اليوم،
دمشق،
العدد 67/15،
29/10/1931
إثّر الموقف الذي وقفته الجمعية التأسيسية الإسبانية بإزاء العلاقات بين الدولة والكنيسة تأثيراً عظيماً في الفاتيكان، وقد كان الكرسي الرسولي يتوقع ذلك لأن ممثله في مدريد من أبرع رجال السياسة وأصدقهم نظراً، وكثيراً ما لفت أنظار قداسة الباب إلى التقلبات المنتظرة في إسبانية وإلى أسبابها ومقدماتها وما يحتمل أن تؤدي إليه من النتائج. ويؤكد بعض المتصلين بالفاتيكان أنّ القرارت التي اتخذتها الجمعية التأسيسية الإسبانية كانت معروفة لدى قداسة البابا. ولكن إعلانها رسمياً الآن أحدث تأثيراً بليغاً في نفس الحبر الأعظم الذي [كان] حتى الساعات الأخيرة يرجو أن يفوز العقل والمنطق في إسبانية.
والحقيقة أنّ الفاتيكان شرع منذ إعلان الجمهورية الإسبانية يعمل بهمة ونشاط على تهدئة الحالة في إسبانية ودرء أخطارها. ولا يجهل أحد أنّ مهمة الكنيسة هي الدفاع عن مصالح الكثلكة في كل بلد بصرف النظر عن نظام الحكم فيها. فعلى هذا الأساس سار البابا ليون الثالث عشر الذي عمل على التقريب من الكرسي الرسولي وفرنسة ثم اقتدى به خلفاؤه من بعده. وبذلك يمكن القول بأن الفاتيكان شديد التمسك بكل ما يتعلق بالعقائد الدينية، ولكنه متساهل جداً في الشؤون السياسية.
وقد رأينا دليلاً على تساهله بعد سقوط الملكية في إسبانية. فقد خيّل إلى الجمهور أنّ استبداد البابا في ذلك سيظهر ولو في أعمدة الصحف التي تعرب عن آرائه. ولكن ذلك لم يحصل. وكان موقف جريدة «أوبسرفاتوري رومانو» موقف حياد تام وكل ما فعله قداسة البابا، في هذا الموضوع، أنه تمنى أن تنهج الجمهورية بإزاء الكنيسة الخطة التي سارت عليها الملكية من قبل، وأن تعاملها بمثل المعاملة التي تعاملها بها في البلدان المعترف فيها بحرية الأديان.
وقد حاول الكرسي الرسولي أن يقنع الكاثوليك الإسبانييين بوجوب مسايرة النظام الجديد على أمل إنقاذ ما يمكن إنقاذه. فأوصاهم بالاعتدال ثم بالاشترك في الانتخابات وفي أعمال الجمعية التأسيسية التي نشأت عنها.
وكذلك أوصى رجال الإكليروس بالتساهل والتسامح والصبر. وقد توخى من ذلك اجتناب بعض الأعمال التي تجعل الاتفاق مع إسبانية مستحيلاً في المستقبل. وأيّده السنيور زامورا في هذه المساعي، فبذل جهده فمنع الحكومة والمجلس التأسيسي من انتهاج خطة عنيفة بإزاء الكثلكة. ولكنه لم ينجح فاستقال. وإنّ الجمعية التأسيسية لم تكتفِ بإعلان الفصل بين السلطتين الزمنية والدينية، بل قررت نفي اليسوعيين ومصادرة أملاكهم. وكان هذا القرار شديد الوقع في نفس قداسة البابا بيوس الحادي عشر، وخصوصاً أنه يفسح المجال لسن قوانين تتعلق بالدين من دون أن يكون للكرسي الرسولي رأي فيها.
وهنالك مسألة التعليم. فالحكومة الإسبانية تريد أن تمنع الإكليروس منه، وهذا ما يحول دون كل اتفاق بينها وبين الفاتيكان في المستقبل.
وقد أصبح من المنتظر أن يدعو قداسة البابا المونسنيور تيديشيني مندوبه لدى الحكومة الإسبانية إلى رومة فتقطع بذلك العلاقات السياسية وقتياً.
وليس من السهل التكهن بما قد تؤول إليه هذه المشكلة الدقيقة، ولكن المفهوم أنّ البابا سيكتفي سحب معتمدة من مدريد وتأجيل اتخاذ القرار النهائي بشأن علاقاته مع إسبانية إلى وقت آخر، لأن الكاثوليك الإسبانيين عازمون على بذل جهود عظيمة لتعديل الدستور الجديد تعديلاً بكفل مصالح الكثلكة، ولذلك لا يرى قداسة البابا، من المصلحة الآن، قطع العلاقات نهائياً مع مدريد أو إيصالها إلى حالة تجعل استئنافها متعذراً فيما بعد.