إلى غسان تويني


صدر عن مكتب الزعيم، 7/4/1946
إلى الرفيق غسان تويني
كمبردج، ماستشوستس، أميركانية


أيها الرفيق العزيز،
تسلمت كتابك الأخير المؤرخ في 22 مارس/ آذار الماضي، وتقريرك الأول والتقرير المختص بمنفذية أميركانية، والوثائق والمنشورات والبيان المختص بها، وقد وصلت كلها كاملة في حالة اعتيادية. وفي مساء اليوم الذي تسلمتها فيه تفرغت لها وانكببت عليها وصرفت بضع ساعات أقرأ وأستوعب ما فيها. وقد شعرت بارتياح داخلي عميق لحصول هذه الصورة الجلية لحالة الحزب السوري القومي الاجتماعي العامة ووصولها إليّ ولحصول التقرير عن منفذية أميركانية وقضية الأمين فخري معلوف. وإني أهنئك بما لك من حدة ذهن وتفكير ممتاز ومعرفة بالقيم.
منفذية أميركانية: كنت دائماً أشعر أنه يمكن أن يفعل في سبيل تقدّم الحركة السورية القومية الاجتماعية في المجموع السوري في أميركانية أكثر مما فعل حتى الآن.
ومن رسائل الأمين فخري معلوف السابقة كنت أرى أنه لم يجر أي مجهود حقيقي مستمر هناك، من طراز المجهود القومي الاجتماعي في الوطن، لإفهام مغتربينا في ذلك القطر حقيقة النهضة السورية القومية الاجتماعية. وتسهيل اعتناقها للعناصر الصالحة، والاجتهاد في اكتساب هذه العناصر. السنتان الأوليان اللتان قضاهما الأمين فخري معلوف في أميركانية كانتا سنتي اجتهاد في الدروس الفلسفية المدرسية التي شاء الأمين معلوف التخصص فيها، فلم يستطع، وهو في جامعة ميتشغن، من القيام عمل بأي عمومي سوى ‏‏الاحتكاك الأولي ببعض الأشخاص والصحافيين السوريين، ولعل أهم ما قام به في سبيل الحركة والقضية القومية كان تحدّثه إلى بعض أساتذة الجامعة عن الحركة ومبادئها ‎‏ونظامها، وترجمته المبادئ والدستور إلى الإنكليزية ترجمة جيدة، وزياراته واشنطن ومحادثته للمكلف بشؤون الشرق الأوسط في وزارة الخارجية ومناقشته إياه في تأويل بعض انظمة الحزب وسياسته.
في المدة المذكورة كانت رسائل الأمين معلوف تتراوح بين التفاؤل والتشاؤم تراوحاً لم يخلُ من تناقض، فبينما هو يبدي في احد كتبه وقوفه على إمكانيات العمل القومي الاجتماعي الواسع بين المغتربين. إذا به في رسالة أخرى يستنتج أنّ الإمكانيات قليلة وأنّ‎ ‏الأمل باكتساب عناصر صالحة وكثيرة ضعيف جداً. وكنت ألاحظ أن رسائله هي دائماً نتيجة وضعيته الخاصة، فهو إذا كان منصرفاً بكلّيته إلى دروسه وأعماله الخصوصية في الجامعة وبيئته، إحتاج إلى تعليل جمود الحالة بضعف الامكانيات فيصف بُعد السوريين والمغتربين عن الشعور الوطني القومي واندماجهم في البيئة الأميركانية وعدم سهولة العمل معهم وإذا وجد فرصة ونشط للعمل القومي واحتكّ ببعض الأوساط السورية وتبادل‎ الرأي مع جماعة، تبدت له إمكانيات العمل فأرسل يصف الإمكانيات الجيدة ويتفاءل بنتائج العمل الجدي وبعد انتقاله إلى كمبردج واتصاله بالرفيق جورج شامي الذي هو قريب له، على ما أخبرني، ووجود الرفيق ميشال أبو رجيلي مضافاً إلى تخلّصه من واجبات‎ ‏ الدرس لنوال الشهادة، أظهر نشاطاً محموداً، وكنت عينته منفذاً عاماً فعمل على تشكيل مديرية "الإسكندرونة" وألقى خطباً ومحاضرات وأوجد حلقة ثقافية لدراسة أصول‎ العقيدةالسورية القومية الاجتماعية، على ما أخبرني، وتمكن من جمع مبالغ مالية محدودة‎ ‏ قدّمت لمكتب الزعيم. فكانت المساعدة المادية العملية الأولى من أميركانية وبلغت كلها، على ما أذكر نحو ست مئة أو ثمان مئة دولار، وهي كل ما ورد مكتب الزعيم من ‏مساعدات من أميركية الشمالية.
ولكن نشاطه الأول أخذ يضعف بالتدريج فلم تتحقق وعوده بزيادة عدد مشتركي الزوبعة باستمرار ولم يهيىء رحلات إذاعية للوصول إلى عناصر جديدة، واتجاهه نحو الدراسة والتدريس جعله بعيداً عن الجهاد والعمل السياسي، ثم كان اتكاله على الرهبان الذين وجد فيهم سفينة الإنقاذ لحالته المادية، وما صاحب ذلك من الاندماج الكلي في عقيدة المذهب الكاثوليكي في جميع أصوله الدينية والسياسية. وانتهى به الأمر إلى الانحراف عن جادة المبادئ السورية القومية الاجتماعية. ومحاولته جعل العقيدة الكاثوليكية مهيمنة على العقيدة القومية الاجتماعية، و إلى شلل عمله القومي شللاً تامًّا منذ نحو سنة.
إنّ حالة منفذية أميركانية هي في الحقيقة، حتى هذا التاريخ، حالة الأمين فخري معلوف، إذ كان هو الشخص الوحيد هناك المؤهل لإدارة الحركة وضبط سلوكية المنضمين وشرح العقيدة والعمل القومي الاجتماعي بفهم عال. ولم يتصل بي ظهور أعضاء مؤهلين للاشتراك في إدارة العمل القومي فبقي كل شيء منوطاً بالأمين معلوف وحده. لا ناموس للمنفذية ولا ناظر تدريب ولا خطيب، ولا كاتب يلوح اسمه في الجو في بادىء الأمر، ولمّا يمضِ على وجود الأمين معلوف في أميركانية غير مدة وجيزة انضم إلى الحركة مواطن يعرفه الرفيق ميشال أبو رجيلي، واسمه ‏راجي ضاهر كان يعمل في جريدة السمير وغيرها في محاربة الرجعة وتوجيه الأفكار إلى الحزب، ولكنه كان ذا شذوذ نظامي فاصطدم مع الأمين معلوف في صدد موعد التقاء أو مخابرة، وبدلاً من أن ينظر إلى الأمين معلوف نظره إلى رئيسه ويسأله تدبير الأمور، أخذ يناقشه بشدة ويحاسبه محاسبة الرئيس للمرؤوس، واستعمل معه لغة خشنة وكتب إليّ‏ ‏حاملاً على الأمين معلوف حملة رعناء. والظاهر أنه تفاهم مع الرفيق ميشال أبو رجيلي الذي لم تكن لي معرفة أو اتصال به على أن يكتب هذا إليّ مؤيداً وسائلاً "تسوية الخلاف بين رفيقين" متجاهلاُ، أو جاهلاً مبدأ النظام والسلطة الحزبية. أجبت راجي ضاهر جواباً قويًّا واستنكرت بعض تعابيره وأريته السلوك النظامي الوحيد المقبول في الحزب، وأعطيت الرفيق ميشال أبو رجيلي جواباً من النوع نفسه، فلم أعد أسمع بعد ذلك شيئاً عن راجي ضاهر ولا عن ميشال أبو رجيلي.
