السياسة الخارجية - مطامع اليابان في الصين

النهضة،
بيروت،
العدد 5،
19/10/1937


هذه الحرب هي أحد الأعراض المعروفة عن العراك بين الأمم من أجل الاستيلاء على مصادر المواد الأولية والأسواق التجارية، فهي حرب استعمارية امبراطورية من الطراز الأول تقوم بها امبراطورية من صنف الدول الممتازة، هي امبراطورية اليابان، ضد دولة مستحدثة لا تزال تتخبط في مشاكلها الداخلية، هي دولة الصين.
ومنذ قيام الجمهورية في الصين، وهذه الأمة عرضة للحروب الداخلية، ومرسحٌ للقواد الحربيين يشنون الغارات ويحاربون في سبيل بسط نفوذهم.
وقد انقسمت الصين إلى قسمين: شمالي وجنوبي. ففي الشمال كانت عاصمتها السابقة باكين تجد صعوبة كلية في بسط نفوذها وتوطيد سلطتها على البقاع الشمالية. وفي الجنوب كانت كانتون مركزاً للتطورات المتطرفة، وعبثاً كانت باكين تحاول أن تجعل سلطتها المركزية شاملة.
أخيراً كان لا بد من الحرب بين الجنوب والشمال، بين كانتون وباكين. فتجمعت في كانتون عناصر كثيرة متعددة وتألبت حول حركة قوية كان للشيوعيين الروس ضلع رئيسي فيها فتألف مجلس الكومنتنغ الذي أعلن الحرب على حكومة باكين ووُلّي شان كاي شك، رئيس حكومة نانكين المركزية الحالي، القيادة العامة. فقاد شان كاي شك جيوشه في حملة ناجحة حتى بلغ نانكين، فلما استولى عليها وأصبح بجيوشه على بعد من كانتون مركز الشيوعية والحركات المتطرفة أعلن استقلاله عن الكومنتنغ، وألقى القبض على جميع الشيوعيين المعروفين في أوساط جيشه، وأعدم الكثير منهم واعلن نانكين عاصمة الحكومة القومية، وتابع الحرب ضد نانكين وفاز عليها. وتغلّب على الثورات التي أنشئت ضده ووطد حكمه ونفوذه. وأصبحت نانكين حكومة الصين المركزية بالفعل. ولكن كانتون ظلت موئلاً للعناصر الشيوعية تعمل فيها سراً. وظلت بقاع واسعة في شمال الصين وجنوبها غير خاضعة كل الخضوع للإدارة المركزية.
أما اليابان فهي دولة حديثة قوية الإدارة، وإحدى الدول المفقود التوازن بين كثافة سكانها ومساحة أرضها، فضلاً عن أنّ لها صناعة جديدة نامية تحتاج إلى أسواق في الخارج لتضمن موارد الدولة وتؤمن حاجاتها لحفظ مركزها بين الدول القوية. ومطامع اليابان في الصين يرجع عهدها إلى مطلع القرن الحاضر وكانت تحكم بفرض وصايتها على الصين لولا تدخل الولايات المتحدة الفعال. وجاء مؤتمر واشنطن بعد الحرب يضع حداً لمطامع اليابان في الصين والمحيط الهادىء. ومنذ ذلك الوقت أخذت اليابان تتحين الفرص لتقوم بعمل منفرد تعتمد فيه على نفسها وتضع العالم أمام أمر واقع. فانتهزت فرصة انشغال أوروبة بمشاكلها مع ألمانية وروسية وتذرعت ببعض الحوادث الطفيفة وحاربت حربها الأولى التي انتهت باقتطاع منشوكو.
ويظهر أنّ روسية أرادت أن تقابل هذه الحركة اليابانية فقامت بمساع كثيرة في كانتون وحركت العناصر الصينية ضد اليابان. وتمادت هذه في مطالبها فلم يبق لحكومة الصين المركزية مهرب من الالتجاء إلى الدفاع بالقوة.
كانت اليابان تظن أنّ قوة الدفاع الصينية لن تقف طويلاً في وجه القوات اليابانية المدربة ولكن المعارك الأولى برهنت على أنّ معنوية الجيش الصيني غير ضعيفة. وفي بعض المواقف أظهر الصينيون بسالة نادرة. والحرب تدور رحالها الآن في الشمال وفي شنغاي، أعظم مرفأ صيني، واليابانيون يتقدمون ببطء ويحتاجون إلى نجدات تدل على أنّ الحرب ستكون على قياس واسع.
ليست المعارك الحربية أهم ظاهرة في الحرب اليابانية ـ الصينية، بل أهم الظواهر هي وحدة الصين القومية. ففي هذه الحرب أعلن الشيوعيون انضمامهم إلى القوميين وترك مبادىء الثورة الطبقية والعمل على إنقاذ الوطن من الخطر المداهم.
هذا هو السبب في قوة الصين الجديدة؛ فإن انتصار النهضة القومية في الصين هو السبب في هذه المعنوية الصينية القوية الظاهرة في معارك الجيش الصيني. وفي صراع الشعوب مع الشعوب تكون القومية أساس المعنوية وبالقومية تنقذ الصين اليوم معنويتها.
ومهما كانت نتيجة هذه الحرب فالقومية الصينية ستصبح شيئاً فاعلاً مستمراً، ولن تزول الأمة الصينية.

أنطون سعاده

__________________

- الأعمال الكاملة بأغلبها عن النسخة التي نشرتها "مؤسسة سعاده".
- الترجمات إلى الأنكليزية للدكتور عادل بشارة، حصلنا عليها عبر الأنترنت.
- عدد من الدراسات والمقالات حصلنا عليها من الأنترنت.
- هناك عدد من المقالات والدراسات كتبت خصيصاً للموقع.