كانت الساعة 8.30 تقريباً هذا الصباح حين دخل علي السيد داود مسوح يحمل الي كتابك الذي ما كدت ألقي نظري عليه حتى عرفت انه منك. كنت لا أزال في سريري ولكن مستيقظاً. لم أنهض باكراً لأني كنت تعباً قليلاً فقد حاءني أمس جمهور من الطلبة السوريين المولودين في هذه البلاد ومعهم بعض رفقائهم الارخنتينين فألقيت عليهم محاضرة بالاسبانية استغرقت نحو ساعتين في موضوع تاريخ سورية وأهم المؤسسات التي أعطتها للعالم. وكان للحقائق التاريخية التي أظهرتها لهم تأثير كبير عليهم وصار كل سوري منهم يشعر بشخصية سلالته وبثقة بنفسه وبعضهم سيعود الي اليوم بعد الظهر للتحدث. انتهت المحاضرة أمس نحو الساعة 21 وكنت مدعواً للعشا عند السيد بشارة بصبوص فتعشيت متأخراً وأكلت أكثر مما كان يجب والأحاديث التي كانت جارية وتنبهي العصبي لم تمكني من الاعتناء بشؤوني الصحية. وارتحت بعد العشاء ولم أنم باكراً فتمشيت قليلاً في الدار أمام غرفتي ثم آويت الى سريري.
افتقدتك أمس ووددت لو كنت قريبة مني لأتحدث اليك، كما كنت أفعل، حين تعرض أمور ذات بال أو أهمية بارزة في بوانس ايرس. وقد دفعتني رغبتي الى اخراج الصورتين اللتين أحملهما كأني أريد ان أرى اشتراكك معي في النظر الى العوراض الجديدة.
جاء كتابك اليوم كأنه جواب رغبتي أمس فقرأته وأنا في السرير فسررت كثيراً بالشعور والأفكار التي اشتمل عليها وبأن اهتمامك بشؤون حياتنا القومية هو على هذه الدرجة العالية من الحيوية المطمئنة وسررت لأن كتابيّ وصلا اليك في الوقت المناسب.
ان ارسالك الصحف هو عمل في محله فهنا الحاجة اليها شديدة. ولكني أريد ان انبهك الى اني طلبت من البرازيل نحو 200 نسخة من أحد الأعداد الذي أتوقع ان تنشر فيه رسالة من الارجنتين تتضمن شرح الحوادث التي وقعت ومنها طرد حسني عبد المالك وجبران سابا. فاذا وردت هذه النسخ فيمكن هرمينة ان تسلم نحو خمسين نسخة منها الى الرفيق بهنا لتوزع في بوانس ايرس وأطلب ارسال خمسين اخرى اليّ وهذه تقسم الى قسمين قسم يرسل اليّ الى توكومان وقسم يرسل باسم السيد الياس ملحم في لبندة واعتقد انه سيصير الرفيق الياس ملحم قريباً جداً ويمكن هرمينة ان تساعد في كتابة العنوان. واذا وردت هذه النسخ العديدة فالأرجح ان يرد معها نحو ألف نسخة من رسالة الارجنتين مطبوعة على ورقة مستقلة فيمكن ارسال نحو مئتي نسخة منها اليّ الة توكومان ونحو مئة الى سنتياغو.
أود ايضاً ان ترسل نحو عشر نسخ من العدد الجديد لمجلة "لاتمبستاد" الى سنتياغو باسم Eduardo Massuh على العنوان الذي أرسلت كتابك اليّ عليه في سنتياغو. هو صهر الرفيق جبران مسوح وانا هنا ضيفه. وترسلي عشر نسخ أخرى على عنواني في توكومان.
سأكون مسروراً بمقابلة صديق جورج (*) والتحدث اليه ولكني لا أتمكن الآن من تعيين موعد عودتي
وصل كتابك هذا الصباح وحده، الا ان الصحف لم تصل معه، وهذه عادة تتأخر وقد أتسلمها اليوم بعد الظهر أو غداً.
أول أمس كنت على الغداء عند جنى في لبندة وكان هنالك السيد الياس (*) واخته وجميع العائلة سألتني عنكم وأعتقد ان جنى ستكون قومية قريباً، وقد يتم الأمر في شأن جنى وعمها اليوم أو غداً.
اعتقد اني أغادر سنتياغو يوم الأحد، الا اذا حدث شيء يستدعي التأجيل يوماً أو يومين فلتكن الرسائل المقبلة على عنواني في توكومان.
سرني كثيراً ان تشعري بحرية التصرف وأحب ان تعلمي اني أخولك حق تناول كل ما تشعرين ان تناولك اياه حسن أو ضروري أو مفيد من جميع الأشياء الموجودة في المركز.
ان ترددك على المركز يطمئنني فأشعر بأيد وثيقة وقلب حيّ تتعهد هذه الأمور الدقيقة المتعلقة بي وبعملي. وكم كنت أود ان أقف على ما عندك مما ترغبين في اطلاعي عليه وعلى ما يتعلق بعملك الخاص.
لا أعتقد ان اقامتي في توكومان تطول أكثر من أسبوع ثم أتوجه الى سلطة وخوخوي فأقضي نحو أسبوع آخر ثم أعود الى توكومان المركز الرئيسي في كل ما يتعلق بمخابرتي.
اتمنى ان يصل هذا الكتاب اليك في موعد زيارتك القادمة الى المركز. وقد جربت ان أفرغ من كتابته قبل الحادية عشرة ليذهب في قطار الظهر القادم من توكومان فلم أتمكن من تحقيق هذه الرغبة ولكن يوجد غير خط "سنترال ارخنتينو" والأرجح انه يكون بين يديك بعد غد.
أتمنى الا يكون هنالك ما يزعجك وان تتمكني من الاحتفاظ بقوة نفسيتك وارادتك وفي كل ما يعرض لك أنا معك.
ولتحي سورية
في 15 مايو 1940
الفت نظرك الى كتابة الاسم بالطريقة التي اصطلحت عليها هكذا: Saadeh
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*جورج هو شقيق جولييت المير.
الى بوانس ايرس بالضبط.
*الياس ملحم من اقارب والدة جولييت.