كان الرفيق ضاهر يريد إنشاء جريدة قومية واتفق مع الأمين معلوف على جمع التبرعات لها، ويغلب عندي أنه جمعت بالفعل تبرعات لهذه الغاية. ويحتمل أن يكون ضاهر رمى إلى توحيد غايتين: أن يصير هو صاحب جريدة ومطبعة أو صاحب جريدة وحدها، بدلاً من أن يكون مستخدماً في إحدى الجرائد وأن يكون للحزب السوري القومي الاجتماعي صحيفة تبشر بمبادئه وغايته. وفي أثناء هذا العمل اصطدم مع الأمين معلوف اصطدامه المذكور. الرفيق ضاهر المشار إليه بقي مهملاً أمره فلا هو انسحب ولا هو طرد ولا هو حوكم على تصرفه، وآخر ما عرفت عنه، وكان ذلك قبل انتقال الأمين معلوف إلى كمبردج، أنه قصد بوسطن وبقي فيها مدة. ولعل الرفيق ميشال أبو رجيلى يعرف مقره، وفي كتاب أخير من ميشال أبو رجيلي أنّ راجي ضاهر لا عقيدة صحيحة له وانه لايرجى منه.
من مدة بعيدة ذكر لي الأمين معلوف منوهاً بشخص الرفيق ي.ش. وقال لي إنه محام وإنه "يريد وضع سيارته تحت تصرّف الزعيم في حالة توجّه الزعيم إلى أميركانية" ولكني لم أقف على أثر غير ذلك لهذا الرفيق.
الرفيق ميشال أبو رجيلي ظهر للمرة الأولى عند تدخّله في قضية اصطدام الرفيق ضاهر والأمين معلوف بسبب تخلّف عن موعد لقاء. ولم يكن تدخّله هذا في جانب الصواب، وشف ذلك عن ضعف في مؤهلاته الإدارية والنظامية، ولعل ذلك بالأكثر من ضعف النشأة اللاقومية العامة. وما تصفه لي من موقفه معك وإشادته بأن "بينه وبين الزعيم مراسلات طويلة" يزيد في إظهار عدم رصانته وسطحيته في تفكيره. والحقيقة هي أنه بعد كتابه الأول إليّ في صدد الرفيق ضاهر وجوابي إليه في ما يطلبه النظام لم أعد أعرف عنه شيئاً إلى أن كان فتور الأمين معلوف الأخير فأرسل إليه الرفيق ميشال أبو رجيلي ديوان وحي الظلام ونشرة حزبية، وكتاباً مرسلاً من أحد الرفقاء في الوطن إلى نسيب له في أميركانية وفيه يسأل عن الزعيم أين هو ولماذا لا يتصل بالمركز. ولم يرفق الرفيق ميشال ابو رجيلي هذه الإرسالية بكتاب يوضح كيفية إرسالها من مصدرها ولا صاحب الكتاب المراسل في الوطن ومن هو الرفيق المرسل إليه. والطريقة الوحيدة التي عرفت بها ان الإرسالية من ميشال أبو رجيلي هو وضعه اسمه تحت إسم الحزب ومديرية الاسكندرونة على الغلاف.
فأرسلت أستوضحه عن سبب إرسال الكتب المذكورة من غير كلمة تعريف لشأنها ومصدرها ومرسلها‎ ‏وطريقة إرسالها والغرض منه وكلفته أن يصف لي حالة مديرية "الاسكندرونة" الحاضرة وفرع أميركانية، فكتب إليه كتاباً فيه بعض نظرات صادقة ولمّح فيه إلى الوقوف في وجه محاولة الأمين معلوف رفع شأن الكاثوليكية وإدخال نظراتها في سياسة الحزب، مما دل على أنه واقف على أمر الأمين معلوف، وسألني أن أسمح له‎ بالكلام صراحة في صدد حالة الفرع، فكتبت إليه الكتاب الذي أطلعك على بعض فقرات منه وأبديت أسفي لما آل إليه أمر الأمين معلوف، ورجورته أن يرجع الأمين معلوف عن شذوذه وهوسه الكاثوليكي الجديد الذي يحتمل أن يكون مجرد عارض من عوارض العقل والفكر. وأرجح أن لهجة كتاب الزعيم إليه في صدد الأمين معلوف هي التي جعلته حذراً معك في ما يقوله عنه. ومؤخراً تلقيت منه كتاباً يدل على إدراك أحسن من السابق. ولعل في الإمكان تنمية مؤهلاته النظامية - الرفيق جورج شاهين حتى الآن لمّا يتصل بي ومعلوماتي عنه جيد العقيدة والسلوك.
الأمين فخري معلوف: قال قولاً صائباً في كتابه الأخير إليّ، وهو: إنّ ابتعاده عن سداد الفكر السوري القومي الاجتماعي والعقيدة القومية الاجتماعية ناتج عن بعده المكاني عن الزعيم مدة سبع سنوات، ويترجّح عندي أنه لو أمكن التقريب المكاني بيني وبينه على أثر كتابه المذكور وقبل كتابه الاستعفائي الانسحابي لأمكن إنقاذه من الهوة الفكرية التي انحدر إليها.
الظاهر من موقفه الأخير وحججه والأسباب التي بنى عليها طلب انسحابه أن تفكيره قد انحط عن الدرجة التي كان عليها. فهو بعد أن أرسل إليّ كتاباً يعترف فيه ضمناً بخطأ انتقاده لمقال "رسالة البابا الأخيرة" واستنتاجاته الأخيرة من كتاب "نشوء الأمم" عاد فارتكب الغلط السابق عينه ووقع في متناقضات أساسية. وكيفية نظره إلى الإيمان بالمذهب الكاثوليكي وحدها تدل دلالة واضحة على وقوعه في ضعف المنطق المربوط بالواقع، فهو يقول بوحدة الكنيسة المسيحية "تحت رئاسة الأب الأقدس" وعصمتها عن الخطأ في شؤون الإيمان والأخلاق. ليزيد أنّ هذا الاعتقاد هو من الاعتقادات، الكاثوليكية التي "تشكل وحدة متضامنة متراصة كما وصفها القديس والشاعر السوري أفرام"، الخ. وقد وضعت جواباً أظهرت له فيه كم في قضية رئاسة البابا للكنيسة المسيحية كلها من وجوه سياسية ليست ضرورية من جهة الدين، وأوجزت مبلغ عامل رومة السياسي في إقرار البابوية وجعلها متمركزة فيها، وأبنت مبلغ أهمية الحجج والتأويلات التي يستند اليها الكاثوليك لتبرير مذهب رئاسة البابا على الكنيسة المسيحية كلها وجعل مركزه في رومة بدلاً من القدس أو بيت لحم أو جبل الزيتون أو الناصرة. وأوضحت مبلغ الضعف في الحجج والتأويلات المذكورة التى لا تسلّم بصحتها الكنائس المسيحية الأخرى كاعتبار أنّ البابا خليفة مار بطرس الذي مات في رومة، وأنّ مار بطرس هو رئيس التلامذة لأن المسيح قال له مترجماً اسمه اللاتيني "أنت الصخرة وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي" (متى 16:18) وهذا نص كلامي إليه في هذا الصدد:
