إلى جورج بندقي

9/9/1940

رفيقي العزيز جورج بندقي،
أرى في نفسك أشياء، ولكنك لا تقولها، إما لضيق وقتك، وإما لضغط نفسي. وقد كتب إليّ الرفيق إلياس فاخوري يقول إنك ستفضي إليه بأمور هامّة ليكتب إليّ فيها، فعسى أن تفعل أو تكتب إليّ سريعاً لأكون على بصيرة من كل أمر في الوقت المناسب.
أرسلت إليك منذ مدة الحلقتين الأُولَيين من سلسلة مقالات «جنون الخلود». وذكرت لك هذا الأمر في كتاب أرسلته برفقة الكتاب المفتوح الذي وجهه الرفيق وليم بحليس إلى شيد سليم الخوري. وقد وردني البريد هذا الصباح وفيه العدد 82 من سورية الجديدة فوجدته خالياً من المقال الأول من سلسلة «جنون الخلود»، وقد كنت أتوقع صدوره في هذا العدد. ولم تردني كلمة منك تفيدني شيئاً، فتعجبت وخشيت أن يكون المقالان قد فقدا. وكنت أود أن أعلم ذلك بسرعة لأتخذ الاحتياطات اللازمة.
ثم إن العدد جاء خالياً من الإشارة إلى من هو صاحب مقال «ارميا الاستعمار الأجنبي»، الذي أعتقد أنه هو نفسه صاحب مقال «الإلياذة السورية». وهذا المقال الأخير لم يعجبني فيه استعمال هذا العنوان، وجعل قصة عنترة وقصة الزير في هذه المنزلة السامية وجعلهما كأنهما لنا بمنزلة إلياذة هوميرس للإغريق. فإلياذة السوريين يجب أن تكون سوريّة. إن قيمة قصة عنترة وما أشبه هي كبيرة، وتستحق أن تعطى حقها من التقدير، ولكن هذا التقدير يجب ألا يتجاوز الحدود. ثم إن نشر هذا الرأي في عنترة وغيرها في باب «رأي سورية الجديدة» من غير اطلاعي عليه، ومن غير تذييل المقال باسم صاحبه يجعل «رأي سورية الجديدة» مشاعاً للكتبة، ومكاناً تتزاحم فيه الآراء غير الموجهة توجيهاً مضبوطاً. ولم يكن هذا قصدي من إنشاء هذا الباب. أما المقال الجديد «ارميا الاستعمار» فأفضل من سابقه، وأعتقد أنه من قلم فؤاد [بندقي] أليس كذلك؟ ومع ذلك فإني أجد فيه عبارات خطرة جداً كهذه: «إنك لا تتيتم إذا خسرت سيدك المستعمر (ومقصود به هنا فرنسة)، ولكنك تصبح حراً سيداً لنفسك»، فهذه العبارة هي عبارة دعاية للمنتصرين، وقد تغرر بالسوريين ليتوهموا أن انتصار ألمانية وإيطالية هو انتصار لهم، وهذا غير صحيح. إن انكسار فرنسة وبريطانية هو كسر لأعداء السوريين. ولكن انتصار ألمانية وإيطالية لا يمكن حسبانه انتصاراً للقضية السورية، إلا إذا صدر توجيه رسمي بكتابة مثل هذا المعنى، فيكون حينئذٍ مبنياً على أسباب سياسية رسمية كافية. أما بث مثل هذه الآراء غير المسؤولة في باب رسمي نوعاً في سورية الجديدة فقد يأتي، والأرجح أنه يأتي، بنتائج مخالفة للقصد. ولولا هذه العبارة وما هو في معناها لكانت المقالة جديدة في بابها. ولا يمكن إهمال قيمة هذه العبارة مهما كانت هنالك من العبارات غيرها.
اكتب وأبلغني عن مصير المقالين المرسلين لأتخذ ما يلزم. وعسى ألا تكون تعباً للغاية.
إن «محاضرة» رشيد سليم الخوري هي اختيار للحرب ليتم لنا النصر. وهذه المعارك الفكرية تفيد الحركة، وبالتالي الجريدة فائدة معنوية وحسية، لأنها تنبّه الرأي العام وتكشف عن شعوذة أعدائنا الذين يحاربوننا بسلاح الأوهام الباطلة.
عسى ألا تكون المقالات فقدت، فلا تكلفني الكتابة من جديد، وأنا أشد ما أكون حاجة للوقت. وقد كتبت مقالين جديدين للسلسلة، ولكني لا أرسلهما حتى أعلم مصير المقالين الأولين وهل بوشر بنشرهما. ولذلك أنتظر جواباً سريعاً.
سلام لك وللرفقاء ولتحيى سورية.
كتبت إليك أيضاً بالبريد الجوي أن تخبرني عن حالة أحرف جسم 24 لِــ أبي الهول وما هو السعر الأدنى الذي يمكن الحصول عليه لشرائها. فأجبني على هذه النقطة.

المزيد في هذا القسم: « 25/8/1940 إلى ساسين حنّا ساسين »

أنطون سعاده

__________________

- الأعمال الكاملة بأغلبها عن النسخة التي نشرتها "مؤسسة سعاده".
- الترجمات إلى الأنكليزية للدكتور عادل بشارة، حصلنا عليها عبر الأنترنت.
- عدد من الدراسات والمقالات حصلنا عليها من الأنترنت.
- هناك عدد من المقالات والدراسات كتبت خصيصاً للموقع.