26/10/1946
إلى حضرة المنفّذ العام لمنفذية بوينس آيرس
حضرة المنفّذ العام المحترم،
تسلّمت كتابكم المؤرخ في 19 أكتوبر/ تشرين الأول الحاضر. وإليكم جوابي وملاحظاتي على ما ورد فيه من المسائل:
سفر الزعيم إلى بوينس ايرس: قد تم بيع المحل التجاري نقداً في الخامس عشر من هذا الشهر ولكن بقيت علاقات يجب تصفيتها، منها أنّ الشاري لم يتبق بضاعة الألعاب فبقي أنّ نصرفّها، ومنها أنّ الشاري لم يشأ حمل حسابات المديونين فيجب أن أحصّل الديون التي بقيت على عدد من تجار داخلية الولاية والمدينة، ومنها معاونة الشاري على معرفة البضاعة والزبائن، ومنها مخابرة الدائنين القلائل للقبول بالبيع وبتعهد الشاري بحمل ديون الدائنين.
بناءً عليه يترجح انتقال الزعيم نهائيًّا إلى بوينُس آيرس نحو أوآخر نوفمبر/تشرين الثاني القادم ويحتمل أن أذهب إلى بوينُس آيرس قبل هذا الموعد بصحبة الرجل الذي اشترى المحل لأعرّفه إلى المحلات وأساعده على شراء بضائع لازمة لمحله، ولكني قد رجحت بعض النجاج في حمله على تأجيل السفر إلى الشهر القادم، فلعلي أصفّي الديون التي لي وأنتقل نهائيًّا.
في هذا الصدد وعودة الزعيم إلى الوطن يوجد مسألة بيتية احب أن أعرف رأي ذوي الاختبار والنظر فيها هي مسألة الأثاث الذي يلوح لي أنه يحسن أن أشحنه إلى الوطن نظراً لجودة خشبه الفلندي وتحاشياً لبيعه بأي ثمن كان. فأحب أن أعرف كم هي أجرت الشحن والمدة التي يستغرقها في الطريق.
ثمن الورق للعدد القادم يجب أن يدفع من العائداًت الحزبية وإذا أطلبه باسمي. فإنّ توقف أعمالي التجارية لا يسمح لي بالإنفاق من جيبي بعد الآن، وليس للجريدة إيرادات في هذا الوقت لسد أية نفقة.
اللجنة العربية للدفاع عن فلسطين: عندما صدرت في صحف هذه البلاد أخبار تقدّم بعض النواب إلى مجلس النيابة بمشروع توصية السلطة التنفيذية بالإشارة إلى ممثل الأرجنتين في مؤتمر جمعية الأمم المتحدة أن يؤيد وعد بلفور ومطاليب اليهود وادعاءاتهم في فلسطين، تألمت جدًّا من جمود النزالة السورية في هذه البلاد تجاه هذه المسائل الخطرة ومن غفلتها ومن الحالة التي أوجدها لي بعض السفلة الذين كانوا انضموا إلى حركتنا ولم يغيّروا شيئاً من مثالبهم. وكنت أريد أن أخابركم في صدد هذه المسألة وأعطيكم التوجهيات للعمل فحال دون ذلك ما كنت فيه من عملية بيع المحل وما صاحب ذلك من أعمال مرسحية هي آخر أعمال المدعو محمد إبراهيم الكردي، صاحب "الا ختراعات" الاحتيالية الذي كان قدّمه إليّ المدعو جبران مسّوح وعرّفه بأنه "من الذين اشتغلوا بسياسة هذه البلاد" وبأنه "من أركان القضية القومية في توكومان". وهو في الحقيقة لم يكن سوى صاحب سوابق سيئة وكانت تستعمله بعض الأحزاب في أعمال الاعتداء على آلأفراد وغير ذلك من الشؤون البعيدة كل البعد عن "الاشتغال بسياسة هذه البلاد". فلما كانت دعوى "تعويض العطل والضرر" التي أقامها عليّ بالباطل الشخص المذكور قد صارت تحت الحكم، انتهز المحتال المذكور فرصة صدور إعلان عرض المحل للبيع في إحدى الصحف وتقدّم إلى المحكمة طالباً إجراء "الحجز الاحتياطي" على المحل. ومع أنّ لا مستند حقيقي لقبول هذا الطلب فإن القاضي الجديد، الحديث الخبرة، أجاز الحجز الذي أجري على الرفوف والمستعرضات أولاً. فطلب الكردي تمديده إلى البضائع فأوقفت ذلك وتابعت عملية البيع لأني كنت موقناً ببطلان دعوى المذكور. وبعد أيام قليلة من إجراء الحجز المذكور صدر حكم محكمة البداية فإذا هو يردّ دعوى الكردي مع تغريمه ويبرىء ساحتي من كل ما حاول ذاك الأثيم أن ينسبه إلي. وعلى الأثر أجريت عملية رفع الحجز.