"في نظري إن المسيحية دين وعقيدة، وإن المحمدية كذلك، وإنّ الكثلكة والبروتستانية والأرثوذكسية وغيرها، وإن السنية والشيعية والاسماعيلية وغيرها. فروع دخل فيها كثير من المسائل الفرعية أو المصاحبات السياسية Political Associations من ذلك القول، بوحدة الكنيسة المسيحية تحت رئاسة الأب الأقدس، أي قداسة البابا القائم بالخلافة عن مار بطرس في رومة. فهذه مسألة من صميم المعتقدات الكاثوليكية ولكنها ليست من صميم العقيدة المسيحية، وهي كانت ولا تزال موضوع جدل عنيف بين الكاثوليك وغيرهم من الطوائف المسيحية المشاركين لهم في الإيمان المسيحي الواحد. فالكاثوليك يقولون إنّ المسيح أقام بطرس التلميذ رئيساً على جميعهم، وبما أنه مات في رومة ودفن رفاته هناك، وارتفع من هناك إلى السماء، فكرسي الخلافة يجب أن يكون في رومة، لا في الناصرة ولا في القدس حيث هبط وارتفع المسيح، ولا يوجد في الإنجيل نص صريح يقطع كل تأويل غير هذا التأويل. فهو اجتهاد أو تأويل لقول المسيح لبطرس: "أنت الصخرة وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي" (متى16:18)، الذي يمكن أن يفسّر بأنّ المسيح أراد الإيمان الذي ظهر في تلك الدقيقة من بطرس لا بطرس بذاته، فضلاً عن أنّ قوله "وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي" لا يفيد إقامة بطرس رئيساً ولا تعيين الخلافة له أين تكون وكيف تكون، ويؤيد حجج المعارضين لهذا التأويل أن بطرس الذي أظهر كل ذلك الإيمان في الموقف السابق كان أضعف التلاميذ بعد يهوذا الأسخريوطي لأنه انفرد بإنكار المسيح حين قبض عليه. ويؤيد ذلك أيضاً أنّ الصخرة في بناء "الكنيسة" أو تعزيز الدين المسيحي كان بولس أكثر كثيراً من بطرس ومن الإنجيليين يوحنا ولوقا ومتى. وكان بطرس أضعفهم بياناً واقلّهم أثراً، أقول ذلك من أجل تبيان كم في هذه المسألة من وجوه للأخذ والرد ولا أحسبها شرطاً من شروط الإيمان المسيحي. وأذهب إلى أنّ فيها عوامل سياسية يجب أن لا تغيب عن نظرنا تحت سلامة الاعتقاد بوحده الكنيسة".
عالجت موقف الرفيق معلوف الجديد بمنتهى الرقة ظنًّا مني أنّ الأمر ليس سوى مجرّد خواطر وتوسعات فكرية روحية، فأجاب على كتابي بذلك الجواب الذي قال فيه: "وممالا شك فيه أنّ الظروف التي قضت بالانفصال المكاني بين الزعيم والعدد الكبير من مفكري الحزب مدة تبلغ الآن نحو سبع سنين منعت استمرار التداول والتفاعل الفكري في جميع الشؤون المتعلقة بالفكرة القومية الاجتماعية في نموها وتفرعها، وأنّ ذلك من الصعوبات العديدة التى سنتغلب عليها بالشجاعة والثبات وسعة الصدر كما تغلبنا على صعوبات عديدة غيرها. وقد جاءت رسالتك المشار إليها معبّرة عن حلمك ورحابة صدرك مما لم يكن عندي أدنى شك فيه". وفي جوابه هذا يقول: "أما أمر صحة الخلافة لبطرس وأمر مركز الكنيسة فأمران فرعيان بالنسبة إلى القضايا الخمس التى ذكرت (هي قضايا أوردها في جوابه) والبحث فيها قبل حصول الاتفاق على تلك لا بد أن يكون قائماً على قضايا افتراضية مما لا يفيد كثيراً في بناء الحقيقة"، وهو بهذا التصريح يتنازل عن موقفه السابق واعتباره وحدة الكنيسة تحت رئاسة الأب الأقدس وعصمتها من أصول الإيمان الكاثوليكي التي لا يمكن تجزئتها وفصلها بعضها عن بعض. الظاهر أنّ الرفيق معلوف كان يأمل أن يجرّني إلى مناظرته ومناقشته في القضايا اللاهوتية المسيحية. ولكني لم أجد موجباً لهذه المناقشة والمناظرة التي رغب فيها. ولما ‏كنت قد أظهرت له في كتاب سابق أننا نقول بحريّة الاعتقاد وبمساواة جميع الأعضاء فيها، وأنني أسرّ بحصول الاستقرار النفسي له في قضايا ما وراء المادة في عقيدة المذهب الكاثوليكي، ولا أريد أن أتناول أي بحث يمكن أن يصرفه عن هذا الاستقرار. فقد استغربت أنه بدلاً من أن يحترم شعوري واعتقاداتي الخصوصية كما احترمت شعوره واعتقاداته الخصوصية أراد الإلحاح عليّ بوضع القضايا الدينية البحتة على بساط البحث وتجاوز الحد السابق وبلغ إلى القول "بالاختلاف بين نظريتنا" وهو تجاوز كبير لا مسوّغ له، فالرفيق فخري معلوف اعتنق المبادئ والتعاليم التي أعلنتها ورأى فيها كل الصحة ولمس نتائجها لمساً. وفي مواقفه ورسائله الماضية كان شديد التوق لإظهار قوة العقيدة الراسخة الناتجة عن هذه المبادىء والتعاليم. ثم كان أنّ الرفيق معلوف اعتنق المذهب الكاثوليكي بحذافيره. ولم يجد مني غير السرور لارتياحه النفسي إلى إيمان ثم إنه انتقد مقالاً صدر في الزوبعة بعنوان "رسالة البابا الأخيرة"، فأظهرت له فساد انتقاده وفصّلت له ما هو أساسي وما هو فرعي في الايمان الدينى المسيحي أو المحمدي من حيث المذاهب التي يتشعب إليها كل منهما. فاعترف بصحة هذا التفصيل ولكنه انتقل من موقع المنتقد لمقالي والموضح عن إيمانه الدينى الجديد، إلى موقف من يوجد اختلاف بين نظرته ونظرة الزعيم. فلم يرق لي أن تفرض عليّ المواقف والنظريات فرضاً، ولا رأيت الفرصة مناسبة لترك متابعة قضايا نهضتنا القومية الاجتماعية، ومسائل حركتنا السياسية والاقتصادية والحقوقية والإدارية وغيرها، والخوض في قضايا لاهوتية قررنا أنها من شؤون الوجدان الفردي الخاص التي يجب أن لا تثير وأن لا نسمح بأن تثير قضية اجتماعية - سياسية. وفي جوابي على كتاب الرفيق فخري معلوف الاستعفاني الانسحابى قلت: "ولا تنسوا أيضا أنّ الحزب لم يمنع أحداً قط من إظهار معتقداته الفلسفية من أي نوع كانت في كتاباته، فيمكنكم أن تنشروا أفكاركم واستنتاجاتكم في الخلق والوجود والنشر والحشر والحساب وليوافقكم على ذلك من شاء وليخالفكم من شاء" ولكن الرفيق معلوف يأبى الآن في داخله إخراج المسائل الدينية واللاهوتية من نطاق العقيدة القومية الاجتماعية مع انه يتظاهر بأنه لا يزال يعتقد الاعتقاد القومي بوجوب الفصل بين العقيدة القومية الاجتماعية والعقائد المعتعلقة واللاهوت، وهو يأبى، كذلك، المحافظة على مبدأ جوهري من مبادئ إصلاحنا الاجتماعي القائل بفصل الدين عن الدولة، فهو