قدمت سنتياغو وحالة الجو فيها غير حسنة. غيوم ورذاذ ورطوبة. وظلت الحالة هكذا كل هذه المدة فقليلاً ما رأيت الشمس.
فاجأت سنتياغو مفاجأة فلم يتمكن اعداء القضية من تنظيم صفوفهم. والحقيقة اني لم أشعر ان هنا أعداء ولكن ظهر فيما بعد انقلاب فجائي في بعض الأشخاص، الأمر الذي دل على ان المراكز المعادية استفاقت وأخذت تعمل ولكنها جاءت متأخرة فلم تتمكن من عرقلة الحركة.
الحركة تسرع خطاها الآن. أول أمس اجتمعت عشاءً في لبنده الى عدد من السيدات والرجال في بيت السيدة امرأة أمين خزامة. وكانت الدعوة في الأصل للاجتماع الى السيدات فقط. وكانت هناك جنى وعمتها ماري التي كانت قد قرأت الرد على خطاب البطريرك فاستيقظت. كان الاجتماع انتصاراً للفكرة، وأمس جاء لزيارتي عدد من سيدات سنتياغو بعد الظهر فاجتمعت اليهن وحدثتهن فاقتنعن. وفي المساء عقدت اجتماعين تحدثت في الأول منهما بالاسبانية لنحو عشرين شاباً عن وضعية سورية السياسية وفي الثاني تحدثت لعدد من شبان لبندة عن واجبات السوري القومي المنتظم. فدخل منهم خمسة أشخاص.
قبيل العشار جاءت أمس جنى (*) مع عمها الرفيق الياس وصارت سورية قومية وودعتني لأنها ستقضي بضعة أيام خارج لبنده. وقد بلغ عدد الداخلين تسعة أشخاص واليوم يدخل فريق جديد من السيدات والرجال فيكون عندنا نحو 15 أو 20 عضواً انظم أمورهم الادارية غداً الأحد وأسافر بعد ظهر الاثنين الى توكومان. كنت أريد ان أكتب اليك أمس لأكون على ثقة من عدم تأخر وصول هذا الكتاب اليك في الموعد ولكن العمل هنا لم يترك لي وقتاً لذلك.
في كتابي الماضي ذكرت لك اني انتظر وصول كميات من العدد 65 من "سورية الجديدة" ومن نشرة "رسالة الارخنتين" حول مسألة حسني عبد المالك وطلبت اجراء ما يلزم لايصال كميات معلومة منها اليّ والى سنتياغو. ولكن عدت ففكرت في هذه المسألة ورأيت اني أكلفك شؤوناً عملية شاقة بينما هنالك من يقدر ان يقوم بها. ولذلك رأيت ان أقول لك ان تضعي الكميات التي طلبتها عهدة هرمينة لتسلمها الى الرفيق بهنا وانا أكتب اليه ان يرسلها اليّ الى توكومان.
الصحف التي أرسلتها اليّ وصلت وبينها عدد "سورية الجديدة" 65 وفيه الرسالة المشار اليها فينتظر وصول الكميات قريباً الى بوانس ايرس وهذه يجب توزيعها بسرعة ليكون لها مفعولها. ولا أدري اذا كنت قد ذكرت لك ان تضعي منها نحو خمسين نسخة من الجريدة ليكون تحت تصرف مديرية بوانس ايرس بواسطة بهنا فاذا كنت لم أذكر ذلك فيمكن اضافة خمسين نسخة من "سورية الجديدة" على ما طلبت إعداده ليسلم بواسطة هرمينة الى الرفيق بهنا ليصير توزيعه في بوانس ايرس.
لا أدري اذا كان السيد B يريد شيئاً خصوصياً مستعجلاً في هذا الوقت فاذا كان هنالك ما يدعو الى السرعة فأحب ان يردني خبر بذلك.
اني انقطعت عن الدواء لا نفذ هدنة الخمسة عشر يوماً وصحتي لم تتأخر رغم التعب والعمل المتصل ولكني لم أتقدم من هذه الجهة وأنا أتعرض هنا لأكل ما ليس محضراً بطريقة موافقة.
مع أني اشتغل كثيراً والأنهار تنقضي بسرعة فالمدة تبدو طويلة وأود لو أتمكن من الاسراع أكثر لتكون عودتي أقرب: فالعمل لا يصرف أفكاري ولا يوقف شعوري.
عسى ان اجد، حين وصولي بعد غد مساء الى توكومان، كتاباً منك يكون اتصالاً جديداً يفَّرج غم الانقطاع. اني افتقدك كثيراً في هذه الأيام وكلما خلوت لنفسي تذكرتك ونفسك الجميلة وشعرت بالبعد على القرب وبالقرب على البعد.
اني أعمل بسرعة لكي لا تمتد بسفري الأيام وتتشتت نفسي في اضطراب الانتقال والتعرض للغرائب. اني افنيت الكثير من نفسي في هذا السبيل ولكن يجب ان تبقى منها بقية لعمل غير هذا العمل، الذي كان يجب ان يقوم به آخرون فلا اضطر لهذه التضحية الثمينة في سبيل نتائج فرعية لا تكون لها قيمة ثابتة الا اذا قامت على أساس وعملي أنا يجب ان يكون في الأساس. ان هذه الأفكار تؤلمني، خصوصاً بعد الاختبارات الأخيرة في الذين بذلت كثيراً ليصيروا شيئاً فخيبوا أملي وفشلوا في جميع الأعمال فكان عملي معهم كأنه سدى.
كم أود ان أكون الآن بقربك خصوصاً في هذا الوقت. فأنت أيضاً تقفين في وسط ضيق وجو ضاغط.
اني سأعبر هذه الصعوبة ومتى عدت استجلينا الغوامض وكشفنا الحجب عن الحقائق.
اتمنى ان تكوني كما تشائين وكما أرغب لك.
ان شعوري كله معك.
لتحي سورية
في 17 مايو 1940
(*) جنى هي نسيبة جولييت المير