كتبت اليك أول أمس عبارات قليلة وأخبرتك عن عزمي على القدوم أمس الى هذا المصيف الجميل ووعدتك بالكتابة باسهاب كان بودي ان أكتب اليك هذا الصباح ولكني رأيت ان أجول أولاً في انحاء المكان لأقف على مافيه اذ توقعت ان أنقل من الفندق النازل فيه الى فندق آخر طلباً لراحة أتم. فخرجت أطوف وتوجهت أولاً الى فندق "لُس كبرادَس" وهو، على مايظهر، أهم فندق هنا، موقعه ممتاز، عال، أرضه واسعة جداً كلها أشجار جميلة وفيها دار للتنس وآخر للكروكة وبركة سباحة. والفندق كبير تحيط به جنينة كثيرة الأزهار. وقد قبل مديره ان يؤجرني غرفة بسبعةباسو كل يوم مع شاي، على شرط ان ابقى لا أقل من شهر ونصف وبثمانية باسو لأقل من هذه المدة ولا أزال، عند كتابة هذه الأسطر بعد الشاي، متردداً في الانتقال اليه، لأن المدير يقول انه في أوائل الشهر القادم تأتي بعض العائلات مع أولادها فأكون في الحالة التي أحاول الهرب منها.
الفندق الذي أنا فيه وأسمه "لُس كوكس" ذو موقع جميل مع انه أسفل مو موقع الفندق الذي ذكرته فوق، فهو أكثر انطلاقاً الى الجهات الأربع والأشجار التي حوله قليلة ولكنه ليس بعيداً عن الحرجات ( الأحراش) القائمة على التلال وراء. ولذلك يكون أكثر تعرضاً للشمس والهواء. وهو ذو دورين أرضي وعالٍ. والأراضي داني الشقف وأرضه بلاط فيما الأعلى سقفه عال وأرضه خشب وقد أخذت غرفة فوق ولكنها قريبة من المطبخ ولا تدخلها شمس بسبب السقف الممتد أمامها وبسبب علو التلول التي تشرق من ورائها الشمس. وفي فنادق "لُس كوكس" لا ماء جارياً في الغرف. وغرفتي قريبة من حركة مرور النازلين والخدم ومنها أسمع صوت الراديو وقهقهة الضاحكين.
ذهبت بعد الظهر مرة ثانية الى فندق "لَس كِبرادس" وبعد ان تفاهمت مع مديره على احدى الغرف رجعت الى فندقي ورأيت ان أفحصه ثانية لعلي أجد فيه غرفة أخرى بعيدة عن الضوضاء،لأن الانتقال هم غير قليل في حالتي الحاضرة فوجدت غرفة على الزاوية الغربية الشمالية من الدور الاسفل وهي تمتاز على غرفتي الحاضرة بأن لها نافذتين وتصيبها الشمس عند العصر. سقفها دان وقد يكون أفضل للتهوية اذ تكون النافذتان قريبتان من السقف من فوق. أرضها بلاط فتكون باردة قليلاً في الأيام الباردة كأمس واليوم. ووجود نافذتين فيها يرغبني بها. ما أدفعه في هذا الفندق هو ستة باسو في اليوم مع الشاي بعد الظهر، اي انه لا يكون هنالك مصروف فوق العادة غير الغسيل والشؤون الخارجية. الطعام جيد وللفندق بستان فاكهة وخضر وصاحبه وامرأته اسبانيان من منطقة "الباسك" ومعاملتهما حسنة والنظافة جيدة وظاهرة. وقد عولت على تجربة الغرفة السفلى غداً، فاذا وجدت فيها راحتي بقيت.
اني مشتاق كثيراً الى الهدوء والاستقرار. وقد بان تعبي الشديد أمس بعد استراحتي من السفر قبل الشاي. فقد شعرت بانحطاط في اعصابي وعندما جلست وشرعت أتناول الشاي وجدت ان يديَّ مضطربتان قليلاً من التعب. وهذا جعلني أدرك كيف كانت حالتي في المدة الأخيرة في بوانس ايرس.
حبيبتي كم كان مؤلماً لي ان أودعك على الشكل الذي جرى وداعي وان أتركك في الألم الذي كنت فيه. مع كل ذلك لم أشعر بحاجة لأن أثبت حبي لك بعبارات جديدة. ولكني كنت أشعر بحاجة لأن أقبلك بهذه الثقة الكبيرة المتولدة من تفاهم نفسينا ولأقول لك سأفعل كل ما استطيعه لأجعل عودتي اليك غير بعيدة. ثقي، يا حبيبتي، انه مهما حدث من العوارض الخارجي فهو قد يغير حالة أعصابي أما نفسي فلا يمسها وأما حبي فلا يزعزعه. ان حبي لك ليس شيئاً عارضاً فهو أقوى من كل العوراض. وأني أشعر ان حبك لي هو كذلك. ولذلك فكيفما كان افترقنا أو تلاقينا، صائتاً أو صامتاً، فيقيننا لا يصير شكا.
ليكن ايمانك، يا حبيبتي، قوياً. اجل، ان يدي ارتفعت ولوحت للمودعين جميعهم ولكنها كانت لك أولاً وآخراً. صحيح اني لم أرك حين انفصلت عن المجموع، بل بعد قليل وكنت أبحث عنك فلما رأيتك وجهت يدي اليك بصورة واضحة وظللت ألوّح بيدي اليك وأنا أرى يدك الصغيرة مرتفعة، ملوحة لي بهذا الدافع النفسي الذي ما شككت قط بوجوده فيك. وبعد فقد يحدث ما يحول بين تلويح يدي وتلويح يدك ولكن لا شيء يحول بين ما في نفسينا من حب وثقة.
سرّني كثيراً ان تذهب أميليا ونظيرة للشاي معكم. وسرني كثيراً ان تشرب أميليا نخب الزعيم وحبيبته. ان ذلك حسناً منها، وكذلك كان حسناً ما بدر من نظيرة.
هطل مطر غزير أمس. ولكن الجو تحسن اليوم مع وجود هواء بارد قليلاً. ولما خرجت ورأيت مشاهد الطبيعة الجميلة وددت كثيراً لو كنت معي. فالمكان جميل ويوحي أشياء كثيرة لنتكلم عنها.
أعتقد ان الراحة هنا ستحسنصحتي ولكني احتاج بعض الوقت، لأن تعبي المدة الأخيرة كان شديداً.
اني أحمل محبسي هنا بسرور عظيم. وصورتك تؤنسني. فهي قرب سريري أراها اذ تراني قبل نومي وأراها وتراني اذ أستيقظ.
اكتبي اليّ الى هذا الفندق على العنوان ادناه. وهنا يوجد فرع بريد وتلغراف وغرفة تلفون عمومي، كما انه يوجد في الفندق تلفون.
والآن أترك الكتابة ولا أترك الافتكار بك والنظر الى عينيك اللتين أراهما أذ أتصورك.
للماما وأهل البيت سلامي ومحبتي. ولك كل شعوري وقبلة تحمل عواطف حبي اليك.
في 17 اكتوبر 1940