لا يريد أن ينظر الآن إلى الزعيم من حيث شخصيته ومبادئه وتعاليمه القومية الاجتماعية، بل يريد أن ينظر إليه من حيث معتقداته الخصوصية الوجدانية والعقلية التي لم يدخلها الزعيم في تعاليمه القومية الاجتماعية ولا وجّه دعوة إليها. وهو قد أغفل بالمرّة ما قلته في هذا الصدد في كتابي إليه جواباً عن انتقاده لمقال الزوبعة وهو: "لا يمكننا ونحن نبغي الصحيح أن ننظر إلى الدين بمنظار سياسي ولا إلى السياسة بمنظار ديني. يحسن ان يكون الإنسان مؤمناً في الدين ولا يحسن أن يكون مؤمناً في السياسة" فهو يريد أن ينظر إليّ الآن بمنظاره الديني الجديد ولا يكتفي بذلك بل يرغب في وضع منظاره الديني، بعدساته المنحرفة، على عيون الآخرين لينظروا إلى الزعيم به. وفي الوقت عينه يريد هو أن لا ننظر إلى أعمال البابا وحركاته السياسية في دولة الفاتكان إلا بمنظار الإيمان بعصمته. إن تفكيره في هذه القضايا الخطيرة يدل على انحطاط شديد عن مستوى تفكيره قبل تسلّط الهوس الديني على عقله. إنه رجع إلى مستوى تفكير القرون الوسطى حين كان الناس يمتحنون الصحة والفساد في الآراء والمعارف بمبلغ انطباقها على آيات "الكتاب" أو بمبلغ إيمان أصحابها الديني أو بتأييد الخوارق وما شاكل. ولعل أشد الأدلة إتباتاً لانحطاط تفكيره أنه لم يتناول المسألة الدينية من وجهة نظر فلسفية عالية مجرّدة عن حزبيات المذاهب المتعددة. بل تناولها بالاستناد إلى حزبية مذهب معيّن و إلى خصوصيات ذاك المذهب فالقضية الدينية، كما يعالجها، ليست قضية اعتقاد بالله واتجاه روحي إليه بل قضية صحة المذهب الكاثوليكي ووجوب توحيد العالم في المسيحية وفي وحدة كنيستها الوحيدة (الكاثوليكية) وتحت "رئاسة الأب الأقدس". وهذا هو التعليل الوحيد لتكدّره من مقال الزوبعة "رسالة البابا الأخيرة" الذي تناول عطف البابا على القضية الصهيونية ومحاولته تأييدها بحث المؤمنين على العودة إلى التوراة المضخمة "أمجاد" بنى إسرائيل وعلى تقديس نصوصها، وبتصريحاته المتعددة لمصلحة اليهود التي كانت تتلو زيارارت وفود يهودية دينية وصهيونية سياسية لقداسته. ومع أنّ كاتب مقال الزوبعة المشار إليه أعلن صراحة، في المقال عينه، أنه لا يريد أن يتناول الدوافع والمرامي الدينية البحتة التي ينطوي عليها حث الباب المؤمنين الكاثوليك على العودة إلى قراءة التوراة وتقديسها، بل أراد فقط تناول "الوجهة السياسية المتضمنة في "تقديس" التوراة وخصوصياتها اليهودية"، فإنّ الرفيق معلوف وجد أنه لا يجوز أن يكون لصاحب الرسالة القومية الاجتماعية من الأهلية والعصمة في معالجة القضايا السياسية – الاجتماعية، ما يجوز أن يكون لصاحب كرسي الخلافة البطرسية من الأهلية والعصمة في معالجة قضايا الدين والسياسة والاجتماع بالإدغام والفك فيما بينها حسب مقتضيات الظروف ومشيئة قداسة البابا العليا.
إن انقلاب الرفيق معلوف إلى الهوس الكاثوليكي حدث بصورة فجائية بعد اتصاله بالمدرسة الرهبانية التي يعلم فيها. ويجب أن نقدّر أنّ نضج حماسه الديني استغرق نحو سنة، أكثر أو أقل. وأول ما ظهر لي من من حماسة الديني انتقاده المتسرع لمقال "رسالة البابا الأخيرة"، الأمر الذي يدل على أنه كان يتربص السانحة لإثارة "اختلاف النظر" بينه وبين الزعيم على مسائل الدين والإيمان الديني. ومع أنّ انقلابه كان فجائياً وفيه جميع خصائص العارض العقلي، فإن هنالك سوابق من تصرّف لرفيق فخري معلوف تدل على سابق استعداده للتأثر القوي بعوامل محيطه الخاص: إنه كان من أوائل الذين تعرّفوا إليّ و إلى فكرتي بعد عودتي إلى الوطن سنة 1930، ولكنه بقي ضعيف الشعور بالحاجة إلى اعتناق مبادئها مع أنه شعر بسمو مستوى فلسفتها، والسبب لذلك كان فقد التربية القومية والوطنية العامة، من ناحية، ومن ناحية أخرى وجوده تحت تاثير بيئة خاصة. فكان غرضه الأولي أن ينجح في دروسه وينال شهادة، وأن يصير بعد ذلك معلماً. وبما أنه اتخذ فرع ‎ ‏‏الرياضيات والفيزياء، إبتدأ يعالج بشغف جمع القضايا الرياضية التي يمر عليها نظره وأراد ‎ ‏‏التوغل في هذه الأبحاث. وبعد محادثات طويلة معه في مدة سنتين بالتقريب أظهر تردداً ‏‏وتقاعساً عن العقيدة القومية الاجتماعية جعلاني أيأس منه. وفي هذه الأثناء كان يحتك بالانهزاميين أمثال الطالب فؤاد خليل مفرج، الذي توفي فيما بعد في أميركانية، وبالعروبيين امثال للدكتور قسطنطين زريق الذي كان أستاذ في التاريخ في الجامعة الأميركانية، ويسمع أقوالهم ونظرياتهم ومع اعترافه لي أنه لا يرى حججهم ضعيفة وأنّ المبادىء التي أعلنها تتفوق على منطقهم وجميع حججهم، وأنه صار يعتقد بصحة هذه ‎المبادئ ظل يمتنع عن اعتناقها وعن الدخول في الحزب الذي عرف بتأليفه ويقدّم الأعذار كحاجته إلى رضى إدارة الجامعة عنه وخشيته من عواقب انفضاح الأمر، وهو اكبر إخوته الأيتام الأب والذين يجب عليه أن يساعدهم على العيش واكتساب العلم وغير ذلك. ‎ولم تنفع جميع شروطي وإيضاحاتي لحمله على تغيير موقفه من قضية صار يعتقد كل الاعتقاد بصحتها. فتركته ولم اعد أباحثه،. خصوصاً بعد أن رأيته يخالف نصيحتي ويدخل برفقة فؤاد خليل مفرج الماسونية في محفل أميركاني ‏الطقس في بيروت، غير ‏حافل بكل مما شرحت له عن حالة الماسونية، التي خبرتها بنفسي من زمان في اختبار قمت به في مدة قصيرة جداً ولم ينضم الرفيق معلوف إلى الحركة السورية القومية الاجتماعية، مع كل علمه بمبادئها وأهدافها، إلا بعد الاعتقالات الأولى وبعد أن جذبت روعة القضية اهتمام الشعب وإعجابه. ومن ذلك الوقت نشط الرفيق معلوف مع فئة القوميين الاجتماعيين النشيطين وأبدى وعياً حسناً وفهما جيداً لأمور ومسائل عديدة، وظل هذا