أمس كتبت اليك مستعجلاً في صدد الأمور التجارية واليوم أكتب اليك هذا الصباح في الشؤون الخصوصية. وقبل ان أبدأ أرى ابداء بعض ملاحظات تتعلق بالأمور التجارية تكملة لما ذكرته أمس.
اظن اني ذكرت لك وصول بدل كنسن ذي المربعات repuestos canson a cuader وانه لم تبق حاجة لارسال كمية أخرى. كذلك رأيت بعد إرسال كتابي ان جبران كان قد كتب اليك يطلب كمية من غلاف رقم 135، فلا لزوم لتكرارهذا الطلب. واذكرك ان طلب العشرين قروس من دهان الأحذية "جنتلمن" الذي اجريناه مع الممثل هنا هو من "كنتننتال" نفسها والبائع هنا هو ممثلها فتذكري ذلك لتسألي الشركة عن مصير الطلب وهل قُبل ومتى يرسلونه. واذا كانت الشركة تجعل لنا شروطاً جيدة نشتري أيضاً كمية محدودة من العلب الكبيرة. ان دهان الأحذية هذا سيكون أول تجربة نجريها. ونوع "جنتلمن" ليس جيداً وعندنا في البيت علبة منه اشترتها فلورينده قبل سفرك فلم أره جيداً ولكن يظهر انه يباع هنا نظراً لبخس ثمنه بالنسبة الى غيره.
لأترك الآن مسائل التجارة والشراء ولأعرض مسائلنا الاقتصادية وعلاقاتنا الاجتماعية – الاقتصادية. مما لا شك فيه ان الخيبة بجبران مسوح هي أكيدة بقدر ماهي فاضحة. وأشد ما وقع عليّ منه انه يقرُّ الآن ان لا مانع من وضع مال الشركة باسمها في المصرف المالي بمجرَّد عرض العقد التجاري عليه ولا يحمّر له وجه ولا يطرق خجلاً من كذبة السابق عليّ واحتياله مع ابن خالته شكري ملقى ليذهبا الى المصرف بدوني ويضع جبران مال الشركة باسمه الخاص وما عقب ذلك من محاولته وضع كل ما يتجمع في المحل من مال في المصرف باسمه وجعل الدفاتر والحسابات كلها في يده مع ان الرسمال رسمالي ومسؤوليتي ونصيبي في الشركة أكبر من مسؤوليته ونصيبه وعملي ومجهودي مع مشاركتك لي أعظم بكثير من عمله ومجهوده. ولا أبالغ اذا قلت اني صرت اشمئز من مدحه لي وتغنيه بأعمالي وصرت أرى مصلحته الذاتية متخفية وراء كل هذه المظاهر الخداعة. ان جبران مسوح يؤمن بمبادئ انطون سعاده القومية الاجتماعية ويثق كل الثقة بزعامته وقيادته في المسائل القومية ولكنه لا يتردد في استغلال رسمال انطون سعاده ومجهوده لايجاد كيان اقتصادي له لم يعرف ان يبنيه لنفسه حين كان له رسمال ومركز تجاري ولا في تقديم مصلحته على كل ما يتعلق بالزعيم ومصلحته.
ان هذا الخبث المتستر بمظاهر السذاجة والوداعة والغيرة المشوشة. القلقة، كان خطراً على أتعابي وأتعابك ومجهوداتنا الاقتصادية شديداً جداً قبل انكشافه، اما بعد انكشافه بهذه الصورة الوثيقة فقد قلّ كثيراً وبعد أيام أو أسابيع معدودة سيمحق ويزول.
بعد ان اجريت الحساب الأخير للخزانة واكتشفت خلل القيود وتشويش الحسابات، كما اخبرتك في كتاب سابق، وضعت يدي على الدفاتر وافهمت جبران انها ستكون في عهدتي هي ومالية المحل فلا يدخل ولايخرد شيء الا بعلمي وموافقتي. وقد رضي جبران بذلك مكرهاً، وهذا يضاف الى سلسلة مواقفه الأخيرة المنكَرة. فلم أحفل برغبته الشاذة ولا بتعنُّتِه واستمرَرت في موقفي وعزمي. وأمس سجلت بيدي بعض الحسابات والمدفوعاتَ والسندات التي أمضيتها لشوصص وشركائه واستراده وشركائه. وحاول جبران ان يعود ويدوّن بيده بعض هذه الحسابات فقلت له ان يترك الأمر لي فتركه. وغداً سأضع قفلاً لدرج المكتب واحفظ فيه الدفاتر والمال المتجمع فلا يبقى الا الصندوق اليومي وهذا لا يحل أَمره إلاّ بعد تنظيم المحل تنظيماً نهائياً بحيث يصير هناك قيد بكل ما يدخل الصندوق فتقل امكانية التلاعب فيه. وتحقيق هذا الأمر لم يعد بعيداً.
