ضيايَ

قد تكونين متألمة بعد من حادث تأخر سفري، الذي، على بساطته في هذا الوقت، أكتسب أهمية لأنه كان أول خطوة ظاهرة فيما أنا أتوقع السفر كل دقيقة وتعب أعصابي يلح عليّ. ان ألمك جعل ألمي اضعاف أضعاف ماكان. وأريد الآن من كل فكري وشعوري ان تحسبي الأمر خاصاً بالماضي وأن تعودي الى اهتمامك بما هو أفضى لحياتنا المقبلة.

تركت بوانس ايرس وكل فكري معك وتمنيت لو كنتِ مرافقة لي في هذه السفرة لكي لا أنقطع عن التحدث أليك ونتعاون على الخروج من تلك الصعوبة العارضة ونعود الى الشعور بنفسينا. هذا الشعور الذي كنت مفتقراً جداً اليه في أثناء السفر والذي استرجعته الآن فيما انظر الى الطبيعة وأتصور قرب صعودي الى التلول البعيدة عن ضوضاء الناس.
لم أرتح كثيراً وأنا في القطار. وبلغت كردبة فاذا السادة عبود سعادة وولداه خليل وتوفيق والسيد سليم الصاوي ينتظرون على المحطة ومعهم الرفيق سمعان غنمة. فأخذوني الى بيت السيد توفيق سعاده حيث نزلت ضيفاً عليه. وكان السيد عبود يريد ان ينزلني في بيته أو قصره ولكن تجري فيه الآن بعض اصلاحات. بعد الغداء ارتحت نحو ساعتين ثم خرجنا في نزهة مع السيد عبود سعادة والخوري حيدر وعدنا الى العشاء. وامتد بنا الحديث بعد العشاء وجاء السيد خليل سعادة وزوجته ابنة الست اميليا فتعرفت عليها ولم نتحادث كثيراً لوجود جمهور وذهبت الى سريري نحو الساعة الواحدة بعد نصف الليل. وسهوت أن أقول انه جاء للسلام عليّ والغداء معي السيد يوسف غريّب وشخص آخر نسيت اسمه الآن.
نهضت اليوم نحو الساعة 8.45 وأنا أشعر بتعب أعصابي ولكنه لم يكن شديداً وبعد الترويقة أخذني السيد سعادة في سيارته لنزهة. فتحدثنا في شؤون الحركة وتفاهمنا على طريقة العمل. والأرجح ان لا أتمكن من الصعود الى التلول قبل بضعة أيام – الثلاثاء أو الأربعاء القادم وفي هذه الأثناء سأحاول تجنب التعب هنا ما أمكن. والجماعة، أي بيت سعادة، أصحاب ذوق ولطف.
أود أن أعرف ان صحتك تتحسن. وهذا ما يهمني قبل كل شيء آخر وسأصرف هذه الأيام وآمالي كبيرة بالعودة لرؤياك بطبيعتك ونفسك كما هي وابتسامتك الحلوة التي وجدت فيها فهمك اليّ وجمال نفسك فأجد هذا الشعور العميق بالسعادة الداخلية الذي أحييتيه فيّ.
حبيبتي، لنضع نصب أعيننا فكرة واحدة هي الانتصار على الصعوبات وتحقيق المثل العليا التي ننشدها معاً.
أقبلك من هذا البعد. وأرسل سلامي الى الماما وأهل البيت.


ولتحي سورية

في 12 اكتوبر 1940


سأعود الى الكتابة حالما يصحو رأسي أو أصعد الى التلول.

يمكنك ان تكتبي اليّ على العنوان التالي فقد يصل اليّ قبل مغادرتي مدينة كردبة. واذا تأخر فيرسل اليّ. والأرجح ان أكون في "لُس كوكس" لأنها أقرب وقد تكون أدعى للراحة. اذا كان قد وردني شيء بالبريد فأرسليه أيضاً:

Antun Saadeh
C/O Tufik Sahade
Obispo Oro, 461
Cordoba

المزيد في هذا القسم: « ضيايَ حبيبتي، »

أنطون سعاده

__________________

- الأعمال الكاملة بأغلبها عن النسخة التي نشرتها "مؤسسة سعاده".
- الترجمات إلى الأنكليزية للدكتور عادل بشارة، حصلنا عليها عبر الأنترنت.
- عدد من الدراسات والمقالات حصلنا عليها من الأنترنت.
- هناك عدد من المقالات والدراسات كتبت خصيصاً للموقع.