شأنه إلى أن انتقل أميركانية للدرس فاستأذن الزعيم في الانتقال فأذن له. وفي أميركانية كان شأنه ما ذكرت. وظلت رسائله إليّ تشفّ عن إخلاصه وإيمانه. وتزوج من فتاة أجنبية بغير استئذان. وفي أثناء دروسه أظهر اضطراباً في اختيار القضايا الفلسفية، وتردد بين أفلاطون وأرسطو والقضايا التي عرض لها. فكتبت إليه في الاهتمام بزينون وغيره من الفلاسفة والمفكرين السوريين وفي إظهار مآثرهم. وأخبرني أنه وضع أطروحته لنيل شهادة الدكتوراه وأنها ستكون مؤيدة لصحة العقيدة القومية الاجتماعية التي نقول بها، وأنه سيرسل إليّ نسخة منها. ولكنه أخلف وعده ولم يرسل إليّ الأطروحة وسكت عنها كل السكوت. ولعل لزواجه من الآنسة الكاثوليكية المذهب ضلعاً في موقفه السلبي الجديد. ولما انتقل إلى كمبردج واجتمع بحلقة القوميين الاجتماعيين هناك عاد إلى نشاط حزبي جيد فأخبرني عن الحلقة الثقافية التي تشكلت في مديرية الإسكندرونة، وألقى خطباً وكتب مقالات في الدفاع عن العقيدة والقضية. واهتم يجمع بعض التبرعات التي ارسلت إلى مكتب الزعيم. ثم جرى فتور في نشاطه الحزبي ولم يخبرني شيئاً عن بيئته الجديدة مع الرهبان ولا عن الأبحاث الدينية واللاهوتية التي حلّت، في محيطه الجديد، محل الأبحاث القومية الاجتماعية في نفسه، إلى أن كان صدور مقال "رسالة البابا الأخيرة" فكتب إليّ مظهراً رد الفعل الذي أحدثه ذاك المقال في نفسه، واغتنم الفرصة ليخبرني أنه اعتنق المذهب الكاثوليكي في الوطن قبل سفره (وهذا إذا صح يكون قد حدث في الفترة بعد سفري وقبل سفره هو) وأنه بذلك وضع حدًّا للحقبة "الشكوكية" التي مرّ بها مثل غيره من الطلبة. وأظهر لي ما يشترطه الإيمان الكاثوليكي في كل عقيدة أو قضية ليصح قبولها عند المؤمن الكاثوليكي، الخ. وأعتقد أنّ بعده عن بيئة قومية اجتماعية قوية قادرة على مناقشة النظريات الجديدة التي أتته من مصادر متعددة ممزوجة بعوامل أخرى من حياته العائلية مع زوجته، جعل الصمود للنظريات والعوامل المذكورة صعباً عليه. ولا بد من أن يكون صحب ذلك عارض ضعف في تفكيره، كما تدل الدلائل. وبعد كتابي إليه جواباً على اعتراضه على مقال الزوبعة أظهر استفاقة وعودة إلى النظرة القومية الاجتماعية الصحيحة، ولكن عادت البيئة وبعد المكان بينه وبين الزعيم وأوساط العقيدة القومية الاجتماعية فأثّرا فيه من جديد، وحمله تيار الحماس الكاثوليكي على الانقلاب على الإيمان القومي الاجتماعي والمناداة بالانشقاق وإعادة الامة إلى ظلمات حرب المذاهب الدينية – إلى عقلية القرون الوسطى المظلمة.
وفي أدلة استعداد فخري معلوف للشذوذ أنه كان مولعاً بفكرة كانت دائماً تدغدغ نفسه. فهو في مواقف ورسائل عديدة كرر القول إنه هو سيضع التأويل الاهيولي للعقيدة السورية القومية الاجتماعية أو ما شاكل. والحقيقة أنه كانت ولا تزال هنالك حاجة ماسّة إلى أبحاث فلسفة وعلمية عديدة لإيضاح. عمق أساس العقيدة القومية الاجتماعية ومتانة البناء الذي تشيده وسعته وجماله وتناسق تركيبه وسمو مطلبها وليس ما يصل في الوطن الآن من منشورات رجال النهضة ونسائها سوى طلائع الأدب السوري القومي الاجتماعي المنتظر. وقد شجعت فخري ووجهته ما وجدت إلى ذلك سبيلاً، وكانت الدلائل تدل على أنّ فخري سيكون عماداً قوياً لفلسفة تعاليم نهضتنا، وهو كان يسير نحو هذه الغاية إلى أن كان انقلابه الفجائي الأخير.
النتيجة: تقول في تقريرك عن منفّذ أميركانية إنّ الرفيق فخري معلوف يبرر جموده وقعوده عن العمل القومي الاجتماعي بقوله إن الزعيم "لم يعطه أي جواب واضح" على استقالته من مسؤولياته وطلبه إطلاقه من قسَمه. وقوله ذاك غير صحيح، فجوابي إليه كان واضحاً صريحاً واستغرق عدة صفحات أظهرت له فيه كم في الحزب السوري القومي الاجتماعي من الاحترام والضمان لحرية الاعتقاد والتساهل تجاه أي اعتقاد أو مذهب فلسفي لا يرمي إلى بثّ روح الشقاق وإثارة النعرات والقضاء على معنى الأمة. وبعد أن بيّنت له ما وقع فيه من المتناقضات المنطقية قلت له: "لذلك، وبحصر القضية ضمن دائرة الحق العام وحقوق عضوية الدولة لنا نحن السوريين القوميين الاجتماعيين، لا أرى في ما ابديتموه وجهاً صحيحاً لبناء طلب استعفائكم من المهمات المسندة إليكم في الحزب عليه، ولالتماس إطلاقكم من قَسَمكم الحزبي الذي لا يقيد حرية اعتقادكم الوجداني وحرية الجهر به ولا يمنعكم من ممارسته بأي شكل خاص أو عام، وأرفض طلبكم والتماسكم" ثم إني في فقرة تالية أظهرت له أنه إذا أصرّ على موقفه كان ذلك مؤسفاً جداً.
إنّ الوضوح في موقف الزعيم من سلوكه الأخير واستعفائه وطلب الانفلات من قسَمه، من الوجهة الحزبية، واضح. أما من الوجهة الشخصية فلا رغبة لي الآن في التحول عن موضوع التعاليم القومية الاجتماعية وقضايا الأمة الاجتماعية – الاقتصادية – السياسية إلى مواضيع اللاهوت والمذاهب الدينية، وكيف انّ الله سابق للوجود وماهية الله وصفاته وبأية طريقة أوجد الله الوجود حسب قول الدين الاصطلاحي وهل حقيقة أنّ المسيح إبن الله أم أنّ محمداً هو نور الله الممتاز على المسيح وباقي الرسل وهل الله واحد بلا أقانيم ثلاثة أم أنه أقانيم ثلاثة أو غير ذلك وأقلّ من ذلك كله رغبتي في مناقشة من يريد محاسبتي على ما أعتقدُ في الله والوجود والكون والنفس والروح والمادة اما الذى يبغي الحقيقة في المباحثة معي في هذه القضايا فله سبيل غير هذا السبيل الذي سلكه فخري معلوف وعليه أن يطمئن إلى رغبتي وارتياحي وينال موافقتي ويتقيد بالوقت الذي أعيّنه. وأما الذي يريد مناظرتي في ما أكتب أو أقول فله باب الكتابة العلنية او الخطابة فيستفيد الناس من قراءة الأبحاث وسماع الأقوال.