هذه المعركة المزدوجة كانت جارية حين ظهرت مسألة مشروع تكليف ممثل الأرجنتين في جمعية الأمم المتحدة تأييد الدعوى الصهيونية في مؤتمر تلك الجمعية فلم يكن لي وقت للسعي والكتابة في هذا الموضوع. وقد سررت الآن لأنكم تحركتم في بوينس ايرس ولأن عناصر أخرى في النزالة تحركت لفعل شيء يقاوم الدعاوة الصهيونية لدى الحكومة الأرجنتينية. ولكن لا بد لي من إبداء أسفي للطريقة التي جرت بها الحركة وللموقف الثنوي الذي يقفه الحزب السوري للمرّة الثانية بواسطة منفذية بوينُس آيرس التي لم تشأ هذه المرّة "إزعاج" الزعيم بطلب توجيهات في صدد العمل السياسي الذي تقصد القيام به.
إنّ المنفذية لا تزال تتبع قاعدة غير صحيحة بوجوب دعوة النزال عموماً أو جميع جمعياتها للاشتراك في كل موقف وكل عمل وكل مشروع وكل فعلة. وكانت المنفذية ولا تزال تتساهل، من أجل تحقيق هذه الفكرة غير اللازمة حتماً بموقف الحزب ودعوته ومنزلته.
إنّ مسألة تقديم مذكرة إلى مجلس النواب الأرجنتيني و إلى حكومة هذه البلاد تختلف بطبيعتها عن مسألة جمع تبرعات لمساعدة حركة التحرر من السيادة الفرنسية. فليس من الضروري أن تتألف هيئة من جميع جمعيات النزالة الدينية والاجتماعية والتعاونية لتضع مذكرة كالتي نحن في صددها. ولمّا كانت هنالك قضية مبدأية واضحة، للحزب السوري القومي الاجتماعي موقف صريح فيها، فإنها لمسؤولية خطيرة جدًّا التخلّي عن موقف الحزب ووجهة قضيته من أجل كسب تعاون بعض فئات يمكن الحزب أنّ يستغني بالكلّية عن تعاونها في هذا الموقف.
إنّ قضية فلسطين في تعاليم نهضتنا القومية الاجتماعية هي قضية سورية بحتة لأنها جزء من الوطن السوري والأمة السورية. وإذا كانت بعض الفئات الفلسطينية تسمّي الفلسطينيين السوريين "عرباً" لأسباب هي في الغالب دينية ومن نتائج مزج الدين بالسياسة والدولة، فلا يعني ذلك وجوب تخلي الحزب السوري القومي الاجتماعي عن مبادئه الأساسية الصحيحة وقبول هذه التسمية التي معناها سيطرة الوجهة الدينية في المسائل القومية والتي يعني قبول الحزب لها تخلّيه عن صبغته القومية الأساسية.
إنّ موقف فروع الحزب السوري القومي الاجتماعي في المسائل السياسية والقومية لا يمكن أن يكون في حالة موقف الجمعيات المحلية التي ليس لها في أساسها غرض قومي أو سياسي واضح، فيجب على هذه الفروع أن لا تُغفل أنها فروع من حزب يحمل رسالة قومية اجتماعية واضحة يجب إعلانها وتثبيتها والمناداة بها في كل مكان وكل مناسبة.
ولكي لا أطيل الشرح الآن ألخّص ملاحظاتي في ما يلي:
يقول كتابكم إنّ أول من دعا لمشروع المذكرة كان الحزب السوري القومي الاجتماعي وإنّ المنفذية عادت فلبّت دعوة الآخرين، الأمر الذي يعني: إما أن المنفذية لم توجّه دعوة رسمية ولم تنتظر تلبية أحد، وإما أنها عندما وجدت أنه لم يلبِّ دعوتها أحد، مع أنها وجّهت الدعوة كما يجب، رأت بسبب ذلك أن تلبّي هي دعوة الآخرين. وفي كلا الحالتين تكون المنفذية قد ارتكبت خطأ أو غلطاً كبيراً ينزل منزلة حزبها وقضيته إلى درك غير لائق بهما. ولا يبرر هذا الخطأ قلة عدد القوميين الاجتماعيين وكثرة الجمعيات اللاقومية.
