صدر عن مكتب الزعيم، 1/11/1946
إلى الرفيق غسان تويني، كميردج، ماس، بواسطة مركز المديرية، بوسطن
أيها الرفيق العامل العزيز،
تسلّمت رسالتيك، الشخصية والرسمية، المؤرختين في 30 سبتمبر/أيلول الماضي، نحو أواسط شهر أكتوبر/تشرين الأول المنقضي أمس وقد حوّلنا إليّ إلى بوينُس آيرس في غلافهما المختوم. ولم أتمكن من الإجابة عليهما في الحال لأني كنت في أبان معركة تقويم المحل وبيعه التي دخل فيها شيء من عوامل مثالب النزالة السورية في هذا البلد، ولأني أردت الوصول إلى نتائج نهائية قبل كتابي جوابي إليك.
أضمّن هذه الرسالة كل ما أريد أن أقوله لك شخصيًّا وللمنفذية لأنه لا وقت عندي الآن، ماديًّا، للتفصيل والتبويب.
سررت كثيراً بنشاط منفذية أميركانية إلى المشاريع العملية وتحضيرها مشروع مدرسة لتلقين أبناء السوريين في بوسطن وما جاورها اللغة العربية وتاريخ وأدب سورية. وأهنىء هيئة منفذية أميركانية بهذا النشاط وسعيها الحثيث لجمع مبلغ مالي معيّن ليوقف على نفقات عودة الزعيم، وإني اشعر بشيء من الأسف لأنّ تجديد عمل منفذية أميركانية صاقب حاجة تأمين نفقة عودة الزعيم فاضطررت لجعل باكورة أعمال تنظيمها ونشاطها الجديد: جمع مبلغ م إلى بسرعة. لولا الحاجة إلى السرعة لكنت فضّلت عدم فتح باب تبرعات مالية للحزب إلى ان تكون المعنويات قد قويت وإدراك قضايا الحزب وضرورة المساهمة المادية والروحية في حلّها، وتحقيق أهداف الحزب وإنجاح أعماله قد اشتدت.
جواز سفري: لست أعلن أني سأحتاج إلى تدخل سفير لبنان في واشنطن لحلّ هذه المسألة وان تكن هذه المسألة وقفاً على إرادة وزير لبنان المفوض في البرازيل "الأستاذ يوسف السودا" الذي يضمر للحركة السورية القومية الاجتماعية مقاومة شديدة. إنّ صديقاً لي في البرازيل اسمه جبرائيل يافث، الذي وإن لم يكن من شركة يافث الصناعية المشهورة بثرائها، فهو من هذه العائلة ومن المتصلين بروابط وثيقة بالشركة وذو مركز تجاري واجتماعي جيد، والمنفّذ العام لمنفذية سان باولو، البرازيل، الرفيق وليم بحليس (عكار) زارا القنصلية اللبنانية في سان باولو في هذا الصدد. وكان هناك موقتاً أيضاً القنصل اللبناني العام السيد هكتور خلاط (طرابلس) الذي بعض إخوته في الحزب، وكانت له معي مراسلة قديمة، فرحّب بهما وأظهر اهتماماً ورغبة. أما القنصل لسان باولو، محمد فتح الله، فأظهر برودة وقال إنه لا يتمكن من فعل شيء إلا إذا جاء الزعيم إلى سان باولو، وبعد ذلك يحاول فعل ما يمكنه، والإثنان قالا إن المسألة مع الوزير المفوض. وكان للصديق يافث عزم على زيارة ريو دي جانيرو، عاصمة البرازيل، فاغتنم فرصة وجوده هناك وقابل السودا في صدد مسألة جوازي سفري. وهو يعرف السودا جيداً بعد قدومه وزيراً واتفق وجوده في بوينس آيرس لأشغاله التجارية حين كنت فيها في يونيو/حزيران الماضي ورافقني للاجتماع بالسودا. ونتيجة المقابلة أنّ السودا أظهر كثيراً مما يضمره من المقاومة.
المركز في الوطن يؤكد لي عدم مقاومة الحكومة اللبنانية واستعدادة وزير الخارجية للإجابة على أية برقية يطلب جواز سفر باسم الزعيم. وسأبدأ المعاملة الجديدة قريباً بنفسي حين انتقالي إلى بوينس ايرس بواسطة قنصلية فرنسة التي لا تزال تجري معاملات السوريين بصورة موقتة. وفي زيارتي السابقة لبوينس ايرس جرت لي مقابلة مع سفير فرنسة، دريسون، وكانت المقابلة مؤنسة.
رسالتك الشخصية: يسرّني كثيراً أن تكون مدركاً الوجهة الروحية من بحثي معك وموافقتك على تأجيل الاستمرار في التمازج الفكري واستكمال التأسيس الفكري والنفسي عموماً في العقيدة القومية الاجتماعية ومواضيعها.