وأما قول فخري عن الزعيم أنه "ملحد" فهواستنتاج أرعن، فضلاً عن أنه خيانة لمبدأ القومية الذي لا يجيز الطعن في أحد من أبناء الأمة الواحدة بسبب اعتقاده الخاص. يستند فخري معلوف، لرمي الزعيم بالإلحاد، إلى كتاب نشوء الأمم وبعض تعابيره العلمية المخالفة لمقررات التوارة في الوجود الانساني ونشوء النوع البشري. وهذا الاستناد باطل لأنه يمكن المرء أن يكون مسلِّماً بحقائق المدرسة العلمية وأن يحتفظ لنفسه برأي خاص في تعليل الوجود ومصدره ومصيره. وفخري معلوف نفسه يصح أن يُرمى الآن، بعد إعلان حماسه للمذهب الكاثوليكي، بتهمة الإلحاد، حين يعلّم في المدرسة أنّ الأرض تدور حول الشمس، لا الشمس حول الأرض وان ايقاف يشوع بن نون الاسرائيلي الشمس ومنعه إياها عن المغيب إلى أن يكون قد تم انتصار بني اسرائيل على المدينة الكنعانية التي جاؤوا يعتدون عليها هو خرافة لا تصدق مهما كان المرء مؤمناً بالخوارق "وبقداسة التوراة"، حتى ولا حين يقال إنّ ابن نون أوقف الأرض عن الدوران وعبّر الكاتب عن ذلك بالقول بإيقاف الشمس عن دورانها. والحقيقة أنّ ابن نون لم يوقف الشمس ولا القمر ولا الأرض وإنّ حكمة الله يمكن أن تسير في الأرض من غير حاجة إلى هذه الخوارق الشاذة. ونفي إيقاف ابن نون الشمس أو الأرض عن دورانها لا يلزم النافي الالحاد وكذلك لا يلزم أن يكون "ملحداً" من لا يوافق على أنّ وجود الإنسان حدث بخلق فرد ذكر سُمّي آدم وتكوين فرد انثى أخذ من ضلع لآدم في سباته وسُمِّي حواء. ومهما يكن من الأمر فالزعيم لم يؤلف كتابه نشوء الأمم لمعالجة القضايا الفلسفية الدينية وإعلان حكمه أو رأيه الأخير فيها. فكل محاولة لتعيين رأي الزعيم الأخير في قضية الوجود والعدم وفروعها بقصد خاص وبالاستناد إلى بعض تعابيره وآرائه واستنتاجاته في قضايا ومسائل أخرى هي محاولة مغرضة وتحامل منكر. وقول فخري معلوف أنه لن ينتج خير من قيادة لا تقوم على المسيح يدل دلالة واضحة على سفول الدرك الذي انحط إليه تفكيره ومنطقه في شؤون الاجتماع والسياسة. وبالاستناد إلى هذه النتيجة لا بد من التسليم بأنّ وجهة فخري معلوف في بحثه القضية الدينية هي أحط كثيراً من المستوى الفلسفي الراقي للفكر المنطلق من قيود الاصطلاح، فلا يُستغرب أن تنشأ الشكوك في نفوس كثيرين في صدد الدوافع أو العوامل الحقيقية لانقلابه من دارس ومفكر في مسائل الاجتماع الإنساني الكبرى إلى "مؤمن" متحزب لبعض العقائد والمذاهب الاصطلاحية، يريد تقرير شؤون الإنسان الاجتماعية والسياسية والنفسية بالإيمان بالافتراضات الدينية الاصطلاحية التي يسميها "حقائق" وبإحلال الإيمان محل العقل والعلم والبرهان. وليس غريياً أن ينظر كثيرون بعين الشك و الاستخفاف والاستهزاء بمن يحاول اليوم على مستوى هذا العصر العلمي، شفاء المجانين بطرد "الأرواح الشريرة" منهم بقوة الايمان كما فعل المسيح في الإنجيل، لأنّ العقل العمومي اليوم يعلم بالاختبارات الطويلة أنه إذا كان لمجنون شفاء فلن يكون ذلك بعرضه على قداسة البابا أو على ناسك متعبد، بل بوضعه تحت عناية طبيب عالم بالأمراض النفسية وأسبابها، قادر على معرفة ما هو قابل الشفاء منها وما هو غير قابل الشفاء، سواء أكان هذا الطبيب مؤمناً بإله إسرائيل أم بغيره أو غير مؤمن، أو، على الأقل، بصرف النظر عن اعتقاد ‎‏الطببب الخاص في قضايا الغيب وفي قيمة "الكتاب المقدس" أو "الكتب المقدسة" من حيث العلم ومن حيث الدين.
وقد كان يمكن فخري معلوف أن يسمو بإيمانه الديني بالله عن الاعتبارات والنزعات الحزبية لأحد المذاهب وعن خصوصيات ذاك المذهب التي ليست من أصول الدين أو الايمان وعن المصاحبات السياسية والغايات الزمنية لذلك المذهب. وهو لو فعل ذلك، ولو قصر إيمانه بالمذهب الكاثوليكي على ما يتعلق بخلاص الأنفس وما هو من شؤون الدين البحت حسب الطقس الكاثوليكى، لما كان استحق غير استمرار المحبة والاحترام من الجميع أمّا وقد مزج الفلسفة الدينية بخصوصيات أحد المذاهب المسيحية ‎‏واتخذ موقفاً حزبيًّا بالاعتقاد بصحة المذهب الكاثوليكي وحده وبصحة التفسير المسيحي المصطلح لله واقانيمه دون غيره، الذي معناه العودة إلى نزاع المذاهب الدينية وتمزيق الأمة السورية وكل مجتهد قومي متمدن في العالم كله إلى أحزاب دينية متنافرة، متطاحنة، فهو قد خرج خروجاً كليًّا على مبادئنا القومية الاجتماعية الأساسية والإصلاحية وأصبح في موقف من يصح توجيه تهمة الخيانة الكبرى إليه بصفة كونه مدركاً للعقيدة القومية الاجتماعية وشروطها، عارفا بالمسؤوليات المترتبة على الانقلاب عليها والعمل بضدها. وقد حاولت جهدي، وما مكنتني منه ظروفي الخصوصية الحاضرة، ان أردّه عن هذا التهور وهذا الشذوذ ولكن لم يمكن أن يكون تأثيري في تفكيره مستمرًّا، فاستفاق بعد جوابي الأول إليه في قضيته استفاقة قصيرة ووعد بالتغلب على الصعوبات العارضة بشجاعة وصبر، ولكن لم يطل الوقت حتى عاد إلى غيبوبته وذهوله تحت تأثير عوامل بيئته وحياته الاجتماعية ‏والروحية الحاضرين وكانت النتيجة كتابه الاستعفائي – الانسحابي الذي زج به نفسه في مأزق لا أرى له غير مخرج واحد، إلا إذا رجع عن موقفه وكتابه المذكور رجوعاً كليًّا واضحاً صريحاً. وإني لم أشرع في وضع قضية فخري معلوف، من وجهة النظام والعقيدة والحقوق القومية، موضع البتّ لأني أردت أن أعطيه فرصة كافية لمراجعة نفسه لعل ما أصابه من ضعف الفكر عارض يزول بزوال أسبابه التي قد تكون عارضة.
ولكن ذلك لا يعني وجوب التساهل في ما يعنيه موقف فخري معلوف الأخير ولا يعني إغفال ما يعنيه التساهل في حقوق العقيدة السورية القومية الاجتماعية ونظام نهضتنا تجاه انقلابه الصريح وما يجرّه من ضرر في الروحية والمعنويات. ولذلك أطلب منك، أيها الرفيق العزير أن تعي جيداً توجيهاتي إليك في كتابي السابق وأن تحاذر التساهل في ما يطلبه ايماننا القومي الاجتماعى منا من صلابة العقيدة وقوة النفس، وما يطلبه نظامنا من سلوكية واضحة لا غبار عليها، ومن جعل العقيدة القومية الاجتماعية فوق الافراد في المعنى والمنزلة وواجب الاحترام. ولي قول جعلته عنوان أحد مقالات الزوبعة المنشور وهو: "العقيدة أقوى من الأفراد" فتمعن به ولا تنس، يا رفيقي، أن عيون الضعفاء حولنا مفتحة ومراقبة لنقل أي ضعف قد تراه فينا إلى أصحابها ليهووا مع الضعف إلى الحضيض.
