إلى الأب بولس مسعد

2/8/1946
إلى حضرة الرفيق الأب بولس مسعد
القاهرة – مصر


أيها الرفيق العزيز والأب المحترم
كان سروري كبيراً بورود خبر انضمامك الفعلي إلى صفوف حركتنا السورية القومية ‏الاجتماعية بعد أن كنت منضماً إليها في العقيدة والفكر. وإني لا اًزال اًذكر نداءك الصريح القوي في العاصفة الذي كان حقه أن يلاقي أسماعاً مصغية وأفهاماً واعية. وكم كنت متاسفاً، في ذلك الحين، على عدم حصول اتصال شخصي وثيق بيني وبينك، كما كنت أتوقع وأرغب، وعلى انتدابك وسفرك إلى مصر قبل ان تقوّى المعرفة ويتوثق التفاهم بيننا. فقد كنت أشعر، منذ قراءتي نداءك فى العاصفة، وطبعك كتابك فى ابن سيناء أنّ قضايا هامّة من تخطيطي السياسي - الاجتماعي لحياتنا القومية التي بعثته نهضتنا توجب أن يطلع عليها وبعضها مفكر نابه في مثل وظيفتك ومركزك، وكما اعتقد، مما وقفت عليه من حيويتك ووعيك ونشاطك الروحي، أنك أهل له، خصوصاً بعد اتضاح تحلّيك بمتانة العقيدة والخلق ومتابعة الغرض الأسمى الواضح بانضمامك النهائي إلى الحزب بعد جميع الزعازع السياسية التي هبّت على قضايا الأمم السياسية. وعلى قضيتنا القومية - السياسية بنوع خاص.
بهذا الشعور وبهذه الرغبة، أرسلت، بُعيد وقوفي على خبر انضمامك السارّ، أهنئك، في كتاب أرسلته إلى الرفيق أسد الأشقر باتخاذك هذه الخطوة الفاصلة التي أتوقع، من ورائها، أعمالاً مفيدة لتحقيق غابتنا الكبرى. وقد تسلمت من الرفيق أسد الأشقر كتاب خلواً من التاريخ ولكن روسم البريد يظهر تاريخ 18 يونيو/حزيران الماضي، وليس في هذا الكتاب أية إشارة إلى أنّ تهنئتي إياك قد وصلت إليك. والظاهر أنّ شدة انشغال الرفيق الأشقر بسياسة الحزب العملية وكيفية توجيهها لتوافق الحالة الجديدة العارضة بعد الحرب جعله ينسى تاريخ كتابه وبعض الواجبات الضرورية. إني أعرف مزاج الرفيق أسد الأشقر العصبي وشدة اندفاعه في مجرى الأفكار والآراء اللامعة، وهما صفتان من أحسن الصفات المؤهلة للكتابات الإذاعية، ولكن التخطيط السياسي هو عمل دقيق جدًّا لا يمكن بلوغ أحسن النجاح فيه بواسطة الأفكار اللامعة.
يخبرني الرفيق أسد الأشقر، في كتابه، عما قام به من الأعمال الحزبية في الوطن من حين عودته إليه، وينتقد في أثناء استعراضه ما فهمهه أو استنتجه من بعض مواقف الحزب السياسية وطريقة أفراده العقائديين، ويصل إلى الافتراض والاستنتاج التاليين: "لو كان الزعيم أسس في لبنان 1932 "حزب الإصلاح اللبناني" وفي سورية (يعني منطقة الشام) "حزب الإصلاح السوري" وسيّر الحزبين في انسجام واتجاه متوافقين ماذا كان حدث؟
أجيب نفسي – كان الزعيم اليوم زعيم لبنان بدون منازع، وكان الزعيم اليوم موجّه السياسة العربية العامة في "جامعة الدول العربي". هذا كلامه ومنه يلوح أنّ الرفيق الأشقر يظن أو يعتقد أن مثل هذه الافتراضات البسيطة في السياسات الصغرى لم يخطر في بال ولم أتنبه له من قبل ولذلك لم ألجأ إلى العمل بوجه منه.
أعتقد أنّ الموقف الحاضر، يتطلب أكثر من كل موقف آخر، التروي والتأني والحزم الشديد والمحافظة على وحدة العقيدة والاتجاه. فالامور ليس من البساطة بقدر (...) المدة القصيرة جداً، لي في البرازيل والارجنتين، كانت في ظروف انحطاط عام شديد فى قواي العصبية المستهلكة في المعارك السابقة وفي شوؤن من ظروف الرحلة لم تمكني من توجيهه في القضايا القومية والسياسية. النظرية والعملية، ولا من الإدلاء بشيء من تفكيره السياسي في القضية السورية القومية الاجتماعية وفروعها، فظل تفكيره في هذه الأمور على سجيته غير مثقف بقواعدنا القومية الاجتماعية للفكر السياسي، وآسف بالأكثر لأني أجد فيه الأهلية لهذه الثقافة ومواهب ذكاء وتنبه وملاحظة جديرة بتوسع المعرفة والتعمق في الفهم. لم ينفسح لي المجال لإعطاء جواب على كتابه ولكني سأكتب إليه قريباً جدًّا. وإني أطلعك، عائليًّا، على هذه المسائل لكي تتمعن فيها بفهمك وتعالج ما يعرض منها من الأحاديث بين الرفقاء بمعرفة، إذا عرض شيء منها.
أكرر تهنتني وترحيبي بك وأرجو أن تكون موفقاً فى أعمالك ومساعيك.
سلامي القومي لك وللرفقاء حولك. ولتحيى سورية.
بعد: أخبار المركز منقطعة عني منذ نحو شهرين. فيحسن إخبار مكتب عبر الحدود ليخبر المجلس الأعلى وليأخذ هو علماً بذلك.
في 3 – 8 – 46. اليوم تسلمت برقية من مكتب عبر الحدود واليوم أكتب رسالة إليهم ولكن يجب إخبارهم بما تقدم.

أنطون سعاده

__________________

- الأعمال الكاملة بأغلبها عن النسخة التي نشرتها "مؤسسة سعاده".
- الترجمات إلى الأنكليزية للدكتور عادل بشارة، حصلنا عليها عبر الأنترنت.
- عدد من الدراسات والمقالات حصلنا عليها من الأنترنت.
- هناك عدد من المقالات والدراسات كتبت خصيصاً للموقع.