29/5/1939
الرفيق العزيز رشيد شكور،
كان سفري من سان باولو يوم الأحد في 14 الجاري بدلاً من يوم السبت كما كنت أظن، وقد أسفت لأنك لم تحضر السبت كما كنت تقصد، لأني كنت أريد أن أحدثك وأطلعك على التوجيهات التي وضعتها لـ سورية الجديدة وإدارتها الكتابية، وأن أهنئك بالمهمة التي انتدبت لها في الكتابة والتحرير، ومهما يكن من شيء، فإن ما فاتني هناك لن يفوتني هنا. فإني أثبت هنا تهنئتي إياك متمنياً لك النجاح في العمل الكبير الذي وضع على عاتقك.
وبهذه المناسبة ألفت نظرك إلى خطورة المهمة وخطرها، إذ لا تتعلق بشخصك أو بالمؤسسة الصحفية التي تعمل فيها بقدر ما هي متعلقة بمصير قضية أمة بأسرها في اتجاه منظمتها القومية الدقيقة. ولذلك فإني أوصيك بأن لا تعلق أهمية كبيرة على التقدير الشعبي لعملك، لأنه قد لا يكون هو التقدير الصحيح.
وبأن تتوجه دائماً إلى مصدر التوجيهات الذي له مقاييسه وتقديراته الخاصة التي يتوقف العمل القومي التحريري عليها. إن المنهاج والتوجيهات الرئيسية التي وضعتها لـ سورية الجديدة لم توضع بصورة كتابية رسمية لضيق الوقت. وإني أثبتها هنا وأطلب أن تتقيد بها بناءً على العقد وعلى ما بلغت.
الغرض من إنشاء سورية الجديدة: إنّ الغرض من إنشاء سورية الجديدة كان واضحاً كل الوضوح، وكنت أنت حاضراً، وبناءً على هذا الغرض يترتب التقيد بما يلي:
1 ـ يفسح المجال الأكبر والأول لرسائل الوطن التي هي أهم الأخبار في منهاج الجريدة، وللمقالات التي تأتي عن المصدر الرئيسي ودوائره، أو التي يشير بها هذا المصدر ودوائره.
2 ـ بناءً عليه تخصص الصفحة الأولى لمقتطفات من رسائل الوطن تتناول أهم أخبارها، وأهم أخبارها في منهاج الجريدة هو ما كان في صدد الحركة القومية، وللمعلومات المفيدة، وبعض المقالات الخارجة عن الكتابة الرسمية.
3 ـ تخصص الصفحتان الثانية والثالثة لبريد الوطن الجوي، وكذلك نصف الصفحة السابعة أو أكثر من نصفها.
4 ـ تخصص الصفحة الرابعة وقسم من الخامسة للمقالات الرئيسية التي تحمل التوجيه الفكري في القضية القومية والمسائل العارضة.
5 ـ بناءً على البند الرابع لا يكون لـ سورية الجديدة «مقالات افتتاحية» بل مقالات رئيسية تنشر فقط تحت «رأي سورية الجديدة».
6 ـ مهمة متسلم الكتابة في سورية الجديدة هي:
أ ـ المحافظة على منهاج الجريدة والتقيد بالتوجيهات المصدرية أو المرجعية بكل دقة.
ب ـ كتابة مقال رئيسي واحد في أهم نقطة مبدأية أو حادث أو أمر بما يتفق مع التوجيهات، والتعليق بمقالات قصيرة عن الحوادث الهامّة والثنوية، ودراسة البرقيات اليومية وتلخيصها في صورة عامة شاملة واضحة تعطي القارئ صورة صحيحة عن الموقف العام كما هو لا عن جزئيات متناثرة منه.
ج ـ يوضع المقال الرئيسي لمتسلم الكتابة في أول قسم من «رأي سورية الجديدة»، إلا إذا كان هنالك مقال لزعيم النهضة أو لدائرة عليا وهذا يوضع أولاً، وبعده يمكن وضع مقال الكاتب المتسلم. ويمكن المتسلم، في حالة عدم وجود مقال هام من المرجع، أن يفضّل وقع مقال يرده من رفيق غيور ويراه جديراً بصدر الرأي، وتقرير ذلك عائد إلى المتسلم نفسه.
ملاحظة وحيدة: متسلم الكتابة والتحرير في سورية الجديدة مقيد بالتوجيهات ومسؤول لدى مرجعه بناءً على الاعتبارات التالية: لقد وصل إليّ اليوم العدد الحادي عشر من سورية الجديدة وبعد تصفحه لاحظت أنه لا ينطبق كل الانطباق على المنهاج والتوجيهات وعلى نظام الأعداد الأولى، إنه ليس العدد الوحيد الذي خرج على نظام الكتابة في ابتداع «الافتتاحية» التي هي تقليد لنوع من الصحافة لم ترد سورية الجديدة منذ البدء الالتجاء إليه.
وهذا الابتداع الذي أبديت ملاحظاتي عليه لمدير شؤون الجريدة أكثر من مرة يُوجِد تضارباً مع المقالات الرئيسية من حيث نظام ترتيبها، وأهميتها ويحمل على استنتاج وجود مزاحمة في الأهمية بين الافتتاحيات، التي هي في عرف الذين تعوّدوا هذا النوع من الترتيب الصحفي، أهم مقالة في الصحيفة، والمقالات المنشورة تحت «رأي سورية الجديدة» الذي يقصد منه أن يكون كلمة الجريدة الرسمية وأهم ما يكتب فيها.