إنّ قضية فخري معلوف دقيقة وخطرة جدًّا، فلا يجوز النظر إليها ضمن حدود العلاقة الشخصية، وبقدر ما أحببناه. شخصيًّا لمواهبه العقلية، قبل أن يسلب منها مبلغاً من قوتها، ولحسن عقيدته القومية الاجتماعية وحسن سلوكيته في النهضة وجودة تهذيبه، لا نريده أن يكون ذلك الذي يمكن أن تأتي من قبله الشكوك والعثرات. فإننا أعطيناه فرصة ليعود إلى الادراك الصحيح والتمييز بين ما هو من شؤون العقيدة القومية الاجتماعية وما هو من خصائص العقائد الغيبية المختصة بما وراء المادة بالمنطق البحت المجرد عن الواقع والاختيار. ولكن هده الفرصة يجب أن لا تجري على حساب العقيدة القومية الاجتماعية وحركتها، بل على حساب من تختص به هذه الفرصة ومن هي لفائدته، ولإيضاح المسألة أكثر أقول: إنّ فخري معلوف في نظر المنظمة السورية القومية الاجتماعية. هو في حكم المنقلب على المبادئ القومية الاجتماعية والحانث بيمينه لها، ومهما كانت أهمية القضايا الفلسفية أو الروحية التي يشفع بها انقلابه فلا مبرر له مطلقاً من الوجهة الحقوقية والنظامية، لأنه إذا صح أنّ انقلابه ناتج عن تولّد عقيدة دينية قوية فيه، فهو يعني أنه لا يريد أن يسلّم بحرّية الاعتقاد لغيره من أبناء قومه ولا يحترم اعتقاداتهم وأنه يريد إثارة حرب العقائد الدينية لمجرّد أنه اعتنق مؤخراً مذهبياً دينيًّا معيناً، وأنه يحارب إنشاء دولة لا تقوم على الكنيسة الموحدة نحت رئاسة البابا المعصوم عن الغلط، وأنه يرى لزاماً على أبناء قومه أن يروا صحيحاً المذهب الذي يراه هو صحيحاً، فإذا اعتنق اليوم الكاثوليكية يجب على الجميع أن يصيروا كاثوليكيين، وإذا عاد أو صار غداً بروتستانتيًّا وجب عليهم أن يروا البروتستانتية المذهب الوحيد الصالح، وإذا لم يكن هو متديناً فلا بأس أن لا يهتموا بالدين ولكن إذا صار هو متديناً فالويل لهم إذا ظلوا في عدم اكتراثهم للدين لأنهم حينئذٍ يكونون ‎ ‏‏ملحدين ومصيرهم إلى النار وفي سعيرها يخلدون!
‏لو أنّ فخري معلوف إقتصر على بلوغ عقيدة يطمئن فيها إلى خلود نفسه وأنفس أهله وأحب إبلاغ هذه العقيدة إلى رفقائه وأصدقائه وجمع أبناء قومه، مع المحافظة على احترام عقائد الآخرين في هذه الأمور، وعلى الاشتراك معهم في وحدة الحقوق والواجبات القومية، لوجد أنه لا خلاف مطلقاً بين أن يكون المرء محمديًّا أو مسيحيًّا في الدين أو غير صاحب رسول خاص أو دعوة خاصة في الدين وأن يكون قوميًّا اجتماعيًّا في الدنيا. ولكنه هو لا يقتصر في موقفه الجديد على ذلك ولذلك فهو يخرق مبدأ المساواة في الحقوق وحرية الاعتقاد وحرية إبداء الرأي.
ولما كان الأمر كذلك فإن موقف المنظمة السورية القومية الاجتماعية من حالة فخري معلوف بشذوذه وانقلابه على مبادىء حياة الأمة السورية والدولة السورية، يجب‎ ‏أن يكون واضحاً وخالياً من التساهل المضعّف للعقيدة والنظام. وإذا كان لا يزال حين بلوغ هده الرسالة إليك، مصرًّا على انقلابه أو غير مصمم على سحب استعفائه وطلب إطلاقه من ‎‏قَسَمه وعلى طرح الأسباب التي بنى عليها الاستعفاء وطلب الانطلاق من القَسَم جانباً، فلا بد حينئذٍ من تنفيذ المرسوم الاداري المرافق لهذا الكتاب ومن العمل بالتعليمات التالية:
1 – يعامل الرفيق فخري معلوف معاملة الشاذ عن العقيدة السورية القومية الاجتماعية الموقف عن ممارسة حقوق عضوية الحزب السوري القومي الاجتماعي، وهذا يعني: أنه لا يعاشر من قبل أحد من السوريين القوميين الاجتماعيين معاشرة الصديق أو الرفيق، لأنه لا تجوز الرفقة ولا الصداقة مع من يخون عقيدة أوجدت كيان الأمة في مجتمع صحيح موحدة الحياة والإرادة والمصير، وضمنت لجميع أفراد المتحد وأعضاء الدولة القومية الاجتماعية حرية الاعتقاد الخارج عن حد العقيدة القومية الاجتماعية وحرية الضمير والجهر بالمعتقدات، بشرط المحافظة على وحدة الأمة والدولة وعلى النظام الذي به تتم إرادة الأمة وغرض الدولة، وحرية العمل الاجتماعي لممارسة طقوس المعتقدات المتعلقة بما وراء المادة بشرط أن تلزم هذه الأعمال حدودها الغيبية ولا يكون غبار على أنها لا تتعدى تلك الحدود إلى ما هو من شؤون الدولة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والحقوقية والقضائية، و إلى القول بحرمان أعضاء الدولة وافراد المجتمع الذين هم من معتقد مخالف، من حقوقهم المدنية والسياسية، و إلى محاولة فرض أشكال سياسية خصوصية للدولة وشروط خصوصية لنظامها السياسي.
وإنه لا يباحث من قبل الأعضاء في ما صار يعتقده من وجوب امتحان شؤون الدولة السورية القومية الاجتماعية بالدين وامتحان أهلية أعضائها لتولي مسؤولياتها بالإيمان، ولا يؤبه لما يقول به من هذا الوجه ويشعر بعدم الاكتراث لهذه الناحية من إيمانه المذهبي الحزبي.
1 – تحارب في المجتمع الفكرة الدينية الحزبية التي يريد بثّها واقواله الرامية إلى الطعن في شخصية الزعيم برميه "بالإلحاد" رمياً لا مبرر له غير الحزبية الدينية العمياء الجديدة التي انقلب بسببها على المبادئ القومية الاجتماعية التي تقوم عليها نهضة الأمة.
3 – يقاطع فخري معلوف اجتماعيًّا وفكريًّا كل المقاطعة ما دام يصرّ على فرض خصوصيات المذهب الذي يعتنقه على شؤون العقيدة القومية الاجتماعية وعلى ضمائر السوريين القوميين الاجتماعيين الذين لهم اعتقادات أخرى وعلى النظام السوري القومي الاجتماعي ولا يعلن نبذه ما قال به في هذا الصدد.