وتقولون أيضاً إنّ الذي وجّه الدعوة إلى الأندية والجمعيات والأشخاص وكنتم من جملة الذين لبّوا دعوته هو فرد يدعى السيد نقولا الشويري. فتلبيتكم دعوة فرد لا صفة تمثيلية له خطأ آخر فاضح ينطوي تحته عده وجوه، أحدها تقليل قيمة المؤسسات بالنسبة إلى آلأفراد، وأحدها تشجيع عادة اصطياد الشهرة التي يتّبعها عدد وافر من أفراد مجموعنا وتصغير قدر حزبكم باحتياجكم إلى دعوة فرد من خارجه.
وخطأ آخر خطير جدًّا هو عدم طلب توجيهات من الزعيم الذي هو الآن بينكم في مسألة هامّة من الوجهة السياسية والحقوقية.
إذا كانت الجمعيات اللاقومية لا تريد الاعتراف بقضيتنا القومية ولذلك لا تلبّي دعوتنا ولا تتجه إلينا، فلست أرى الحكمة من قبولنا قضاياها الدينية وإخضاع وجهة نظرنا لوجهة نظرها. وإذا كنا في كل المواقف سنلبّي دعوة غيرنا ونعمل باسم "لجنة عربية" أو "مؤتمر عربي" أو "كتلة عريبة" أو ما شاكل من هذه التسميات فلماذا نظل متمسكين باسم الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي لا يعني عند الفعل شيئاً قوميًّا حقيقيًّا. وما دامت المنفذية ترى انه لا يمكن فعل شيء إلا بواسطة لجان عمومية من جميع جمعيات النزالة وترى إلغاء الصفة القومية من أجل تكوين هذه اللجان وقبول تسمية "قومية دينية" بدل التسمية القومية الاجتماعية. فإني أقترح عليها أن تغتنم هذه الفرصة السعيدة وتسعى لجعل اللجنة التي تألفت لتقديم المذكرة المشار إليها لجنة دائمة تقوم بتمثيل "النزالة العربية" في الأرجنتين وتستغني المنفذية عن الارتباط بقضية الحزب السوري القومي الاجتماعي.
وإذا أرادت المنفذية أن يكون لها استقلال مطلق في خططها السياسية وأن لا تطلعني على ما تعزم عليه في حقل السياسة، وأنا بينها، إلا بعد أن يكون قد سارت في التنفيذ شوطاً بعيداً، فإني أطلب أن لا تخبرني المنفذية بعد الآن شيئاً على الإطلاق. لأنّ النتيجة سأعرفها من الصحف.
وإذا كان لا يزال هنالك مجال لقبول تعليمات فإني أطلب منكم تنفيد ما يلي:
1- تقديم مذكرة أولى منفردة باسم "الجمعية السورية الثقافية والجمعيات السورية المؤيدة" تثبت سوريّة فلسطين الجغرافية والتاريخية وتشتمل على أهم النقاط الواردة في مذكرات الحزب السوري القومي الاجتماعي مع تعديل، هو تسمية الفلسطينيين سوريين لا "عرباً"، لأنّ الفلسطينيين هم قسم من الأمة السورية والنسبة إلى أمتهم لا إلى دينهم أو دين أكثريتهم ولا إلى لغة دين الأكثرية.
2 - وضع مذكرة أخرى "للجنة العربية للدفاع عن فلسطين" أو الاشتراك في وضعها ولكن لا توقّعها منفذية الحزب ولا "الجمعية السورية الثقافية" وتستعمل فيها الاصطلاحات التي يرغب فيها غير القوميين.
إنّ المذكرة يكون لها فعلها وتأثيرها بقدر ما فيها من حقائق وحجج لا يقدر عدد الجمعيات التي توقّعها. أما الجمعيات فلا مانع من أن تمطر مجلس النواب الأرجنتيني بالكتب والبرقيات. وتفضلوا بقبول سلامي القومي. ولتحيى سورية.