً. وبلغت الحماقة بكامل عواد أن يتوقع حضوري لإعطاء الميت قدراً لا يستحقه ولتعزيته، ولإعطاء البضاعة والمال الأهمية التي يعطيها الذين خلوا من كل شيء آخر. فلما ساء فأله انفجر به حقده. فقصد مرشد دلّول وأخذ يدسّ عنده تلفيق «سرقتي» مسدسه من بيته. ورأى الرفيق قلبقجي فطلب محادثته وقال له «الزعيم استعار من مدة مسدساً ولم يرجعه إليّ فإني أطلبه لآن». وجاء إليّ الرفيق قلبقجي بهذا الطلب فأفهمته ما يقصد النذل بهذا القول الكبير والكذب العظيم، وهو أن يطعن في شخصية الزعيم عند القوميين الثابتين، منتهزاً فرصة إشاعات حادث الكردي ليرمي صنّارته في الماء العكر. قلت لأحمد فوزي: أتظن أنت أني فعلاً استعرت مسدساً من كامل عواد أو من غيره؟ اسأله، متى كانت استعارتي ولأي سبب؟ فإن من يستعير شيئاً تكون له حاجة به، ما كانت حاجتي إلى مسدس عواد؟ ثم زدت: قل لذاك الكذاب إنّ كل ما أملك هو من فيئه وكل ما فوقي وما تحتي هو مستعار منه، فأنا مستعد أن أعطيه كل ما عندي ولكن لي شرط واحد: يوجد عند كامل عواد نسخة من مؤلفي نشوء الأمم وفي أول الكتاب ورقة عليها توقيع بخطي فأنا أريد هذه الورقة فقط. فحمل كلامي إليه فقال النذل: «الكتاب هدية من الزعيم كاتب لي بخطه عليه» فقال له أحمد: إنه لا يطلب الكتاب بل الورقة التي عليها توقيعه فقط. أخيراً أذعن الماكر وسلّم النسخة المذكورة ورددت إليه مسدساً كان رجاني أن أقبله هدية منه، بعد أن تمنّعت أولاً ذاكراً أني لم أشعر قط بحاجة إلى حماية نفسي بمسدس أو بحمل مسدس.
أي عمل أحط، أعَمَل الكردي الأثيم أم عمل كامل عواد اللئيم؟
إنّ الحق يعلو ولم تتمكن الأفعال الشائنة الصادرة عن نفوس مليئة بالمثالب من حجب شمس الحقيقة. والمعنويات ترتفع في توكومان من جديد، وذوو النفوس الضعيفة التي استرسلت في تيار الإفساد يطلبون الآن العودة ويحومون، ومنهم مرشد دلول الذي أدرك أنه قد عاد إلى انزوائه وخموله بتخلّيه عن واجب الشرف ومقتضيات النظام.
والآن شيء عن التجارة. في كتابك الأخير تذكر لي مثابرتك على الاهتمام بأعمالي التجارية وتطلب مساطر. إنّ بضاعة أصحاب المطابع معروفة وهي غلافات وأوراق كتب وأوراق فواتير وما يسمونه Papel oboa, papel tapa وأسعار هذه الأشياء هي بالنسبة إلى كمياتها. فالسعر بالكدسة resma شيء وبالمئة ورقة شيء آخر. فما هي البضاعة التي يطلبها من حادثتهم، وهل هم أصحاب مطابع كبيرة تشتري بالجملة بكميات، أم أصحاب مطابع صغيرة يشترون نتفاً قليلة كلما احتاجوا إلى طبعة لزبون؟
إني أعدّ خطة بعيدة وسيكون لنا مكتب في بوينس آيرس ويمكن، منذ الآن، أن نشحن من هنا ومن بوينس آيرس.
الورق الذي تحتاجون إليه للفاكهة كالتفاح والعنب، أرسل إليك نموذجين منه ونقدر أن نبيعه بسعر 8.20$ للكدسة (la resma) وبعضه يأتي 400 ورقة كاملة في الكدسة وبعضه يأتي 380 ورقة، فما كان 400 ورقة يجب أن يكون عدده تقريبياً، والألوان متعددة. ونظراً لتمرجح الأسعار كثيراً في هذه الأيام فهذا السعر يحسب أنه لمدة 15 يوماً، وبعدها نعطي أسعاراً جديدة.
أود أن تكون وأهلك وجميع أفراد عائلتك بخير. جولييت وصفية هما الآن في بوينس آيرس وستعودان في آخر الأسبوع، ومحتمل أن تصحبهما حماتي لتقضي وقتاً معنا.
سلامي لكم جميعاً وأتمنى لك أحسن التوفيق. ولتحيى سورية .