22/12/1944
حضرة المنفّذ العام المحترم
سلام سوري قومي،
وضعت في مطلع هذا الأسبوع كتاباً قصيراً، أرفقته بمقال طويل، هو الحلقة الأولى من سلسلة مقالات تكذّب تكذيباً باتاً كل ما ادّعاه ذلك المنافق الكبير المدعو جبران مسوح في دفاعه عن جرمه، الذي لم يكن سوى دفاع أقبح من الجريمة عينها التي ارتكبها لما أورد فيه من الاختلاقات الغريبة الفاضحة كل طيات نفسه الخبيثة.
وقد أوردت في المقال المذكور تصريحات يجب أن تضبط بدقة. ولم يتسع الوقت لأعيد النظر في ذاك المقال وأقرأه كله، لذلك أكلّفكم أخذ جميع الاحتياطات لإخراج المقال مضبوطاً. وألفت الآن النظر إلى بعض العبارات: يوجد عبارة تخبر عن طريقة التصرف التي يعبّر عنها الأميركان بقولهم: أطلق رصاصك أولاً ثم جادل. فقد أتبعتها بالقول: «وقد يكون جبران مسوح حلّها بأسلوبه العامي، الخ». فيجب الانتباه إلى وجود جملة «وقد يكون» أو «يمكن أن يكون». ثم بعد هذه الفقرة يوجد أخرى تبتدىء هكذا: «اختلس ثم ادّعِ أنّ الزعيم مبذّر، الخ». فهذه الجملة يجب أن تكون هكذا: «احتل واغدر وافسق ثم ادّعِ أنّ الزعيم، الخ».
في مطلع الأسبوع القادم، أي بعد أيام قليلة، أرسل إليكم بقية مواد العدد 4.
كتابكم المؤرخ في 12 ديسمبر/كانون الأول الحاضر اشتمل على اقتراح قدّمه الرفيق نعمان ضو ولاقى استحسان جميع الرفقاء في بوينس آيرس، وسئلتم من قبل حضرة رئيس «الجمعية السورية الثقافية» الرفيق خليل الشيخ والرفيق نعمان ضو رفعه إليّ.
الاقتراح المذكور يحتوي فكرة لم تجد قط موضعاً مكيناً في تفكير القوميين، أي صيانة مركز الزعيم وحرمته. وقد جرت محاولات من بضع سنوات لتأمين موارد الزعيم من القوميين، وكان في عدادهم آنئذٍ بعض المقتدرين مادياً، ولاقت هذه المحاولات استحساناً وتحبيذاً في بادىء الأمر، ولكنها لم تعمّر ونتيجتها كانت جزئية، ضعيفة، ولم يتمكن الزعيم من الارتياح إلى شيء منها وهي بطبيعتها، ونظراً لحالة السوريين النفسية، بدلاً من أن تصون مركز الزعيم، عرّضته أكثر فأكثر للقيل والقال بين الرفقاء وأضعفته في نفوسهم، لأنّ الذين صاروا يدفعون أخذوا ينظرون إلى أنفسهم كأنهم عماد الزعيم، وكأنّ الزعيم محتاج إليهم. فنقضت في نفوسهم حرمة الطاعة وزرعت بذور التمرد.
الفكرة في أساسها جميلة ولكنها لم تطبق في الماضي، وليس يعلم أحد كم يكون مبلغ نجاحها في المستقبل، ولا يحسن أن يسرع الزعيم إلى نقض محله التجاري والاعتماد على الآمال في جماعة ينقصها الثبات والإيمان والأخلاق، مع كل التحسن الذي اكتسبته بتأثير التعاليم القومية الإصلاحية فيها.
إنّ تأمين مركز الزعيم وحياته يحتاج إلى أكثر من هذه الفكر ــ إلى أشياء أو تعهدات أكيدة محسوسة ــ أما الزوبعة والعمل الصحافي فلي فيهما خبرة طويلة. ولا سمح الله أن تكون مهنة حياتي الصحافة في الوسط السوري في الأرجنتين وأتدلى إلى حيث يوجد أمثال جورج عساف وجبران الطرابلسي وعبد اللطيف الخشن، وأصير أتجول في البلاد لأجمع الاشتراكات وأطرق الأبواب لأجل ذلك.
إنها، في كل حال، عاطفة جميلة تدل على حياة، ولكني لا أراها مرتكزة على قاعدة عملية. ولذلك لا أجد فيه ما يحملني على قبول العمل بها، بل أفضّل عليها أن أجد من بعض الرفقاء ما يساعد على تقوية محلي التجاري بعد الصدمة التي أصابته بخيانة المدعو جبران مسوح، فهذا أفضل لتعزيز الزعيم وحرمته فلا يحتاج للاتكال على أحد من الناس. ومتى قوي المحل التجاري ــ وهو سائر الآن نحو هذه النتيجة ــ صار في إمكان الزعيم أن يعود ويصير مساعِداً من الوجهة المادية أيضاً، بدلاً من أن يكون مساعَداً، والفرق بين هاتين الحالتين هو الذي يوجد الفرق في مركز الزعيم.
إنّ حالة المحل الداخلية قد تحسنت كثيراً عما كانت عليه حين اكتشاف مبلغ تلاعب المدعو جبران مسوح، ولكن ثلاثة أشهر الصيف في توكومان هي أشهر جمود تجارياً، خصوصاً لأصناف الورق التي يقلّ كثيراً طلبها بوقوف المدارس، ولكن متى ابتدأت المدارس في شهر مارس/آذار فحركة المبيع تدور بسرعة وسيكون لمحلي شأن في الحركة التجارية هنا.
أتمنى أن لا يكون أثر تأويل المدعو جبران مسوح الفاسد لنظريات الزعيم التجارية. إنّ التنظيم القليل لسياسة المحل الذي تمكنت من إدخاله على الرغم من اعتراضات مسوح جعل المحل ناجحاً، ولولا الاختلاسات لكان المحل زاد رأسماله هذه السنة بدلاً من أن يطير. وإذا كان هذا الذي أظهر كل ذلك «التفاني» في سبيل الزعيم والقضية يأتي مثل هذا الغدر الفظيع، فماذا يجب أن ينتظر أو لا ينتظر للزعيم في الاستقبال؟
لولا خيانة جبران مسوح لكنت اليوم مرتاح البال، وفي حالة تسمح لي بتوجيه عناية أكبر إلى المسائل القومية والحزبية، ولكني أقدر أن أصير في هذه الحالة قريباً. إنّ الظروف الحاضرة ـــ ظروف الحرب ـــ تجلب أخطاراً للتجارة ولكن محترس من هذا القبيل، وعسى أن لا تحدث أضراراً جديدة في المستقبل. وإذا تأخر انتهاء الحرب سنة أخرى أو ستة أشهر فيكون المحل قد صار في حالة تمكنه من مواجهة الحوادث المقبلة.
أشكر جميع الذين اهتموا بمسألة الزعيم ومركزه، وأتمنى أن يصير التفكير العملي في القوميين عاملاً يوجههم إلى لمّ جموعهم وتأييد سلطتهم.
ليصل سلامي القومي إلى جميع الرفقاء العاملين في نطاق منفذيتكم، ولتحيى سورية .
بعد: أطلب أيضاً التنبه إلى نص عبارة أخرى في أول إحدى الفقرات التي تقول: «أما الزعيم فلم يضطرب لاضطراب الكون لأنه اعتاد رؤية هذه الأمور، ولأنه يعلم أنه لن يحدث طوفان ما دام في الوجود قوس قزح».