4 - تعميم هذه التعليمات على جميع اللسوريين القوميين الاجتماعيين بتبليغها رسميًّا لمديرية "الإسكندرونة" ولجميع الرفقاء المنتشرين في أميركانية واعتبارك أنت مكلفاً بذلك.
5 - أكلفك نقل وصف قضية فخري معلوف الذي شرحته لك وهذه التعليمات ونص المرسوم الإداري المرافق لهذا الكتاب إلى المجلس الأعلى في الوطن.
6 – أكلفك القيام، في مدة أسبوع كامل من تاريخ وصول هذا الكتاب إليك وإمكانية التنفيذ، بمحاولة أخيرة لإقناع فخري معلوف بفساد موقفه المبني على فساد نظرته القائلة بإعطاء ما لقيصر لله وما لله لقيصر وتكون هذه المرة مهلة لتنفيذ المرسوم والتعليمات. وهذه المحاولة يجب أن تتقيد بما يلي:
أ – حصر البحث في حقوق عضوية الدولة وتساوي جميع الأعضاء في هذه الحقوق.
ب – في كون حرية الرأي والاعتقاد مبدأ عامًّا لا يمكن حرمان أحد منه إلا الذي
‏يستخدمه لإفساد الأخلاق وإلقاء الشقاق وإثارة العداوات بين أبناء الأمة.‎
‏ج - في عدم لزوم أي اعتقاد للزعيم أو لرئيس الدولة غير الاعتقاد القومي
‏الاجتماعي الذي عليه نشأ الحزب السوري القومي الاجتماعي وبه نهضت الأمة السورية.‎
‏د - في أنّ الإيمان الديني يمتحن به الإنسان في دينه لا في قوميته.
‏هـ - في أنّ الأمة والدولة وشؤونهما السياسية والإدارية والاقتصادية والحربية
‏والحقوقية والقضائية ليست من شؤون الدين.
‏و - في أنّ جميع القضايا المتعلقة بالإيمان الديني وإرادة الله لها محكمة عليها أخيرة ‏هي الحساب يوم الدينونة فيجب ترك حكم الله لله "ولا تدينوا لكي لا تدانوا". (متى 7:1)
‏ويمكن التوسع قليلاً حول هذه القضايا فيظهر لفخري معلوف كم هي واسعة حكمة الله وعميقة حتى أنه قد يرسل "ملحداً" لإنقاذ ملايين المؤمنين وأنه هو، الذي منح فخري معلوف الأيمان سنة 1939 أو سنة 1945 قادر أن يمنح أنطون سعاده الإيمان عينه سنة 1949 أو 1955 ويمنح غسان التويني هذا الإيمان سنة 1947 أو سنة 1957 أو أي وقت شاء فيجب ترك ذلك لحكمة الله وترك قضايا الدولة للدولة. ولا مانع من أن يسعى معلوف، ضمن شروط العقيدة السورية القومية الاجتماعية، لاكتساب الزعيم وغيره إلى الإيمان الكاثوليكي متذرعاً بروح الرفقة والمحبة ومتدرعاً بالصبر والصلاة، وكم يكون أجره عند الله عظيماً إذا نجح مسعاه. ألم يكن بولس في بدء صلته بالمسيحية مضطهداً ‎‏للمسيحيين ثم في ساعة اختارها الله حلّت عليه نعمة الإيمان وصار أقوى الرسل حجة ومؤسس الكنيسة المسيحية العملي؟ وأين شاوول المضطهد للمسيحيين من أنطون سعادة القائل بتأمينهم على معتقداتهم واحترام عقائدهم، الرافع بمبادئه عنهم اضطهاد الجماعات الأخرى لمعتقداتهم، واحترام عقائدهم، الرافع بمبادئه عنهم اضطهاد الجماعات الأخرى لمعتقداتهم، الموجد مبدأ المحبة والوئام القوميين لتسهيل تفاعل الأفكار والعقائد ضمن ضمن وحدة الأمة وسيادتها؟ أوليس الأحرى أن يسأل المؤمنون الغفران لخطاياه والخلاص لنفسه من أن يرموه "بالإلحاد" وينشئوا لأنفسهم "زعامة" جديدة من "زعامات" المعارضة الدينية للرسالة القومية الاجتماعية؟
القصد من كل هذا التوسع أن يرى فخري معلوف أنه يسير ضد المبادئ القومية الاجتماعية وضد قواعد دينية مقررة، بإثارته خلافاً لا مبرر له ولا داعي إليه بين العقيدة القومية الاجتماعية، التي لم تتعرض للدين وعقائده، والعقائد الدينية التي غرضها خلود النفوس بعد ارتحالها عن هذه الدنيا في مقامين مختلفين: مقام النعيم ومقام الجحيم، فمن أراد النعيم ابتدأ ممارسة الايمان الذي يعتقد أنه يوصله إليه وهو بعد في هذه الدنيا فيهيّئ بهذه الطريقة خلوده في النعيم، ومن أراد الجحيم ابتدأ يمارس المعاصي والكفر، فلا المؤمنون يذهبون إلى الجحيم بكفر الكافرين، ولا الكافرون يذهبون إلى النعيم بإيمان المؤمنين. وأما الذين لم يؤمنوا ولم يكفروا فالبعض يقولون إنهم يذهبون إلى النعيم، والبعض يقولون إنهم يذهبون إلى الجحيم، والبعض يقولون إن حساب الله يقرر مصير كل واحد منهم حسب أعماله إن خيراً فخيراً وإن شرًّا فشرًّا. وما دام الحساب بيد الله فلنخفف قليلاً من غلوائنا، فلعل الله يريد أمراً على غير ما يراه عباده. فلعل قوى فخري معلوف العاقلة تتنبه من الحماس والتعصب الأعمى للمذهب الذي اعتنقه إلى قضايا ومسائل جوهرية ولا يجوز إغفالها فيدرك أنه تطوّح تطوّحاً بعيداً، فإن رأى ذلك وارتدّ عن خطأه معترفاً به فقد أنقذ شخصيته ومركزه في النهضة القومية الاجتماعية. وإذا لم يرجع عن تهوّره فلا بد للمنظمة السورية القومية الاجتماعية من إصدار حكمها في خروجه على مبادئها وانقلابه عليها وحنثه بيمينه لها. إنّ الزعيم قد أعطى فخري معلوف جواباً واضحاً على استقالته من‎ ‏ مسؤولياته وطلب الحل من قَسَمه، فيبقى على فخري معلوف نفسه أن يعطي جواباً واضحاً للمنظمة السورية القومية الاجتماعية. المرتبط هو بعهود ومواثيق، عن النهج الذي يصمم على نهجه تجاهها، وبعد ذلك تعطي المنظمة حكمها الأخير فيه وفي انقلابه أو عودته.
إذا رجع فخري معلوف عن ضلال الهوس المذهبي المستولي عليه فلا يذاع المرسوم والتعليمات المتعلقة به وبحالة شذوذه، وإذا أبى إلا التمادي فيجب إذاعة المرسوم والتعليمات المدوّنة في هذا الكتاب في الحال. وفي كل حال يجب إخباري سريات بنتيجة المحاولة لاتخاذ ما يلزم من التدابير الضرورية. ولتحيى سورية.

 

أنطون سعاده

__________________

- الأعمال الكاملة بأغلبها عن النسخة التي نشرتها "مؤسسة سعاده".
- الترجمات إلى الأنكليزية للدكتور عادل بشارة، حصلنا عليها عبر الأنترنت.
- عدد من الدراسات والمقالات حصلنا عليها من الأنترنت.
- هناك عدد من المقالات والدراسات كتبت خصيصاً للموقع.