تحقيقي بعض الخطة لضبط كل شيء في المحل يتوقف على وجود مكان للسكن والعمل معاً أو على انتقال جبران بشكل نهائي الى بوانس أيرس وتسلمنا جميع المفاتيح. وتحقيقي البعض الآخر المتعلق بضبط الصندوق اليومي يتصل بحالتك انت الحاضرة الوقتيو. فأنت، يا حبيبتي، عامل هام في سير الأمور وضبطها ولكن حالة الحمل واقتراب وقت ولادتك يعرقلان، موقتاً، كل ما تقدرين على فعله من اجل ضبط أمورنا وصيانة حقوقنا ومصالحنا. وفي هذا الوقت أرى ان العجلة الشديدة لا تفيد الفائدة المطلوبة. تمرّ في بالي، أحياناً، بعض الخواطر المقلقة فان حَملَك هذه المرّة أشد عليك من المرّة السابقة واخشى ان يكون وضعك كذلك شديداً ونحن لا خبرة لنا هنا بالمستشفيات والمعاملة فيها. ومن جهة اخرى، اذا بقيت في بوانس أيرس، يكون سفرك مع طفلين، حتى ولو كنت أنا معك، متعباً. ومع ذلك فقد تكون وطأة السفر أخف من وطأة الولادة وما يتبعها. ففكري جيداً، في خلوة لنفسك، غي هذه المسائل. ان الطبيب الذي كنت في عنايته هنا يظهر انه يفهم موضوعه جيداً وقد يكون محل ثقة واذا كان ممكناً ان يجروا لك هنا الوسائل التي اجروها لك في بوانس ايرس حين ولادة صفية لتخفيف آلام المخاض فتكون ولادتك هنا أكثر ملاءَمة من جميع النواحي ولا تحتاجين، بعد الوضع، الى تجشم مشقة سفر طويل في حالة صعبة. اعملي فكرك جيداً لتكون الخطوات المقبلة مرتبة لا تعقبها مفاجآت مقلقلة.
كتبت اليك ان حبران خاطب أحد اصحاب المكان الفارغ في مايفو الذي كان يشغله ابنه سابقاً. ولكني لم أعد آمناً جانب جبران وعودة ثورة اغراضه الخفية اليه. ولا آمن انه بعد عودة ابن خالته شكري، الذي يصرح لي جبران انه دائماً يلومه على شركته معي وتقديم اسمي على اسمه، ويحرّضه على ان يجعل الأمور في يده، يعود الى تسليم نفسه للخطط الخبيثة المعوجة. والحل، كما قلت سابقاً، له وجهان: إمّا ان نستأجر مكاناً واحداً لبيتنا والمحل التجاري، وإمّا ان يسافر جبران الى بوانس أيرس ويبقى هناك مدّةً على الأقل فنغير هنا ترتيب المحل ونزيل مكان المنامة ونمنع المنامة في المحل بتاتاً وتكون اقامة جبران حين يعود من بوانس أيرس لمدة قليلة في بيتنا أو حيث يشاء خارج المحل.
اني أفكر في وضع اعلان في "القاسيته" لطلب مستخدمة مبيع أو مبيع ومراسلة في المحل. فاذا استخدمنا فتاة بمبلغ – 30. تقريباً في الشهر ويبلغ ما يقبضه الشاب المستخدم الآن في مكان الياس انطكلي – 20. فيكون لنا، بمبلغ – 50. أو – 60.، مستخدمان نشيطان. ويكون في ذلك سبب كافٍ للتعجيل في طبع أوراق لضبط المبيع والصندوق اليومي وجعل الخزانة والحسابات الكبرى وسياسة المحل العليا في يدي يمنع كل تلاعب ويقلل الخلل.