ليس في شيء من حرصي على نقل وجهة نظري وتوجيهاتهي الفكرية إليك شخصيًّا، ما يمكن أن يكون له أي مساس "بكبريائك الفكرية". وإني من جهة أخرى، لشديد الحرص على كرامة المعاونين جميع الرفقاء وعلى كرامة قيمة الفكر والشخصية الإنسانية في كل انسان. مع ذلك وبما أنك اخترت التحدث عن "كبريائك الفكرية" فإني كنت أفضل أن تستبدل بها خصائص "شخصيتك" وأن لا تقودك كبرياؤك المذكورة إلى "التعلق بآرائك تعلقاً شديداً يدفعك إلى "الدفاع عنها بحماس"، كما ظهر لي في عرض مراسلاتنا في موضوع بعض وجهات نظر عميد الثقافة والفنون الجميلة. والذي رأيته في رسالتك الأخيرة أنك مع كل أيضاًحاتي السابقة ومع تحديدي وحصري للموضوع، الذي انتقل من البحث الأول في سبب "التحفظات في القومية" إلى البحث في خروج عميد الثقافة والفنون الجميلة في بيانه الأساسي على وحدة الإدارة الحزبية ووحدة مسؤوليتها وانفراده بتحمّل المسؤوليات المطلقة تجاه القيم العليا، الذي هو بحث دستوري، حقوقي، قانوني، إداري وليس بحثاً ثقافيًّا فكريًّا يدور، حسب رأيك، في نطاق فكري، شخصي، محض، لا تزال تعدّه ثقافيًّا، فكريًّا ، فأنا لا أبحث في آراء العميد ووجهات نظره في الثقافة، بل أبحث في مسؤولياته من حيث هو عميد، التي شاء، في بيانه، إعطاءها صفة مطلقة غير مرتبطة بوحدة المسؤولية في وحدة الإدارة الحزبية. فإذا راجعت رسائلي إليك وجدت أنّ البحث انحصر في هذا النقطة بعد ملاحظاتي الأولى على "التحفظات" أقول ذلك لا لأعود إلى هذا الموضوع الآن، بل من أجل جلاء نقطة ضرورية لحصول التفاهم بتحديد الموضوع وتفاصيله.
عودة الزعيم: قد تم بيعي المحل التجاري، الذي استدرجني إليه المدعو جبران مسّوح لغايات أثيمة في نفسه، في الخامس عشر من أكتوبر/تشرين الأول الماضي وأصبحت حرًّا من المسؤوليات التجارية المستمرة. ولكن بقيت علاقات محدودة كان يجب تصفيتها، أهمها أن الشاري لم يشأ حمل الديون التي لي على تجار فكان يجب عليّ قبض هذه الديون أوما أمكن منها. وإني ساعٍ بجد لإتمام هذا العمل ولا بد من التعرض لخسارة بعض هذه الديون فلا بأس. ثم هنالك أمور أخرى كبيع أثاث البيت وغير ذلك، وإني أقدّر انتقالي نهائيًّا إلى بوينُس آيرس نحو أواخر هذا الشهر. وأعتقد أنّ معاملات التأشير على جواز السفر لا تطول. وبما أنه لم تبقَ لي علاقة ومسؤوليات تربطني من الوجهة المادية فإنّ سفري يمكن أن يحدث في أول فرصة. فإذا لم أجد مكاناً في باخرة كان لا بد من السفر بالطيارة، على الرغم من التوصيات بترك التعرض لأخطار الطيران. لأنه إذا كان وجودي في الوطن ضروريًّا قبل المعركة الانتخابية المقبلة فيجب أن يكون ذلك قبلها بمدة كافة للإطلاع على الحالة الداخلية الحزبية والوطنية كما هي ولاتّخاذ التدابير الضرورية واللازمة للحركة والمعركة.
بناءً عليه أعتقد أنّ سفري يمكن أن يكون نحو أوآخر ديسمبر/كانون أو في شهر يناير/ كانون الثاني القادم فانتظر حال اكتمال جمع التبرعات إرسال المبلغ بالبريد الجوي مع إعلام المصرف المحوّل المال بواسطته أن يرسل العلم إلى بوينس آيرس بالبريد الجوي أيضاً.
إني اشعر بفرح كبير لانفكاك أسري من التجارة. ومن أوحال المجموع السوري في هذا البلد، ولقرب اتجاهي مسافراً إلى الوطن - إلى الأعوان وجميع الرفقاء، إلى إكمال العمل في سبيل وحدة الأمة ونهضتها وترقية حياتها.
دروسك وعودتك: أهنئتك بالنتائج الدراسية التي تستحقها مواهبك، ومع أني أتمنى أن لا تطول مدة غيابك في أميركانية فأوصيك بعدم استنزاف قواك طلباً للسرعة، وبعدم الالتجاء إلى المخدرات كالكافيين وغيره إلا في حالات غير اعتيادية وشديدة الصعوبة، وأرجو أن يكون نجاحك النهائي كاملاً.
نشرت بعض الصحف خبراً غير مثبت أنّ والدك عيّن سفيراً للبنان في الأرجنتين، فإذا صح ذلك وكان قدومه سريعاً فقد أجتمع به قبل السفر إذا كان وصوله قبل ذلك، ولي به معرفة سابقة، وقد يكون إتمام معاملات أوراقي على يده، وأفضل أن يكون ذلك.
واقبل سلامي القومي ولتحيى سورية.