إلى إبراهيم حبيب طنوس

 22/7/1939

الرفيق إبراهيم طنوس،
بعد أن ختمت كتابي إليك خطر لي أن أحدثك في شؤون أخرى وهي شؤون التنظيم. فإنّ الوشاية السافلة في سان باولو وما جرّته من ذيول حالت موقّتاً دون حصول النتائج التنظيمية التي كنت أنتظرها، فقد توقفت الحركة الانضمامية في أثناء التوقيف وانصرفت الجهود إلى التوقيف، ووقف الناس موقف المراقب. ولم أعد أعلم ماذا يجري في الخارج. وانشغل فكري بأمور كثيرة حتى أني لم أتنبه إلى بعض الأمور الجارية في المدة الأخيرة بعد انتهاء التحقيق. وإني حتى الآن لا أزال أجهل معظم ما حدث أثناء توقيفي، لأن المعلومات جاءتني من مصدر واحد هو السيد جميل صفدي، وهي معلومات مشوشة لا ترتيب فيها ولا انتظام، ولم يكن لي في تلك الظروف وفي حالتي الصحية آنئذٍ الهدوء الكافي لدرس ما إذا كان التشويش في معلومات الشخص المذكور مقصوداً أو غير مقصود. ولكني عندما انظر الآن إلى سلسلة الحوادث تظهر لي بصورة بارزة النقاط التالية:
1 ـ إن السيد جميل صفدي أظهر منذ البدء اهتماماً شديداً بالاتصال الوثيق بمكتب الزعيم، فحاول أن يحيط الزعيم ثم أن يحيط ناموسيه.
2 ـ إن السيد جميل صفدي هو الذي سعى لإسكان ناموسي الزعيم قرب منزله، وكان يريد أن ينزلا ضيوفاً عنده.
3 ـ إن السيد جميل صفدي هو الوحيد الذي ظل يتصل بصورة دائمة بدائرة التحري أثناء توقيفنا.
4 ـ إن السيد جميل صفدي تسلّم التبرعات، وأنفقها بمعرفته وحده وبدون استشارة أو اطلاع أحد.
5 ـ إن السيد جميل صفدي كان حريصاً جداً على إنزال الزعيم في منزله بعد التوقيف، وعلى جلب أوراق مكتب الزعيم من دائرة التحري إلى منزله.
6 ـ إن السيد جميل صفدي كان مهتماً كثيراً بتحويل الأنظار إلى شخص واحد قام بالوشاية.
7 ـ إن السيد جميل صفدي لم يقدم لائحة بالحساب إلا ساعة سفري وناموسي.
8 ـ إن السيد جميل صفدي يقوم بأعماله بعد التداول مع أخيه الدكتور وديع صفدي.
9 ـ إن الدكتور وديع صفدي تقرّب تقرباً شديداً من الحركة السورية القومية مع أنه على صلة قربى وصداقة مع بيت باسيل يافث، وإنه يزورهم كل يوم تقريباً لعيادة مرضاهم.
10 ـ إن الدكتور وديع صفدي اجتهد في «الاهتمام» بخدمة الحزب وإحداث تأثير ذهني بصلاحه للدخول في صلب الحركة.
11 ـ وجود الدكتور وأخيه جميل في أقرب نقطة إليّ واطلاعهما على الأوراق الموجودة وحركة الأشخاص.
وإني منذ البدء كنت أتجنب تولّد مثل هذه الحالة، ولكن بعد حصول الوشاية والتوقيف ولعدم حصول الوقت الكافي لي لدرس الحالة بعد التوقيف، وجدت نفسي أمام أمر واقع وهو أن السيدين صفدي أصبحا بصورة من الصور أقرب الناس إلى مكتب الزعيم والرقيبين على كل ما يجري فيه وحوله. وليست عندي أسباب كافية لتعليل تراجع الآخرين أو كيفية إقصائهم حتى أصبح هذان صاحبي الشأن الأول.
ولما لم تكن عندي الأسباب الكافية ساعتئذٍ للشك المعيّن قبلت الأمر الواقع وعينت الرفيق الدكتور وديع صفدي رئيساً للجنة المفوضة المركزية للإشراف على إدارة الفرع واتساع نطاق الحركة، وعينت الرفيق جميل عضواً في لجنة الإذاعة. ولكن تردني الآن معلومات أن الدكتور لا يريد أن يحرك ساكناً. فقد انتهت مهمته الأساسية على ما يظهر ولا يريد أن يكلف نفسه مشقة.