ومن الوجهة الداخلية يمكن اعتبار هذا الابتداع مظاهراً لانشقاق الصحيفة بين كلمتين رسميتين متزاحمتين، كلمة الكاتب (المحرر) وكلمة مرجعه التوجيهي. وإني أفضّل ألا توجد الجريدة مطلقاً بهذا الشكل وهذا المنهاج. وبناءً عليه أطلب التقيد بالمنهاج في هذا الصدد.
لاحظت أيضاً في هذا العدد أن التعليق الذي بلغ مدى مقالة ونشر بعد «الافتتاحية» المبجلة قد تجاوز الاعتدال في الاتجاه السياسي الذي نتجهه. وهذا التجاوز يحرج موقف المصدر التوجيهي ويعرقل تخطيطه المقبل.
وهذا التجاوز ظاهر في هذه العبارة «بيد أن هتلر لم يقع في هذا الفخ فأنقذ السلام العالمي من الخطر» إن هذا التعبير هو أبعد كثيراً عن التوجيهات الشفوية التي أخذتها حين أخذت مسودات العدد الأول. ومع أن هذا الابتعاد جاء بطريق النقل فليس من المستحسن تكراره أو اتباعه.
بناءً عليه أطلب منك أن تتقيد من الوجهة السياسية بما يلي: إن خطتنا في الحالة السياسية الحاضرة ليست خطة الانتصار المطلق الأعمى لأحد الفريقين، بل خطة الميل المتحفظ الحافظ خط الرجعة.
والحركة السورية القومية تريد ألا ترتمي في أحضان أية قوة خارجية. وربح تأييدها في السياسة الإنترناسيونية يجب أن يكون له وزنه وثمنه. وهذه المسألة مختصة بالمصدر التوجيهي.
وأطلب منك التقيد الشديد بهذا التوجيه، يمكننا إظهار جهنمية الجانب الذي نحاربه من غير أن نصبغ على الجانب الآخر صفة الملائكة.
لاحظت أيضاً أن الأخبار التي وردت من الوطن ونشر قسم منها في العدد العاشر قد أهمل نشر القسم الباقي منها وهو أهم قسم، لأنه يتضمن إذاعة من منفّذ عام في الحزب السوري القومي وإذاعة أو بلاغاً مركزياً من الحزب وكنت قد أشرت على مدير شؤون الجريدة بنشر هذه الأخبار في الصفحة الأولى من العدد الحادي عشر، ولست أفهم لماذا أُهملت إشارتي، وهذه المسألة هي رئيسية وخطيرة من جهة المصدر التوجيهي الذي يريد أن يعرف إذا كانت توجيهاته فعلية أو إسمية ويريد أن يعرف ذلك بسرعة كلية.
وبهذه المناسبة أعيد التوجيهات عينها وهي وجوب نشر إذاعات الحزب الرسمية، لأنه إذا كانت سورية الجديدة لا تنشرها، فما هو اللوم الذي يقع على الصحف الأخرى.
أقف في الكتابة الآن عند هذا الحد من حيث الأساس العملي وأضيف كلمة أخرى تتناول ملاحظة على ما ورد في الافتتاحية من مديح لعهد الإمبراطورية الرومانية، الأمر الذي يخالف الواقع.
فالإمبراطورية الرومانية كانت في بعض عهودها العظمى تقيم عدلها الإمبراطوري على شيء من المناقب الحميدة، ولكنها لم تكن قط في أول عهدها «عنوان الحرية والعدل والديموقراطية، الخ». ولكن المقالة في مجملها حسنة الاتجاه مصيبة في معالجتها الأمر.
أكرر تهنئتي لك بما تقوم به، وأطلب منك أن تقرأ هذا الكتاب أكثر من مرة، وأن تتمعن في التوجيهات وتتفهمها جيداً، فهي ليست آراء أو وجهة نظر شخصية بل اتجاه خطة عامة. وسأكون مسروراً جداً بملاحظتي أثر هذا الكتاب في الجريدة، وأطلب أن تجيبني بسرعة بالبريد الجوي بأنك قد أخذت علماً بمضمونه وستعمل بما يقتضيه، وأتمنى لك التوفيق لخمة القضية القومية، ولتحيى سورية.
بعد: لاحظت أنه لم يكن لزوم لنشر مقالة تتضمن رأي ف. ك. أو غير هذه الأحرف التي لا أدري ولا المنجّم يدري ما هي أهميتها. ولا لنشر «فسطان الفرنساوية» تحت «رأي سورية الجديدة» لأنها حشو كثير وليس لها قيمة إلا الطعن، وهي بعد ليست سوى تعليق على خبر جرى التعليق عليه في نصه وكان التعليق كافياً، وكم كان الأحرى أن يملأ مكان هذين المقالين بأخبار الحركة القومية التي يجب أن يعرف الناس عنها أكثر مما يعرفون عما ينشر في الإشارة عن اتفاق بعض آراء كاتب مع رأي كاتب الافتتاحية. إن الاستشهاد قد يجوز في بعض الحالات بالوقائع لا بأقوال كاتب يرجّح أن تكون هي نفسها موضوع شك كبير.
كذلك أشير بالتقليل من أخبار اليهود فعامود أو عامودان على الأكثر كافيان في هذا الباب. «فلا يكون الإكثار عنهم رافعاً لأهميتهم، المهم فضح ألاعيبهم لشعبنا».
لا يجوز قسمة المقالات الرئيسية ونقل أجزاء منها إلى صفحات أخرى مهما كان السبب. إذا كان لأحد رأي فإني أكون مسروراً جداً لتلقّي آراء الرفقاء والنظر فيها، ولكني لا أريد أي خلل في التوجيهات والتعليمات.