اليوم،
دمشق،
العدد 56/4،
16/10/1931
ظلّت بريطانية تعاني أثقال بطالة شديدة، كانت حكومتها في خلالها تقوم بسد عوز العمال العاطلين من مال خزيتها، إلى أن عمّت الأزمات الموضعية في العالم فتحولت إلى أزمة اقتصادية مالية عامة، فتحرجت حال بريطانية الاقتصادية وتزعزع مركزها المالي وحدث الهبوط المشهور في قيمة الليرة الإنكليزية.
حدث ذلك في عهد وزارة العمال التي نجحت كثيراً في شؤون السياسة الخارجية، إلا أنها لم تستطع القيام بشيء يستحق الذكر في الشؤون الداخلية، لأنها لم تكن حكومة مسيطرة على البرلمان فكان لا بدّ للوزراء العمال في كل مشروع يتقدمون به، من الحصول على موافقة الأحرار، وهؤلاء كانوا يؤيدون وزارة العمال بدون قيد أو شرط ولهم برنامج حزبي لا يتفق، مع برنامج حزب العمال، إلا في معظم السياسة الخارجية وفي بعض الشؤون الداخلية فقط. فلما اشتدت الأزمة المالية في بريطانية وساءت حالها الاقتصادية، كما تقدم، وجدت وزارة العمال نفسها في مأزق حرج لا تتمكن من الخروج منه لأنها لا تملك كل الأمر فيه.
كان على الحكومة أن تتخذ إجراءات غير معتادة لتلافي الأخطار المهددة، وكانت الحاجة تدعو إلى السرعة في التدابير الواقية، ولكن اعتماد العمال على الأحرار مع ما بين الحزبين من اختلاف في وجهة النظر جعل تنفيذ هذه المهمة عملاً صعباً.
كان، من وراء ذلك، أنّ رئيس الوزارة السيد مكدونالد عدل عن التشبث بحكومة حزبية ومال إلى تأليف حكومة قومية، يكون غرضها الأول، معالجة الأزمة الحاضرة واتخاذ الإجراءات التي تراها مناسبة لإصلاح الحال. ومن البديهي أنّ عملاً كبيراً كهذا يجب أن يكون قائماً على تفويض مطلق من الأمة تتمكن معه من أن تتصرف بالحرية التامة، تقضيه الحالة العامة ولم تكن الوزارة القومية التي تألفت برئاسة مكدونالد نفسه تملك هذا التفويض، فضلاً عن أنّ النظريات الحزبية ظلّت قائمة عقبة كأداء في سبيل الإجماع على الخطة المثلى.
ولقد اتهم أعضاء حزب العمال رئيسهم، رئيس الوزارة بخيانة الحزب ومبادئه بقبوله التعاون مع المحافظين، على حين أنهم والعمال على طرفي نقيض في المقاصد والأساليب السياسية. وجرت، في إحدى جلسات حزب العمال. مناقشة طويلة حول موقف رئيسهم الجديد كادت تُسفر عن طرد السيد مكدونالد من الحزب.
وتردد الأحرار في ما إذا كان من المناسب أن ينضموا إلى حكومة قومية يكون للمحافظين فيها يد عليا، خصوصاً في ما يختص بحرية التجارة التي يقول بها الأحرار ويعارضهم فيها المحافظون القائلون بالتعرفة الجمركية، أم لا. وظل الأحرار يعقدون الاجتماعات الفاشلة ويقومون بمفاوضات عقيمة حتى تفاقم الخلاف، فيما بينهم، وكاد يفضي بهم الأمر إلى الشقاق. وأخيراً هبط العاصمة الزعيم الحر والسياسي الخطير اللورد غراي الذي دعا الحزب إلى ترك النظريات الحزبية في الحالة الحاضرة والاشتراك في حكومة قومية تحظى بالتفويض لحل الأزمة الحاضرة. فقرر الأحرار ذلك إلا أنّ زعيم الحزب السيد لويد جورج ظل يعتقد أنّ تخلي الحزب عن أهم نقطة في برنامجه، أي مسألة حرية التجارة، سيكون ذا عواقب وخيمة على البلاد وينتهي بتلاشي حزب الأحرار.
وبعد اللتيا والتي تقرر تأليف الحكومة القومية التي تشترك فيها الأحزاب كلها، وبناءً عليه، تقرر إجراء إنتخابات جديدة عامة للبرلمان يؤخذ فيها رأي الأمة وتنال فيها الحكومة التفويض الذي تريده. فأصدر العرش خطاباً موجزاً بحل المجلس وتأجيل أعمال البرلمان وابتدأت حملة الترشيح بنداء وجهه رئيس الوزارة إلى الأمة يدعوها فيه إلى تأييد الحكومة القومية وتخويلها حرية التصرف واتخاذ إجراءات [غير] معتادة لتلافي حالة غير معتادة. وتقول الأنباء الحديثة إنّ رؤساء الأحزاب ستنشر بيانات حزبية مستمدة من بيان رئيس الوزارة.
والمرجح أن تفوز الحكومة القومية وتحظى بثقة الأمة. وكانت أول نتائج إعلان الانتخابات العامة تحسناً في قيمة الليرة الإنكليزية.
جاءت الأزمة السياسية الإنكليزية طعنة في جنب مؤتمر المائدة المستديرة المنعقد في لندن لحل قضية الهند. فقد ورد في الأنباء الأخيرة، أنه لما لم يتمكن الزعيم غاندي وآغا خان من الوصول إلى تسوية نهائية للمسألة الطائفية، تقرر بناءً على طلب غاندي، تأجيل اجتماع المؤتمر إلى أجل غير مسمى. وقال السيد مكدونالد في الخطاب الذي ألقاه في الاجتماع الأخير إنه إذا لم يتوصل أعضاء المؤتمر الهنود إلى حل نهائي للمسألة الطائفية في فترة التعطيل فإن الحكومة تضطر إلى حل المشكل بنفسها!
أنطون سعادة