وهذا يجلب شكوكاً كثيرة حول مقاصده وما وراء موقفه. وإن جميلاً استمر في قبض تبرعات وهو يتدخل في كل أمر ويريد أن يحتكر الاتصال بين مكتب الزعيم والفرع هناك. وقد أرسل مؤخراً حساباً جديداً بلغ فيه ما دخل وخرج على يده خمسة عشر كنط، وقد أرسلت أطلب تحقيقاً في ذلك.
ولقد حدث بعد سفري حادث بعث شكوكاً كثيرة فيّ، وهو أن دائرة التحري استدعت رئيس النادي الحمصي للتحقيق معه في علاقته بالحزب السوري القومي. وقد ادعت الدائرة أن طلبها هو بناءً على أنه كانت بين الزعيم والدكتور عبده جزره مراسلة قديمة حول موضوع الحزب، وأن الدكتور جزره من أعضاء النادي الحمصي، وقد يكون للنادي علاقة بالحزب عن هذا الطريق.
وواضح لي من هذا الحادث أن وشاية جديدة ضد الرفيق توفيق بندقي قد حصلت بعد سفري، ولكن الدائرة لم تجد ذريعة غير هذه الحجة، لأنها لا تريد فضح مصدر الوشاية ....
لذلك أطلب منك أن تبقي هذه المعلومات سراً مكتوماً على كل إنسان، وأن تخابر الرفيق توما [توما] حول الشخصين الصفدي كأنك قد بلغتك أقوال ومسموعات تحملك على التساؤل.
ثم تقدم إلى سان باولو في أول فرصة ممكنة وتحمل هذا الكتاب معك وتطلع الرفيق جورج بندقي على محتوياته، وتبحث معه كيفية التصرف في صدد الرفيقين الدكتور صفدي وأخيه جميل.
أما من جهتي، فقد أرسلت مرسوماً أحلّ فيه اللجنة المفوضة الأولى، وأعيّن لجنة مفوضة جديدة من عضوين فقط هما توما توما وإلياس بخعازي، وطلبت أن يبقى هذا المرسوم خفياً عن الدكتور وديع صفدي، وعن أخيه، فيتظاهر الرفيقان المذكوران بأنهما مهملان كالدكتور نفسه، وأنه لم يحدث شيء جديد، بينما يتخذان التدابير سراً لإعادة التنظيم.
وإني سأرسل أمراً بحلّ اللجنة الإذاعية المركزية، وأترك للجنة المفوضة الجديدة أمر اقتراح تعيين لجنة إذاعية جديدة.
أريد أن ألفت نظرك إلى وجوب تأليف لجان تجمع تبرعات واشتراكات للحركة ومشاريعها، خصوصاً مشروع المدرسة القومية الذي قرأت شيئاً عنه في أخبار العدد المزدوج. فالمال أهم ما تحتاج إليه النهضة القومية اليوم. ويمكن الاتفاق مع الرفيق وديع عبد المسيح وجورج بندقي في هذا الصدد لتوحيد هذا العمل.
كيف علاقاتك مع [نجيب] العسراوي وما موقفه اليوم؟
أريد أن ألفت نظرك إلى وجوب مساعدة رحلة الزعيم، فإن الموقف هنا يتطور لمصلحة القضية القومية، ولكن الجالية هنا كانت أبعد من جالية البرازيل عن فهم الحركة، ولذلك يقتضي بعض الوقت ليصير الجو صالحاً للحصول على نتائج عملية.
إننا نكتشف عناصر جيدة جداً هنا، وعما قليل سيبدأ الشعور بالتطور الروحي، والنتائج المادية تأتي فيما بعد، ولذلك أنتظر أن تقوم الأوساط القومية في غير مكان بجمع ما يكفي لسفري والرفيق [خالد] أديب إلى المكسيك، على الأرجح، فأخبرني عما يمكنك فعله في هذا السبيل. إنّ الفرصة للإقامة هنا تنتهي في أواسط الشهر القادم، وإني ساعٍ للحصول على تمديد المدة.
سلامي للعاملين. ولتحيى سورية.

 

أنطون سعاده

__________________

- الأعمال الكاملة بأغلبها عن النسخة التي نشرتها "مؤسسة سعاده".
- الترجمات إلى الأنكليزية للدكتور عادل بشارة، حصلنا عليها عبر الأنترنت.
- عدد من الدراسات والمقالات حصلنا عليها من الأنترنت.
- هناك عدد من المقالات والدراسات كتبت خصيصاً للموقع.