ان الشاب الذي حل عندنا مكان انطكلي هو نشيط وسريع وذو همة ويركب الدراجة ويعرف أنواع الورق والكرتون ويعدها بضبط وسرعة ويأخذ الطلبات بالدراجة ويعود بسرعة ومتى صار لنا درّاجة أخرى لاستعمالي الخاص تبقى درّاجة المحل حاضرة دائماً لكل طلب ولا أعود أحتاج لأخذ بضاعة بنفسي ويصير لي وقت للنظر في سياسة المحل وادارته المالية وغيرها. واذا وجدنا فتاة قادرة على الكتابة على الآلة الكاتبة، تعمل في البيع أحياناً واحياناً في الكتابة تهون أمور كثيرة واصير أقدر على ادارة المحل وسياسته وحساباته وقيوده. ويصير جبران للشراء في بوانس أيرس احياناً وللاختصاص في بعض نواحي البيع حين يكون هنا.
اليوم يوجد غناء في جمعية محبة الموسيقى "فيلرمونكه" وسأذهب آسفاً لأنك لست هنا لتشاركني في ما سأسمع مع الأنغام والصوت.
بعد الحر الذي كان قُبَيل سفرك جاءَت أيام باردة وحدث صقيع في الأيام الأخيرة واليوم لم يكن صقيع ويظهر ان الاقليم يميل الى الاعتدال. ومما اسفت له انك لم تكوني هنا حين تم نَورُ الاشجار فقد كام العبير يملأ جنينتنا كل يوم وكنت اتنشقه وحدي ساعات الغداء فاذكرك واود لو كنت معي لاقاطع انشغالك وانهماكك ببعض قبلي ولكي اسمع صفية تصيح: "أَبي! قبلة لصفية ايضاً!" ولكني ارتاح قليلاً الى انك في بوانس أيرس تنهين اموراً معلقة كانت تشغل بالك وتأنسين بأمك وديانا وجورج وتغيّرين الجو والمظاهر. فأود ان تهتمي قليلاً بتسريح نظرك في مدينة بوانس أيرس وان تتزهي وتحضري بعض المؤنسات في المراسح أو محافل الصور المتحركة.
سرّني ان الرفيقات زرنَك وانكن تناولتن الشاي معاً.
اخبري الرفيقة اميليا اني تسلمت كتاباً من خليل صهرها وانه ارسل حوالة مالية بما يزيد على مئة فاس حولتها بدوري الى الرفيق افيوني للزوبعة. وبلغيها سلامي وتمنياتي وكذلك بلغي الرفيقات سروري بروحيتهن وسلامي القومي.
سلامي للماما وديانا وجورج وقبلاتي واشواقي لك ولصفية
ولتحي سورية
في 20 أغسطس 1944
بعد: بلغني ان مواعيد قيام "التوكومانو" قد تغيرت فصار هذا القطار يسافر من توكومان صباح الاثنين ومن بوانس أيرس صباح السبت وهو افضل لأصحاب الأعمال. وقد رأيت ان اذكر لك ذلك ويمكنك ان تتحققي منه عندما يقرب وقت عودتك.
بعد بعد: بعد فراغي من هذا الكتاب قدم جبران ليغتسل عندنا وتغدّى معي. سألته عن المنزل في مايفو فقال انه يتعجب لأن لا جديد من جهة اصحابه ثم قال ان أمه تعتقد ام صاحب الشأن يريد مراعاة خاطر أمين لأنه صديقه. سألته ما تقول أمه في شأن الانتقال قال تقول ان في ذلك نفقات كثيرة. ويمكن تقدير ان بعض تصرف جبران الشاذ ناتج عن تأثير أهله عليه. ومرة قال لي انه يريد النزول الى بوانس ايرس للابتعاد عن اهله لأنه لم يعد يطيق معاشرتهم ومقابلتهم. ويجدر ان أقول انه قد تبين ان جبران لم يُخف شيئاً مما وضعه باسمه في المصرف والغلط ناتج عن دفعة منه لحساب نبيهة وخلل في التدوين وما يملكه الآن في المصرف هو 150 دفع ما يقابلها نقداً أمس فصار هذا المبلغ يخصه ومع كل ذلك لم يعد ممكناً الركون إلا الى ما في ايدينا.
في 22 اغسطس 1944